المشهد الأول
(قاعة العرش والعدالة في قصر فرعون العجوز. إلى
الخلف شرفة كبيرة بابها مفتوح، يدخل الراوية في الظلام. يقف في
مقدمة المسرح ويُسلَّط عليه الضوء. يلاحظ أن الشبح لا يراه طوال
المسرحية إلا الملك ولا يُكلِّم أحدًا سواه.)
الراوية
:
في أوقات المحن والأزمات،
وحين تتكاثر على الناس الظلمات،
ويبتعد النور ويغيب،
يتلفَّت القلب للتاريخ،
تُقلِّب اليد أوراقه وسجلاته،
يحسُّ دبيبه في قطرات دمه،
يشعر بعبئه فوق كاهله،
يقول: آه، ماذا فعل أجدادي؟
وإذا رأى أنهم كانوا عاجزين،
يسأل نفسه: لماذا عجز الأجداد؟
ونحن قد بحثنا كثيرًا في الأوراق والنقوش
والسجلات،
فقفز أمامنا ملك عجوز،
والقفز هنا من قبيل المبالغة والتهويل،
فهو في الحقيقة شيخ مريض مسكين،
يعجز حتى عن تحريك إصبعه،
ينام على نفسه بالليل والنهار،
وإذا صحا فلكي يسأل: ما العمل يا أولادي؟
ثم يعود للنوم أو للموت من جديد.
يقال إنه حكم أربعًا وتسعين سنة،
وهذا أيضًا كما ترون من قبيل المبالغة
والتهويل
على أن هذا كما قلنا لكم تاريخ قديم،
فلا تحكموا عليه بميزان العقل والتفكير،
بل عيشوا لحظة في جنة الخرافات
والأساطير،
وشاهدوا ذلك الملك المسكين،
وارثوا له إن شئتم أو اضحكوا عليه،
لأنه سيظهر لكم بنفسه بعد قليل.
(ينحني الراوية مُعتذرًا ويختفي.)
(بينما يدخل الملك العجوز، وهو يجري
مذعورًا.)
الملك
:
الشبح عاد … الروح يُطاردني، أيقظَني من النوم وجرى
ورائي، ها هو يتبعني … ها هو يتقدَّم ويبتسم ويضحك …
أنقذوني يا أولادي.
أين أنتم يا حراس … يا حراس؟
الحارس
:
مولاي ينادي؟
الملك
:
مولاك يَصيح يا ولدي، مولاك يستغيث.
الحارس
(متثائبًا)
:
ادعُ الآلهة يا مولاي.
الملك
:
ادعُها أنت يا ولدي، اطلب منها الحماية والأمان
لمولاك.
الحارس
:
أيها الإله رع … أيها الإله بتاح … يا كبير الآلهة
آمون.
الملك
:
إنه لم يتزحزح من مكانه.
الحارس
:
مَن يا مولاي؟
الملك
:
ألا تراه، أيُمكن أن يَضحك ولا تسمعه؟
الحارس
:
أيها الآلهة العظام … رع وآمون.
الملك
:
كفى كفى، اذهب ونادِهم، قل لهم يحضروا جميعًا.
الحارس
:
مَن يا مولاي؟ مَن الذي تريده جلالتك الملكية؟
الملك
:
أيها الغبي، إنك تنام فكيف تُوقظ النيام؟ اذهب ونادهم
جميعًا، أفزعهم وهزَّهم من أكتافهم، قل لهم مولاك ينتفض
ويَرتعِش ويصيح.
قل لهم عاد يطارده من جديد، قل لهم …
الحارس
(متثائبًا)
:
ولكن هل يتكرم مولاي ويقول لي من هم؟
الملك
(صارخًا)
:
حرسي وحاشيتي يا غبي … الكاهن والوزير … والقائد والكاتب
… هيا هيا (يذهب الحارس متباطئًا
وهو يهز رأسه تعجبًا).
الملك
:
ما زلت تقف هناك وتَبتسِم، ماذا تُريد؟ هل أقذف بنفسي من
الشرفة؟ هل يرضيك أن تبقى البلاد بلا راع؟ تكلَّم. اصرخ في
أذني قبل أن يأتوا، قل أي شيء. اطلب ما تشاء، مِن أين
أتيت؟ عم تبحث؟ ماذا يرضيك؟ في كل ليلة تفزعني، ألا ترى
ضعفي؟ ألا ترحم شيخوختي؟ ألا تعلم أنَّني أحكم البلاد؟!
(الشبح يَبتسم من بعيدٍ
ويقترب منه) أرجوك، ابتسم كما تحب، ولكن لا
تقترب مني … تسعون سنة وأنا أحكم البلاد، أتبتسم أيضًا؟
ألا يرضيك هذا العدد؟ ألا تقول كلمة واحدة؟ أتُريد أن
تتكلَّم أمامهم؟ هل تخشى أن أكون قد أُصبتُ بالصمم؟ هل
تُصدِّق أنني لا أحرك حتى إصبعي؟ تكلم، تكلم. لا تنس أنني
فرعون، لا تنس أن لديَّ القوة والرهبة والجلال، حتى ولو
كنتُ في التابوت، ألا زلتَ تبتسم؟ ها هي خطواتهم قادمة،
أتوسل إليك.
(يدخل الكاهن الأكبر، يتبعه بعد قليل
الوزير فالقائد يُرتِّبون ملابسهم بسرعة، أو يمسحون عيونهم، أو
يُسوُّون شعورهم — فيما عدا الكاهن الأصلع بالطبع
— من أثر النوم.)
الملك
:
ها هم قد جاءوا.
الكاهن
:
مولاي الملك العظيم.
الملك
:
مولاك مسكين، مولاك مطارد.
القائد
(يدخل مسرعًا)
:
من يجرؤ أن يُطارد مولاي؟ أليس في القصر حراس؟ أليسَت
معهم خناجر وسيوف؟
الوزير
(مسرعًا)
:
تكلَّم يا مولاي، أين هم الأعداء؟
الملك
:
لا لا، لا تقولوا هذا، أخفوا الخناجر والسيوف. اخفضُوا
أصواتكم.
الكاتب
(مسرعًا بدفاتره وأوراقه)
:
ها أنا قد جئت يا مولاي، معي الدفاتر والوثائق والسجلات.
ومعي الريشة والمحبرة والأقلام، أَملِ عليَّ وليسجل
التاريخ.
الملك
:
إنه يقف هناك.
الجميع
:
أين يا مولاي؟
الملك
:
ألا ترونه؟ ألا تُخيفكم ابتسامتُه؟ ألم يُطاردكم أيضًا
في الليل؟ ألم يهزكم من النوم؟
الجميع
:
نحن لا نرى شيئًا يا مولاي، لكن عينكم الملكية.
الملك
:
عيني الملكية؟ أيُمكن أن تبصر ما لا تبصرون، تكلَّموا
إليه يا أولادي. تكلموا.
الجميع
:
ماذا نقول يا مولاي؟
الملك
:
اسألوه ماذا يريد؟ لماذا يفزع مولاكم العجوز؟
الجميع
:
تكلَّم … تكلَّم (يذهب كلٌّ في
اتجاه).
