المنظر الأول
(المكان كما كان في الفصل الأول إلا أن خيمة مالك قريبة جدًّا تملأ
المسرح أو تكاد، ويبدو بابها كأنه ستر مسدول ولا أثر لعين ذات الأصاد، ولا لسائر خيام
بني عبس، ويرى مقدم المسرح كأنه طريق عام أمام الخباء. الوقت في الأصيل وقد وقفت عبلة
وناجية توصوصان من ثقوب في باب الخباء ثم تتحدثان.)
المشهد الأول
عبلة
:
مَنْ يا ترى الرجالُ مَنْ؟
أتى الحمَى يا ناجيهْ؟
ناجية
:
ضيوفُكُم من عامرٍ
من السَّراة العاليه
ناجية
:
لا أدْرِي ما يطلبونا
عساهمو رسْل خيْر
لعلهم خاطبونا
عبلة
:
من عامر أجلْ عرفتُ بعضَهم
ويَخطبونَ عندنا مَنْ يا تُرى؟
ناجية
:
أظنُّ بنتَ مالك عالمةً
بكل ما جرى ويجري في الحمَى
ومنْ عسى يُخْطَبُ في الحيِّ سوى
عَبْلة ربة السَّناءِ والسنا؟
عبلة
:
هازلةٌ يا أختُ أم مجنونةٌ
أنت؟ أجاء القومُ من أجلي أنا؟
ناجية
:
لا تنكري عبلةُ لا تجَاهلي
لم يبق سرًّا أمْرُ ذلك الفَتى
عبلة
:
لعله الذي
في كل مَغرب على الماء يُرى
عبلة
:
لا
أخْطاك ما حسبت يا ناجيَ لا
عبلة
:
اذهبي
به متى أخذتُه منك متى؟
(تنصرف عبلة من اليسار غير عابئة، وتعود ناجية إلى الوصوصة من
ثقوب الخباء، وبعد لحظات يقدم صخر من اليمين متأبطًا صرة فيها ثياب.)
المشهد الثاني
ناجية
:
عِمْ صباحًا يا عامريُّ إلى أينَ؟
ناجية
:
عبلةٌ تَرى الذئـ
ـبَ في جَوْز الفيافي لكنها لا تَراكا
ناجية
:
لم أقل غيرَ حقٍّ
هي يا عامريُّ تهوَى سواكا
ناجية
:
خُدعْتَ ولم يَصدقْـ
ـكَ شيطانُك الذي منَّاكا
صخْرُ دع عبلةَ وخلِّ هواها
وتحَوَّلْ إلى التي تَهْواكا
صخر
:
أنا أهوى سواك يا أختَ عبْسٍ
ناجية
:
امض لا نلتَ يا غبيُّ مُناكا
(ينصرف صخر من ناحية اليسار، ثم تتبعه ناجية بعد قليل من
التفكير، ثم ينجاب الستار المسدول من ناحية الخباء.)
المنظر الثاني
(داخل خيمة مالك وتبدو النعمة على كل ما فيها وقد جلس مالك القرفصاء
في جانب وجلس في جواره وفي الجانب الآخر رجال بني عامر. خدم وقوف بباب في صدر
الخباء.)
المشهد الأول
مالك
:
الجزورَ الجزورَ، النارَ النار،
قرى الضيف ضيفنا اليوم عامرْ
(ينصرف الخدم)
المشهد الثاني
مالك
:
يا مرْحَبًا بعامرِ
العليةِ الأكابرِ
حَظٌّ لعمْري عظيم
آخر
:
في البيد مالكُ قولٌ شائع
نُريد أن نعْلَم منكَ خبرَهْ
ثم نخوض في الذي جئنا له
مالك
:
هاتوا اسألوني راشدينَ بَررَهْ
ما ذاكَ؟ْ
الضيف
:
إن الناسَ قد تحدثوا
أنك لن تَرْضَى بغير عنترةْ
مالك
:
مَنْ قال؟ ذاك كذِبٌ
أيطمعُ الأسَودُ أن أصاهره؟
الضيف
:
(ثم يلتفت حوله)
لا يسْمَعَنَّ ابنُ الإماءِ لا يره!
