سابا تخلي: في مَدِيح الحبشيات
الزمن ليس كله من ذهب، في صباح جميل في الحديقة تحت ظلال الفيكس والستكا وزقزقة الكروان ونداءات الكلج كلج آتية من سدرة في الجوار، أطلقنا للأزمنة أسماءها: زمن من ذهب هو الوقت الذي يكون فيه الشيخ خارج البلاد الكبيرة، وتكون فيه نوار سعد أيضًا في سفر خارج البلاد الكبيرة، حينها نغلق أحد البيتين إغلاقًا جيدًا ونترك ما في الخارج لله والخفير، ونمرح أنا وسابا تخلي في المنزل الآخَر، نشبع هواياتنا في مشاهد أفلام الجنس بواسطة ذرن، والقمر الاصطناعي هوت بيرد، ونقرأ كتاب الكماسترا ونطبِّق الأوضاع التي به، نقرأ الشعر أيضًا، شعر بابلو نيرودا، عثمان بشري، غونار أكلف، نجلاء عثمان التوم، إدوارد إسلن كمنجز، وولت ويتمان، محمد الصادق، أليس ووكر، ودائمًا ما تتخلل السهرة أغنيات سابا تخلي الحبشية الراقصة التي نرقصها معًا، غالبًا ما أقدِّم لإجازة قصيرة من الجامعة، في مثل هذا الزمن حبلت سابا بنوار في وقت ذهبي من هذه الأوقات، هذا سر جمال نوار، نوار أمين محمد أحمد، أليس هذا اسمًا جميلًا. هناك زمن من فضة، وهو زمن أقل جمالًا ولكنه أحسن من زمن أقل منه درجة، وذلك عندما يكون الشيخ في سفرية أو نوار سعد في السفر، أي أحدهما خارج البلاد الكبيرة، هنا تحلو المغامرة وسرقة الأوقات الممتعة، لحظات الحياة التي لا تتكرر، وهنالك حقيقة أريد أن أقولها: إن سعادة الحياة مرتبطة عندي بسابا، وكل المعاني الجميلة والاشتياق، الحب، والانتظار، والتفكير، الشعر، الأغنيات، الرقص، الفرح، السفر، الليل، البيوت، السكينة، المشاوير، الكلام، الرطانات، السهر، السينما، الأقمار الاصطناعية، الأمطار، الصيف، الشتاء، الطفولة، الولادة … كلما مرَّ شيء بي تخللته سابا تخلي، هي امرأة خلقها الله أرق، أنعم، أحلى، ألدن، أنور، أطيب، أحب، أسمى، أنضر، لسابا ما لا يُوصَف، لكنها تحس، تلمس، تقبل، تعطي، تمنح، تهب، تذوب، تفيض، تضيء، هي اكتمال الأشياء كلها. هي المرأة التي يصبح الزمن كله من ذهب بين ظهرانيها، ولكني أطوع نفسي في زمن المغامرة، في زمن الفضة أيضًا، كنَّا نلتقي — أيضًا — عند قهوة الظهر مع نوار أو الشيخ، أي عند تواجدهما، لأنهما لا يشكَّان في سلوكنا؛ ولإننا لا ندعهما يشكَّان.
وهنالك زمن من برونز، وهو أن يوجد بالبلاد الكبيرة كلاهما ولكنهما يذهبان للعمل نهارًا، فماذا يمنع أن نلتقي في أحد البيتين إذن؟
هناك زمن من ورق، وهو أن يوجد الاثنان والوقت عطلة، وأنهما مستقران في البيت، وهل هنالك مَن يحرمنا من لعب الشطرنج والليدو أو الكتشينة معًا؟
هناك زمن من شوك، ونار وطين وتراب وغبار وظلام.
ولكننا أنا وحبيبتي سابا تخلي لا يحول بيننا حائل، ولا يطالنا طائل، نعمل في نقطة الأمل/المخاطرة، شعارنا الحياة مَرَّة واحدة لا تتكرَّر.
