القِديسَة: سُهَير حَسَّان
لم أقبل بالطريقة التي تعاملَتْ بها نوار سعد مع أمين محمد، التي حُكِيَتْ لي بواسطة أكثر من مصدر وشخص وصديق، البعض شامت على أمين أو ساخر منه، والبعض متعاطف معه، والبعض غاضب على نوار والشيخ وسابا وأمين نفسه الذي لم يستطع أن يدافع عن رجولته، هنالك رأى مايكل أنَّ خطأ أمين الوحيد أنه ربط الرجل بعضوه التناسلي، وأراد أن يثبت رجولته من ذاك المنطلق، وكان يمكنه فعل ذلك لو عرف أن ذكره لا ينتعظ إلا من الرأس، فالعضو لا يفكِّر ولا ينتفخ من تلقاء نفسه. ولكن العقل هو الذي … قلت لمايكل: ولكنهم اتعاملوا معه بنظام الصدمات والمباغتة، ولم يتركوا له الفرصة في أن يفكِّر، مجرد تفكير، هم عجائز متمرسون على الشر والانتقام، وهو شاعر بسيط تجاربه الحياتية لا تتعدى رف الكتب ونوار وسابا.
– الحياة مدرسة، وأمين دائمًا ما يعيد نفس الفصل، وقد مَرَّ بهذه الحصة من قبلُ ومع نفس المعلم وهو نوار سعد في نفس الفصل وهو بيتها، ولكن هذه المرة مع ناظر مدرسة جديد.
الأحداث أثَّرت بصورة سلبية على مجريات التحضير للاحتفال بمايا زوكوف؛ حيث إن أمين محمد أحمد الذي اختفى تمامًا عن دائرة الأصدقاء، سمعًا وبصرًا وملمسًا، كان حَلَقَةَ الوصل الأساسية بين دوشكا تودوروف ضيف الشرف وصديقة المرحوم مايا العزيز، وبين إدارة الجامعة وسكرتارية الاحتفال، ولكن من الجانب الآخَر قام الشيخ طه بزيادة تبرُّعه ودعمه للمشروع وتبنَّى شارع أسفلت يربط ما بين الطريق العام وكهوف مايا زوكوف وأسماه طريق نُوار، واشترى قطعة نحت كبيرة من سارة حسن بمليونين من الدينارات وأهداها إلى زوجته الجميلة سابا الرائعة؛ حيث كتب بماء الذهب في قاعدة المنحوتة التي تمثِّل امرأة حبلى بطفلة هي الأخرى، حبلى بطفلة مصنوعة من الرخام الوردي في طول المتر، وعرضها عند القاعدة نصف متر: زوجتي الجميلة سابا.
ولكننا افتقدنا أمين وروحه المرحة وقلقنا عليه؛ حيث لا خبر ولا أثر، ومن حقه علينا على الأقل السؤال. سابا قالت إنه قد عاد إلى منزل أسرته وهو معتكف هناك بعد أن أخذ إجازته السنوية من الجامعة. قالت إن برهاني الأخ الأصغر لها حدَّثها بذلك، فهما صديقان منذ زمن طويل. يُشرِف الآن برهاني بنفسه على الطريق الذي تبرَّعَ به الشيخ، بنهاية فصل الشتاء سيكون كل شيء قد تَمَّ بمشيئة الله، سارة حسن كانت تضع في اللمسات الأخيرة لمعرضها الأول، العمال والفنانون أكَّدوا أن ما تبقَّى من عمل في الكهوف هو حفل الافتتاح لا غير، جمال الأمين الشرطي يُصدِر بيانًا عبر الإنترنت والجرائد القومية فيه اعتذار لشعوب البلاد الكبيرة كلها، واعتذار خاص لثلاثمائة فرد بالاسم والعنوان والصورة الذين عذَّبهم وقتل منهم عشرين، ولكن الجرائد لم تنشر مائة اسم أخرى لسياسيين وتكنوقراط شاركوا في التعذيب والقتل وأداروه بأنفسهم، لكنهم موجودون في الإنترنت بصورهم وعناوينهم وأسمائهم الحركية وأسمائهم الحقيقية وألقابهم، وكشف بأسماء أفراد أسرهم ومواقع عملهم، وإذا كانوا بالمدارس أو الرياض أو بالخارج، بل هنالك ما أسماه دليل الاصطياد، أي كيف يمكن الانتقام منهم لمَن أراد ذلك، فكان هذا حديث الشارع.
