قنابل البلي تخفي كل شيء!
لم يُضِع «أحمد» الفرصة. كانت هناك حوالي عشر درجات من السُّلَّم تفصل بينه وبين الرجلين. ققز قفزة سريعة، وهو يُصوِّب كلتا قدمَيه إليهما، في نفس الوقت الذي كان «خالد» يقف فيه ممسكًا بمسدسه، في انتظار الوقت المناسب. غير أن الرجلين، كانا قد تصرَّفا بسرعة؛ ففي نفس المكان الذي ظهرا منه اختفيا مرَّة أخرى. نزل «أحمد» عند صالة صغيرة تُؤدِّي إلى منحنًى، في الوقت الذي لا يزال فيه السُّلَّم مُمتدًّا إلى عُمق آخر. أسرع «خالد»، فلحق به. ووقف الاثنان أمام باب حديدي؛ عالجاه في بداية الأمر، لكنَّه لم ينفتح.
قال «خالد»: يبدو أنه يفتح تبعًا لإشعاع خاص، أو أرقام سرية خاصَّة …
لم يردَّ «أحمد»؛ فقد كان يفكر. وفي لحظة أخرج جهازًا صغيرًا ثبَّته في فُوَّهة مُسدسه، ثم ضغط الزِّناد. انطلق شعاع قوي من الجهاز، فوجَّهه «أحمد» إلى منتصف الباب الحديديِّ، ثم رسم به دائرة تكفي لمرور رجل. وعندما اكتملت الدائرة، أوقف الإشعاع، ثم خلع الجهاز، وأعاده إلى جيبه. في نفس الوقت، ضغط برفق على الدائرة المرسومة فوق الباب الحديدي، فسقطت في الداخل. أصبح سهلًا أمامهما أن يدخلا بسرعة، لكنَّهما لم يدخلا بسرعة. لقد توقَّفا قليلًا؛ إن أمامها مرکزًا کاملًا للأجهزة الإليكترونية …
همس «أحمد»: إننا أمام مواجهة شاملة الآن، والدخول مغامرة خاسرة في النهاية …
لم يكد ينتهي من جملته، حتى كانت طلقات الرصاص كالمطر، تسقط من خلال الدائرة في الباب الحديدي. غیر أن «أحمد» و«خالد» كانا يحسبان كل لحظة؛ فقد وقفا في منطقة آمنة، يستطيعان منها أن يريا كلَّ شيء، دون أن يكونا في مرمى النيران.
همس «خالد»: ينبغي أن نتركها قليلًا، ثم نبدأ …
قال «أحمد» في هدوء: بل ينبغي أن نبدأ مباشرة؛ حتى لا نقع في حصارٍ؛ فالمؤكَّد أن أنباء سريعة خرجت من هذا المركز البديع، إلى كل أنحاء المقر، وعن موقفنا هنا، وبذلك يمكن أن نقع في أيديهم بسهولة!
قال ذلك، ثم أرسل رسالة سريعة إلى الشياطين؛ شرح لهم طريقة الدخول، وخريطة المكان.
في نفس الوقت، قال ﻟ «خالد»: قنابل الدخان.
ابتسم «خالد» وهو يقول: هذه أول مرَّة نستخدم فيها هذا النوع الجديد من قنابل الدخان، ويبدو أنها جاءت في الوقت المناسب.
أخرج قنبلةً في حجم «بلية» صغيرة، ثم دحرجها في هدوء من خلال فتحة الباب الحديدي … كانت الطلقات قد توقَّفت، لكنها عادت من جديد، وإن كانت أقل. مرَّت دقيقتان، ثم بدأ الدخان ينتشر في المكان. كان يظهر کشيء رقیق، ثم أخذ يزداد.
عَلَت الأصوات داخل المكان، فهمس «خالد»: إنهم سوف يحاولون الهرب الآن، وليس أمامهم سوى هذا الباب؛ إنها سوف تكون مواجهة صعبة.
لم يرد «أحمد»؛ فقد كان ينتظر ما سوف يحدث. مرَّت دقائق أخرى، كان المكان قد اختفى تمامًا، تحت ستار كثيف من الدُّخان، لكنَّ أحدًا من أفراد العصابة لم يظهر.
همس «خالد»: ماذا حدث؟
أخذ الدخان يخِف، وبدأت تفاصيل الأجهزة تظهر أمامهما، ثم كانت المفاجأة! لم يكن هناك أحد، لا يوجد رجل واحد!
قال «أحمد»: لا بُدَّ أن هناك مَنفَذًا آخر، خرجوا منه!
لم يكد ينتهي من كلامه، حتى كانت إشارة قد وصلته؛ لقد كانت إشارة من الشياطين. نقل الإشارة إلى «خالد» الذي قال: لا بُدَّ أن شيئًا قد حدث …
فجأةً، كانت طلقات الرصاص تُدوِّي حولهما، فقَفزا إلى داخل حجرة الأجهزة، من خلال فتحة الباب. وعندما استقرَّا في مكان يختفيان فيه، قال «خالد»: إن العصابة قد تحرَّكت كلُّها …
همس «أحمد»: لا بُدَّ أن الشياطين قد حقَّقوا شيئًا ما؛ فالإشارة تعني أنهم قد تمكَّنوا من شيءٍ.
