الرؤية الخارجية
بعد سنوات قليلة من بدء تعاوني مع عاموس، أقنعت بعض المسئولين في وزارة التعليم الإسرائيلية بالحاجة إلى منهج لتدريس عملية إصدار الأحكام واتخاذ القرار في المدارس الثانوية. شمل الفريق الذي جمعته لوضع منهج وتأليف كتاب مدرسي حول هذا الموضوع مدرسين متمرسين عديدين، وبعض طلابي في علم النفس، وسيمور فوكس — عميد كلية التربية في الجامعة العبرية آنذاك — الذي كان أحد خبراء تطوير المناهج.
بعد اللقاء كل مساء يوم جمعة لمدة عام تقريبًا، كنا قد وضعنا مخططًا مفصلًا للمنهج، وكتبنا فصلين، وألقينا بعض الدروس على سبيل التجربة في الصف. شعرنا جميعًا بأننا نحرز تقدمًا جيدًا. في أحد الأيام، بينما كنا نناقش إجراءات تقدير حجم الكميات غير المؤكدة، خطرت لي فكرة إجراء تمرين. طلبت من جميع الحاضرين كتابة تقدير للفترة التي سنستغرقها لتقديم مسودة نهائية للكتاب الدراسي إلى وزارة التعليم. كنت أتَّبع إجراءً كنا نخطِّط أن نضمِّنه في منهجنا، وهو أنه لا تتمثل الطريقة الملائمة لاستخلاص معلومات من مجموعة ما في البدء بمناقشة عامة، بل من خلال جمع حكم كل شخص بصورة سرية. يوظِّف هذا الإجراء المعرفة المتوفرة لأعضاء المجموعة بصورة أفضل من الإجراء الشائع الخاص بالنقاش المفتوح. جمعت التقديرات وكتبت النتائج على السبورة. كانت النتائج جميعها تدور حول عامين؛ إذ بلغ الحد الأدنى من التقديرات عامًا ونصف العام، بينما بلغ الحد الأقصى عامين ونصف العام.
ثم خطرت لي فكرة أخرى؛ تحوَّلت إلى سيمور — خبير تطوير المناهج — وسألته عما إذا كان يستطيع التفكير في مجموعة أخرى تشبه مجموعتنا كانت قد وضعت منهجًا من الصفر. كان ذلك عندما ظهرت ابتكارات عديدة في طرق التدريس مثل «الرياضيات الحديثة»، وقال سيمور إن بإمكانه تذكُّر عدد قليل من هذه المجموعات. ثم سألته عما إذا كان يعرف تاريخ هذه المجموعات في شيء من التفصيل، واتَّضح معرفته بالكثير منها. طلبت منه تذكُّر هذه المجموعات عندما أحرزت تقدمًا مثلما أحرزنا. كم من الوقت استغرقوا — انطلاقًا من هذه النقطة — للانتهاء من مشاريع الكتب الدراسية؟
صمت سيمور. عندما تحدَّث أخيرًا، بدا لي وجهه وقد احمرَّ خجلًا، محرَجًا من إجابته: «أتعلم شيئًا؟ لم أدرك ذلك قبلًا قط، لكن جميع المجموعات التي بلغت مرحلة مثل مرحلتنا لم تكمل مهمتها أبدًا. انتهى المطاف بعدد كبير من هذه الفرق بالفشل في إكمال مهمتها.»
كان ذلك باعثًا على القلق؛ فلم نأخذ في الاعتبار على الإطلاق أننا ربما نفشل. مع تزايد بواعث قلقي، سألته عن النسبة التي يتوقعها للفشل؛ فأجاب قائلًا: «حوالي ٤٠٪.» هبطت سحابة من الكآبة في الغرفة. كان السؤال التالي بديهيًّا: «بالنسبة إلى أولئك الذين أكملوا المهمة … كم من الوقت استغرقهم الأمر؟» أجاب سيمور قائلًا: «لا أستطيع تذكُّر أي مجموعة أكملت مهمتها في أقل من سبع سنوات … أو مجموعات استغرقت أكثر من عشر سنوات.»