آخر
:
عبلةُ لا تُهدَى إلى ابن أمَةٍ
يَرْعى الشُّوَيْهاتِ ويَسْقي الأبعرَهْ
آخر
:
أبا عبلةٍ جِئْناكَ نخْطبُ عبلةً
الأول
:
لنجيبٍ سَيِّدٍ وابن سَيِّدِ
لأبَيضَ من فِتْيان عامرَ ماجدٍ
وليس لعبدٍ عند شدادَ أسودِ
آخر
:
ألف مرهْ
وسمعَ الحرُّ حديثَ الحرَّهَ
مالك
:
أصيخوا لي: أصاحبكم شجاعٌ؟
فعبلةُ تُبغضُ الرجلَ الجبانا
أحدهم
:
كلَيْثِ الغاب إقدامًا وكرًّا
إذا اعتقَلَ المهنَّدَ والسِّنانا
مالك
:
أصيخوا لي: أصاحبكم جواد؟
فعبلةُ تُبغضُ الرجلَ البخيلا
أحدهم
:
يكادُ ندَى يديه حين يهمي
يُنَسّي حاتمَ السمحَ المنيلا
مالك
:
أصيخوا لي: أصاحبكم جميلٌ؟
فعبلة تبغض الرجلَ الدَّميما
أحدهم
:
ألم تره ألم تنظُرْ إليه!
إذَنْ لم تُبصر الملَكَ الكريما
مالك
:
أصيخوا لي: أصاحبكم فصيحٌ؟
فعبلة تبغضُ الرجُّل العَييَّا
أحدهم
:
ألم تر قطُّ قُسًّا في عكاظٍ؟
وَسَحْبانًا إذا شهدَ النَّديَّا؟
مالك
:
أصيخوا لي: أصاحبُكم رقيقٌ؟
فعبلة تبغض الرجل العنيفَا
أحدهم
:
ستُلْفيه إذا حُملت إليه
وديعًا مثل نَعْجَتِها ألُوفا
مالك
:
أصيخوا لي: أصاحبكم غنيٌّ؟
فعبلةُ طفلةٌ تهوَى الثَّراءَ
أحدهم
:
سنُسكنها القصورَ كبنت كسْرَى
ونُلبِسُها الجواهرَ والفراء
آخر
:
ذكرْنا شيخَ عبس كلَّ شيء
ولم تذكر لنا مهرَ الفتاةِ
آخر
:
فَهَيّا سل اقترح ما شئْتَ هَيّا
أألفُ نجيبة أم ألفُ شاةِ؟
مالك
:
عَلِمْتُم أنني مُثْرٍ غنيٌّ
فلا أبغي النِّعاج ولا النّياقا
ولستُ بجاعل مهرًا لبنتي
هجانَ الإبل والخيْلَ العتاقا
مالك
:
أريد شيئًا
لو ابتُلِيَ الحديدُ به لضاقا
مالك
:
وما انتفاعي
ولو حَمَّلتُ صخرًا ما أطاقا
أصيخوا لي: اذهبوا قولوا لصخْر
يُقدّم رأسَ عنترةٍ صداقا
آخر
:
نقولُ له انتزعْ قُللَ الرواسي؟
نقول له اهْدم السَّبْع الطّباقا؟
نقول له تُطَالِبُه بمهر
تضيق به القبائل أن يُساقا
آخر
:
ولِمْ لا؟ ما هنالك مستحيلٌ
هناك دمٌ سُئلنا أن يُراقا
أليسَ المالُ يصنعُ كلَّ شيء؟
ويرْشُو السُّمْرَ والبيضَ الرّقاقا
ولو هبط الأباطحَ مالُ صخر
لغَطَّى الشامَ أو غمرَ العراقا
إذا أعياه رأسُ العبد أغْرَى
مواليَ بيته ورشَا الرِّفاقا
مالك
:
الآن فَهمتُمُو قد ضقتُ ذَرْعًا
بعنترةٍ وضقت به خناقا
أريد العبد مَيْتًا ما أُبالي
قَضَى بالسيف أم مَاتَ اخْتناقا
أريد فراقه وأريدُ حرًّا
من الأصْهَار يُبلغُني الفراقا
إذا ذاق الهلاك لنا عدوٌّ
أنسأل عنه أينَ وكيف ذاقا؟
أحد الضيوف
:
في غد نحرٌ وقِدر
في غد دُفٌّ وزامرْ
انهضوا بوركَ في الصِّهْر
لعبس ولعامرْ
(يهمون بالقيام)
مالك
:
مكانكم يا ضيوفَ عبْس
هُنَيهةً تَطْعَمُوا المجيعا
مَجيعُ البيد من لبن وتَمر
ولا تلقاهُ إلا عند عبس
إذا الغلمانُ للأضياف قاموا
فإني خادمٌ ضيفي بنفسي
(ثم يخرج ليأتيهم بالطعام)
المشهد الثالث
أحدهم للآخر
:
لقد كذبتَ كثيرا
وقلتَ والله زُورا
قد زدْتَ للشاة شاةً
وللبعير بَعيرا
وقد صَنَعْتَ لصخر
مخالبًا وزئيرا
وربما طار صخرٌ
إذا رأى عُصْفُورا!
