اليسر الإدراكي
عندما تكون واعيًا — وربما حتى عندما لا تكون كذلك — تجري العديد من العمليات الحسابية في دماغك، وهي عمليات تحافظ على — وتحدِّث — الإجابات الحالية على بعض الأسئلة المهمة؛ مثل: هل يجري أي شيء جديد؟ هل هناك تهديد؟ هل تجري الأمور على ما يرام؟ هل يجب تحويل انتباهي؟ هل هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهد لإنجاز هذه المهمة؟ يمكن أن تتخيل معي كابينة تحكم تشتمل على مجموعة من العدادات التي تشير إلى القيم الراهنة لكل متغير من هذه المتغيرات الأساسية. تجري عمليات التقييم آليًّا عبر النظام ١، وتتمثل إحدى وظائفها في تحديد ما إذا كان يلزم بذل جهد إضافي من قبل النظام ٢.
يشير الشكل إلى أن أي جملة مطبوعة بخط واضح، أو جرى تَكرارها، أو جرى استباقها، ستجري معالجتها بطلاقة في يسر إدراكي. يستحث أيضًا الاستماع إلى متحدث عندما تكون في مزاج طيب — أو حتى عندما يكون هناك قلم موضوع عبر فمك لجعلك «تبتسم» — حالة يسر إدراكي. وعلى العكس، تمر بحالة ضغط إدراكي عندما تقرأ إرشادات مكتوبة بخط غير واضح، أو بألوان باهتة، أو مُصاغة في لغة معقدة، أو عندما تكون في مزاج سيئ، أو حتى عندما تقطِّب.
تحظى أسباب اليسر أو الضغط العديدة بآثار متبادلة. فعندما تمر بحالة يسر إدراكي، تكون على الأرجح في مزاج طيب، وتحب ما ترى، وتصدق ما تسمع، وتثق في حدسك، وتشعر أن الموقف الحالي موقف مألوف إلى حد كبير. من المحتمل أيضًا أن تكون عفويًّا وسطحيًّا نسبيًّا في طريقة تفكيرك. عندما تمر بحالة ضغط إدراكي، يُحتمل أكثر أن تكون أكثر يقظة وريبة، وأن تبذل جهدًا أكثر فيما تفعل، وتشعر براحة أقل، وترتكب أخطاء أقل، لكنك تكون أيضًا أقل حدسية وإبداعًا عن المعتاد.
أوهام التذكر
تستحضر كلمة «وهم» أوهامًا بصرية في العقل؛ نظرًا لأننا جميعًا نكون على دراية بالصور التي تضللنا. لكن ليست الرؤية هي مجال الأوهام الوحيد؛ إذ تتأثر الذاكرة أيضًا بها، مثلما يتأثر التفكير بها بصورة عامة.
ديفيد ستنبيل، ومونيكا بجوتسكي، وشانا تيرانا. هذه أسماء أتيت بها من وحي خيالي. إذا صادفت أيًّا من هذه الأسماء خلال الدقائق القليلة القادمة، فستتذكر على الأرجح أين رأيتها. أنت تعلم، وستظل تعلم لفترة، أن هذه الأسماء ليست أسماء شخصيات عامة معروفة بدرجة ما. في المقابل، هب أنه جرى عرض قائمة طويلة تتضمن عددًا من الأسماء بعد بضعة أيام من الآن، بما في ذلك بعض الشخصيات العامة التي ليست لها شهرة كبيرة وأسماء «جديدة» لأشخاص لم تسمع بهم من قبل. ستكون مهمتك هي التأكد من اسم كل شخصية عامة في القائمة. هناك احتمال كبير أن تشير إلى ديفيد ستنبيل باعتباره شخصًا معروفًا، على الرغم من أنك لن تعرف (على وجه التأكيد) ما إذا كنت صادفت اسمه في سياق الأفلام، أم الرياضة، أم السياسة. عنون عالم النفس لاري جاكوبي، الذي كان أول من بيَّن وهم الذاكرة هذا معمليًّا، بحثه «كيف تصبح مشهورًا بين عشية وضحاها». كيف يحدث هذا؟ ابدأ بسؤال نفسك كيف تعرف إذا ما كان أحد الأشخاص مشهورًا أم لا. في بعض حالات الأشخاص المشهورين فعلًا (أو في حالات الأشخاص المشهورين في مجال تتابعه)، تحظى بسجل عقلي يتضمن معلومات ثرية عن أحد الأشخاص، مثل ألبرت أينشتاين، وبونو، وهيلاري كلينتون. في المقابل، إنك لا تمتلك سجلًّا من المعلومات عن ديفيد ستنبيل إذا صادفت اسمه في غضون أيام قليلة. كل ما تمتلكه هو شعور بالألفة تجاه هذا الاسم؛ الشعور بأنك رأيت هذا الاسم في مكان ما.