حاولت التشبث بقشة. سألته قائلًا: «عندما تقارن مهاراتنا ومواردنا بمهارات وموارد المجموعات الأخرى، كيف تقيِّم مستوى مجموعتنا؟ وكيف تقيِّمنا مقارنة بالمجموعات الأخرى؟» لم يتردد سيمور هذه المرة، فأجاب قائلًا: «نحن أقل من المتوسط … لكننا لا نبعد كثيرًا عن ذلك.» كان ذلك بمثابة مفاجأة لنا جميعًا، بما في ذلك سيمور، الذي كانت تقديراته السابقة تقع في إطار الإجماع المتفائل للمجموعة. وحتى حثثته على التفكير في الأمر، لم توجد صلة في عقل سيمور بين معرفته بتاريخ المجموعات الأخرى وتوقعه لمستقبل مجموعتنا.
لا يصف التعبير «كنا نعرف ذلك» حالتنا العقلية عندما سمعنا سيمور وصفًا جيدًا. بالتأكيد، كان جميعنا «يعرف» أن حدًّا أدنى يبلغ سبع سنوات و٤٠٪ فرصة فشل كانا يمثِّلان توقعًا مقبولًا أكثر لمستقبل مشروعنا من الأعداد التي كنا قد كتبناها على قصاصات الورق قبل دقائق. في المقابل، لم نقر بما كنا نعرف. ظل التوقع الجديد غير واقعي؛ نظرًا لأننا لم نستطع تخيُّل كيف يمكن أن يستغرق الانتهاء من مشروعٍ كلَّ هذه الفترة، والذي بدا قابلًا للتحكم في مساره على ما يبدو. لم تكن هناك كرة بلورية لتدلنا على المتتالية الغريبة للأحداث غير المحتملة التي ستقع في مستقبلنا. تمثَّل كل ما استطعنا رؤيته في خطة معقولة يجب أن تفضي إلى إنتاج كتاب في غضون حوالي عامين، وهو ما يتعارض مع إحصاءات تشير إلى أن المجموعات الأخرى كانت قد فشلت أو استغرقت وقتًا أطول من اللازم للانتهاء من مهمتها. كان ما سمعناه هو معلومات تعتمد على المعدلات الأساسية، وهي معلومات كان يجب علينا استنباط قصة سببية من خلالها: إذا كانت هناك مجموعات كثيرة فشلت، وإذا كانت تلك المجموعات التي نجحت استغرقت وقتًا طويلًا، فتعتبر عملية تأليف منهج دراسي أصعب كثيرًا بالتأكيد مما كنا نعتقد. لكن كان هذا الاستنباط سيتعارض مع خبرتنا المباشرة فيما يتعلق بالتقدم الطيب الذي كنا قد أحرزناه. جرى التعامل مع الإحصاءات التي قدمها سيمور باعتبارها معدلات أساسية مثلما يجري التعامل مع المعدلات الأساسية عادةً؛ أي بملاحظتها وتجاهلها على الفور.
كان يجب أن نتوقف عن العمل ذلك اليوم. لم يكن أحدنا راغبًا في قضاء ست سنوات أخرى من العمل في مشروع تبلغ فرص الفشل فيه ٤٠٪. على الرغم من أننا ربما شعرنا آنذاك أن المثابرة لم تكن أمرًا منطقيًّا، فلم يقدِّم التحذير سببًا وجيهًا لنا لأن نتوقف عن العمل في المشروع بشكل فوري. بعد دقائق من النقاش الفاتر، استجمعنا أنفسنا واستكملنا عملنا كما لو أن شيئًا لم يحدث. جرى الانتهاء من الكتاب أخيرًا بعدها بثماني سنوات. بحلول ذلك الوقت، لم أكن أقيم في إسرائيل ولم أعد عضوًا في المجموعة التي انتهت من المشروع بعد أحداث كثيرة غير متوقعة. كان الحماس في البداية للفكرة في وزارة التعليم قد خبا بحلول وقت الانتهاء من الكتاب الذي لم يستخدم قط.
