المدارس الثانوية
(١) الحياة في المدارس الثانوية: العمل والنظام
كثر البحث منذ زمنٍ طويل حول نظام التعليم الداخلي في المدارس الثانوية، وهو بحث لا خير فيه؛ لأن الذين يتناولونه غير قادرين على الحكم عليه، وإنما الذين يملكون ذلك حقًّا هم آباء التلاميذ.
فالمدرسة الثانوية تمثل في فرنسا بعض الحاجات والرغبات والشعور التي تجدها الأسرة، فإن الأسرة إذا لم تحتفظ بطفلها أو لم تنزله عند بعض الأساتذة كما هي العادة في بلادٍ أخرى؛ فذلك لأنها لا تريد ذلك أو لا تستطيعه، وإذن فلا بد من تغيير إرادة الأسرة قبل تغيير التعليم ولن نغير إرادة الأسرة بنظم وبرامج معلقة في الهواء، وليس من شكٍّ في أن المدارس الثانوية ثكنات عسكرية مخزنة تفسد فيها الأجسام والعقول والأخلاق، وكل ما يمكن أن يقال دفاعًا عن هذه المدارس هو أنها نتائج الضرورة، فيجب احتمال هذه الضرورة والتوفيق بينها وبين المنفعة حتى يتغير الرأي العام.
ساعات الدرس في المدرسة الثانوية أكثر مما ينبغي، أكثر من ساعات العمل المفروضة على المحكوم عليهم بالأحكام الشاقة، وقوانين الصحة غير مراعاة في المدرسة والطعام فيها بغيض.
(٢) إدارة المدارس الثانوية: المدير
قيمة المحال التجارية والصناعية رهينة بقيمة المشرفين عليها، وهذه حقيقة بدهية لا تحتاج إلى إثبات، فيجب أن نقتنع بأن قيمة المدرسة الثانوية رهينة بقيمة مديريها، وذلك حق واقع في مدارس رجال الدين لا في مدارس الدولة، وإليك السبب: لكل مدرسة ثانوية مدير يدير أمرها نظريًّا، أما الحقيقة الواقعة فهي أن المدير ليس إلا كاتبًا يُعنى بالأعمال الحسابية ويخضع فيها لأوامر موظف الوزارة، ليس له سلطة ولا أمر، يتهمه رؤساؤه ويزدريه الأساتذة ولا يخافه التلاميذ، فعمله عمل موظف لا مدير.
(٣) النفقات التي تنفقها الدولة على المدارس الثانوية
من النافع أن نعرف ما يكلفنا هذا التعليم، ولا سيما إذا قارنا بينه وبين تعليم رجال الدين.
من القواعد العامة المعروفة التي بيناها في غير هذا الكتاب أن كل ما تدبره الدولة من الأعمال العامة سواء أكان سككًا حديدية أم سفنًا أم شيئًا غير ذلك، يكلف الدولة خمسة وعشرين إلى خمسين في المئة أكثر مما تدبره الجماعات الخاصة أو الأفراد، ولا تفلت المدارس الثانوية طبعًا من هذا القانون، فبينما مدارس رجال الدين التي لا تتناول إعانة ما تحقق أرباحًا لا بأس بها تخسر الدولة مقادير باهظة من المال في تدبير مدارسها.
وما مصدر هذه النفقات الباهظة؟ إليك أسبابها الأولى: أولًا الترف الذي لا خير فيه، فإن المهندسين يرون أنه لا بد من بناء ثكنات فخمة، المظاهر وحدها موضع العناية كشأن تعليم الجامعة، ولكن هذه المظاهر تكلفنا كثيرًا، ولقد لاحظ مسيو ساباتيه أن مدرسة «لاكانال» التي تؤوي ١٥٠ تلميذًا قد كلفت الدولة أكثر من عشرة ملايين من الفرنكات، فمأوى كل تلميذ يتكلف ٧٥٠ فرنكًا، وكانت الدولة تستطيع أن تعطي لكل تلميذ بنفس هذا الأجر منزلًا صغيرًا مستقلًا يؤويه ويؤوي أسرته أيضًا.
وهناك أسباب أخرى، وإذ كانت القواعد متفقة في جميع المدارس فالنفقات متساوية، فالدولة تعين الأساتذة حتى إذا لم يوجد تلاميذ، فبعض الأساتذة ليس لديهم إلا خمسة تلاميذ، ومثل هذا كثير، وليس من السهل أن نتصور إسرافًا كهذا.
وهناك سببٌ آخر وهو أن المدير لا خير له في الاقتصاد، وربما كانت منفعته في ألا يقتصد، فهو إن اقتصد عقد العمليات الحسابية، وإذن فأول نتيجة هو تضييق ميزانية المدرسة تضييقًا لا سبيل إلى الخلاص منه مهما تدع الحاجة إلى ذلك.