عبَّر جاكوبي جيدًا عن هذه المسألة: «تتميز خبرة الألفة بطابع بسيط لكنه قوي من «الماضوية» التي يبدو أنها تشير إلى أنها انعكاس مباشر لخبرة سابقة.» يعتبر طابع الماضوية هذا وهمًا. حقيقة الأمر أن — مثلما بيَّن جاكوبي والكثير ممن تبعه — اسم ديفيد ستنبيل سيبدو مألوفًا عندما تراه «نظرًا لأنك ستراه أكثر وضوحًا». تصبح الكلمات التي رأيتها قبلًا أكثر سهولة عند رؤيتها مجددًا. فتستطيع تحديد هذه الكلمات بصورة أفضل من الكلمات الأخرى عند عرضها بسرعة أو إذا كان الضجيج يشوش على سماعها، وستكون أسرع (ببضعة آحاد من المائة من الثانية) في قراءتها من قراءة الكلمات الأخرى. باختصار، ستمر بخبرة يسر إدراكي أكبر في إدراك كلمة رأيتها قبلًا، وهذا الشعور باليسر هو ما يمنحك الانطباع بالألفة.
أوهام الحقائق
«نيويورك مدينة كبيرة في الولايات المتحدة.» «يدور القمر حول الأرض.» «تمتلك الدجاجة أربع أرجل.» في جميع هذه الحالات، استرجعت بسرعة كمية كبيرة من المعلومات ذات الصلة، يشير جميعها تقريبًا في اتجاه أو آخر. وقد علمت فور قراءة العبارات أن العبارتين الأوليين صحيحتان وأن الأخيرة خطأ. لاحظ في المقابل أن عبارة «تمتلك الدجاجة ثلاث أرجل» تعتبر خاطئة بصورة أوضح من «تمتلك الدجاجة أربع أرجل.» تبطئ ذاكرتك الترابطية من الحكم على صحة العبارة الأخيرة من خلال نقل حقيقة أن الكثير من الحيوانات تمتلك أربع أرجل، وربما أيضًا أن المتاجر عادةً ما تبيع أرجل الدجاج في عبوات تشتمل على أربع أرجل. اشترك النظام ٢ في تدقيق هذه المعلومة، ربما مثيرًا مسألة ما إذا كان السؤال عن مدينة نيويورك سهلًا أكثر من اللازم، أو باحثًا عن معنى كلمة «يدور».
تذكر المرة الأخيرة التي خضت فيها اختبار قيادة. هل صحيح أنك تحتاج رخصة خاصة لقيادة شاحنة تزن أكثر من ثلاثة أطنان؟ ربما ذاكرت بجد وتستطيع تذكر جانب الصفحة الذي توجد الإجابة فيه، فضلًا عن المنطق وراء ذلك. لم تكن هذه تأكيدًا الطريقة التي اجتزت بها اختبارات القيادة عندما كنت أنتقل إلى ولاية جديدة. كنت أقرأ كُتيب القواعد بسرعة مرة واحدة ثم آمل في أن تسير الأمور بخير وحسب. كنت أعلم بعض الإجابات من واقع خبرتي في القيادة مدة طويلة. في المقابل، كانت هناك أسئلة لم ترد إجابة جيدة عليها إلى عقلي، فيما كان ما يجب أن أمر به هو اليسر الإدراكي. إذا بدت الإجابة مألوفة، كنت أفترض أنها كانت صحيحة على الأرجح. إذا بدت الإجابة جديدة (أو بعيدة تمامًا)، فكنت أرفضها. ينشأ انطباع الألفة عن النظام ١، ويعتمد النظام ٢ على ذلك الانطباع للحكم بصحة/خطأ أمر ما.