الملك
:
هنا هنا … ها هو أمامي، ما يزال يبتسم.
الجميع
:
قل ماذا تريد؟
الملك
:
تكلَّم أيها الروح الجليل، قل للكاهن ماذا تريد؟
الكاهن
(يتقدَّم إليه ولا يراه)
:
أخبرني ماذا تريد؟ لماذا خرجت من قبرك المقدس؟ من أنت
حتى أقدم باسمك قربانًا للآلهة وأعمل كل ما يجب عليَّ، ألا
تريد قربانًا باسمك، باسم أبويك العظيمين؟
الملك
:
إنه يهز رأسه، تكلم تكلم.
الكاهن
:
أنا على استعداد لتنفيذ رغبتك، أقسم بآلهة السماء
والأرض، والشرق والغرب، والجنوب والشمال. قل لي أين تقع
مقبرتك، سأعمل على تجديدها، سآمُر لك بتابوتٍ جديد، لن
تَحتمِل برد الشتاء إن كنت عاريًا، وإذا جعت لن تحرم من
الخبز والنبيذ.
الملك
:
ما يزال يهز رأسه … استمر … استمر.
الكاهن
:
لا تجعل قلبي يضطرب كالنِّيل في الفيضان، هل يرضيك أن
أصوم عن الأكل والشرب؟ إن لم تتكلَّم فلن أبصر أشعة الشمس
ولن أتنسَّم نسيم الشمال، ما دمت أيها الروح تأتي كل يوم
ومعك الظلمات.
الملك
:
أرجوك، قل لهم من أنت؟
الوزير
:
أكنت رئيسًا لخزائن الملك؟
القائد
:
أم أميرًا في الجيش؟
الوزير
:
أم رئيسًا للديوان؟
الكاتب
:
أم الكاتب الأول لفرعون؟
الكاهن
:
ألم تُمنح أوعية التحنيط الأربعة؟ ألم يضعوك في النعش
المصنوع من الرخام الأبيض؟ ألم تُدفن في قبرٍ مُذهَّبِ
الأبواب والجدران؟
الملك
:
تكلَّم تكلَّم … هل تهدَّم القبر وانهار؟ هل أصبحت
الرياح تهبُّ داخله؟
الوزير
:
أقسم أنني سأُعيد بناءه.
الكاهن
:
وسأجعل لك خمسة عبيد من الرجال وخمسًا من النساء.
الوزير
:
ليصبُّوا لك الماء ويُقدِّموا لك زكيبة قمح كل
يوم.
الكاهن
:
ومن أجلك سنُقدِّم القرابين ونريق الخمر والماء.
الكاتب
:
كلِّمني عن اسم أبيك وأمك العظيمَين، الوثائق معي
والسجلات.
الوزير
:
أو اسم أولادك وأحفادك. أقسم لك أن أُعيِّنهم في أعلى
المناصب، وأعفيهم من الضرائب والرسوم.
القائد
:
وسآمُرُ لكلٍّ منهم بخنجر من الذهب وسيف من البرونز،
وسيَذهبون معي لتأديب البدو في الصحراء (الشبح يَبتسم).
الملك
:
ما زال يبتسم، بل إنَّ ابتسامته تتَّسع.
الجميع
:
تكلَّم تكلَّم أيها الروح العظيم.
نتضرَّع إليك باسم الآلهة المقدسين،
وباسم هذا الملك الشيخ الجليل،
سيصعد الرجال بقارب في النيل نحو الشمال،
وسيَبحثون عن المكان العظيم،
الذي ستخلد فيه أيها الروح.
الملك
:
شكرًا يا أولادي، ها هو يَفتح فمه.
الجميع
:
ماذا يقول؟ ماذا يقول؟
الملك
:
أنصتوا … تكلَّم أيها الروح، لم جئت من بلد
الموت؟
الروح
:
عليك أن تُحسن السؤال؟
الملك
:
وماذا أقول … ماذا أقول؟
الروح
:
تقول: لم جئتَ إلى بلد الموت والأموات؟
الملك
:
بلد الموت والأموات؟ أين هي أيها الروح؟ من هم؟
الروح
:
تحت أقدامك … أمام عينَيك، في كل مكان.
الملك
:
لا أفهم أيها الروح … ما اسم هذه البلد؟ صفها لي.
الروح
:
هي البلد التي يَحكمها الموت.
الملك
:
ألا تفسر كلامك أيها الروح؟ أهناك حاكم غيري؟
(الروح يبتسم.)
الملك
:
عدتَ للابتسام.
(الروح يضحك.)
الملك
:
وتضحك أيضًا؟
الجميع
:
نحن لا نسمع الضحك، ولا نرى الابتسام.
ليته يتكلَّم لنعرف ما يقول.
ليته يتكلم لنعرف ما يريد.
الروح
(ضاحكًا)
:
لا يسمعون ولا يُبصرون، ألم أقل لك إنها بلد
الأموات؟
الملك
:
لكن يا ولدي، ماذا تُريد بهذا الموت؟ من تقصد
بالأموات؟
الروح
:
الموت في الضمير، والموت في الصدور، والموت في
التراب.
الملك
:
رجعت للألغاز؟
الروح
:
أتريد أن تراهم؟ ها هو أحدهم.
الملك
:
أين؟ أين؟
(يسمع صوتًا عميقًا مهيبًا
يأتي من بعيد): لديك الحكمة والعدالة، لكنك
تترك الفساد ينتشر في البلاد.
الروح
:
سمعت؟
الملك
:
من هذا؟
الروح
:
أتحبُّ أن تراه؟
الملك
:
إن كان هذا يرضيك.
الروح
:
ها هو يَطرُق الباب، هل تأذن له بالدخول؟
الملك
:
أدخلوه … أدخلوه.
الجميع
:
من يا مولاي … من؟
الملك
:
أيها الموتى، ألا تسمعون الطرق على الباب؟
(الشبح يبتسم، بينما يهرع الجميع لفتح
الباب، يدخل شيخ عجوز أعمى يتوكَّأ على عصًا طويلة، يتحسَّس
طريقه إلى الملك بعد أن يقترب من الكاهن والوزير … إلخ.
ويَلمسهم بيده واحدًا بعد الآخر.)
الملك
:
إنه أعمى.
الروح
:
إنه حكيم.
الملك
:
أهذا هو الموت؟
الروح
:
استمع أولًا لما يقول.
الحكيم
:
أين أنت أيها الملك؟
الملك
:
إنه يتجه نحوي.
الحكيم
:
يا من تقبع في قصرك من مئات السنين؟
الملك
:
غير صحيح، إنني كما يقولون لم أحكم أكثر من تسعين
…
الحكيم
(بعد أن يتعرف عليه يمد يديه نحوه
ويهزه من صدره)
:
كذبوا عليك، كذبوا عليك.
الملك
:
من أيها الحكيم؟ من؟
الحكيم
:
يقولون لديك الحكمة والبصيرة والعدالة.
الملك
(للكاهن والوزير … إلخ)
:
سمعتم؟ يقول لديَّ الحكمة والبصيرة والعدالة.
الجميع
:
يا له من شيخ حكيم.
الحكيم
:
ولكنهم كذبوا عليك.