تبقى هذه الواقعة المحرجة أحد أكثر الخبرات دلالة في حياتي المهنية. تعلمت في النهاية ثلاثة دروس من خلالها. كان الدرس الأول جليًّا بصورة مباشرة؛ ألا وهو أنني اكتشفت فرقًا بين أسلوبين غاية في الاختلاف للتوقع، وهما أسلوبان أطلقنا عليهما — عاموس وأنا — لاحقًا أسلوب الرؤية الداخلية وأسلوب الرؤية الخارجية. أما الدرس الثاني، فكان يتمثَّل في أن توقعاتنا الحدسية المبدئية لأن يستغرق المشروع مدة عامين للانتهاء منه كشفت عن مغالطة تخطيط. كانت تقديراتنا أقرب لأفضل السيناريوهات من التقييم الواقعي. كنت أبطأ في تقبل الدرس الثالث، الذي أطلق عليه المثابرة غير العقلانية؛ ألا وهو الحماقة التي أظهرناها جميعًا في عدم قدرتنا على التوقف عن العمل في المشروع. عند الاختيار، تخلَّينا عن العقلانية بدلًا من التخلي عن المشروع.
الانجذاب إلى الرؤية الداخلية
في يوم الجمعة البعيد هذا، أصدر خبير المناهج حُكمين حول المسألة نفسها وتوصل إلى إجابات مختلفة تمامًا. تمثِّل «الرؤية الداخلية» الرؤية التي تبنيناها جميعًا، بما في ذلك سيمور، تلقائيًّا لتقييم مستقبل مشروعنا. ركَّزنا على ظروفنا المحددة وبحثنا عن دلائل في خبراتنا. كانت لدينا خطة عامة. فكنا نعرف عدد الفصول التي كنا سنكتبها، وكانت لدينا فكرة عن الفترة التي استغرقناها في كتابة الفصلين اللذين كنا قد انتهينا منهما. كان الأكثر حذرًا بيننا يضيف بضعة أشهر لتقديراتهم من قبيل هامش الخطأ.
كانت عملية الاستقراء الخارجي خطأً. لقد كنا نُجري توقعاتنا بناءً على المعلومات المتاحة أمامنا — مبدأ «ما تراه هو كل ما هناك» — لكن ربما كانت الفصول التي كتبناها أسهل من الفصول الأخرى، وكان التزامنا تجاه المشروع في حينها في ذروته. في المقابل، كانت المشكلة الرئيسية تتمثل في أننا فشلنا في الأخذ في الاعتبار ما أطلق عليه دونالد رامسفيلد في عبارة مشهورة «الأشياء المجهولة غير المعروفة». لم يكن ثمة طريقة بالنسبة لنا أن نتوقع — في ذلك اليوم — تتابع الأحداث التي كانت ستتسبب في استغراق المشروع كل هذا الوقت. لم يكن من الممكن توقع حالات الطلاق، والحالات المرضية، وأزمات التنسيق مع الجهات البيروقراطية التي تسببت في التأخير. لم تتسبب هذه الأحداث في إبطاء عملية الكتابة فحسب، بل أفضت أيضًا إلى فترات طويلة لم يجرِ خلالها سوى إحراز تقدم طفيف أو لا تقدم على الإطلاق. بالطبع، لا بد أن الأمر نفسه كان صحيحًا بالنسبة إلى المجموعات الأخرى التي كان سيمور يعرفها. كان أعضاء هذه المجموعات أيضًا غير قادرين على تصوُّر الأحداث التي ستجعلهم يقضون سبع سنوات للانتهاء — أو الفشل في الانتهاء — من مشروع كانوا يظنونه مشروعًا يسهل الفراغ منه سريعًا. مثلنا، لم تعرف هذه المجموعات شيئًا عن احتمالية وقوع الأحداث التي كانت تواجهها. هناك طرق كثيرة تفشل من خلالها أي خطة، وعلى الرغم من بُعد احتمال وقوع معظم هذه الطرق بحيث لا يمكن توقعها، لا تزال احتمالية حدوث «شيء» خطأ في مشروع كبير مرتفعة.