كيف تكتب رسالة مُقنِعة؟
هَب أنه يجب عليك كتابة رسالة تريد أن يصدقها متلقوها. بالطبع، ستكون رسالتك صحيحة، لكن لن يكون ذلك بالضرورة كافيًا لأن يعتقد الناس أنها صحيحة. من المشروع تمامًا بالنسبة إليك أن تستعين باليسر الإدراكي ليعمل في صالحك، وتقدِّم دراسات «أوهام الصحة» مقترحات محددة قد تساعدك على تحقيق هذا الهدف.
بينما كلتا العبارتين خاطئتان (ولد هتلر عام ١٨٨٩)، أظهرت التجارب أن الأولى أكثر ميلًا إلى التصديق. إذا كانت رسالتك ستُطبَع، فأنصحك أن تستخدم ورقًا عالي الجودة لتعظيم التباين بين الأحرف والخلفية. إذا استخدمت الألوان، فستُصدق على الأرجح إذا كان نصك مطبوعًا في لون أزرق أو أحمر ساطع مما لو كان في الدرجات البينية للأخضر أو الأصفر، أو الأزرق الباهت.
إذا كنت تهتم بأن يُنظر إليك باعتبارك شخصًا ثقة وذكيًّا، فلا تستخدم لغة معقدة فيما يمكن أن تؤدي اللغة الأبسط المعنى ذاته. دحض زميلي في جامعة برينستون داني أوبنهايمر خرافة كانت شائعة بين طلاب الجامعة حول المفردات التي يعتبرها الأساتذة أكثر إثارة للإعجاب. في بحث بعنوان «آثار استخدام اللغة المتعالمة بغير ضرورة: مشكلات استخدام الكلمات الطويلة دون ضرورة»، بيَّن أوبنهايمر أن التعبير عن أفكار شائعة باستخدام لغة متصنعة يُعتبر علامة على الذكاء المحدود وقلة المصداقية.
جرى الحكم على المقولات باعتبارها أكثر حكمة عندما كانت مقفاة مما لم تكن غير ذلك.
أخيرًا، إذا استشهدت بأحد المصادر، فاختر واحدًا يسهل نطق اسمه. طُلب من المشاركين في إحدى التجارب إجراء عملية تقييم لمستقبل شركات تركية خيالية بناءً على تقارير صادرة عن شركتَيْ سمسرة. لسهم كل شركة من هذه الشركات، جاء أحد التقارير من شركة يسهل نطق اسمها (مثلًا، آرتان)، فيما جاء التقرير الآخر من شركة يصعب نطق اسمها (مثلًا، تاهوت). كان التقريران مختلفين في بعض الأحيان. وكان أفضل إجراء بالنسبة للمشاركين هو أخذ متوسط نتيجة التقريرين، لم يكن ذلك هو ما قاموا به. أعطى المشاركون وزنًا أكبر للتقرير الصادر عن آرتان من التقرير الصادر عن تاهوت. تذكر أن النظام ٢ كسول، وأن الجهد العقلي شيء غير محبب. إذا كان الأمر ممكنًا، يريد متلقو رسالتك أن يظلوا بعيدين عن أي شيء يذكرهم بالجهد، بما في ذلك مصدر اسمه معقد.
الضغط الإدراكي والجهد
كان التماثل في العديد من الصلات الترابطية موضوعًا سائدًا في النقاش حول التماسك الترابطي. مثلما رأينا سابقًا، يميل الأشخاص الذين يُجبرون على «الابتسام» أو «التقطيب» من خلال وضع قلم في أفواههم أو حمل كرة بين حواجبهم المقطَّبة إلى المرور بالمشاعر التي يعبر عنها التقطيب والابتسام عادةً. توجد التبادلية التي تؤكد نفسها أيضًا في دراسات اليسر الإدراكي. فمن جانب، يمر المرء بحالة الضغط الإدراكي عندما تؤدي العمليات المجهدة للنظام ٢ عملها. على الجانب الآخر، تميل حالة الضغط الإدراكي، مهما كان مصدرها إلى شحذ النظام ٢، منتقلة بالأشخاص من معالجة المشكلات وفق نمط حدسي عَرَضي إلى نمط أكثر انخراطًا وتحليلًا.