الملك
:
هل كذبتم عليَّ حقًّا؟
الحكيم
:
فتركت الفساد ينتشر في البلاد.
والبلاد تَشتعل والشعب على شفا الهلاك.
الملك
:
الشعب؟ سمعت هذه الكلمة من قبل، لماذا لم تقولوا لي من
هو الشعب؟
الروح
:
لا تقاطعه أيها الملك. انتظر ولا تقاطعه.
الحكيم
:
انظر، إن السرور قد مات.
ولم يبقَ حيًّا على الأرض إلا أنين
المظلومين.
إنني أقف في قاعة العدالة،
لكن العدالة موجودة باسمها فقط،
وحين يلجأ الناس إليها لا يَلقَون إلا
الظلم.
الملك
:
ليس هذا صحيحًا، لم يلجأ إليَّ أحدٌ أيها الشيخ.
الروح
:
انتظر، قلت لك انتظر.
الحكيم
:
العظيم والحقير كلاهما يقول: ليتني كنت ميتًا، الطفل
الصغير يصرخ ويقول: ليتني لم أولد، القطعان قلوبها
تبكي.
الملك
:
حتى القطعان أيها الحكيم؟
الشبح
(يبتسم)
:
ألم يَقُل إنهم كذبوا عليك؟
الملك
(صائحًا)
:
لم كذبتُم عليَّ؟ كيف حجبتم الناس عني؟ ألم يهزَّكم بكاء
الطفل وأنين القطعان؟
الجميع
:
أتُكلِّمُنا يا مولاي؟
أم تُكلم الروح الخالد العظيم؟
الكاهن
:
باسم الآلهة المقدسين.
الروح
:
أسكتْهم.
الملك
:
اسكتوا، أَنصتُوا لما يقول الحكيم.
الجميع
:
الحكيم؟ يا له من أخرسٍ حكيم (يضحكون بصوتٍ عال).
الملك
:
تكلم أيها الحكيم، تكلم إليَّ بالحِكَم والأمثال.
الحكيم
:
ليتني كنت أعرف كلامًا لا يعلمه أحد، أو أمثالًا جديدة
لم يُردِّدْها لسان، أو أحاديث خالية من التكرار لم
يَقُلها الأجداد.
انظر … القلب الشجاع هو رفيق صاحبه في الملمات، فتعالَ
إذن يا قلبي لأتحدث إليك.
الملك
(للروح)
:
سمعت؟ إنه لا يُريد أن يتحدث إليَّ. (يهز الحكيم كتفه) أنا
مولاك، إنني أسمعك، إنني أقف أمامك.
الروح
:
قلت لك لا تقاطعه.
الحكيم
(مستمرًّا)
:
أجبني يا قلبي وفسر لي ما يقع في البلاد.
الملك
(للروح)
:
أيُعجبك هذا؟ أيرضيك أن يتجاهلني؟
الروح
:
هش …
الملك
:
إنني لا أطيق هذا.
الروح
:
طالما تكلَّموا وتكلمت، تعلَّمِ الآن أن تَسمع
وتُنصت.
الملك
:
وهل تقول الحقيقة أيها الحكيم؟ حذار.
الروح
:
حاذر أنت واستمع.
الحكيم
:
إن المصائب تقع اليوم، وكوارث الغدِ لم تأتِ بعد
…
والناس كلهم لاهون،
مع أن البلاد في اضطرابٍ عظيم،
إنهم يستيقظون كل صباح ليتألموا،
ولكن قلوبهم راضية بما حدث،
وما من أحدٍ يدفعه الغضب إلى الكلام.
آه … ماذا أقول؟ ماذا أقول؟
إن همِّي ثقيل ومرضي طويل،
ومن المؤلم أن يظل الإنسان ساكتًا على ما يسمعه
ويراه.
الملك
:
يسألني: ماذا أقول؟ هل قال لي: ماذا أفعل؟
الروح
:
الحكيم لا يفعل، الحكيم يقول.
الملك
:
لكن صوته لم يصلني.
الروح
:
أتظنُّ أنك كنت تصدقه؟ (يشير
إلى الكاهن والقائد … إلخ.)
الملك
:
كنت أظن أن كل شيءٍ على ما يرام.
الكاهن
:
نعم … هذا ما قاله بتاح حوتب من أزمان.
الروح
:
لكنه انتهى إلى الأبد، ألا تفهم ما قاله الحكيم؟
الملك
:
ألا يزال لديه ما يقول؟
الروح
:
هل تحب أن يحكى لك عن اللصوص والأشرار الذين يجوبون
الطرق ويملئون مخازنهم بالغلال؟ أم عن قوانين العدل التي
يدوسها الناس بالأقدام؟
الحكيم
:
كل شيءٍ يدور مقلوبًا على رأسه كما تدور عجلة صانع
الفخار.
الملك
:
قل له يكف عن الكلام، أسأله ماذا أفعل؟ ماذا لو كان
مكاني؟
الروح
:
ألا تنتظر حتى يحدثك عما فعله الأعداء؟
الملك
:
الأعداء؟ وهناك أعداء ولا أدري؟
الروح
:
ألم يقل لك: لديك الحكمة والبصيرة.
الحكيم
(صارخًا وضاربًا بعصاه متجهًا إلى باب
الخروج)
:
ولكنك تترك البلاد ينتشر فيها الفساد.
الملك
:
انتظر أيها الحكيم، إلى أين تذهب وتتركني؟ من هم هؤلاء
الأعداء؟ من هم هؤلاء الأعداء؟
الجميع
:
الأعداء؟
الملك
:
ألم تسمعوا بهم؟ ألم تروهم؟
الجميع
:
نحن نعيش هنا يا مولاي في أمان
والقصر يحيطه الحراس من كل مكان
وكل شيءٍ في طيبة على ما يرام
الأعداء؟ من هم هؤلاء الأعداء؟
(يلتفتون إلى بعضهم البعض.)
الصوت
:
الذي لم يكن يجد رغيفًا يمتلك مخازن
الغلال،
ومن لم يكن يَملك زوجًا من الثيران،
قد أصبح يَملك القطعان.
الملك
:
أيحدث كل هذا ولا أعلم؟ لماذا كذب على الكاهن والقائد
والكاتب والوزير؟ لماذا قالوا كل شيءٍ على ما يرام؟
الملك
(يناجي نفسه)
:
آه … لا تهتم بأخ، ولا تُصاحب صديقًا، ولا تثق
بأحد، فليس في ذلك كمال.
إن تمت فاسهر على قلبك بنفسك،
إذ ليس للرجل في وقتِ البلية إخوان،
آه … لقد أعطيت الفقراء وأطعمت اليتامى،
وسمحت بدخول من لا قيمة له ومن له قيمة،
ولكن أولئك الذين أكلوا خبزي كذبوا
عليَّ،
وذلك الذي مددت له يدي نشر الذعر في
البلاد،
والذين لبسوا كتاني الرقيق عادوني،
والذين تعطَّروا بعطري غدروا بي،
لا … ليس كل شيءٍ على ما يرام، ليس كل شيءٍ على
ما يرام.
الروح
(يصفق)
:
أكل هذا بسبب هذا العجوز الحكيم؟
الملك
:
نعم، كان عجوزًا. فهل من حقك أن تسميه الحكيم؟
الروح
:
ربما أسميه باسم آخر.