الآخر
:
أجل كذبتُ وما ضرَّ
لستُ أول كاذبْ
وكلُّنا قد كذبنا
لكي نقوم بواجب
لقد خطَبْنَا لصخر
والكذْب فنُّ الخواطب
ثالث
:
ومالكٌ كيف نسيتُمْ
كلمات قالها
مُباهيًا ببنْته
ومُظهرًا كمالَها
سمعناه يقولُ ولا يُبالي
فعبْلة تُبغضُ الرجُلَ الدَّميما
ولم نَر قبل عبلَةَ في البَوادي
فتاةً عُلِّقَت عبدًا زَنيما
سمعناه يقول ولا يُبَالي
فعبلةَ تُبغض الرجلَ العنيفَا
ولم نَر قبلَ عبلةَ في البوادي
فتاةً علِّقَت ذئبًا مُخيفَا
(يدخل مالك حاملًا قصعة فيها طعام ومن ورائه غلمان يحملون
مثلها، توضع القصاع على الأرض وينصرف الغلمان.)
المشهد الرابع
مالك
:
المجيعَ المجيع يا ضيفَ عبس
اطعمُوه اطْعُموا هنيئًا مريئا
(يقبل الحاضرون كلهم على القصاع)
أحدهم
:
ألبانُ عبسٍ تفضلُ العُقَارا
مالك
:
الآن استعملوا الحزْمَ
فما نعلَم ما يطرا
بني عامرَ لا تُجْروا
لما كان هنا ذكْرا
أحدهم
:
أبا عبلةَ لا تَخْشَ
سيبقى ما جرى سرَّا
آخر
:
وما ضرَّ إذا نحنُ
أذعْنا الأمرَ؟ ما ضرَّا؟
ولِم لا نذكُر الخطبةَ
أو لا نعلنُ البُشْرى؟
إذن أنتَ تخافُ العبْدَ
أو تخشى له شَرَّا؟
مالك
:
أليس الحَزْم أن نأخُذَ
من عنترةَ الحِذرا؟
فقد يقتلني وحدي
وقد يقتُلنا طُرَّا
ولا يُبقي لنا شاةً
على المرْعى ولا بَكرا
أحدهم
:
أبو عبلةَ بالعبد
وما يفْعَلُه أدرى
فسيروا بالذي قَالَ
ولا تَعْصوا له أمْرا
(يقومون عن الطعام ثم يحيون مالكًا ويبدءون في الانصراف فإذا
انصرفوا وقف مالك بباب الخباء.)
