وتوالت المفاجآت الغريبة!
غادر الشياطينُ الخمسةُ طائرتَهم متجهين إلى الجوازاتِ.
وخلال دقائق كانوا يلتقطون حقائبهم القليلة، ويتجهون خارجين من مطار «هافانا». كان الوقت يميل للغروب، وقد هبت نسمات لطيفة من قلب المحيط … وأقبل سائق تاكسي عجوز نحاسيُّ البشرة هاتفًا بالإسبانية: تاكسي … هل تريدون تاكسي؟
أومأ له «أحمد» برأسه موافقًا وهو يقول: خذنا إلى الشيراتون.
حمل السائق الحقائب إلى سيارته، وهو يقول: لقد اخترتم أفضل فندقٍ في العاصمة … وربَّت على كتفه في فخرٍ مكملًا: واخترتم أيضًا أفضل سائق تاكسي في «هافانا» بأكملها.
ولكن خلال الطريق اضطرت «إلهام» إلى إيقاظ سائق التاكسي مرتين بعد أن غلبه النعاس، فقال وهو يدعك عينيه مرهقًا: إنني أعمل ليلَ نهارَ من أجل لقمة العيش، فقد ارتفعت الأسعار كثيرًا في الفترة الأخيرة.
ولم يكمل السائق عبارته فقد صرخ «عثمان» فجأةً في السائق: حاذر أيها الرجل.
وأوقف السائق سيارته بفرامل حادةٍ في اللحظة الأخيرة التي تهاوت فيها صخرة هائلة من فوق تلٍّ يحد الطريق، ولو أن السيارة خطت مترًا واحدًا لسحقتها الصخرة، وهشمتها مثل قطعة بسكويتٍ.
قال السائق في ذهولٍ: يا إلهي! … ما الذي أسقط هذه الصخرة الضخمة؟ … إنني أمُرُّ من هنا كلَّ يومٍ ولم تسقط الصخور من قبل أبدًا.
تبادل الشياطين الخمسة النظرات في شكٍّ … وتساءلوا بعيونهم ترى هل عرف أعداؤهم بوصولهم فبدأت الحرب مبكرًا … حرب التخلص منهم؟
قال «أحمد» للسائق: لعلها مجرَّد مصادفةٍ … إننا متعبون ونرغب في الذهاب إلى الفندق.
فألقى السائق نظرةً أخيرة على الصخرة التي تدحرجت بعيدًا قبل أن تتهشَّم لشدة انحدارها، ثم قاد سيارته إلى قلب المدينة … وسرعان ما كان قد نسي أمر الصخرة وراح يضحك مازحًا مع الشياطين، وهو يخبرهم كيف أنه أفضل سائق في «هافانا» بأكملها؛ لأنه تسلم هذه المهمة منذ الصغر، ثم التفت إلى الشياطين متسائلًا في مكرٍ: لماذا لا تدعونني إلى كوبٍ من الشاي؟
فأجابه «قيس» باسمًا: هذا ما لا نستطيعه للأسف الآن؛ لأننا متعبون جدًّا.
فغمغم السائق: هذا مؤسفٌ … مؤسفٌ بالفعل و…
مرةً أخرى وقبل أن يكمل حديثه صرخت فيه «إلهام»: حاذر أيها السائق.
فجأة ظهرت في الطريق شاحنة رهيبة كانت أشبه ببيتٍ متحرك، وقد اندفعت نحو التاكسي كما لو كانت وحشًا رهيبًا يوشك أن يسحق فأرًا صغيرًا، دون أن يتيح له أدنى فرصة للنجاة!
صرخ السائق من الرعب، وأغمض عينيه وهو يصلي طلبًا للنجاة.
ولكن «أحمد» كان متيقظًا تمامًا … ففي الحال قفز «أحمد» مكان السائق بعد أن دفعه جانبًا … ثم انطلق يقود السيارة بكلِّ سرعتها … ولم يكن هناك أيُّ مهرب على الإطلاق، وقد سدت الشاحنة الضخمة الهائلة الطريق، وهي تندفع نحو سيارة التاكسي بأقصى سرعتها … ولكن «أحمد» اندفع بالتاكسي نحو الشاحنة بكل سرعته أيضًا … وصاح «عثمان» في ذهولٍ: ماذا ستفعل يا «أحمد»؟ … سوف تسحقنا الشاحنة.
لكن «أحمد» صاح في اللحظة التالية اخفضوا رءوسكم.
وعلى الفور ألقى الشياطين بأنفسهم لأسفل … وفي نفس اللحظة سمعوا صوت اصطدامٍ وفرقعة شديدة … واهتزت سيارة التاكسي بعنف وتوقفت لحظة، ثم اندفعت ثانية بكل سرعتها … ورفع الشياطين رءوسهم إلى أعلى … كان سقف السيارة قد انتُزع من مكانه بعد أن تهشَّم تحت الشاحنة الرهيبة … عندما مرت سيارة التاكسي من تحتها بين إطاراتها الرهيبة.