وجَّه السؤال الثاني الذي سألتُ سيمور إياه انتباهه بعيدًا عنا وتجاه فئة من الحالات المشابهة. قدَّر سيمور المعدل الأساسي للنجاح في تلك الفئة المرجعية بنسبة ٤٠٪ فشل، وسبع إلى عشر سنوات للانتهاء من المهمة الموكلة. بينما لم يرقَ استطلاع سيمور إلى المستويات العلمية في بحث الدلائل، إلا أنه قدَّم أساسًا عقلانيًّا لوضع توقع أساسي؛ ألا وهو التوقع الذي يُوضع حيال حالة ما إذا لم تكن تعلم شيئًا بخلاف فئة الأحداث التي تنتمي إليها الحالة. مثلما رأينا سابقًا، يجب أن يمثِّل «التوقع الأساسي» القيمة المرجعية للتعديلات اللاحقة. فإذا طُلب منك تخمين طول امرأة لا تعلم عنها سوى أنها تعيش في نيويورك، فيعتبر التوقع الأساسي هو أفضل تخمين لمتوسط طول النساء في هذه المدينة. إذا قدمت لك معلومات محددة خاصة بالحالة، مثل أن ابن المرأة هو لاعب ارتكاز في فريق كرة السلة في مدرسته الثانوية، ستجري عملية تعديل لتقديرك بعيدًا عن المتوسط في الاتجاه الصحيح. أوضحت مقارنة سيمور بين مجموعتنا والمجموعات الأخرى أن توقعنا لنتيجتنا كان أسوأ قليلًا من التوقع الأساسي، الذي كان غير مبشر.
كانت الدقة المدهشة في توقع الرؤية الخارجية في مسألتنا مصادفة بالتأكيد، ولا يجوز اعتبارها دليلًا على صحة «الرؤية الخارجية». يجب أن تعتمد الرؤية الخارجية على أسس عامة: إذا جرى اختيار الفئة المرجعية بطريقة ملائمة، فستقدِّم الرؤية الخارجية مؤشرًا على النطاق التقريبي للأمر، وربما تشير — مثلما في حالتنا — إلى أن توقعات الرؤية الداخلية لا تقترب حتى من توقعاتها.
بالنسبة إلى عالم نفس، يعتبر التباين بين حكمي سيمور مدهشًا. بينما كان سيمور يمتلك في رأسه كل المعرفة اللازمة لوضع تقدير بإحصاءات فئة مرجعية مناسبة، توصل سيمور إلى تقديره المبدئي دون استخدام هذه المعرفة على الإطلاق. لم يكن توقع سيمور من خلال الرؤية الداخلية تعديلًا لقيمة التوقع الأساسي — التي لم تَرِد إلى عقله — بل كان يعتمد على الظروف الخاصة بمشروعنا. ومثل المشاركين في تجربة توم دبليو، كان سيمور يعرف المعدل الأساسي المناسب، لكنه لم يفكر في استخدامه.
على عكس سيمور، لم يتوفر لنا الاطلاع على الرؤية الخارجية، ولم يكن في وسعنا وضع توقع أساسي معقول، لكن من الجدير بالملاحظة أننا لم نشعر بحاجتنا إلى المعلومات حول المجموعات الأخرى لوضع توقعاتنا. أدهش طلبي تقديم رؤية خارجية الجميع، بما في ذلك أنا! هذا نمط شائع؛ فنادرًا ما يحتاج الأشخاص الذين يمتلكون معلومات حول حالة فردية إلى معرفة إحصاءات الفئة التي تنتمي إليها الحالة.
عندما قُدِّمت إلينا الرؤية الخارجية في النهاية، تجاهلناها جميعًا. نستطيع إدراك ما حدث لنا؛ فهو شيء يشبه التجربة التي أشارت إلى عدم جدوى تدريس علم النفس. عندما وضعوا توقعات حول الحالات الفردية التي لم يكونوا يمتلكون معلومات كثيرة عنها (مقابلة قصيرة وعادية)، أهمل طلاب نيسبت وبورجيدا تمامًا النتائج العامة التي كانوا قد عرفوها. يجري تجاهل المعلومات الإحصائية «المملة» عندما لا تتوافق مع انطباعات المرء الشخصية حول إحدى الحالات. ففي صراعها مع الرؤية الداخلية، لا توجد فرصة للنجاح للرؤية الخارجية.