أحدهم
:
في ذمة الله وفي حفْظه
مالك
المشهد السادس
(تدخل عبلة)
مالك
:
قفي اسْمعي لي ساعة
وخَفِّفي عَنائيا
مالك
:
إذن تعالَيْ أصيخي
وَزُهَيْرٌ أخوك أين زهيرُ؟
عمرو
(من وراء الستار)
:
لَبيك أبي
جئْ تعالَ هَيَّا زُهيرُ
(يدخل عمرو وزهير)
المشهد السابع
مالك
:
عبلَ أصغي: في أرض نجدٍ شبابٌ
أُطلِعوا في سَمائها أقمارا
منهمُ الأُسْدُ جرأةً وثباتًا
والقَوارينُ نعمَةً ويَسارا
مثْلُ صخر
عمرو
:
عامريٌ من أرفع البيد دارا
زهير
:
من بني الأشتر الكثيرينَ مالًا
ونَخيلًا وضيْعةً وعقارا
عبلة
:
قد عَرَفْتُ الغلامَ ذاك الفتى النِّضْـ
ـوَ الذي لا يُطيقُ يقتُلُ فارا
كل يوم مع العذارىَ كثيرُ العُـ
ـجْبِ مُسْتَحْييًا كإحدى العذارى
أترى يا أبي وأنت أخي يا
عَمْرُو كيف انتقَيتُما الأصْهَارا
زهير
:
وأنا لا أرى عُبَيْلةُ خيرًا
من أبيها ولا أخيها اختيارا
أنت مفتونةٌ بأسوَدَ عَبْدٍ
من بني عَمِّنا تَسرْبَل قارا
عبلة
:
أوَتَعْني الذي حَمى حَوْضَ عبس
وكسا البيدَ سُؤْدَدًا وفَخارا؟
والذي قلَّد الوقائعَ والأيـ
ـامَ عبْسًا وخَلَّد الأشعارا
يا زُهَير اتَّئد متى كانت الألوا
نُ تَبني وتَهْدِمُ الأحرارا؟
لم يَحُطَّ السوادُ من أسَدِ القَفْرِ
ولم يَرْفَعِ البياضُ الحمارا
أرأيتَ السَّواد قد عبَّدَ الليلَ
كما عَبَّدَ البياضُ النهارا؟
مالك
:
أصغ عمرو استِمعْ
ويا عبلَ آنَ لنا أن نَجدّ
مالك
:
هَزَلْتِ ابنتي وأضَعْت الرَّشَدْ
وما زلْتِ بالعبد مفتونةً
وَهَيْهاتَ بالعبد يَرْضَى أحَدْ
فلا أنا أرْضَى ولا أخَوَاك
ولا مَنْ تَدانى ولا مَنْ بَعُدْ
عبلة
:
أعنترةُ يا أبي قد عَنيْتَ؟
عبلة
:
وا لَعنترةَ المضطهدْ!
أبي قد تمكنَ منْك الوشاةُ
وأثَّر فيكَ كلامُ الحسد
أليسَ ابنَ عمِّي؟ أليس الجوادَ؟
أليسَ الشُّجاعَ؟ أليس الأسدْ؟
أما هُوَ مني ومن إخْوتي
نمَانا أبٌ في الأوالي وجدّ؟
وفي البيد رُدَّ لآبائه
وليس إلى الأمَّهَات الولد
أبي، عنترة ليس
بزنجيٍّ ولا عبد
ولم يُجْلَبْ من النُّوب
ولم يحضر من السِّنْد
ولكن مِيسمُ اللون
كمثل الأسَد الوَرْد
فتًى كالأسمر اللَّدْن
جميل الشَّعر الجعْد
شجاعٌ ذائعُ الصِّيت
جوَادٌ واسعُ الرِّفْد
عمرو
:
أبي، سُدًى تُراجعُ المفتونا
وعَبثًا تخاطبُ المجنونَا
زهير
:
فمُرْ يكْن ما شئْتَ أن يكونا
مالك
:
الأمرُ يا عبلَ ما تأمرينا
فالشَّأنُ يَعْنيك ليس يَعْنينا
عبلة
:
ذاك أمرٌ الرأيُ فيه لعَمْرو
وزهَير وليس لي الرأي فيه
يا أبي أعقدْ عَلى زهير لصخر
أو فزوِّجه يا أبي من أخيه
مالك
(في دهش)
:
أزَوِّجُ الرجالَ بالرجال
ذاك لَعَمْري مُنتهى الخبال
زهير
:
اسْتهتَرَتْ أختي فما تُبَالي
عبلة
:
أجَلْ ولْيَكُ ما كانا
فلن أرضى سوى عنتر
ةَ ابنِ العَمِّ إنسانا
(ثم تخرج غاضبة)
المشهد الثامن
مالك
:
إذن فانتظري يا عبـ
ـلَ للعبد وَلي شَانا
(يخرج في إثر ابنته، ويقبل صخر من ناحية الطريق من جهة اليسار
ومعه الصرة التي كان يحملها في المنظر الأول.)
