عميل رقم «صفر»!
اندفعت أولى أسماك القرش نحو «إلهام» وقد فتحت فكَّها المخيف في ضراوةٍ … ولكن «أحمد» تقدم في اللحظة المناسبة ليقفز فوق ظهر سمكة القرش من الخلف، وقد طوَّقها بذراعيه محاولًا إغلاق فكها المرعب … كانت لحظةً يائسة، وقد أدركت «إلهام» ذلك، وأنه مهما بلغت شجاعة وقوة «أحمد»؛ فهو لن ينتصر على سمكة القرش بيديه العاريتين … وكانت بقية أسماك القرش قد أعجبها المشهد، فوقفت في أماكنها تراقب المعركة الدائرة بعيونها الصغيرة الشريدة، منتظرةً انتهاء المعركة لتبدأ في ممارسة عملها والتهام الوليمة … وانتهى الصراع أخيرًا عندما دفعت سمكة القرش ﺑ «أحمد» من فوق ظهرها في عنفٍ، فسقط «أحمد» على مسافة قريبة … ثم اندفعت سمكة القرش الكبيرة تهاجمه في اللحظة التالية … ولكن في اللحظة نفسها اندفع سهم ليشُق قلب سمكة القرش، التي تلوَّت في عنف لإصابتها، ثم توقفت حركتها وقد امتلأ الماء بالدماء حولها … وراحت تغوص في بطء … تلفت الشياطين حولهم ذاهلين دون أن يدروا مَن الذي أطلق السهم المفاجئ؟! … ولكن بقية أسماك القرش أصابتها رائحة دماء زميلتها القتيلة بالتوحش … ولكن فجأة انفجر شيءٌ قريبٌ في قلب الماء ناشرًا سحابةً سوداء لها رائحة مقبضة … وفي الحال تراجعت أسماك القرش … ثم تفرقت مبتعدة عن الشياطين … وأدرك الشياطين سرَّ ما حدث على الفور … كان هناك مَنْ أطلق قذيفةً تحتوي على مادة بها رائحة طاردة لأسماك القرش.
ظهر ذلك الشخص أخيرًا … واقترب سابحًا في بدلة غوص ممسكًا ببندقية صغيرة متعددة الأغراض … وأشار ذلك الغواص للشياطين أن يتبعوه غائصين دون أن يرفعوا رءُوسهم فوق سطح الماء … تبادل الشياطين النظرات في دهشةٍ … كان من المؤكد أن ذلك الشخص المنقذ الذي ظهر لهم فجأةً … هو عميل رقم «صفر». ولقد ظهر في لحظة مناسبة بالفعل … ولكن الذي لم يعرفوه هو سعيُه الغريب في ألا يرفعوا رءُوسهم فوق سطح الماء، وهم يوشكون على الاختناق لقلة الأكسجين.
اقترب عميل رقم «صفر» من غواصة صغيرة لا يزيد طولها على خمسة أمتارٍ من النوع المخصص لتنزُّه السياح، وأشار العميل للشياطين أن يستقلوا الغواصة من بابها المفتوح، فاندفع الشياطين إلى الداخل، وسرعان ما كانوا يلتقطون أنفاسهم أخيرًا بعد أن استقروا داخلها.
قال «عثمان» في سرورٍ لعميل رقم «صفر»: لقد جئت في اللحظة المناسبة يا رقم «١٧٧ب». فابتسم العميل ورفع عن وجهه قناع الغوص ودُهش الشياطين … فقد كان العميل فتاةً نحاسية اللون … رائعة الجمال!
هتفت «إلهام»: فتاة! هذا شيء عجيب ورائع!
ابتسمت الفتاة قائلةً: وما العجيب في ذلك؟ … أنتِ أيضًا فتاة، وتقومين بنفس العمل بشكل رائع جدًّا.
ابتسم «أحمد» قائلًا: أنتِ على حقٍّ … ولكنها المفاجأة!
قالت الفتاة وهي تقود الغواصة: أنا أُدعى «كاتي»، وقد رأيت ألا أحاول الاتصال بكم على الشاطئ؛ لئلا يكتشف رجال «الأخطبوط» حقيقتي.
إلهام: وما هي حقيقتك؟
أجابت «كاتي» باسمة: إنني أعمل مع عصابة «الأخطبوط»!
قال «أحمد» في إعجابٍ: الآن بدأت أفهم المسألة على حقيقتها، فلهذا اختارك رقم «صفر» لكي ترافقينا في هذه المهمة … لأنك ستسهلين لنا دخول الجزيرة.
كاتي: لقد تم زرعي داخل هذه العصابة بطريقة ذكية جدًّا … وقد علمت بكل مخططاتهم لقتلكم لحظة وصولكم «هافانا»، ولكني كنت متأكدة من استطاعتكم النجاة من تلك المؤامرة … ورأيت أنكم ستحتاجون لي هذه المرة فكنت موجودة عن قرب.
قيس: ولكن، لماذا طلبت منا ألا نرفع رءُوسنا فوق الماء؟
كاتي: ذلك لأن سطح الماء كان مراقبًا لحظتها، ولو رفعتم رءُوسكم لاكتشف رجال «الأخطبوط» نجاتكم، وحاولوا قتلكم ثانيةً … أما الآن فهم يظنون أن أسماك القرش قد التَهمَتْكم، وبذلك لم يعُد أمركم يشغل بالهم، فتعود المفاجأة لكم في الهجوم عليهم.
قالت «إلهام» بإعجاب: أنتِ رائعة يا «كاتي»!
عثمان: وإلى أين تأخذينا الآن؟
كاتي: قريبًا من شاطئ الجزيرة، فأنا مضطرة إلى العودة سريعًا؛ حتى لا يرتاب أحد في أمري، ومن المؤسف أنني لن أستطيع إدخالكم للجزيرة بسبب شدة الحراسة، ولكني سأنزلكم قريبًا من الشاطئ، وعليكم التسلل إلى داخلها بأية وسيلة … ولكن لا تتأخروا لأن مندوب ذلك البلد الإرهابي المعادي سيجيء ليتسلم الغواصة النووية ويعود بها إلى بلاده فجرًا.
أحمد: معنى ذلك أن الغواصة قريبة من الجزيرة؟
كاتي: هذا ما لا أعرفه … فإن «جارسبيا أنطونيو» رجل لا يثق بأحدٍ أو يمنحه أسراره.
إلهام: هل هو زعيم «الأخطبوط»؟
هزت «كاتي» رأسها بنعَمْ … وأوقفت الغواصة على مقربةٍ من شاطئ الجزيرة وهي تقول: عليكم بمغادرة الغواصة والسباحة إلى شاطئ الجزيرة والاختفاء هناك إلى أن تتمكنوا من دخولها … وبعدها سوف أساعدكم في الداخل …
أومأ الشياطين برءُوسهم موافقين، ثم قفزوا من باب الغواصة المفتوح إلى قلب الماء … وشرعوا يقتربون من شاطئ الجزيرة في حذَر … وبعد لحظات كانوا يتسلَّقون بعض صخور الجزيرة، ويختفون خلفها في انتظار اللحظة المناسبة.
ثم أقبل الليل سريعًا … وساد الشاطئَ ظلامٌ دامس … مخيف.