إذا كانت ٥ آلات تنتج ٥ معدات في ٥ دقائق، فكم من الوقت تستغرقه ١٠٠ آلة لصناعة ١٠٠ معدة؟
١٠٠ دقيقة أم ٥ دقائق؟
الإجابتان الصحيحتان على كلتا المسألتين هما ٥ و٤٧، على التوالي. استعان القائمون على التجربة بأربعين طالبًا من طلاب جامعة برينستون لإجراء اختبار التفكير الإدراكي. رأى نصف الطلاب المسألتين بخط صغير في لون رمادي غير ظاهر. بينما كانت المسألتان مقروءتين، استدعى الخط حالة ضغط إدراكي. تشير النتائج إلى مسألة واضحة. بينما ارتكب ٩٠ في المائة من الطلاب الذين عُرض عليهم اختبار التفكير الإدراكي في خط عادي خطأ واحدًا على الأقل، انخفضت النسبة إلى ٣٥ في المائة عندما كان الخط مقروءًا بالكاد. بعبارة أخرى، كان الأداء أفضل عندما كان الخط سيئًا. يشحذ الضغط الإدراكي، مهما كان مصدره، النظام ٢، الذي يرفض على الأرجح الإجابة الحدسية التي يقترحها النظام ١.
متعة اليسر الإدراكي
يتناول بحث عنوانه «العقل المستريح يرسم ابتسامة على الوجه» تجربة يُعرض على المشاركين فيها لفترة وجيزة صور لأشياء. جُعلت بعض هذه الصور أكثر سهولة في التعرف عليها من خلال عرض ملامحها العامة قبيل عرض الصورة الكاملة مباشرة عرضًا في وقت قصير للغاية، بحيث لا يجري التعرف على ملامح الصورة الأساسية على وجه الدقة. جرى قياس ردود الأفعال الشعورية من خلال تسجيل الإشارات الكهربية من عضلات الوجه، مع تسجيل أي تغييرات دقيقة وقصيرة للغاية للتعبير، والتي يصعُب على المشاركين في التجربة تحديدها. مثلما كان متوقعًا، أظهر المشاركون ابتسامة طفيفة وكانت حواجبهم مسترخية عندما كان يسهُل رؤية الصور. يبدو أن ارتباط اليسر الإدراكي بالمشاعر الطيبة يعتبر أحد ملامح النظام ١.
عندما انتهى نشر سلسلة الإعلانات الغامضة، أرسل القائمون على التجربة استطلاعات رأي إلى طلاب الجامعة، يطلبون منهم فيها التعبير عن انطباعاتهم عما إذا كانت كل كلمة «تعني شيئًا «جيدًا» أو شيئًا «سيئًا».» كانت النتائج مدهشة. مُنحت الكلمات التي جرى عرضها بصورة أكثر تَكرارًا درجة أفضلية أعلى من الكلمات التي جرى عرضها مرة واحدة أو مرتين. تأكدت النتائج في أكثر من تجربة باستخدام العلامات الصينية، والأوجه، وأشكال مضلعة عشوائية.
لا يعتمد أثر التعرض المحض على الخبرة الواعية للألفة. في حقيقة الأمر، لا يعتمد هذا الأثر على الوعي على الإطلاق. يتحقق أثر التعرض المحض حتى عند عرض الكلمات أو الصور المتكررة بسرعة فائقة بحيث لا يتمكن المشاركون في التجربة من معرفة ما إذا كانوا رأوها أو لا. ينتهي المطاف بالمشاركين بتفضيل الكلمات أو الصور التي جرى عرضها بصورة أكثر تكرارًا. مثلما يجب أن يكون الأمر جليًّا الآن، يستطيع النظام ١ الاستجابة للانطباعات حول الأحداث التي لا يكون النظام ٢ على وعي بها. في حقيقة الأمر، يعتبر أثر التعرض المحض أكثر قوة بالنسبة إلى المثيرات التي لا يراها المرء أبدًا بصورة واعية.