المشهد التاسع
صخر
:
عمرٌو زهْيرٌ؟ عجبُ
الحظِّ صديقايَ هُنا!
يا طيبهَا لقاءةً
عمرو
:
لله ما أسعدَنا
أهلًا بصَخْر مرْحبًا
بالقمر العَالي السَّنَا
ما هذه الحُلَّةُ ما
أظرفَهَا ما أحسنا
صخر
:
ولِم
لا تذْكُرَان اليَمنا؟
صنعاءُ أعْلَى من دِمَشْـ
ـق سلعةً وثمنا
عمرو
:
تَلْكَ أمور يا أَخي
يَعرِفُها أهْلُ الغِنَى
زهير
:
وما ذلك؟ ما المنديـ
ـل يا صخْرُ وما فيه؟
صخر
:
ثيابٌ مثلُ أثوابي
من الوَشي وغاليه
لكلٍّ منكما ثوبٌ
إليه جئتُ أُهْديه
(يفرد الصرة فيتناول كل منهما حلة)
زهير
:
عمرو تأمَّل يا لها حُلَّةً
لله ما أبهَى وما أبهجا
الحقُّ ما قال فتَى عامرٍ
صنعاء أعلى بلد مَنْسجا
(يرى في الصرة طرحة من حرير فيتناولها)
عمرو
:
طرحةٌ
مثلُ ذُنَابي الطاوُوسِ
كمثْلها ما لمسَتْ
في الوشْي كفُّ لامسِ
زهير
:
خَلِّنا صخرُ من هداياك قل لي
كيف أزمعت أن تلاقي عنترة؟
صخر
:
غدًا على العبد أصُبُّ النَّحْسا
عبدين من شرِّ العبيد نفْسا
ومن أشدِّهم قُوى وبأسا
إن صارعا جُلْمودَ صخر صَرعا
أو قارعَا ضَيْغَمَ غابٍ قَرعا
أو رمَيَا الشمسَ أصابا المطْلَعا
غضبانُ وهو المنيَّه
وماردٌ وهْوَ حيَّه
كِلاَهُما جنّيَّه
ها هما أقبلا تأملهما يا عمْرو
(ينظرون إلى شبحين قادمين من ناحية اليمين)
عمرو
:
ماذا أقولُ جنِّيان
ولمن يا تُرَى هَما؟
صخر
:
السابق الأول
عبدي وقد شَرَيْت الثاني
(يدخل العبدان غضبان ومارد)
المشهد العاشر
تعال غضبانُ قل لصخرٍ
كم أسدٍ صدْت؟
عمرو
:
ألْفٌ؟ أفي اليد ألفُ لَيث
لو قلتَ ليْثَيْن كان يكفي!
غضبان
:
قتلتُ عدادَ ناصيتي ذئابا!
زهير
:
وكنتَ إذا بعثتَ لها سهاما
وجئْتَ تجُسُّها وُجدَت كلابا!
وأنتَ يا مارد قُلْ
لي كيف صَيْدُكَ الأسد؟
مارد
:
أصيدُهُ إذا أتى
لبطْن واد فَرَقَدْ
وكنْتُ فوق نخلة
يَزَلُّ عنها من صَعَدْ
والقوسُ في حِضني كما
تحتضن الأمُّ الولدْ
وكانت السِّهَام في
كِنانتي بلا عدَدْ
هناك أرمى فأسُلُّ
الروحَ منْ أصل الجسد
في حائط التَّامور إن
شئتُ وفي ركن الكبِد
عمرو
:
كيف لقا عنترَةَ الغضنْفَرِ؟
زهير
:
كيْفَ تبيعُه إذنَ وتشْتَري؟
غضبان
:
أقذِفُه من فَرْسخ بخَنجرِ
أترُكه كالتَّيْتَلِ المُعفَّرِ
صخر
:
وأنتَ يا مارد لست تجْهَلُه
مارد
:
آتي لرأس جبل فأنزلُهْ
وثَمَّ
مارد
:
ليَ سَهْمٌ أُرسِله
يُوَدّعُ الحياة
من يَسْتقبلهْ
(يتهامس الثلاثة لحظة، ثم يتجه عمرو وصخر ناحية اليمين
لينصرفا.)