يحمل تفضيل الرؤية الداخلية في بعض الأحيان درسًا أخلاقيًّا خفيًّا. سألتُ ابن عمي — وهو محام متميز — سؤالًا حول إحدى الفئات المرجعية: «ما احتمالية أن يكسب المدعى عليه في قضايا كهذه؟» صاحَب إجابته التي تنم عن ذكاء حاد أن «كل قضية مختلفة عن الأخرى.» نظرةٌ بيَّنت أن ابن عمي وجد سؤالي غير ملائم وسطحيًّا. يعتبر التأكيد الشديد على تميز كل حالة أمرًا شائعًا أيضًا في الطب، على الرغم من التطورات الأخيرة في الطب القائم على الدلائل التي تشير إلى الاتجاه المعاكس. أظهرت التوقعات الأساسية والإحصاءات الطبية وجود معدلات متزايدة في الحوارات بين المرضى والأطباء. في المقابل، يجري التعبير عن التعارض المتبقي حول الرؤية الخارجية في مهنة الطب من خلال المخاوف حيال الإجراءات المجردة التي تحددها الإحصاءات وقوائم التحقق.
مغالطة التخطيط
-
تقترب بصورة غير واقعية من أفضل السيناريوهات.
-
يمكن تحسينها من خلال الاستعانة بإحصاءات حالات مشابهة.
-
في يوليو ١٩٩٧، كان من المقدَّر أن يتكلف المبنى الجديد للبرلمان الاسكتلندي في أدنبرة حوالي ٤٠ مليون جنيه استرليني. بحلول يونيو ١٩٩٩، بلغت ميزانية المشروع ١٠٩ ملايين جنيه استرليني. في أبريل ٢٠٠٠، حدد المسئولون ١٩٥ مليون جنيه استرليني ﮐ «سقف للنفقات». بحلول نوفمبر ٢٠٠١، طلبوا وضع قيمة تقديرية «للتكلفة النهائية»، التي بلغت ٢٤١ مليون جنيه استرليني. زادت تلك التكلفة النهائية التقديرية في عام ٢٠٠٢، فبلغت مع نهاية العام ٢٩٤٫٦ مليون جنيه استرليني. ثم ارتفعت مرة أخرى ثلاث مرات في عام ٢٠٠٣، فوصلت إلى ٣٧٥٫٨ مليون جنيه استرليني بحلول شهر يونيو. جرى الانتهاء من المبنى في عام ٢٠٠٤ بتكلفة نهائية بلغت ٤٣١ مليون جنيه استرليني تقريبًا.
-
بحثتْ دراسة أُجريت عام ٢٠٠٥ مشاريع السكك الحديدية التي جرى تنفيذها في جميع أنحاء العالم بين عامَي ١٩٦٩ و١٩٩٨. في أكثر من ٩٠٪ من الحالات، كانت تجري المبالغة في عدد الركاب المتوقع استخدامهم شبكة خطوط السكك الحديدية. على الرغم من نشر أوجه القصور هذه في تقدير عدد الركاب علنًا، فلم تتحسن توقعات عدد الركاب خلال تلك السنوات الثلاثين. ففي المتوسط، كان مخططو شبكات السكك الحديدية الجديدة يبالغون في عدد الأشخاص الذين سيستخدمون تلك الشبكات بنسبة ١٠٦٪، وكان متوسط نسبة تكلفة الأعداد الزائدة هذه ٤٥٪. مع تراكم المزيد من الدلائل، صار الخبراء أقل اعتمادًا على تلك التقديرات.
-
في عام ٢٠٠٢، كشف استطلاع حول مالكي المنازل الأمريكيين الذين أعادوا تصميم مطابخهم عن أنه — في المتوسط — كان هؤلاء يتوقعون أن تتكلف عملية التعديل ١٨٦٥٨ دولارًا، ثم انتهى بهم المطاف بدفع مبلغ ٣٨٧٦٩ دولارًا في المتوسط.
