زورقٌ … وأسماكُ القرش!
وفي لحظاتٍ تحول المكان إلى جحيم … واندفع الرواد يهربون صارخين في كلِّ اتجاه … بينما سقط بعض الرواد الذين كانوا يجلسون قريبًا من مائدة الشياطين مُصابِين بجروح وإصابات مختلفة.
رفع الشياطين رءُوسهم … كانوا قد قفزوا في اللحظة المناسبة، طالما سمعوا صيحة «قيس» المحذرة … وقد أدركوا في اللحظة التالية أن من حجز المائدة بأسمائهم لا يمكن أن يكون هو عميل رقم «صفر» … وأن قلةَ حذَرِهم كادت تودي بحياتهم.
استغل الشياطين الفوضى التي عمَّت المكان وصعدوا إلى حجراتهم … وقال «أحمد»: إننا لن نستطيع أن نُغمِض عيوننا لحظةً واحدةً، فمن الواضح أن شخصًا ما قد اتخذ قرارًا بالتخلُّص منا بأية وسيلة … ولذلك فسوف نتبادل السهر والحراسة.
أومأ الشياطين برءُوسهم موافِقين، وسرعان ما كانوا يغطُّون في النوم لشدة تعبهم، وقد بقي «أحمد» للحراسة … وتبادل الشياطين الحراسة … ولكن الأمور مرت هادئة حتى الظهر، وقالت «إلهام»: إننا لن نمضي هنا وقتًا أكثر من ذلك في انتظار وصول عميل رقم «صفر».
خالد: معك حق يا «إلهام» … علينا الخروج واستئجار زورق سريع ومحاولة الاقتراب من جزيرة الإرهابيين ومراقبتها.
قيس: ولكننا قد نتعرض للهجوم من جانب منظَّمة «الأخطبوط»، ونحن في قلب المحيط بدون أسلحة.
أحمد: ليس أمامنا غير ذلك؛ فكل دقيقةٍ تمر في غير صالحنا.
اتجه الشياطين خارجين إلى الشاطئ، واشتروا عددًا من النظارات المقربة وزجاجات المياه المعدنية والأطعمة المعلبة، ثم استأجروا زورقًا بخاريًّا سريعًا، انطلقوا به في قلب الماء وسط العديد من زوارق السياح.
بعد عشرين دقيقةً أوقفت «إلهام» محركات الزورق وهي تقول: لقد اقتربنا من الهدف.
أشارت إلى جزيرةٍ بعيدةٍ على مسافة عدة كيلومتراتٍ وهي تضيف: ها هي جزيرة الإرهابيين أعضاء منظمة «الأخطبوط».
تساءل «عثمان» في دهشةٍ: وكيف عرفتِ أنها هذه الجزيرة بالذات؟
إلهام: لو لاحظتم فهذه هي الجزيرة الوحيدة التي لا تنطلق إليها رحلات السياح، كما أنني سمعت موظف الاستعلامات يحذر السياح من الاقتراب منها بزوارقهم … والمسألة لا تحتاج إلى استنتاجٍ أكثر من ذلك.
صوَّب «أحمد» نظارته المقربة إلى الجزيرة.
كانت «إلهام» على حقٍّ … فقد كانت شواطئها تبدو خاليةً من الحياة، ولا توجد بالقرب منها أية زوارق أو سياح … وظهرت صخور الشاطئ وعرة صعبة يتناثر الزبد حولها … على حين أقيم سور عالٍ بأعلى الشاطئ كان يحجب ما يدور خلفها … وظهر بعد لحظاتٍ بعض الرجال المسلحين بالبنادق، وهم يتفحصون الشاطئ ومراقبة المكان.
أبعد «أحمد» النظارة المقربة عن عينيه وهو يقول: لا شك أن هذه الجزيرة هي هدفنا، ولكننا في حاجةٍ إلى أجنحةٍ؛ لكي نكشف ما يدور في قلبها … فهي محاطةٌ بالأسوار من كلِّ جانبٍ.