الملك
:
ماذا تسميه؟
الروح
:
هو الذي ذكرته لك.
الملك
:
إنني أنسى، أعده على عقلي المسكين.
الروح
:
الموت في الضمير.
الملك
:
الموت في الضمير؟
الروح
:
جاء يقول إنَّ العدالة نبذت، والظلم أخذ مكانه في قاعة
العدل.
الملك
:
كان عليه أن يَنصحني بما أفعل، انصحني أنت أيها الروح،
تكلَّم أيها الحي بين الأموات.
الروح
:
انتظر … كان يُريد أن يقول: الرجال يَنامون، ويأكلون
ويشربون … وينسون أن الأعداء في البلاد.
الملك
:
تكلَّم عن الأعداء فلم أعرف معنى الكلمة، ولم يعرف أيضًا
هؤلاء، أرجوك أيها الروح.
الروح
:
إنه الموت الأخير.
الملك
:
الموت الأخير؟ ذكرني أيها الروح.
الروح
:
هو الذي سمَّيته الموت في التراب، أتُريد أن يدخل
عليك؟
الملك
:
يدخل عليَّ؟
الروح
:
كما دخل الحكيم، ألا تَسمع وقع أقدام؟
الملك
:
قل لي أولًا ماذا أفعل؟
الروح
:
لا أستطيع الآن (يبدأ في
الاختفاء).
الملك
(يجري وراءه)
:
لا تستطيع؟ من يستطيع إذن؟
الروح
:
ألا ترى الفجر يطلع؟ ألا تَسمع الديك يصيح؟
الملك
:
لكن ماذا أفعل؟ تكلم … تكلم.
الروح
:
انتظر حتى يحضر الرسول، مُرِ الوزير أن يكرم وفادته،
اجعل الكاهن … لكن لِم التسرُّع؟ انتظر قليلًا حتى يشرق
النهار (يختفي).
الملك
:
انتظر؟ أرجوك أيها الروح، هل قلت إنه رسول الأعداء؟
إليَّ أنا الملك العجوز المسكين؟ ماذا أفعل؟ ماذا
أفعل؟
(يُهرع الكاهن والوزير … إلخ إليه ويحيطون
به، ويحاولون العناية به.)
الجميع
:
مولاي، عوفيت يا فرعون.
الملك
:
ها هم الأعداء في الطريق، قولوا ماذا أفعل؟
(الراوية يظهر بعد أن تسدل الستار ببطءٍ
ويقول):
الراوية
:
لكنَّهم وجموا وأصابهم الذهول.
دعا الكاهن باسم الآلهة أن يشفي المريض،
هز القائد رأسه وقال:
من قال إن هناك أعداء؟
أليس هناك حصون؟
أليس هناك حراس أشداء؟
فتَّش الكاتب في الوثائق والسجلات
والأوراق،
قال بعد أن نام فرعون من الإرهاق:
لا، ليس هناك ذكر للأعداء،
هذا شيء قديم شطب من النقوش والسجلات،
أما الوزير فخاف أن يكون في الأمر شيء، وسأل
نفسه: والوزارة؟ والأرض؟ والقصر؟ والأتباع؟
أتكون مؤامرة دبَّرها اللصوص والرعاع؟
فلنتركهم الآن حتى يفيق الملك الجليل،
لنسمع ما سيقوله الرسول بعد قيل (يَختفي
بسرعة).
المشهد الثاني
(نفس المنظر، نفس الأشخاص … الكاهن والوزير
والقائد والكاتب يستيقظُون، الملك نائم.)
الكاهن
(يستيقظ)
:
آه … ظهري يؤلمني.
الوزير
:
أف … من يصدق أن الوزير ينام على الأرض؟ (يهز الكاتب
والقائد.)
الكاتب
:
أين أنا؟
الكاهن
:
وأين تُريد أن تكون؟ في حضن إيزيس؟
الكاتب
(مذعورًا)
:
أين أوراقي؟ أين وثائقي وسجلاتي؟
الوزير
:
نائمة بجوارك، حذار أن توقظها.
الكاهن
:
وألا تحرك التاريخ (يضحكون) أيها القائد … أيها القائد.
الوزير
:
أليس عجيبًا أن نصحو جميعًا بينما يعلو شخيره؟
الكاتب
:
وما العجب في هذا؟
الوزير
:
ألم يدخل الرُّوح إلى القصر دون أن يفطن الحراس؟ ألم يقل
إن الأعداء في البلاد؟
القائد
(متثائبًا)
:
كل ما لا أراه بعيني فلا وجود له عندي. ليس هناك روح،
ليس هناك أعداء.
الكاهن
:
والضجة التي أثارها فرعون؟
الوزير
:
وحديثه الطويل معه؟
الكاتب
:
وصوت الحكيم الذي يُردِّد حكمة التاريخ؟
القائد
:
شيخ مريض وعجوز … ألسنا نَنتظر موته من عشرات السنين؟
ألم ينتظره آباؤنا وأجدادنا؟
الكاهن
:
والروح … هل تشكُّون في عودته؟ هل تشكُّون في
ظهوره؟
الوزير
:
ليظهر عندكم في المعابد كما يشاء، أما أن يظهر ليلًا
لفرعون.
القائد
:
فهذا تخريف رجل عجوز.
الوزير
:
وهو دليل على أنه يحتضر.
القائد
:
وأن رُوحه تدعوه إلى الغرب بعد أن ملت الانتظار.
الكاهن
(مشيرًا إلى فرعون النائم)
:
انظروا، ها هو ينعس في النوم كطفلٍ شابَ شَعرُه، انظروا
كيف يبتسم، إنَّ شفتيه تتحرَّكان (يلتفون حوله).
الكاهن
:
ربما يناجي الروح.
الوزير
:
الروح؟ الروح؟ نحن لم نر شيئًا.
الكاهن
:
الروح لا ترى يا ولدي، إنها تشعر وتحس.
الوزير
:
كيف خرجت من قبرها؟ كيف فتحت التابوت؟
الكاهن
:
إنها تسكن مع الآلهة والأجداد، أيها الإله رع العظيم،
أيمكن أن تشك؟
الوزير
:
لست أشك يا أبي، أنا أيضًا لي روح، ومن أجل أن تعود
إليَّ بعد الموت أبني الآن مقبرتي الفخمة، وأزين تابوتي
بالذهب والفضة، ولكن هذه الروح التي تزعج سيدنا.
القائد
:
بعد أن نام في سلام تسعين سنة.
الوزير
:
هذه الروح الضالة الهائمة.
القائد
:
بلا اسم ولا أب ولا أم.
الكاتب
:
ربما كانت روح التاريخ، هذه الوثائق.
الوزير
:
اسكت أنت بوثائقك وسجلاتك.
الكاهن
:
ولكنني أشعر بوجودها.
القائد
:
قلت لك أنا لا أشعر إلا بما أراه أمامي، بما أطعنه
بخنجري وأنفذ فيه رمحي.
الوزير
:
روح كهذا يعكر سلام المملكة.
القائد
:
يجب أن تطرده بتعاويذك ودعواتك.
