الفصل الثاني
عندما وصل أندريه جافريلوفيتش إلى المدينة، نزل ضيفًا على أحد معارفه التجار، فقضى الليل عنده، وتوجَّه إلى محكمة الناحية. ولم يعِرْه أحد التفاتًا، ثم وصل بعده كيريلا بتروفيتش فوقف الكتبة وقد دسُّوا الأقلام خلف آذانهم، أما أعضاء المحكمة فأعربوا عن عميق امتنانهم لرؤيته، وقدَّموا له كرسيًّا بدافع الاحترام لرتبته وسنِّه وهيئته. فجلس أمام الباب المفتوح. أما أندريه جافريلوفيتش فوقف، مستندًا إلى الجدار، وحلَّ صمتٌ عميق، ثم بدأ السكرتير يقرأ قرار المحكمة بصوت رنَّان.
وها نحن نورده هنا كاملًا، اعتقادًا منَّا بأن كل واحدٍ سيسرُّه أن يرى إحدى الوسائل التي يمكن بها في روسيا أن نفقد أملاكنا، التي لنا في ملكيتها حق لا يُنازَع.
صمت السكرتير، ونهض المحلِّف فحيَّا ترويكورف بانحناءة كبيرة، ودعاه للتوقيع على القرار، فوقَّع ترويكورف الظافر على قرار المحكمة بالقبول التام.
وجاء دور دوبروفسكي؛ فقدَّم إليه السكرتير الورقة، ولكنه مكث ساكنًا بلا حراك منكَّس الرأس.
وكرر السكرتير دعوته له بالتوقيع إما بالقبول التام أو عدم القبول القاطع إذا كان يشعر — على غير المتوقَّع — في قرارة ضميره بأن الحق في جانبه وينوي استئناف الحكم لدى الجهات المختصَّة، وفي المدة التي يحددها القانون. وظلَّ دوبروفسكي صامتًا، ولكنه رفع رأسه فجأة، ولمعت عيناه، ودقَّ الأرض بقدمه، ودفع السكرتير بقوة، حتى سقط هذا الأخير، ثم أمسك بالمحبرة وقذف المحلِّف بها. وروَّع الجميع، وصرخ دوبروفسكي: «كيف! ألا تحترمون بيت الله!» ثم مخاطبًا كيريلا بتروفيتش: «هل سمعتم يا صاحب المعالي أن مدربي الكلاب يسوقونها إلى الكنيسة؟! الكلاب تركض في الكنيسة، بيت الله … سأربيكم جميعًا …» وتجمع الحرس على الضجة وسيطروا عليه بصعوبة، ثم أخرجوه وأجلسوه في الزحافة، وخرج ترويكورف في أثره تحف به هيئة المحكمة كلها. لقد أثَّر عليه جنون دوبروفسكي المفاجئ تأثيرًا شديدًا، وبدَّد نشوة النصر. أما القضاة الذين كانوا يطمعون في كرمه فلم يحظوا منه بكلمة تحية واحدة. وتوجَّه في اليوم نفسه إلى بكروفسكويه، بينما لزم دوبروفسكي الفراش. وعاده طبيب الناحية الذي لم يكن لحسن الحظ جاهلًا تمامًا؛ فحجَّمه وركب له دود العلق والذباب الهندي فشعر بتحسن في المساء وعاد إلى وعيه. وفي اليوم التالي حملوه إلى كيستينيوفكا التي لم تعد ملكه تقريبًا.