عمرو
:
الخيْرُ في العبدينْ
سيرا امضيا راشدَيْن
(يخرج عمرو وصخر وينصرف العبدان من ناحية اليسار وتسمع ضجة
تتعالى شيئًا فشيئًا، وصياح وعويل، فتظهر عبلة من الباب الذي في الصدر، فزعة
مضطربة.)
المشهد الحادي عشر
أصوات من الخارج
:
وا ولَدَا! وَا كبِدا! وا أَسَدَا!
عبلة
:
زهيرُ ما الضَّجَّهْ؟
ما هذه الرَّجَّهْ؟
زهير
:
أحْسَبُهَا قافلَةً
مُدْبِرةً مُنْهزمَةْ
تَعَرَّضت لفاتك
فَرَدَّهَا مُحطَّمَهْ
(يسمع صوت مناد ينادي)
الصوت
:
يا مَعْشَرَ البيد اسمعوا
بُشْرى لكم أهْلَ الخيَمْ
بظهْر عبس ووراء الـ
ـحَيِّ إبْلٌ وغنم
ألفان أو ما نحْوَ ذا
كَ من كرائم النَّعَمْ
كانت إلى كسرَى تسَاقُ
وإلى أرض العَجمْ
(يسمع صوت مناد آخر من ناحية أخرى)
الصوت
:
وراء الحيِّ يا عبس
من الأنعام ألفان
جَنَى عنترةَ الفلحا
ءِ من أسْلاب سرْحان
وكانت في الْفَلاَ تُزْجَى
إلى كسرى بن ساسان
ألا فليعلم القاصي
منَ الخيمات والدَّاني
بأنَّ اللَّيْثَ قد جادَ
على الحيِّ بقُطْعان
زهير
:
لحاكَ اللهُ
هل في البيد ليْثَان؟
(يمر على الطريق رجال ونساء هم فلول القافلة المسلوبة في هيئة
ذعر واضطراب داخلين من اليمين.)
المشهد الثاني عشر
أحدهم
:
وذراعي وأينَ منِّي ذراعي؟
آخر
:
أين ساقي قَدْ طَيَّرَ السيفُ ساقي؟
امرأة
:
نَعْلي، تركت في الْقتال نَعْلي
أخرى
:
أمَّا أنا خَلَّفْتُ فيه بعلي
آخر
:
وافَرسي ما حال بينَـ
ـهُ وبين صاحبِهْ!
أيُّ جَبان حطَّنِي
عن سَرْجِه وطار به؟
عجوز [باكية]
لَهفِي علَى فَوَارِس من قَوْمِي
نامُوا على العَرَاءِ شر نْومِ
يا ليتني لم يتأخرْ يَوْمي
عبلة
:
تلك العجوزُ ثاكلهْ
تبكي ابنهَا في القافلة
يا أُمُّ ماذا دَهاك
أوجَعَ قلْبي بكاك؟
العجوز
:
عشرون من بواسل الفُرْسانِ
تحت لواء ولَدي سرحانِ
عبلة
:
سرحان ليثُ الضربِ والطِّعان؟
العجوز
:
أجلْ تركتُهم على المكانِ
وليمَةَ الحداءِ والغربانِ
عبلة
:
إذن سرحانُ في القَتْلَى
لكِ الرحْمُن من ثَكلَى
مَن المُغيرُ؟
عبلة
:
عنترةٌ يفعلُ أفعالَ
اللصوصِ الفَجَرَهْ؟
العجوز
:
لا يا ابنتي ظَلمتِهِ
عنترةٌ لم يبتدي
عنترَةٌ كالليث عنـ
ـد شبْعه لا يَعْتدي
عبلة
:
مَنْ بعَثَ الحرْبَ إذنْ
ومنْ جناها؟
العجوز
:
ولَدي
ثَكلتُ على الدرْب خيرَ البنينَ
وفاجأَنا في الطريق الهبَلْ
وكنا ثلاثينَ غيرَ الرُّعاة
من امرأةٍ معنا أوْ رَجُل
وكان السَّوامُ كثيرًا يَضيقُ
بهِ السَّهْلُ أو يَتَغَطَّى الجبَلْ
وكنا نُيَمِّمُ أرضَ العراقْ
