في المصيدة!
حدق «جارسبيا أنطونيو» في الشياطين الخمسة في دهشةٍ بالغة وهو يقول: أنتم! … هذا مستحيلٌ، كيف نجوتم من الموت ومن فك أسماك القرش الرهيبة؟!
لكن الشياطين واجهوه في صمتٍ … على حين وقفت «كاتي» إلى اليسار، وقلبها يدق بعنفٍ … وفي مدخل الحجرة الواسعة كان يقف عشرةُ حراسٍ متأهبين بالسلاح.
قال «جارسبيا»: هناك شيءٌ لا أفهمه على الإطلاق … لقد نجوتم من الموت في المرات السابقة، ولكن تلك المرة الأخيرة كانت مختلفةً تمامًا … وكان لابد أن تموتوا فكيف حدث هذا؟
قال «عثمان» ساخرًا: ذلك لأن أجلنا لم يأتِ بعد.
حدق «جارسبيا» في الشياطين بكراهيةٍ وهو يقول: ولكنه سيأتي حتمًا … وبأسرع مما تظنون.
سأل «أحمد» «جاك»: ولكن كيف علمتم بوصولنا إلى «هافانا» بتلك السرعة؟
أطلق «جارسبيا» ضحكة عالية وقال: إن أصدقاءنا هم الذين أخبرونا بذلك، فالمعروف للجميع أنه عقب كلِّ عمليةٍ إرهابيةٍ ضد أيِّ بلدٍ عربيٍّ، فإن منظمة الشياطين اﻟ «١٣» تنطلق خلف من قام بتلك العملية الإرهابية، وقد توقعنا نفس الشيء هذه المرة، وتوقعنا أن تقودكم معلوماتكم إلى «هافانا» لتكون نقطة البداية، فكنا في انتظاركم.
تبادل الشياطين النظرات، وبلغة العيون تفاهموا للحصول على مزيدٍ من المعلومات.
فقالت «إلهام» ﻟ «جارسبيا» باسمة: لماذا لا نعقد اتفاقًا معًا؟
– أيُّ اتفاقٍ؟
– من الواضح أن عصابتك قامت بالحصول على الغواصة؛ لكي تقوم بتسليمها بعد ذلك إلى أعدائنا مقابل مبلغٍ من المال … فلماذا لا تقوم بتسليمنا الغواصة ونمنحك ضعف هذا المال؟
انفجر «جارسبيا» ضاحكًا كمن سمع نكتةً ثم قال: لقد خانك ذكاؤك يا عزيزتي، فإن أصدقائي الذين قمت بهذا العمل لحسابهم لا يرحمون، عندما يعرفون أنني بعت صفقتهم إلى آخرين؛ فإنهم لن يتسامحوا أبدًا ولن يتركوني حيًّا ولا لحظة واحدة … ووقتها لن يفيدني المال الذي سأحصل عليه منكم … فلا فائدة للماء في جهنم كما تعرفين!
حدق في الشياطين بعينين ضيقتين ماكرتين وهو يقول: كما أنني أعرف أنكم لا تعقدون مثل تلك الاتفاقيات مع من تسعون للقبض عليهم أو الانتقام منهم … ولهذا أخبركم أنكم مقضيٌّ عليكم ولا مجال لأي خداع … واتسعت عيناه بالجشع وهو يضيف: لقد عرض أصدقائي أن يدفعوا ثمنكم أيضًا؛ لكي يذهبوا بكم إلى بلادهم … وأنا لم أكن أعرف أن لكم ثمنًا غاليًا … إلا منذ دقائق … وبهذا سوف يكون الصيد الذي سيحمله أصدقائي إلى بلادهم كبيرًا … أكبر مما تتصورون … أنتم وملَّاحو هذه الغواصة.
أحمد: وأين هم هؤلاء الملاحون؟
جارسبيا: إنهم بداخل الغواصة مقيدون لا حول لهم ولا قوة.
فجأة خطا شخصٌ إلى الداخل، فالتفت «جارسبيا» وهو يقول: مرحبًا بك يا عزيزي … لقد جئت في الوقت المناسب تمامًا.
حدق الشياطين في الشخص القادم … كان هو «جاك إرنست» … الخائن!
قال «عثمان» رغمًا عنه: أنت؟
فابتسم «جاك» ابتسامة كريهة وهو يقول: هل كانت مفاجأةً لكم؟ … هذا رائع فإنني أحب المفاجآت.
إلهام: كنا نظن أنك مجرَّد خائن صغير.