الكاهن
:
هش … إنه يتحرَّك … يفرك عينيه … يبتسم ويهز رأسه، قولوا
معي: أيها الفرعون العظيم … لا تخف من الروح.
الوزير
:
سوف نبني له قبرًا جديدًا إن كان قبره تهدم.
القائد
:
ونجعل عليه من الحراس أربعة رجال وأربع نساء.
الكاهن
:
ونقدم القرابين من اللحم والفاكهة والنبيذ.
الكاتب
:
لكي لا يجوع أو يعطش أو يعرى في برد الشتاء.
الوزير
:
ولا يعكر صفو المملكة التي تعيش في سلام.
القائد
:
ولا يزعجنا بأخبار الموت والحرب والأعداء.
(يُسمَع طرقٌ شديد على الباب يستيقظ له
الملك من نومه.)
الملك
:
هل سمعتم؟ ها هو يطرق الباب.
الجميع
:
الروح؟
الروح
(يظهر على البعد ويقترب من الملك دون
أن يراه أحد سواه)
:
وهل مثلنا يطرق الأبواب؟
الملك
(مذعورًا)
:
إذن فمن الطارق؟
الكاهن
:
أيتها الآلهة، عاد الملك يتحدث إلى نفسه.
القائد
:
أف … ما أطول ساعة الاحتضار عند الملوك.
الروح
:
ألم أقل لك؟
الملك
:
إنني أنسى، ألا ترى أنني مريض وعجوز؟
الروح
:
إنه الموت.
الملك
:
أي واحد فيهم؟
الروح
:
الموت الأخير … الموت الأكبر.
الملك
:
أكبر من الموت في الضمير؟
الروح
:
أكبر … أكبر.
الملك
:
تكلَّم بحق الآلهة المقدسين، أيكون موتي أنا؟
(الروح يضحك.)
الملك
:
إذن اقتربت ساعتي؟ هل آمرهم بتجهيز الجنازة وإعداد
التابوت؟
الروح
:
ليته اقتصر على هذا.
الملك
:
إذن ماذا يكون؟ أتحل كارثة بالقصر؟ مجاعة بالبلاد؟
زلازل؟ براكين؟ هل يفيض النيل؟ هل يجف ماؤه؟
الروح
:
أكبر … أفظع، إنه الموت في التراب.
الملك
:
سمعتُك تقول هذا، فسِّره بحق رع وآمون وبتاح.
الروح
:
عندما تموت الأرض، عندما يموت التراب، عندما يموت
الوطن.
الملك
:
الأرض؟ التراب؟ الوطن؟
الكاهن
:
تكلم أيها الروح الجليل، ارحم شيخوخة الملك
وضعفه.
الروح
:
الطرق يشتد على الباب.
الملك
(صارخًا)
:
افتحوا الأبواب … افتحوا الأبواب.
(يدخل أحد الحراس مندفعًا.)
الحارس
:
مولاي … سيدي القائد … سيدي الوزير (يلهث).
الملك
:
تكلم … تكلم.
الحارس
:
رجل عجيب يقف بالباب، يركب شيئًا غريبًا سألتُه عنه فقال
اسمه عربة، لهذا الشيء الغريب أربعة أشياء مستديرة سألته
عنها، فقال اسمها العجلات، وأمام هذا الشيء الغريب الذي
اسمه العربة التي تقف على أشياء غريبة اسمها العجلات يقف
مخلوق أشد غرابة سألته عنه قائلًا ما هذا الشيء الغريب
فقال اسمه حصان.
الملك
:
أيها الأبله، ماذا تريد؟ لم جاء؟
الحارس
:
انتظر يا مولاي، لم أصف لك شكله بعد، لم أَصِف لك
ملبسه.
الملك
:
أيها الأحمق، ألم يكن الأولى أن تسأله من هو وماذا أتى
به؟
الحارس
:
هداني تفكيري يا مولاي أن أعرف لبسه وشكله ووجهه لكي
يسهل بعد ذلك معرفة مهمته.
القائد
:
ما شكله أيها الحارس؟ ماذا يرتدي …
الحارس
:
بعد أن سألته عن الشيء الغريب الذي يقف عليه فقال إنه
العربة … وعن …
القائد
(نافد الصبر)
:
وعن الأشياء الغريبة التي يقف عليها هو والعربة فقال
إنها العجلات والمخلوق الغريب الذي يقف أمامها.
الحارس
:
فقال إنه الحصان.
القائد
(صارخًا)
:
قلت لك ما شكله؟ ما لون وجهه؟ ماذا يرتدي؟
الحارس
:
مهلًا يا سيدي، لقد تفرست فيه جيدًا، وتأملته من أصابع
قدميه إلى شعر رأسه، هل تعرف من هو؟
القائد
:
من؟ من؟
الحارس
:
رجل أسمر الوجه، ذو لحية طويلة، يبدو لون بشرته كأنه من
رمال الصحراء، وعليه ملابس مصنوعة من الجلد والوبر.
القائد
(لنفسه)
:
وجه أسمر … لحية طويلة.
الملك
:
أدخلوه … أدخلوه.
القائد
(لنفسه)
:
هل هجم البدو من الصحراء؟ أم الأعداء الذين حدَّثَني
عنهم الأجداد؟
الملك
(للقائد)
:
هل قلت شيئًا أيها القائد؟
القائد
:
أنا؟ أبدًا يا مولاي.
الملك
:
أليس عندك شيء تقوله؟
القائد
:
إن كان لا بد فكل شيءٍ على ما يرام.
الملك
:
أحقًّا يا وزير؟
الوزير
:
بالطبع يا مولاي، كل شيءٍ على ما يرام.
الملك
:
وأنت؟
الكاتب
:
التاريخ يؤكد هذا بالتمام.
الملك
:
والأعداء … ماذا يقول عن الأعداء؟
الكاتب
:
كلمة قديمة شطبت من الأوراق والسجلات.
الوزير
:
بعد أن اشتدت طيبة وهزمت كل الأعداء.
الكاهن
:
ببركة رع وآمون وباقي الآلهة الأجلاء.
الحارس
(يدخل)
:
ها هو الرجل الغريب يا مولاي.
الرسول
:
سلامًا أمير مدينة الجنوب.
الروح
(مبتسمًا)
:
أو أمير مدينة الموت.
الجميع
:
سلامًا أيها الفارس.
الملك
(ينتبه)
:
سلامًا أيها الفارس، لماذا جئت إلى مدينة الجنوب؟ لم قمت
بهذه الرحلة حتى مثلتَ بين يديَّ؟
الجميع
:
تكلَّم أيها الفارس الشجاع، فمولانا يحب أن يسمع ما
تُريد.
الرسول
:
إنه أميري أبو فيس الذي أرسلني إليك لأقول …
الملك
:
ماذا يقول يا ولدي؟
الرسول
:
أخل البحيرة الواقعة شرقيَّ المدينة من أفراس البحر؛
لأنها تحول بيننا وبين النوم في الليل والنهار، وتملأ آذان
سكان المدينة بالضوضاء.
الملك
:
أيَّة مدينة يا ولدي؟
الرسول
:
مدينة أواريس أيها الملك.