قال «قيس» في ذهول: إنني لا أكاد أصدق أننا نجونا!
ففتح السائق العجوز عينيه، وهو يقول: هذا لأن الله استجاب لصلاتي … ولكنه ما كاد يلمح سقف سيارته المنزوع حتى صاح في هلعٍ: لقد ضاع السقف … ماذا سأفعل لصاحب السيارة الآن؟! … إنه سيتَّهمني بأنني تسبَّبت في تحطيم سقف السيارة … وانهمرت الدموع من عينيه وهو يقول: وما الذي يحدث لي هذه الليلة؟ … إنه سوء حظٍّ لم أصادفه في حياتي أبدًا.
فربَّت «أحمد» على كتف السائق العجوز وهو يقول له: لا تحزن يا صديقي؛ فسنعوضك عن السقف الضائع … هل تكفي ألف دولار؟
ومدَّ «أحمد» يده بألف دولار للسائق الذي اختطفها متهلِّلًا وهو يقول: إن هذا المبلغ يكفي هنا لشراء سيارة تاكسي جديدةٍ …!
توقف التاكسي أخيرًا أمام الفندق الكبير … فلفَتَ الأنظار بمنظره الغريب وسقفه الضائع واقترب أحد الحمالين لحمل الحقائب إلى الداخل، ودفعه الفضول لأن يسأل الشياطين: ترى ماذا حدث لسقف سيارتكم؟
أجابه «أحمد» مازحًا: لقد كان الجو حارًّا … فاضطررنا إلى التخلص من سقف السيارة طلبًا للهواء!
فنظر إليه الحمَّال في دهشة.
وكانت هناك ثلاث حجرات محجوزة بأسماء الشياطين … واحدة ﻟ «أحمد» و«عثمان» والثانية ﻟ «قيس» و«خالد» والثالثة ﻟ «إلهام».
على الفور بدأ الشياطين اجتماعهم في حجرة «أحمد»، بعد أن اطمأنوا إلى عدم وجود أجهزة تصنتٍ بالحجرة، وقال «أحمد»: يبدو أنه لا مجال للشك أمامنا في أن مهمتنا قد صارت مكشوفةً في «هافانا»، وأن أعداءنا اتخذوا قرارًا بالتخلُّص منا قبل أن نبدأ مهمتنا.
قيس: هذا مما لا شكَّ فيه، وهو — مع الأسف — يسلب منا ميزة المفاجأة.
أحمد: ما دمنا لا نزال أحياءً، فلن تنتهي مفاجآتنا لهؤلاء المجرمين، وقريبًا يبدأ الهجوم وجهًا لوجه.
خالد: إنني أتساءل، متى سيتصل بنا عميل رقم «صفر»؟
عثمان: نعم، فنحن في حاجةٍ إلى بعض الأدوات الخاصة والأسلحة قبل أن نبدأ هذه المهمة.
إلهام: لقد أخبرنا رقم «صفر» أن عمِيله سيظهر في الوقت المناسب.
أحمد: أرجو أن يكون الآن، فهذا هو الوقت المناسب لنا … وليس لعميل رقم «صفر» وحده! وتساءل بعد لحظةٍ: ما هي اقتراحاتكم الآن؟
إلهام: سننتظر ظهور عميل رقم «صفر» حتى الصباح … فنحن في حاجة إلى بعض الراحة قبل أن نبدأ مهمتنا … وإلى بعض الطعام أيضًا.
قام «عثمان» واتصل هاتفيًّا بمطعم الفندق ثم عاد … وقال هامسًا للشياطين: لقد تصرف عميل رقم «صفر» بطريقة مناسبة وحجز لنا العشاء برغم الزحام.
بعد قليلٍ كان الشياطين الخمسة فوق مقاعدهم في صالة العشاء … وطلبوا بعض الأسماك والمحار والسلطات … وراحوا ينصتون للموسيقى الهادئة، وحولهم خليطٌ من اللغات والأجناس المختلفة أقبلوا إلى الجزيرة الساحرة للتمتع بجوها الجميل.
أقبل الطعام، وانهمك الشياطين في الْتِهامه … وفجأةً توقف «قيس» عن التهام الطعام كان ثمة صوتٌ غريبٌ رتيبٌ يأتيه من مكانٍ ما لم يكتشفه إلا بعد أن توقف عزف الموسيقى لحظة تغيير المقطوعة … صوتٌ كان يبدو أشبه بدقات ساعةٍ … وتساءل «عثمان» بدهشةٍ: ماذا هناك يا «قيس»؟!
ولكن «قيس» لم يجب بشيءٍ، وقادَتْه أذناه المدرَّبتان ليلقي نظرةً أسفل المائدة … ثم اتسعت عيناه في دهشة وذهول … وصرخ «قيس» في الشياطين: اتركوا المائدة بسرعةٍ.
في اللحظة التالية دوَّى انفجار هائل تحت المائدة … حوَّلها إلى شظايا!