رأى زاينتس أن أثر التكرار على الإعجاب بالأشياء هو حقيقة بيولوجية مهمة كثيرًا، وأنها مسألة تنسحب على جميع الحيوانات. فحتى يتسنى له البقاء في عالم خطر باستمرار، يجب أن يتصرف الكائن الحي بحذر تجاه أي مثير جديد، من خلال الانكفاء على الذات والخوف. تعتبر فرص البقاء بالنسبة إلى الحيوان الذي لا يحذر من الأشياء الجديدة ضئيلة. في المقابل، من قبيل التكيف أن يخفت تدريجيًّا رد فعل الحذر المبدئي إذا ثبت أن المثير آمن. يرى زاينتس أن أثر التعرض المحض يقع نظرًا لأن التعرض المتكرر لأحد المثيرات لا يتبعه شيء سيئ. يصبح هذا المثير في نهاية المطاف علامة على السلامة التي تُعد شيئًا جيدًا. من الواضح أن هذا الطرح لا يقتصر على البشر فقط. لتوضيح هذه المسألة، عرَّض أحد زملاء زاينتس مجموعتين من بيض الدجاج المخصَّب إلى نغمتين مختلفتين. بعد فقس البيض، عبَّرت الكتاكيت عن استغاثات أقل عند تعريضها للنغمة التي كانت قد سمعتها أثناء وجودها في قشرة البيض.
يستفيد الكائن من الآثار المترتبة على عمليات التعرض المتكررة، في علاقاته بالبيئة العاقلة وغير العاقلة المباشرة. تسمح هذه الآثار للكائن بتمييز الأشياء والأماكن الآمنة عن تلك التي ليست كذلك، وتُعد هذه الآثار هي أكثر الأسس بدائية للتعلق الاجتماعي؛ بناءً عليه، تشكِّل هذه الآثار الأساس للتنظيم والتلاحم الاجتماعي، اللذيْن يُعدان المصدرين الأساسيين للاستقرار النفسي والاجتماعي.
تحظى العلاقة بين المشاعر الإيجابية واليسر الإدراكي في النظام ١ بتاريخ تطوري طويل.
اليسر الإدراكي والمزاج والحدس
نحو عام ١٩٦٠، اعتقد عالم نفس شاب يُدعى سارنوف ميدنيك أنه استطاع تحديد جوهر عملية الإبداع. كانت فكرته بسيطة بقدر ما كانت قوية: يمثل الإبداع الذاكرة الترابطية التي تعمل بصورة جيدة للغاية. وضع ميدنيك اختبارًا سماه «اختبار التداعي البعيد» الذي لا يزال مستخدمًا في دراسات الإبداع.
تمثلت المفاجأة الأولى في أن تخمينات المشاركين كانت أكثر دقة بكثير مما لو كانت تخمينات عشوائية. أجد هذا مدهشًا. يتولد شعور باليسر الإدراكي فيما يبدو من خلال إشارة ضئيلة للغاية تصدر عن آلية التداعي، التي «تعرف» أن الكلمات الثلاث متماسكة (تشترك في رابط) قبل وقت طويل من استرجاع الترابط. تأكد دور اليسر الإدراكي في إصدار الأحكام معمليًّا عن طريق فريق ألماني آخر: تؤدي الأمور التي تزيد من اليسر الإدراكي (مثل الاستباق، والخط الواضح، والكلمات التي تم التعرض لها مسبقًا) إلى زيادة الميل للنظر إلى الكلمات باعتبارها مترابطة.
يتمثل اكتشاف آخر لافت للنظر في الأثر الهائل للمزاج على الأداء الحدسي. قام المسئولون عن التجربة بحساب «مؤشر حدس» لقياس الدقة. وجد هؤلاء أن توفير مناخ للمزاج الطيب للمشاركين قبل إجراء الاختبار عن طريق جعلهم يفكرون في أفكار سعيدة يزيد دقة الإجابة بمقدار الضعف. كانت النتيجة الأكثر إدهاشًا هي أن المشاركين غير السعداء كانوا غير قادرين على الإطلاق على أداء الاختبار الحدسي بدقة. ولم تكن تخميناتهم أفضل من التخمينات العشوائية. يؤثر المزاج بوضوح على عمليات النظام ١. فعندما نكون غير مرتاحين وغير سعداء، نفقد صلتنا بحدسنا.