الملك
:
أواريس؟ لأول مرةٍ أسمع هذا اسم، أين هي أيها القائد؟ في
الشمال أم في الجنوب؟ في الشرق أم في الغرب؟
القائد
:
أواريس؟ أواريس؟
الكاتب
:
انتظر يا مولاي حتى أبحث في السجلات.
القائد
:
سمعت الأجداد يحكون عنها.
الكاتب
:
والوثائق والأوراق تقول.
القائد
:
إنها في أقصى الشمال.
الوزير
:
والتحصينات المنيعة تحرسها.
القائد
:
وحائط الحاكم يَحميها من غارات الآسيويين.
الرسول
(ضاحكًا)
:
يحرسها ويحميها؟ مولاي وأجداده يُقيمون فيها من مائة
وخمسين سنة، الحصون تهدمت والحائط خرَّبه الفرسان
الآسيويون.
الملك
:
فرسانكم الآسيويون؟ من هم يا ولدي؟ صفهم لي.
الرسول
:
لا يستقرون في مكانٍ واحد.
أقدامهم صنعت لكي تتجوَّل بهم بعيدًا،
إنهم يُحاربون منذ أيام الإله ست،
لا يَقهرون ولا يُقهرون،
يُقاتلون ولا يُحددون يومًا للقتال،
كاللصِّ الذي يُفاجئ الإنسان إذا كان
بمُفردِه،
ولا يُهاجم مدينة بها سكان كثيرون.
الملك
:
أكمل يا ولدي، هل قلت التماسيح …
الرسول
:
أفراس النهر.
الملك
:
ماذا فعلَتْ يا ولدي؟ ذكِّرني فقد نسيت.
الرسول
:
تُزعج مولاي وتملأ آذان سكان المدينة.
القائد
:
ولكن مدينتكم بعيدة، هناك في أقصى الشمال، ونحن هنا في
أقصى الجنوب.
الملك
:
نعم نعم، هل سمع سيدك حقيقة وهو في تلك المدينة النائية
عن البركة الواقعة شرقي مدينة الجنوب؟
الرسول
:
وسمع أصوات أفراس البحر التي تمنعه أن ينام بالليل أو
بالنهار.
الملك
:
كيف يسمعها يا ولدي؟ كيف يسمعها؟
الرسول
:
فكر فيما بعثني من أجله مولاي.
(الروح يضحك.)
الملك
(متجهًا إليه)
:
لماذا تضحك؟ أيمكن أن يحدث هذا؟ أيمكن أن يسمعها من هذا
المكان البعيد؟
الروح
:
ما دمت لا تسمع ولا ترى،
فالعدو حاد البصر مرهف الآذان،
وأفراس البحر في البحيرة الهادئة،
التي لا يزعج صوتها أي إنسان،
يسمعها العدو في أقصى الشمال،
وتزعجه في الصحو كما تزعجه في المنام.
الجميع
:
مولاي، دع الروح الآن، كلم الرسول.
القائد
:
ما كنت أعرف أن أفراس البحر تزعجه إلى هذا الحد.
الملك
:
هل قلت العدو؟ أهذا هو العدو.
الروح
:
بل هو الموت، الموت الأكبر.
الملك
:
ماذا أفعل؟
الروح
:
من يسأل هذا السؤال لا يفعل شيئًا.
الملك
:
أحب أن أعرف أين ذهبت قوتي؟
الروح
:
وأنا أحب أن تكرم الرسول.
الملك
(منتبهًا)
:
هيا … أكرموا وفادة الرسول، قدموا له الأشياء
الطيبة.
الرسول
:
فكر فيما بعثني من أجله مولاي.
الملك
:
قل لسيدك إن الملك سيستجيب لطلبه.
لكن ليس قبل أن تذوق الفطائر واللحوم،
هيا أيها الحارس …
مره بما يجب عليه أيها الوزير.
(الوزير ينادي على الحارس، يذهب معهما
ثم يعود بعد قليل.)
أيها الروح … يا رسول الأجداد.
الروح
:
تُريد أن تعرف ماذا تفعل؟
الملك
:
أغثني أرجوك.
الروح
:
ألا تسأل مستشاريك؟
الملك
:
من؟ هؤلاء؟
الروح
:
إنَّ الذهول يبدو على وجوههم.
الملك
:
تخلَّوا عني … كذبوا عليَّ.
الروح
:
ولكنهم مستشاروك.
الملك
(ملتفتًا إليهم)
:
أشيروا عليَّ …
هل حلَّت الكارثة بالبلاد؟
هل فاض النيل أم جف الماء؟
قل أيها القائد: أين عساكري وأسودي؟
وأنت يا وزير: أين كنوزي وماشيتي وعبيدي؟
وأنت أيها الكاهن: لمن توجه الدعوات وعلى من تصب
اللعنات؟
ويا كاتبي: ماذا ستكتب عنِّي في الوثائق
والأوراق؟
ماذا ستنقش على قبري ليذكره التاريخ؟
هل ضاعت قوتي؟ هل داسني الأعداء؟
أهذا هو اليوم الذي تنبأ به الحكيم؟
أهذا هو الموت الأكبر الذي توعدني به
الروح.
(الجميع واجمون.)
الملك
:
تكلموا … تكلموا، أحقًّا يقول الطفل ليتَني لم
أولد؟
ويسير الأمير عاريًا في الطرقات؟
ويمتلك اللص مخازن الغلال؟
أحقًّا إنني تركتُ الفساد ينتشر في
البلاد،
والآسيويون يَهدمون حائط الحاكم؟
أين إذن ما قاله عني الحكيم؟
الكاهن
:
مولاي … لديك الحكمة والبصيرة والعدالة.
القائد
:
ولديك القوة التي تهزم الأعداء.
الكاتب
:
والمجد الذي ورثته عن الأجداد.
الوزير
:
والمدينة العامرة باللحم والفطائر والنبيذ.
الملك
:
المدينة؟ أليست هي مدينة الموت؟ تكلم أيها الروح.
الروح
:
دعهم أولًا يتكلمون.
الملك
:
أشيروا عليَّ … ماذا أفعل؟ ماذا تفعلون؟
الكاهن
:
سأصب اللعنات على الأعداء.
الروح
(ضاحكًا)
:
بالسِّحر بدلًا من السلاح!
الكاهن
:
سنكتب أسماءهم على الدُّمى والأواني ومعها الأوعية
والتعاويذ.
الروح
:
ونحطمها في حضور الملك والملكة حسب المراسم
والطقوس.
الوزير
:
ما لنا نحن وللأعداء في الشمال؟
انظر … إن وسط البلاد معنا،
والناس هنا تعيش في أمان،
إنهم يزرعون لنا أحسن الأراضي،
وماشيتنا ترعى في الحقول والمستنقعات،
والقمح والشعير يرسل علفًا للخنازير،
وقطعاننا سعيدة لم يسرقها اللصوص.
القائد
:
والأعداء الذين تخشاهم ليس لهم وجود.
فلو رأيناهم لذبحناهم وبقرنا البطون،
وأخذنا النساء والعبيد ومحونا الحصون،
وحرقنا مدنهم بأمر صادق المشورة آمون.
الكاتب
:
لم يأت ذكرهم في البردي والنقوش.