بالنسبة لسارة كان الموضوع أقرب للحلم منه للكابوس، وكانت تسأل نفسها في جنون كلمَّا تفكِّر فيه: الزول دا أنا ما قتلته؟
ناسية تمامًا كل ما قاله لها عن تلك الحادثة.
بعد سنوات كثيرة من الحب، نوار سعد أستاذة الفن المرئي تتزوَّج حبيبها الأول الخير.
وفي الداخل كتبت عن أمين محمد أحمد كزوج أول أشارت إشارات خبيثة لعشَّاق كُثر لا يعلم عددهم إلا الله. أخرى تساءلت في يد مَن العصمة في هذه المرة؟
أقام طلاب المعهد احتفالًا صغيرًا جميلًا بالمحراب احتفاءً بالزيجة المباركة، حضرنا جميعًا وبعض كبار التشكيليين وغنَّى فيه فنانون شباب، بعض المشاهير، الهادي حامد وعفراء القربة، الشيء المدهش هو أن نوار سعد كانت أجمل سيدة في الحفل كله، كانت جميلة بصورة مدهشة وأكثرنا شبابًا ورشاقة، ولا أظن أن أحدًا يفكِّر في كم عمر هذه البنت. عمرها لا يتعدى الأربعين بأية حال من الأحوال، وهو أقرب من العمر الذي التقيتها عنده قبل عشرين سنة ماضية. قالوا إنها تستخدم عقارًا صينيًّا نادرًا، ولكن المعروف لدى الجميع أن نوار لم تقم بأية عملية جراحية تجميلية، وأنها لا تستخدم أي عقار كيميائي لمعالجة علامات الكبر أو شيخوخة تباغتها عندما تكون وحدها.
قال عنها المختار ذات مرة: إذا كان الناس جميعهم متزنين في دواخلهم مثل نوار لما لم يشيخوا قط. ولكن رأي نوار في هذا الشأن غريبًا بعض الشيء؛ حيث إنها تعزي كل ذلك لمراهقتها المتأخرة التي استمرت من العشرين إلى اليوم.
قال عنها بعض الحاقدين والحاقدات، مَن داهمتهم الشيخوخة وهم أصغر منها سنًّا: المسألة تكمن في الدعارة، مع عدم الإنجاب، نوار سعد تحلب الرجال حلبًا، وتستخدم ماءهم في دلك وجهها وجسدها؛ وهذا هو سر الشباب الخبيث الذي تبدو فيه.
توقَّعَ الناس ظهور أمين فجأةً، ولكن مضى الاحتفال دون مفاجآت تُذكَر، غير أن الخير طالَبَ بشدة بزجاجة من عرق البلح «القوي»، والشخص الوحيد الذي كان بإمكانه الإيفاء بهذا الطلب هو أمين محمد أحمد وهو غير موجود، سُقِى زجاجات كثيرة من الجن وحتى الفودكا، ولكنها لم ترض فيه مطلبًا، فصاح هاتفًا: دي بلد دي؟ بلد ما فيها عرق بلح؟ قاعدين تسووا بالليل الطويل ده كله شنو؟
يعجبني جدًّا العمل التشكيلي العظيم الذي تقوم به سارة حسن، العمل غير المسبوق في تاريخ البلاد الكبيرة، طالما ظلَّ التشكيليون لأعوام طويلة يخافون من الهواء الطلق وضوء الشمس الساطع. قالت لي سارة: هي الحاجة وحدها اللِّي خلتني أبتكر الفكرة دي، العطالة والفقر وفشل المشروعات الكبيرة.
قلت لها: لكن العزيمة والصبر وراء دا كله.
– هي عوامل مساعدة ما أكثر.
كتبت لي دوشكا تودروف تسأل عن أخبارنا، وأمين محمد أحمد الذي توقَّفَ عن الكتابة إليها، هل سافر إلى خارج السودان كما كان يأمل مع طفلته وحبيبته، لقد حدَّثَني عنهما من قبلُ، وإنني أتكهَّن الآن بسوء العلاقة بينه وبين زوجته نوار سعد، وأتمنى أن أكون كاهنة فاشلة.
أطفالي يرسلون لكم التحايا والأشواق، سنحضر في الوقت المتفق عليه. سألني مايكل: لماذا لا نتزوج اليوم؟