لا يُعتبر تفاؤل المخططين وصانعي القرار السبب الوحيد في زيادة النفقات. يقر متعهدو تجديد المطابخ وأنظمة التسليح (وإن لم يكن ذلك لعملائهم) بأنهم يحققون معظم أرباحهم من خلال الإضافات التي يجري إدخالها على الخطة الأصلية. تعكس حالات الفشل في التنبؤ في هذه الحالات عدم قدرة العملاء على تصوُّر مقدار تصاعد رغباتهم بمرور الوقت. ينتهي المطاف بهؤلاء بدفعهم مبالغ أكثر مما لو كانوا سيدفعون حال وضعهم خطة واقعية والتزامهم بها.
ليست الأخطاء في تقدير الميزانية المبدئية بريئة دائمًا. يدفع واضعِي الخطط غير الواقعية عادةً الرغبةُ في الموافقة على خططهم — سواءٌ من قبل رؤسائهم أو عملائهم — يدعمهم في ذلك معرفتهم بأن المشروعات نادرًا ما يجري تركها غير مكتملة فقط بسبب تجاوز النفقات أو مواعيد التسليم. في هذه الحالات، تقع المسئولية الأكبر في تجنب مغالطة التخطيط على صانعي القرار الذين يوافقون على الخطة. إذا لم يدرك هؤلاء الحاجة إلى رؤية خارجية، فسيرتكبون مغالطة تخطيط.
التخفيف من آثار مغالطة التخطيط
ربما يعتبر الميل السائد للتقليل من أهمية أو تجاهل المعلومات التوزيعية مصدرًا رئيسيًّا للخطأ في التوقع. يجب على المخططين إذن بذل كل ما في وسعهم لتأطير مشكلة التوقع بما ييسِّر من استخدام جميع المعلومات التوزيعية المتوفرة.
ربما تمثِّل هذه العبارة أهم نصيحة على الإطلاق فيما يتعلق بطريقة زيادة الدقة في التوقع من خلال الأساليب المحسنة. يُطلق على استخدام المعلومات التوزيعية من خلال الحالات الأخرى المشابهة لتلك الحالات التي يجري وضع توقعات لها الاستعانة ﺑ «رؤية خارجية»، وهي تمثِّل علاجًا لمغالطة التخطيط.
اكتسبت معالجة مغالطة التخطيط حاليًّا اسمًا اصطلاحيًّا: «التوقع اعتمادًا على الفئة المرجعية»، وهي المعالجة التي طبقها فلوبيير في مجال مشروعات النقل في دول عديدة. تُنفَّذ الرؤية الخارجية من خلال استخدام قاعدة بيانات ضخمة توفِّر معلومات حول خطط ونتائج مئات المشاريع حول العالم، ويمكن استخدامها في توفير معلومات إحصائية حول التكاليف الزائدة وتجاوز مواقيت تسليم المشروعات المحتملة، وحول ضعف الأداء المحتمل للمشروعات من أنواع مختلفة.
- (١)
تحديد الفئة المرجعية الملائمة (تجديدات المطابخ، أو مشروعات خطوط السكك الحديدية الكبيرة … إلخ).
- (٢)
الحصول على إحصاءات الفئة المرجعية (بالنظر إلى التكلفة لكل ميل من خطوط السكك الحديدية، أو إلى النسبة التي تتجاوز النفقات عبرها الموازنة)، واستخدام الإحصاءات لوضع توقع أساسي.
- (٣)
استخدام المعلومات المحددة حول الحالة لتعديل قيمة التوقع الأساسية، إذا كانت ثمة أسباب محددة لتوقع أن يكون الانحياز التفاؤلي أكثر أو أقل بروزًا في هذا المشروع أكثر من المشروعات الأخرى من نفس النوع.
تهدف تحليلات فلوبيير إلى إرشاد الجهات المسئولة التي تقرر إطلاق المشروعات العامة، من خلال تقديم إحصاءات بتجاوز النفقات أو مواعيد التسليم في مشروعات مشابهة. يحتاج صانعو القرار إلى إجراء تقييم واقعي لتكاليف وفوائد أحد المقترحات قبل اتخاذ قرار نهائي بقبوله. ربما يرغب صانعو القرار أيضًا في وضع قيمة تقديرية في الميزانية للمبلغ الذي سيحتاجونه في حال تجاوز النفقات، على الرغم من أن هذه الإجراءات الاحترازية تصبح عادةً بمثابة نبوءات ذاتية التحقق، مثلما قال أحد المسئولين لفلوبيير: «يعتبر هذا المبلغ بالنسبة للمقاولين مثل اللحم الأحمر بالنسبة إلى الأسود، وسيلتهمونه.»