الملك
:
والرسول الذي بعثوه؟
الوزير
:
سنكرم الرسول.
الملك
:
وأفراس البحر التي تزعجهم؟
القائد
:
سنُؤكِّد لهم أن صوتها عذب محبوب.
الملك
:
وأرقهم في الليل والضوضاء؟
الكاهن
:
سندعو آمون ورع وسائر الآلهة الكبار أن يُريحَهم في
الليل ويُمتعهم في النهار.
الملك
:
ألم يُرسلوا هنا الرسول ليتحدَّانا؟ أليسوا
أعداءنا؟
الكاتب
:
سنُثبت لهم من النصوص أن كلمة الأعداء لم تكتب على
المعابد من مئات السنين.
الجميع
:
بذلك نعيش في سلامٍ وأمان،
فتملأ مخازننا بالغلال،
ومعابدنا بالبخور والتماثيل والصلوات،
وبيوتنا بالنبيذ واللحوم والنساء،
ونعيش في سلام … نعيش في سلام.
الروح
(ضاحكًا)
:
ولكنَّهم لن يتركوكم في سلام.
الملك
(مرددًا)
:
لن يتركوكم في سلام.
الجميع
:
ما دمنا نعيش في سلام،
فسوف يتركوننا في سلام.
صوت
:
آه … أين ذهبت قوتي؟
أين جيشي ليسير أمامي كالريح أو كالنار؟
أصابتنا، ولست أدري لماذا، نقمة من
الإله،
فاندفع نحونا أقوام مجهولون،
هدموا حائط الحاكم، واحتلوا أواريس.
صوت
:
بينما الحراس نائمون … بينما الحراس نائمون.
صوت
:
غروا الأرض، وأخضعوا البلاد.
أحرقوا المدن، وهزموا حكام الإمارات.
صوت
:
دون أن ندخل معهم في حرب، دون أن يَنشب بيننا قتال
…
صوت
:
أتلَفُوا المعابد وأحرقوا التماثيل،
نهبوا الحقول وسرقوا القطعان،
غنموا الزوجات وذبحوا الرجال.
صوت
:
بينما نحن نأكل ونشرب وننام.
لا نفيق من الكابوس من مئات السنين.
صوت
:
آه … الدماء تنزف منَّا، متى تسكت
الجراح؟
متى نجفو النوم ما دام العدو يقظان؟
متى نرفض اللقمة المعجونة بالعار؟
متى نهجر القصور والبيوت التي يتربص بها الأعداء
لنتعلم مثلهم كيف نضرب الخيام في الصحراء؟
ونصاحب العطش والقحط والعواصف والرمال؟
صوت
:
متى يترك الفلاح أرضه ومحراثه ومواشيه ليحمل
الخنجر والسهم والرماح؟
متى ينزع أظافره من الطين ليغرزها في أعناق
الأعداء؟
متى يطهر الأرض السمراء من خيول الغرباء؟
متى يكف عن قوله: كل شيءٍ على ما يرام.
الملك
:
متى؟ متى؟ متى؟
الجميع
:
عاد يكلم الروح.
الكاهن
:
لا بد من تحضير الجنازة.
الوزير
:
سأسرع بإعداد المقبرة وتجهيز التابوت.
الكاتب
:
وأجمع الكتبة والرسامين والحفارين.
القائد
:
وأعلن في البلاد، على رأسي سيستقر التاج.
الوزير
:
ألم نتَّفق أنني الوريث الوحيد؟
الكاهن
:
بل على رأسي سيستقر التاج.
الكاتب
:
ألا تسألونني؟ إنني أدرى الناس بشجرة الأنساب.
الوزير
:
أنا …
القائد
:
أنا …
الكاهن
:
أنا … (يتنازعون.)
الملك
:
اخرجوا … اخرجوا … آه.
(يخرجون.)
الروح
:
أتتألم؟
الملك
:
تعبت من الحياة.
الروح
:
أم تعبت من الموت؟
الملك
:
الموت … الموت، أليس عندك إلا الموت؟
الروح
:
الموت يحكم المدينة.
الملك
(صارخًا)
:
أنا الذي أحكم المدينة.
(الروح يضحك.)
الملك
:
قل لي، ماذا تريد؟
الروح
:
أريد ما لا تستطيع.
الملك
:
هل هناك شيء لا يستطيعه فرعون؟
(الروح يضحك.)
الملك
(يائسًا)
:
لم تقل ماذا تريد؟
الروح
:
أن ترفع الموت عن المدينة.
الملك
:
دلَّني عليه.
الروح
:
إنه الموت في الضمير، ألم تسمع ما قاله الحكيم؟
الملك
:
ذلك المخرف العجوز؟
صوت الحكيم
:
لديك الحِكمة والبصيرة والعدالة،
لكنَّك تترك الفاسد يَنتشِر في البلاد.
الملك
(باكيًا)
:
تخلوا عني.
الروح
:
والموت في النفوس والصدور.
الملك
:
كيف أعرفُه؟ أين أراه؟
الروح
:
ألم يُحدِّثوك عن ذلك الرجل المشهور؟ ذلك الرجل
المسكين؟
الملك
:
ما اسمه؟ في أيِّ مكانٍ ألقاه؟
الروح
:
يسمُّونه المتعب من الحياة، وأسميه المتعب من
الموت.
الملك
:
آه … الموت راحة، كيف يَتعب من الموت.
الروح
:
اسمع …
الملك
:
لا، إنني أُحتضَر، لا أريد أن أُكلِّم أحدًا.
الروح
:
لا تخف، فهو لا يجد من يُكلمه أو يشكو إليه.
صوت
(ويمكن أن يدخل شخص نَحيل عليه أسمال
بالية أشبه بشبحٍ من الماضي ويقول)
:
لمن أتكلم اليوم؟
الظلم الذي يجوب البلاد،
ليس له آخر،
لا يوجد رجل عادل،
والبلاد تركت للأشرار والظالمين.
الملك
(هامسًا)
:
نفس ما قاله الحكيم.
الروح
(هامسًا)
:
لأنَّ الشكوى خالدة.
الصوت
:
لمن أتكلَّم اليوم؟
الأخوَّة سوء،
القلوب جشعة،
وما من أحدٍ يمكنك أن تثق فيه.
الملك
:
ألم يكن له أم أو أب؟ ألم يكن له صديق؟
الروح
:
كان له صديق واحد.
الملك
:
اذكر له اسمه.
الروح
:
ها هو يُناديه.
الصوت
:
لمن أتكلم اليوم؟
الموت أمامي، كالشفاء للمريض،
كرائحة بخور المر،
الموت أمامي،
كالجلوس تحت ظل الشراع في يومٍ عاصف
الريح،
كعطر أزهار اللوتس، كالسماء عندما تصفو السماء
من الغيوم.
الموت أمامي اليوم،
كعَودة الرجل إلى بيتِه بعد سنواتٍ في
الأسر،
كالجلوس على شاطئ الحب والسكر.
الملك
:
إلى هذا الحد يَشتاق للموت؟
الروح
:
سيجد هناك من يشكو إليه.
الصوت
:
حقًّا، إن من يَعِش هناك سيُصبح إلهًا
حيًّا.
