هلدرلين
«شِعره صعب … وهو — كحياة صاحبه — يَفيض بالألم والعذاب، وتحفُّ به المخاطر والمتاعب والصِّعاب. وهو كالطير الغريب الوحيد الذي يأتي من بلادٍ بعيدة ويسافر لبلادٍ مجهولة. وهو كالصوت الجليل المخيف الذي يعلن نبوءةَ الآلهة على لسانِ كاهنٍ مذهول إلى إخوته من البشر الحيارى المذهولين. لكنه مع ذلك يلمس القلبَ ويهزُّه ويَنفذ إلى الأغوار. إنه ينقلك على الفور إلى الشاطئ البعيد، يُبكِيك شوقًا إلى المُثل العزيزة المستحيلة.»
كانت حياة الشاعر الألماني «فريدريش هلدرلين» مَلحمةً شِعرية على جدار الإنسانية؛ تُوفي أبوه وهو في سنٍّ صغيرة، وأدخلَته أمُّه المعهدَ الديني ليَدرس اللاهوت، وهناك تعرَّف على «هيجل» وأصبحا صديقَين حميمَين، وتأثَّر بشخصية «شيلر» وشعره الفلسفي، وعاش تحت مِظلَّة المُثل العليا التي كرَّس لها شِعره وأدبه. تركت الثورة الفرنسية في نفسه أثرًا عظيمًا على أفكاره وعِشقه للحرية، سعى للاتصال ﺑ «فشته» و«جوته» و«هردر»، لكنهم تجاهلوه ولم يُقدِّروا موهبته، وقد عانى الحرمانَ الشديد والإخفاقاتِ المتكررة في سبيل لقمة العيش. أمَّا عن حياته الخاصة، فقد عاش قصةَ حبٍّ يائسة مع «سوزيته» — زوجةِ أحد رجال المال والأعمال — عانى فيها الفراقَ، ثم أصابه الجنون عندما علم بخبر وفاة محبوبته، ولحق بها عام ١٨٤٣م. وجاء هذا الكتاب لإحياء ذِكراه من جديدٍ في ذاكرة الأدب العالمي.