تواجه المؤسسات تحدي التحكم في ميل المسئولين التنفيذيين إلى التنافس على الموارد لتقديم خطط متفائلة أكثر مما ينبغي. تجزي المؤسسة المُدارة جيدًا مسئولي التخطيط على التنفيذ الدقيق للخطط، وتنزل بهم العقاب لفشلهم في توقع الصعوبات، ولفشلهم في إفساح المجال أمام صعوبات لم يستطيعوا توقعها؛ الأشياء المجهولة غير المعروفة.
القرارات والأخطاء
وقعت أحداث أمسية الجمعة تلك منذ أكثر من ثلاثين عامًا. كنت أفكِّر فيها كثيرًا، وكنت أذكرها في محاضراتي عدة مرات كل عام. بينما سئم بعض أصدقائي من قصة أمسية الجمعة تلك، ظللتُ أستخلص الدروس منها. بعد مرور حوالي خمسة عشر عامًا منذ أن كتبنا — عاموس وأنا — عن مغالطة التخطيط، عدتُ إلى الحديث عن الموضوع مع دان لوفالو. وضعنا معًا نظرية اتخاذ قرار يعتبر الانحياز التفاؤلي فيها مصدرًا رئيسيًّا للمخاطرة. في النموذج العقلاني التقليدي للنظرية الاقتصادية، يقوم الأشخاص بأعمال تنطوي على مخاطرة؛ نظرًا لأن فرص النجاح إيجابية. فيقبل الأشخاص وجود بعض الاحتمالية في فشل مكلف نظرًا لكفاية احتمالية النجاح. اقترحنا — لوفالو وأنا — فكرة بديلة.
عند وضع توقعات لنتائج مشروعات تنطوي على مخاطرة، يقع المسئولون التنفيذيون بسهولة شديدة ضحايا لمغالطة التخطيط. في قبضة المغالطة، يتخذ هؤلاء قرارات بناءً على تفاؤل موهوم أكثر من عملية تقييم عقلاني للمكاسب، والخسائر، والاحتمالات. يبالغ هؤلاء في تقدير الفوائد ويقللون من مقدار التكاليف. يضع هؤلاء سيناريوهات للنجاح بينما يتغاضون عن احتمالية ارتكاب الأخطاء وسوء التقديرات. بناءً عليه، يسعى هؤلاء وراء مبادرات لا تلتزم على الأرجح بالميزانية الموضوعة أو بالجدول الزمني المحدد، أو لا تفضي إلى النتائج المتوقعة، أو حتى يجري الانتهاء من تنفيذها.
وفق هذه الرؤية، ينفذ الأشخاص عادةً (لكن ليس دومًا) مشروعات تنطوي على مخاطرة؛ نظرًا لشعورهم بالتفاؤل المبالغ فيه حيال الفرص التي يواجهونها. سأعود إلى هذه النقطة مجددًا مرات عديدة في هذا الكتاب، والتي ربما ستسهم في تقديم تفسير لأسباب تقاضي الأفراد، وأسباب اندلاع الحروب، وأسباب تأسيس الشركات الصغيرة.
الفشل في الاختبار
لسنوات عديدة، ظننتُ أن الدرس الرئيسي من قصة الكتاب الدراسي كان يتمثَّل فيما عرفته عن صديقي سيمور، وهو أن توقعاته الجيدة حيال مستقبل مشروعنا لم تكن تعتمد على ما كان يعرفه حول المشروعات المشابهة. نجحت نجاحًا كبيرًا في سرد قصة الكتاب الدراسي، التي لعبت فيها دور المحقق الحاذق وعالم النفس الفَطِن. أدركت مؤخرًا فقط أنني لعبت دورَي المغفل الكبير والقائد غير الكفء.