نوار سعد كانت تضع لفارِق السن الكبير بيني وبينها ألف حساب، ولا تؤمن بكذباتي الصغيرة عليها فيما يخص الارتباط المقدس الأبدي، وكيف كنتُ أحتفظ بملابسها الداخلية وأدفع فيها الغالي والنفيس لسابا التي تقوم بسرقتها، وعرفت أنها وضعت كل ذلك في سلة حرماني من حنان الأب. كانت تأخذني للتسوق في أرقى الأسواق المحلية والعالمية أيضًا، وتساعدني في الزمن الورقي على التحضير لمحاضراتي القادمة، بل إن معرفتي بالشعر الإنجليزي تعمَّقَتْ من خلال نوار سعد؛ حيث كانت لها اهتمامات حقيقية وفعلية بالشعر، وتعرف، بل صادقت كثيرًا من الشعراء مثل أليس ووكر وأميري بركة ولولي ينج، وتعلمتُ منها حقيقة حبها للآخَرين، فكانت سيدة مضيافة وترحِّب بأصدقائي وصديقاتي وخاصة الطالبات الجامعيات؛ حيث كانت تقدِّم لهن رعاية خاصة، فلم يحدث أن أتت صديقة معي إلى المنزل ولم تهدها نوار سعد طقمًا من الصابون والكريمات والأمشاط الفاخرة، زجاجة عطر قيِّمة، ربما فكرة تكوين منظمة خاصة برعاية الطالبات الجامعيات نبعت عندها إثر هذا العطاء، وهي المنظمة المعروفة باسم طالبات، التي ترعى أكثر من ألف طالبة فقيرة بالعاصمة وأقاليم البلاد الكبيرة، حدَّثتني سابا ذات مرة أن نوار سعد جمعت ما بين عمل الخير والاهتمام بالفن المرئي … قالت: أخذتُ من الحياة ما يكفيني، الآن وقت العطاء … عايزة أخليه يشوف حياتي. ولكن هذا غير صحيح، فلقد كانت تضيق عليَّ الخناق بصورة مزعجة، ولا تدعني أفلت من كفها أو بصرها أو سمعها إلا أذا كان ذلك رغمًا عنها، بل كانت تستهلكني بصورة مرعبة … عندما تحضر نوار سعد من إحدى سفرياتها كانت لا تخرج مساء إلا للتسوق قليلًا، أو تزور إحدى بيوت الطالبات لتطمئن على أن ليست هنالك طالبة في حاجة إلى كريم أو صابون أو مصروف ضروري ثم نعود.
لاحظت أنني دائمًا ما كنت أرغبها وبصورة ملحة، وقد أواقعها في الليلة الواحدة أكثر من ثلاث ضجعات، اندهشتُ من نفسي، ولو كنت أؤمن بالسحر والعمل والفكية ربما قلت أن بعض ذلك حدث لي، ولو أنها تطعمني بصورة جيدة وتشحن بطني بالألبان والفاكهة والعصائر والمشروبات المستوردة، إلا أنني كنت أحسُّ بأنني مستغل ومستهلك، وعندما عرفت السر لم أستطع أن أرفض، فكنتُ أرشف عصير المساء المطعَّم بحب الفياجرا برضاء تام وعدم فضح حقيقته، إذا كانت صريحة معي لَاستبدلت عقار الفياجرا بالأعشاب الصينية الطبيعية التي سرقتها لي سابا تخلي من زوجها؛ حيث كان يستوردها بكميات كبيرة لأصحابه من الطبقة، يخزنها في المنزل، ولكن …
هاتان المرأتان شكَّلَتَا إحداثيات حياتي، وكنت أشك فيما إذا كانت نوار سعد تعلم بعلاقتي مع سابا تخلي، وأنها تصرف السمع والبصر عن ذلك، بل وتدَّعِي أن علاقتي بسابا كعلاقة الأخ بالأخت أمام زوج سابا الشيخ طه، بيني وبين نفسي أريد أن أحسم هذه العلاقة في يوم ما، ولكن ليس لصالح نوار سعد على أية حال. أمي تريدني أن أتزوَّج بنتًا صغيرة من الجيران تصلح للبيت وإنجاب الأطفال، وتفضِّلها مكملة للثانوي العالي فقط، وكفاية يا ولدي المتاهة اللِّي أنت ضايع فيها دي!
أمي لا تعرف أن الرجل عندما يُعجَب بالحبشية لا يرى شيئًا آخَر، والعيب الوحيد في سابا أنها متزوِّجة، ولكنها تُنجِب لي البنات، وإذا سافرنا معًا إلى الخارج سنتزوج، وسنحيا.