الفصل السابع
العودة إلى المدينة
إلى أنطونيو إرناندث صوريانو.
نيويورك، مكتب واتهام
إلى فرناندو بيلا.
فيما تحت عمليات الضرب،
ثمة قطرة من دماء البط.
وفيما تحت عمليات القسمة،
ثمة قطرة من دماء بحَّار.
وتحت عمليات الجمع،
نهر من الدماء الحانية؛
نهر يأتي منشدًا،
عبر غرف النوم في الضواحي،
وهو يتبدى فضة، واسمنتًا، أو
نسمة،
في فجر نيويورك الزائف.
توجد أيضًا الجبال، أعرف ذلك.
والمناظير المكبرة أعرف ذلك.
ولكني لم أحضر كيما أرى السماء.
إنما أتيت لأرى الدماء الفائرة،
الدماء التي تحمل الماكينات إلى
الشلالات،
والروح إلى لسان الحية.
يذبحون في نيويورك كل يوم،
أربعة ملايين بطة،
وخمسة ملايين خنزير،
وألفي حمامة،
لإشباع نهم المحتضرين.
ومليون بقرة،
ومليون خروف،
ومليوني ديك،
تخلف وراءها السماوات شذرات
محطومة.
أفضل لنا أن نبكى ونحن نشحذ
النصال،
أو أن نغتال الكلاب،
في رحلات الصيد المحمومة،
عن أن نقاوم عند الفجر،
قطارات اللبن التي ليس لها نهاية،
قطارات الدم التي ليس لها نهاية،
وقطارات الورود،
التي غل أياديها تجار العطور.
والبط والحمام،
والخنازير والخراف،
يوارون قطرات دمائهم،
تحت عمليات الضرب.
وصراخ البقرات المعصورة الهائل،
يملأ الوادي بالآلام،
حيث يثمل نهر الهدسون بشرب الزيت.
إنني أتهم كل الناس التي تجهل النصف
الآخر،
النصف الذي ليس هناك من يفتديه،
والذي يرفع جبالًا من الأسمنت،
حيث تنبض قلوب الحيوانات الصغيرة
المنسية،
وحيث نسقط جميعًا،
في حفل المثقاب الأخير.
إنني أبصق على وجوهكم.
ويصغي لي النصف الآخر،
ملتهمًا، بائلًا محلقًا في صفائه،
مثل أطفال بوابي المنازل،
الذين يرفعون عصيًا هشة،
في وجه الفجوات،
حيث تصدأ قرون استشعار الحشرات.
ليس هو الجحيم، إنما هو الطريق.
ليس هو الموت، إنما هو محل
الفاكهة.
ثمة عالم من أنهار محطومة،
وآماد لا تُقطع،
في ساق هذه القطة الصغيرة،
التي كسرتها السيارة؛
وأنا أسمع أغنية الدودة،
في فؤاد الكثير من الفتيات.
صدأ، تخمر، أرض ترتجف.
أرض. أنت ذاتك،
يا من تسبح في غمار أرقام المكتب.
وماذا يمكنني أنا أن أفعل؟
هل أشيع النظام في المناظر
الطبيعية؟
هل أشيع النظام في الحب،
الذي يستحيل بعد ذلك صورًا
فوتوغرافية.
الذي يستحيل بعد ذلك شذرات من
خشب.
وملء الفم من الدم؟
القديس إغناثيو دي لويولا،
اغتال أرنبًا صغيرًا،
وما زالت شفتاه تئنا،
عبر أبراج الكنائس.
كلا. كلا. كلا. كلا.
إني أتهم.
إني أتهم تآمر تلك المكاتب
المهجورة،
التي تفصح عن الآلام،
التي تمحو برامج الغابة،
وأقدم نفسي،
قربانًا لأفواه البقرات المعصورة،
حين تملأ صرخاتها الوادي،
حيث يثمل نهر الهدسون بشرب الزيت.
مقبرة يهودية
هربت الحمى،
في بهجة طاغية،
إلى حبال السفن الراسية؛
ود فع اليهودي السور الحديدي،
بذلك الخفر المثلوج،
الذي يغمر قلب أعواد الخس.
•••
كان أطفال المسيح ينامون،
وكانت المياه حمامة،
وكانت الخشبة «مالك الحزين»
وكان الرصاص عصفورًا،
بل وكانت سجون النار الحية،
تتعزى بقفزات الإستاكوزا،
•••
كان أطفال المسيح يضربون
بالمجداف،
وكان اليهود يملئون الجدران،
بقلب حمامة وحيد،
يبغون جميعًا الفرار عن طريقه.
كانت طفلات المسيح تغنين،
واليهوديات ينظرن الموت،
بعين ديك بري واحدة،
أحالتها زجاجًا،
أشجان مليون منظر طبيعي.
•••
يغمس الأطباء مقصاتهم وقفازاتهم
المطاطية،
في النيكل،
حين تشعر الجثث،
بالضياء المهول لقمر آخر موسد
الثرى،
يتسلل إلى أقدامها.
وتقترب آلام صغيرة سالمة،
من المستشفيات،
ويمضي الموتى يخلعون سترات من الدماء كل
يوم.
•••
عمائر الصقيع،
القياثير والأنين الذي يفلت من أوراق
الشجر المستدقة،
في الخريف.
ويبلل المنحدرات الأخيرة،
كانت تنطفئ في سواد القبعات
العالية.
•••
العشب السماوي الوجداني،
الذي يمر من الندى خائفًا وجلًا،
والمداخل البيضاء المرمرية،
التي تفضي إلى الهواء الثقيل،
كانت تعرض صمتها،
الذي حطمته آثار الأحذية النائمة.
•••
دفع اليهودي السور الحديدي؛
ولكن اليهودي لم يكن مرفأ.
وتدافعت سفائن ثلجية،
عبر سلالم قلبه الصغيرة،
السفائن الثلجية،
التي تترصد رجل المياه الذي
يغرقها؛
سفائن المقابر،
التي تترك أحيانًا زائريها
عميانًا.
•••
كان أطفال المسيح ينامون،
واحتل اليهودي فراشهم.
كان ثلاثة آلاف يهودي،
يبكون في الدهاليز المرعبة،
لأنهم جمعوا فيما بينهم،
بمشقة
نصف حمامة.
لأن أحدهم كان عنده عجلة ساعة.
وآخر حذاء رقبة له شرنقة تعرف
الكلام،
وآخر أمطارًا ليلية مثقلة
بالسلاسل،
وآخر ظفر بلبل كان ما يزال حيًّا،
ولأن نصف الحمامة كان يئن.
وينثر دماءً لم تكن دماءه.
كانت الحمى ذات البهجة الطاغية،
ترقص عبر القباب المترطبة،
بينما كان القمر يسطِّر في مرمره،
أسماء عتيقة وأشرطة بالية.
ووصل الناس الذين يطعمون،
فيما وراء الأعمدة اليابسة.
والحمير ذات الأسنان البيضاء،
يصحبها أخصائيو المنطق الفصيح.
كان عبَّاد الشمس الأخضر يرجف،
عبر فيافي الشفق.
وانطلقت المقبرة كلها،
تشكو بأفواه كرتونية وخرقات جافة.
كان أطفال المسيح قد ناموا،
حين قطع اليهودي يديه في صمت،
مغلقًا عينيه،
عند سماع أول الأنين.
نيويورك، ١٨ يناير ١٩٣٠م