قيس: ماذا لو أننا قمنا بالدوران حولها … فقد يكون هناك مكانٌ مكشوف في أحد أركان الجزيرة.
خالد: فكرة جيدة.
جذب ذراع موتور الزورق، ولكن الموتور لم ينطلق بالعمل … فترامق الشياطين بدهشةٍ، وحاول «خالد» جذب الذراع مرةً أخرى، ولكن دون فائدةٍ.
قال «عثمان» في قلقٍ: كيف تعطل الموتور هكذا فجأة؟
وراح يفحصه عندما صاحت «إلهام»: انظروا … إن خزان الوقود به ثقبٌ، وكان الوقود يتسرب منه طوال الوقت دون أن نلاحظه حتى نفد.
ترامق الشياطين، وقال «أحمد»: إنها عملية مقصودة بالطبع.
مرة أخرى صاحت «إلهام» وهي تشير إلى مؤخرة الزورق … فقد كان الماء يتسرب منها إلى قلب الزورق … وفي الحال قفز «أحمد» إلى قلب الماء وغاص تحت الزورق، ثم رفع رأسه إلى أعلى وهو يقول: لقد خُدعنا مرةً أخرى، فهذا الزورق يسده بعض قطع الصمغ التي أذابتها المياه وحرارة الشمس … لقد فعلها مَنْ فعلها ببراعة، بحيث لا يبدأ ذوبان الصمغ إلا بعد أن نصير في قلب المحيط.
راح الماء يتصاعد سريعًا إلى الزورق، وفشلت كلُّ محاولات الشياطين في وقفه … وأصبح الموقف مهددًا بالخطر فتساءل «قيس» في قلقٍ: وما العمل الآن؟ … إننا لن نستطيع أن نقطع المسافة سباحةً حتى شواطئ «هافانا» فهي بعيدةٌ.
أحمد: هذا إن سمحت لنا أسماك القرش التي يمتلئ بها هذا المكان بالسباحة في حريةٍ.
صاح «عثمان» في غضبٍ: هؤلاء الشياطين … لماذا لا يواجهوننا رجلًا لرجل، ويلجئُون إلى تلك الحيل الإجرامية؟
في اللحظة التالية كان الزورق يغوص في قلب الماء، ويهوي إلى القاع ببطءٍ … وجاهد الشياطين محاولين التشبث بالزورق الغارق دون فائدة، وقالت «إلهام» في يأس لسوء الحظ؛ فليس أمامنا أية جزيرة قريبة نلجأ إليها غير جزيرة هؤلاء الإرهابيين، وسنكون صيدًا سهلًا إذا ما فكرنا في الاقتراب منها.
أحمد: علينا السباحة والاقتراب من زوارق السياح ليقوموا بالتقاطنا.
اندفع الشياطين يسبحون عائدين … ولكنهم لم يقطعوا مسافةً تُذكر عندما توقفوا لاهثين يحدقون في سطح الماء في توترٍ شديد … فمن الأمام والخلف ظهرت زعانف مثلثة الشكل سوداء، تشق قلب الماء متَّجهة صوبهم في إصرار قاتل … زعانف أسماك القرش التي يمتلئ بها قلب المحيط … ولم يكن حتى مع الشياطين سكين ليدافعوا بها عن أنفسهم ضد تلك الوحوش البحرية.
تراجعت «إلهام» للوراء … ولكنها توقفت عندما شاهدت سمكة القرش الكبيرة التي قطعت عليها الطريق من الخلف.
كان عدد أسماك القرش لا نهاية له … وكأنها جاءت لدعوةٍ عاجلة إلى وليمة … وصاح «قيس»: سنقاتل هذه الأسماك الغبية حتى بأظافرنا.
ثم بدأت أسماك القرش هجومها الوحشي في اللحظة التالية، واختارت أقرب فرائسها إليها «إلهام»!