الفصل الثالث

(بهو في منزل بسيط، له باب واسع الصدر وأبواب في الجهتين، اليمنى واليسرى، وهو أقرب إلى المكتبة منه إلى بهو لمجرد الجلوس والاستقبال؛ إذ به خزائن مملوءة بالكتب المكدسة … رجل وسيدة جالسان بصبر نافد.)

(علية لا تريد أن تجيب.)

(علية تبدي إشارة ضيق وغضب!)

(عندئذٍ يُسمع صوت في حجرة داخلية ينادي: يا إدريس.)

(الصوت ينادي مرة أخرى: يا إدريس.)

(يُفتح باب بالجهة اليسرى، ويسمع صوت نداء واضح: يا إدريس، أين الكراوية؟)

(عندئذٍ يظهر مختار من الباب الأيسر وهو لابس رداء للمنزل من الصوف، وعلى رأسه قلنسوة منزلية … وقد ابيضت سوالفُه قليلًا وتجعَّد وجهُه بعضَ الشيء.)

(مختار يجلس.)

(بعد لحظة كأنما يخاطب نفسه): ماذا كانت تصبح الحياة بدونه؟

(مختار يغمض عينيه.)

(مختار مطرق.)

(تخرج مسرعة، ويقف «مختار» بلا حراك لحظة، ويدخل «إدريس» وفي يده جريدة.)

(ولا يكاد إدريس يتحرك حتى يسمع صوت الجرس في دهليز المنزل.)

(إدريس يخرج مسرعًا، ويتجه مختار إلى حجرته مطرقًا.)

(تدخل ليلى في الحال بدون تردد أو انتظار.)

(مختار ما زال في دهش، ويخرج «إدريس» وهو ينظر إليهما في حب استطلاع.)

(تخرج مسرعة غير منتظرة جواب «مختار».)

(تمضي لحظةٌ أخرى، ثم تظهر «عنان» وحدها وقد غيَّر منها الزمن ما غيَّر من «مختار»، لكن جمالها لم ينل منه الزمن … أما أناقتها فغير بالغة الحد الذي كانت عنده فيما مضى، فهي في ثياب بسيطة.)

(مختار يرتجف قليلًا ولا يَحير جوابًا!)

(صمت.)

(صمت.)

(عنان تخرج منديلها، وتجفف دمعها!)

(عنان يتساقط دمعها ولا تستطيع جوابا!)

(يشيعها حتى باب الصدر، فتخرج دون أن تجرؤ على النظر إليه نظرة أخيرة! … ويظل مختار واقفًا لحظةً بالباب حيث تركها، ثم يتنبه ويتحرك ذاهبًا إلى حجرته قاطعًا البهو على مهل وهو مطرق، إلى أن يبلغ باب الجهة اليسرى، فيسند كفه إليه، ويقف لحظة، ثم يرفع رأسه بعد إطراق ويمسح دمعة لمعت في عينيه!)