لِنجتازها
عبلة
(غاضبة)
:
لتُعْطُوا الرّشا وتنالوا المنى
ويُمنحُ سرحانُ بعض العمل
ويحكم في البيدِ باسم الهمَام
وتحت ظُبى فارس والأسَلْ
ذليلٌ بباب أنو شروانَ
وعند الخيام العزيز البطَلْ
إلى كم تهيمونَ تحت النجوم
وتفترقون افترَاقَ السُّبُلْ؟
فنصْفٌ قطاعٌ رعتها الذئاب
ونصْفٌ على البيد فوضَى همَلْ
وليس لكم دوْلةٌ في الوجود
وتسحَبكم كالذُّيول الدُّوَل
ألمَّ على حوضكم قيصَرٌ
وكسَرى على جانبيه نزَلْ
ويحكمكُم تحت نيرِ الغريبٌ
ومهْمَازه الأدعياءُ الدَّخَلْ
هُم الأمراءُ وقد يرتدُونَ
بباب الأعاجم ذُلَّ النُّذُلْ
الثاني
:
فارقْني
تَزَحْزَحْ ناحيَه
الأول
(لعبلة)
:
يا لك منْ مُكابره
تطعنُ في الأكاسرَهْ
وتلعنُ المناذِرَهْ!
الآخر
:
عبلةُ تنطقُ الذهب
لو كنتَ تعقلُ الخطَبْ
عبلة
:
الفُرْسُ والرُّومُ اسْتَرقوا قومَنا
واستَعْبدوا
الثاني
:
لا قيدَ في رجْلي
وأنتَ والناسُ
جميعكُم مثْلي!
عبلة
:
ألا بطَلٌ نلتقي حوله
كإسْرال
١ حوْل لواء الرُّسُلْ؟
يَفُكُّ من الرِّق أعناقَنا
كما فكَّ موسى رقابَ الأوَلْ
صوت
:
مَنْ ذاكَ مَنْ يا تُرى
يكون؟ تكلم لكَ الويْلُ قُلْ
عبلة
:
أتنسوْنَ عنترةَ العبقريَّ؟
صوت
:
أيحكمنا العبد هذا خبلْ!
لبئس أميرُ الرجال الغرابُ
وبئس الدليلُ إذا ما حجَلْ
آخر
:
خلِّه
فما جدَّ في قوله بل هزَلْ
عبلة
:
ما بالُكُم جَبَنْتُمُو
يا عبسُ قومًا ونسا؟
حتى رمَى هذا الفتى
عنترَةً بما رَمَى
أليس في أرجُلِكُمْ
نَعْلٌ وفى الأيدي عصا؟
(يهجمون على من سب عنترة ويضربونه)
الأول
:
ما لك يا فَتَى بلغـ
ـتَ في الوقاحة المدَى؟
آخر
:
ماذا الذي غَرَّكَ يا
كلبُ بضرْغام الشَّرى؟
المضروب
:
وأنتَ ما يعنيكَ من عنترةٍ
وما الذي يعنيكَ من شأني أنا؟
عبلة
:
صدقتَ ما كنْتَ لتعني أحدًا
لو لم تخُضْ في الفرْقد العالي السَّنا
أما ابْنُ شداد فَذُخْرُ قومه
يَهمُّ من راحَ ويعْني من غدا
(يسمع صوت عنترة من وراء الستار قادمًا من ناحية
اليسار.)
عنترة
:
يا بيدُ ها أنا ذا أنا
حامي حماك ورَبُّ غابكْ
إن كنت جاهلتي اخْرُجي
بجميع ظُفْرك لي ونابك
هات أسودَك كلها
هات الكَواسرَ من ذئابك
أحدهم
:
يا رجالُ الفَرارَ قد طَلعَ الليـ
ـث علينا هيوا الفَرارَ الفرارا
(يفرون جميعًا من ناحية اليمين وتبقى عبلة وحدها)
المشهد الثالث عشر
عبلة
:
مَن الطارقُ؟
مَنْ بالخَيمةِ استَذْرَى؟
من الهاتفُ منْ؟
(يدخل عنترة)
المشهد الرابع عشر
عنترة
:
تَعَاليْ ظبية القاع
أجيري أسدَ الصحْرا