شاعر في نيويورك: ١٩٢٩-١٩٣٠
«إني لن أحكي لكم ما هي نيويورك من الخارج؛ لأن لنيويورك — مثل كل المدن الكبرى الأخرى — كتبًا عديدة تصفها. كما أنني لن أحكي عن رحلتي. إن ما سأقدمه هو ردُّ فعلي الوجداني العاطفي، بصدقٍ وعفوية؛ وهما خاصيتان لا تتأتَّيان للمفكرين إلا بصعوبة، ولكنهما تتأتَّيان بسهولة للشعراء.»
ما بين إيقاع نيويورك الأهوج ورنَّة الغابات في الريف الأمريكي نظَم الشاعر الإسباني «لوركا» قصائده التي كتبها إبَّان زيارته للولايات المتحدة في الفترة من يونيو ١٩٢٩ حتى مارس ١٩٣٠م لدراسة اللغة الإنجليزية، ورغم عودته إلى بلاده دون تعلُّم الإنجليزية فإنه يصف رحلته بأشد التجارب فائدةً في حياته؛ فقد غيَّرت رؤيته تجاه الحياة وتجاه الإنسان وتجاه الفن. كما أن مشاهدته طغيان الرأسمالية الأمريكية وتعرُّفه على المفردات المادية التي أفرزتها، واستعباد الإنسان والآلة على السواء، والعنصرية المقيتة تجاه السُّود، والغياب التام للروح، ووحدة الإنسان؛ كل هذا جعله يغوص في التجربة السريالية نتيجة التناقض بين مادية المجتمع الأمريكي ومدينته الأندلسية الهادئة غرناطة، وفي المقابل كان لرحلته إلى الريف أثرٌ عليه، عبَّر عنه في قصيدةٍ غنى فيها للحشرات التي تُمضي وقتها طائرةً تُسبِّح لله.