إنَّ من يعيش هناك سيُصبحُ حكيمًا.
ولن يَمنعه أحد من الشكوى لرع.
الملك
:
الموت الموت، أيُمكن أن يُحبه كل هذا الحب؟
الروح
:
بحث حوله فلم يجد سواه.
الملك
:
والأمل؟ والحب والنور؟ والزوجة؟ والأولاد؟
الروح
:
لم تكن إلا أسماء لشيءٍ واحد.
الملك
:
حذار أن تقول إنه الموت.
الروح
:
ومن غيره؟ منذ القِدَم وهو يحكم المدينة، بنى الهرم
والمَصطبة والمعبد.
أقام التمثال ونقش على المسلة وزخرف التابوت، أحب الأخت
وأنجب الأولاد ليُقدموا لرُوحه القرابين، أنشد الأشعار
ونطق بالأمثال وحفظ الوصايا؛ لكي لا ينسى اسمه. عصر النبيذ
وشرب الجعة، وتمتع بيومٍ سعيدٍ قبل أن يغيب في الظلام، تعب
في الحقل وحارب في الميدان وبرع في البناء ليَرضى عنه
فرعون، ويُنعم عليه بقبرٍ صغير، الموت … الموت … الموت …
يا أرض الأكفان والتوابيت والندابين، يا أرض الجثث
المحنَّطة وكتاب الموتى والمتعب من الحياة، والعازف الأعمى
على القيثار، يا أرض السجلات والملفَّات واللجان
والدواوين، يا أرض البردي والجعارين والمساكين
والدجالين.
الملك
:
إنه التاريخ، أتُريد أن تُلغي التاريخ؟
الروح
:
ومن يستطيع أن يُلغيَه؟
الملك
:
ماذا تريد إذن؟
الروح
:
أريد أن نتحرَّر منه.
الملك
:
تتحرَّر منه؟ كيف؟
الروح
:
نفكُّ الأربطة عن الجثة الخالدة، نتخلَّص من تاريخ الموت
لنبدأ تاريخ الحياة.
الملك
:
يا لك من طموح، وهل هناك من تحرَّر منه؟ منذ زمن الأجداد
الراقدين في الأهرام، هل هناك مَن تحرر منه؟
الروح
:
ليس هذا ما أعنيه، أعني الموت الآخر.
الملك
:
أيهم يا ولدي، حيرَّتني؛ فهم كثير.
الروح
:
ألم أقل لك إنه يحكم المدينة؟
من عهد مينا وخوفو وهو يسكن القلوب
والقبور.
الخوف في العيون،
الذل فوق الظهر والجبين،
الجوع والحرمان في البطون،
القهر والهوان والعذاب والأنين.
صوت
:
العدل يا مولاي للمظلوم.
صوت
:
من يفتح السجون؟
صوت
:
من يقتل التنِّين؟
صوت
:
من يُطعم المسكين؟
صوت
:
من يُنصف المغبون؟
صوت
:
من يَهزم الظلام في الصدور والعيون؟
صوت
:
من يمسك الميزان والأشرار من يدين؟
صوت
:
العدل يا مولاي، العدل يا فرعون.
الملك
:
فرعونكم مسكين، فرعونكم مسكين (يبكي).
الروح
:
أتبكي؟
الملك
:
تخلَّوا عني، كذبوا علي.
الروح
:
تركت الفساد ينتشر في البلاد.
الملك
:
أنت أيضًا؟ إنني أموت كاليتيم.
الروح
:
ما زلت بجانبك؟
الملك
:
ما الذي جاء بك؟ لم طاردتني؟ من أنت؟
الروح
:
أنا؟
الملك
:
ما اسمك؟ ما اسم أبويك؟
الروح
:
ليس لي اسم، أنا أيضًا يتيم مثلك.
الملك
:
من أي قبرٍ خرجت؟ هل جئت من عند الآلهة والأجداد؟
الروح
:
أنا من تراب هذه الأرض، ليس لي اسم ولا مكان؛ لأنني في
كل اسم وكل مكان.
في الجبل وحبة الرمل، في الريح وقطرة النيل، في زهرة
اللوتس وأغصان النخيل، في الثور والفراشة، في التمساح
والعصفور، في قلب المُحتضَر وابتسامة الوليد.
الملك
:
تكلم، ماذا أفعل؟
الروح
:
فات الوقت.
الملك
:
هل تتخلَّى عنِّي؟
الروح
:
أنا بجانبك.
الملك
:
أهناك أمل؟
الروح
:
إذا خرج الموت من المدينة.
الملك
:
سيأخذني معه.
الروح
:
وسيأتي غيرك.
الملك
:
أيستطيع أن يحكم بعدي؟ أيستطيع أن يُهزَم الموت في
الضمير، والموت في الصدور؟
الروح
:
والموت في التراب.
الملك
:
والذي يُزعجه صوت أفراس البحر؟
الروح
:
عندما يُزعجه بصوت الفئوس والرماح والحراب.
الملك
:
ليتَني أراه قبل أن أموت.
الروح
:
اسمع … ها هم يتحدَّثون عنه.
صوت
:
سيد كل الناس،
الراعي الشجاع الذي يجمع قطعانه الباكية،
يُطفئ حريق الفتنة،
لا يحمل في قلبه شرًّا.
أين هو اليوم؟
أين هو اليوم؟
هل هو نائم؟
انظر، إن بأسه لا يرى،
ولكنه سيظهر عما قريب،
سيظهر عما قريب.
الروح
:
أيُّها الملك (يتحسَّسه فيجد
أنه مات) … نعم نعم … سيظهر عما قريب.
الراوية
(يظهر في هالة من الضوء)
:
هكذا يكون الملك قد مات.
الملك الذي عاش ومات في قصره كاليتيم،
بعد أن حكم، كما يقول التاريخ، من السنين أربعًا
وتسعين،
وبعد أن مات هذا الشيخ المسكين،
ظل الحكماء ينذرون، والندابون يندبون،
والمتعبون من الحياة يتألَّمون ويشكُون،
حتى خرج من الشعب الذي نسيَه الملك
العجوز،
رجل عرف كيف يغضب وينتفض ويثور،
ويَجمع حوله القطعان الباكية في الحقول،
والجياع من الشوارع، والمساجين من
السجون،
أزعجه صوت ذلك المتبجِّح المغرور،
الذي أزعجتْه أصوات أفراس البحر،
نادى على المظلومين والمتعَبين
والفلاحين،
فخرجوا بالعصا والحجارة والفئوس،
وهجموا بالأظافر والأسنان على الهكسوس،
في أوقات المِحَن والكوارث والأزمات،
يرجع الإنسان للتاريخ وينبش الذكريات.
صوت
:
تذكروا العدو الذي لا يزال هناك.
صوت
:
لا تنسوا أنه هدم حائط الحاكم العجوز.
صوت
:
تذكَّروا أن أفراس النهر لا تزال تُزعجه.
صوت
:
لا تنسوا أنه يذبح الرجال والأطفال والنساء.
صوت
:
تذكَّروا … تذكروا … تذكروا.
صوت
:
لا تنسوا … لا تنسوا … لا تنسوا!
(ستار)