بينما كان مشروع الكتاب مبادرة من جانبي، وكان يقع على عاتقي من ثم مسئولية ضمان إنجازه على الوجه الأكمل ومناقشة فريق العمل للمشكلات الرئيسية التي تواجه إكماله على نحو ملائم، إلا أنني فشلت في هذا الاختبار. لم تعد مشكلتي هي مغالطة التخطيط، فسرعان ما شفيتُ من هذه المغالطة فور سماعي ملخص سيمور الإحصائي. إذا كان قد جرى التضييق عليَّ للكشف عن حقيقة الأمور، كنت سأقول إن تقديراتنا الأولى كانت متفائلة بصورة غير معقولة، وإذا كان قد جرى التضييق عليَّ أكثر، كنت سأقر بأننا بدأنا المشروع اعتمادًا على مقدمات خاطئة، وأننا كان يجب علينا على الأقل أن نأخذ بعين الجدية خيار إعلان فشلنا وعدم إكمالنا للمشروع. لكن لم يضغط أحد عليَّ، ولم تكن هناك مناقشات؛ فقد اتفقنا ضمنيًّا على أن نستمر في العمل دون وضع توقع صريح للفترة التي سيستغرقها المشروع. كان هذا أمرًا سهلًا في تنفيذه؛ نظرًا لأننا لم نضع مثل هذا التوقع من البداية. إذا كنا قد وضعنا توقعًا أساسيًّا معقولًا عندما بدأنا العمل في المشروع، فلم نكن لننفذه، لكننا كنا قد بذلنا جهدًا كبيرًا فيه بالفعل، وهو مثال على مغالطة التكلفة الغارقة، التي سننظر فيها بمزيد من التفصيل في الجزء التالي من الكتاب. ربما كان الأمر سيصبح محرجًا لنا — خاصةً بالنسبة إليَّ — أن نتخلى عن المشروع في ذلك التوقيت، كما لم يكن ثمة سبب مباشر لعمل ذلك. فبينما يُعد من الأسهل بمكان تغيير الاتجاهات خلال إحدى الأزمات، لم يكن مشروع الكتاب يمر بأزمة، بل مجرد بعض الحقائق الجديدة حول أشخاص لم نكن نعرفهم. كان تجاهل الرؤية الخارجية أسهل كثيرًا من تجاهل الأخبار السيئة في مشروعنا. يمكنني أن أصف حالتنا باعتبارها أحد أشكال الكسل؛ أي عدم الرغبة في التفكير حول ما جرى. لذا؛ استمررنا في العمل في المشروع. لم تكن ثمة محاولة أخرى لإجراء عملية تخطيط عقلانية لباقي الوقت الذي قضيته عضوًا في الفريق، وهي سقطة مزعجة جدًّا لفريق كرَّس نفسه لتدريس العقلانية. آمل أن أكون أكثر حكمة اليوم، وقد اكتسبت عادة البحث عن الرؤية الخارجية. لكن لن يكون من الطبيعي عمل ذلك.
في الحديث عن الرؤية الخارجية
«إنه يعتمد على رؤية داخلية. يجب أن يغض النظر عن حالته ويراجع ما حدث في الحالات الأخرى.»
«إنها ضحية مغالطة التخطيط. فهي تفترض تحقق سيناريو أفضل الحالات، لكن هناك طرقًا كثيرة جدًّا تفشل الخطط عبرها، وهي طرق لا تستطيع تقديرها.»
«هب أنك لم تكن تعرف شيئًا عن هذه القضية خاصةً، سوى أنها تتضمن ادعاء سوء ممارسة من قبل أحد الأشخاص ضد أحد الجرَّاحين. ماذا سيكون التوقع الأساسي هنا؟ كم عدد القضايا التي تحرز نجاحًا في المحاكم في هذا الشأن؟ كم قضية يجري تسويتها دون الفصل فيها؟ ما حجم التعويضات؟ هل تعتبر القضية التي نحن بصددها أقوى أم أضعف من القضايا المشابهة؟»
«نضخ استثمارات إضافية؛ نظرًا لأننا لا نريد الإقرار بالفشل، وهو ما يعتبر مثالًا على مغالطة التكلفة الغارقة.»