تدعم هذه النتائج الدلائل المتزايدة على أن المزاج الطيب، والحدس، والإبداع، والتلقائية، والاعتماد المتزايد على النظام ١؛ تشكل جميعها مجموعة مترابطة. على الطرف الآخر، يرتبط الحزن، والحذر، والشك، والأسلوب التحليلي، والجهد المتزايد ببعضها. يؤدي المزاج السعيد إلى تقليل تحكم النظام ٢ في الأداء. عندما يكون مزاج الناس طيبًا، يصبح الناس أكثر حدسًا وإبداعًا، لكنهم يصبحون أقل حذرًا وأكثر ميلًا لارتكاب الأخطاء المنطقية. هنا مرة أخرى، مثلما هو الحال في أثر التعرض المحض، تعتبر العلاقة ذات جانب بيولوجي. فالمزاج الطيب مؤشر على أن الأمور تسير على ما يرام عامةً، وأن البيئة آمنة، وأن من المقبول تخلي المرء عن حذره. يشير المزاج السيئ إلى أن الأمور لا تسير على ما يرام، وأنه ربما يكون هناك تهديد، وأن الحذر مطلوب. يعتبر اليسر الإدراكي سببًا ونتيجة في آن واحد للمزاج الطيب.
الدلائل المتوفرة لدينا حول المشاعر الطيبة، واليسر الإدراكي، والحدس الخاص بالتماسك، مثلما يشير العلماء، ارتباطية وليست سببية بالضرورة. يحدث اليسر الإدراكي والابتسام معًا، لكن هل تؤدي المشاعر الطيبة إلى حدس خاص بالتماسك؟ الإجابة هي نعم. يتوفر الدليل من خلال تجربة بارعة تصير أكثر شعبية كل يوم. فقد عُرض على بعض المشاركين قصة خيالية قدَّمت تفسيرًا بديلًا لمشاعرهم الطيبة. أُخبر المشاركون عن الموسيقى التي يسمعونها في سماعات الأذن بأن «البحوث السابقة أظهرت أنها تؤثر على ردود الأفعال الشعورية للأفراد.» لا تتضمن هذه القصة أي إشارة إلى الحدس الترابطي. تشير نتائج التجربة إلى أن رد الفعل الشعوري القصير الذي يتبع عرض ثلاثية الكلمات (رد فعل شعوري سار إذا كانت الثلاثية مترابطة، وغير سار إذا لم تكن كذلك) هو الأساس الذي تصدر من خلاله الأحكام حول التماسك. لا يوجد شيء هنا لا يستطيع النظام ١ تنفيذه. يجري توقع التغييرات الشعورية، ونظرًا لأنها غير مفاجئة لا ترتبط سببيًّا بالكلمات.
هذا أفضل ما توصلت إليه البحوث النفسية، في جمعها بين الأساليب المعملية ونتائجها، التي تتميز بأنها حيوية ومفاجئة معًا. عرفنا الكثير عن العمليات الآلية للنظام ١ في العقود الأخيرة. وكان سيُعد كثير مما نعرفه الآن من قبيل الخيال العلمي منذ ثلاثين أو أربعين سنة مضت. فقد كان يُعد شيئًا وراء الخيال أن يؤثر الخط السيئ على الأحكام حول صحة الأشياء ويحسِّن الأداء الإدراكي، أو أن يؤدي رد الفعل الشعوري تجاه اليسر الإدراكي لإحدى ثلاثيات الكلمات إلى توفر انطباعات بالتماسك. لقد قطع علم النفس شوطًا طويلًا في هذا المجال.
في الحديث عن اليسر الإدراكي
«دعنا لا نتجاهل خطة عملهم فقط لأن الخط المكتوبة به يجعلها أصعب في قراءتها.»
«نميل إلى الاعتقاد في صحة الأمر لأنه تكرر كثيرًا، لكن دعنا نفكر فيه مليًّا مرة أخرى.»
«تؤدي الألفة إلى الإعجاب. هذا هو أثر التعرض المحض.»
«مزاجي طيب للغاية اليوم، والنظام ٢ الخاص بي أضعف من المعتاد. يجب أن أكون أكثر حذرًا.»