جاك: لن يهمني كشف الحقيقة أمامكم؛ لأن الفرصة لن تتاح لكم لإبلاغها إلى أي إنسانٍ إنني بالفعل المندوب الذي سيتسلم الغواصة … لأعود بها إلى أعدائكم … فإن ولائي لهم أكبر من ولائي لأي شيءٍ آخر.
قيس: ثق أنك ستدفع الثمن أيها الخائن، فإن حياة المجرمين والخائنين مثلك تنتهي عادةً أسوأ نهايةٍ.
قهقه «جاك» وهو يقول: لا يا عزيزي … إن حياتي ستنتهي نهاية سعيدة، فما إن أعود إلى بلاد أعدائكم ومعي الغواصة وحمولتها البشرية، إلا ويتم تكريمي التكريم اللائق بالأبطال وأمنح الملايين.
غمغم «خالد» في غضب شديد: هل تحسب نفسك بطلًا أيها المجرمُ؟
قفز «خالد» في الهواء مصوبًا ضربة مفاجئة أصابت «جاك» فطوحت به إلى الهواء، فاصطدم بالجدار وتهاوى على الأرض مصابًا.
على الفور تحرك بقية الشياطين، قفز ثلاثة منهم نحو الحراس المسلحين، حين طارت قدم «إلهام» صوب وجه «جارسبيا» … ولكن طلقات الرصاص المنهمرة كالمطر من الحراس أجبرت الشياطين على التراجع والاحتماء في أحد الأركان … أما «أنطونيو» فتحاشى ضربة «إلهام» وقفز يسارًا وضغط على زرٍّ بجواره … وفي الحال سقط حائط سميك من الزجاج المقوَّى صنع حاجزًا بين الشياطين والآخرين … واندفع الشياطين نحو الحائط الزجاجي محاولين تحطيمه، ولكنه كان شديد الصلابة … ونهض «جاك» في غضبٍ شديد، وصرخ في «جارسبيا»: اقتل هؤلاء الشياطين الملاعين.
فقال «جارسبيا» ساخرًا: لا تفقد أعصابك يا عزيزي، فقتلهم سوف يجعلني أخسر الملايين التي عرضها أصدقاؤك ثمنًا لتسلمهم هؤلاء الشياطين أحياء … إنهم الآن مثل الفئران الحبيسة داخل المصيدة … وسوف أجعلهم يهدءُون … يهدءُون تمامًا.
ضغط «جارسبيا» على زرٍّ آخر إلى يساره … وفي الحال تصاعد دخان كثيف داخل حيز الشياطين الذين راحوا يسعلون بشدةٍ وقد أوشكوا على الاختناق … ثم تهاووا على الأرض … والتفت «جارسبيا» باسمًا ﻟ «جاك» وقال له: أرأيت؟ … هناك دائمًا طرقٌ لمعالجة مثل هذه الأمور … وأشار إلى رجاله، فانقضوا على الشياطين يقيدون أيديهم … ثم يسوقونهم خارج المبنى، والشياطين لا يكادون يرون أمامهم بسبب الغاز الخانق … وبوجه محتقن وعينين حمراوين.
أشار «عثمان» ﻟ «أحمد» أن يحاولوا التخلص من قيودهم والحراس، ولكن «أحمد» أشار له قائلًا: لن يكون الهجوم في صالحنا فنحن مقيدون، وقد أضعفت تلك الغازات قوتنا … وأنا لديَّ خطة أفضل فلا تتعجل … وانتهى السير بالشياطين إلى مبنى صغيرٍ، كان أشبه بالسجن يحيط به ستةٌ من الحراس الأشداء المسلحين … وانتهى الأمر بالشياطين داخل زنزانةٍ من المسلح، كانت لها نافذة صغيرة تطلُّ على الشاطئ … وأغلق الحراس باب الزنزانة على الشياطين، وأطلَّ أحدهم من بين فتحات قضبانها السميكة قائلًا في سخرية: لقد سمعت عنكم الكثير أيها الشياطين … ولكن ما رأيته منكم الآن يدلني على أنكم مجموعة من الهواة السذج.
ارتعدت أطراف «عثمان» من الغضب، ولكن «أحمد» أشار إليه أن يهدأ … وتساءلت «إلهام» بعد لحظة: ما هي خطتك يا «أحمد»؟
بلغة الأصابع خشيةً من متصنتٍ، راح «أحمد» يشرح لبقية الشياطين، وما إن انتهى منها حتى قال «قيس» متنهدًا: لقد بات كلُّ شيءٍ يعتمد على «كاتي».