توقَّفت الطلقات في الخارج، ووصلت رسالة من الشياطين: تم التحفُّظ على المجموعة، نحن في النقطة «ل» …
ابتسم «خالد»، وقال: لقد وقَعَت المجموعة في أيدي الشياطين …
في نفس اللحظة التي قال فيها هذا الكلام، كانت عينا «أحمد» تدوران داخل المكان؛ خوفًا من أن يظهر شيء لم يستعدَّ له. وكما توقَّع تمامًا؛ فقد ظهر شبح في نهاية المركز المُتَّسع الذي يضم الأجهزة. لم يكن الشَّبَح واضحًا، لكن حركته كانت تكشف وجوده. لفت نظر «خالد» إلى ذلك، فأخرج «خالد» مُسدسه واستعد. غير أنهما ابتسما معًا؛ فقد صدرت إشارة خاطفة من الشَّبَح جعلتهما يبتسمان؛ لقد كانت الإشارة صادرة من «ريما».
رد «أحمد» على الإشارة مُحددًا المكان الذي يختفيان فيه. اقتربت «ريما» في هدوء، حتى انضمَّت إليهما.
قالت «ريما»: إن مقرَّ زعيم العصابة يقع في الطابق الثاني، وهو يُدير كل حركته من هناك.
قال «أحمد» بعد لحظة: يجب أن نشغلهم؛ حتى لا نعطيهم فرصة التفكير في إرسال إشاراتٍ إلى عصابات العالم. إنهم الآن مشغولون بنا، وبمحاولة القضاء علينا، وهذه فرصتنا …
لم يكد ينتهي من كلامه، حتى كانت الطلقات تتردَّدُ في المكان. كان هناك باب خلفي، هو نفس الباب الذي دخلت منه «ریما»، والذي هرب منه أفراد العصابة. في نفس الوقت، كانت هناك الفتحة الموجودة في الباب.
جاءت رسالة عاجلة من الشياطين: «نحن نقوم بمحاصرة مركز الزعيم؛ علیکم بالانتهاء من عمليَّتكم.» فنقل «أحمد» الرسالة إلى «خالد» و«ريما».
كانت الطلقات تتردَّدُ من المكانين، فقال «خالد»: إنه حصار قوي …
رد «أحمد»: لا بأس؛ فهذا يعني أن الشياطين هناك لم ينكشفوا بعد!
ظلُّوا في مكانهم، الذي كانت الطلقات تنهال فوقه، لكن أحدًا منهم لم يكن مُعرَّضًا للخطر.
همس «أحمد»: ينبغي أن نعطيهم فرصة أكبر!
سألت «ریما»: كيف؟ …
قال «أحمد»: سوف ننتشر في المكان؛ فهذا يجعل قدرتهم على التصوُّر أقل. إنهم يتصوَّرون أننا مجموعة كبيرة؛ ولهذا يجب أن تكون كمية النيران كبيرة أيضًا.
ثم حدَّد مكان زحف «خالد»، وقال ﻟ «ريما»: سوف تبدئين إطلاق النار هنا، في نفس الوقت الذي نزحف فيه أنا و«خالد». وسوف نُغيِّر أماكننا كلما استطعنا ذلك …
زحف «أحمد» في اتجاه اليمين، بينما زحف «خالد» في الاتجاه الشمالي. في نفس الوقت، كانت «ريما» قد أخرجت مسدسها السريع الطلقات، وبدأت توجه كمية نيران عالية؛ مرة في اتجاه الباب الحديدي، ومرة في اتجاه الباب الآخر. مرت دقيقة، ثم بدأ «أحمد» و«خالد» في إطلاق النيران. کانت كمية النيران تُؤكد أن هناك مجموعة كبيرة، وليس ثلاثة أفراد فقط؛ ولهذا، ارتفعت کمية النيران التي يُطلقها أفراد العصابة. غير أنهم لم يستمروا؛ فقد توقفوا فجأة، وبسرعة أصدر «أحمد» إشارة بالتوقُّف. ساد الصمت المكان، لكنَّه صمت حذِر.
كان الشياطين يراقبون أي حركة يمكن أن تصدُرَ من أي اتجاه. وكما توقَّع «أحمد» تمامًا … ففي حركة سريعة، كان أحدهم يقفز من فتحة الباب الحديديِّ إلى الداخل. مرَّت لحظةٌ أخرى، ثم قفز آخر، ثم تلاه ثالثٌ ورابعٌ. كانوا يلبسون ملابس غريبة، وكأنها ضدُّ النيران والدُّخان.
أرسل «أحمد» رسالةً إلى «خالد» و«ريما»: سوف يكون اشتباكنا بالأيدي …
زحف من مكانه في اتجاه «ریما»، التي كانت قريبة من الباب، في نفس الوقت الذي وضع «خالد» كلَّ مراقبته على الباب الآخر. اقترب «أحمد» من «ریما» حتى انضمَّ إليها. أخرج جهازًا للكشف، ثم ضغط زرَّه، فتحرَّك المؤشِّر.
همس: إنهم يلبسون ملابس معدنيَّة.
ضغط زرًّا آخر؛ فتحرَّك المؤشِّر، وحدَّدَ مسافة مُعيَّنة، فهمس: إن أحدهم يختفي على بُعد ثلاثة أمتار في اتجاه «ن».
تحرَّك من مكانه في هدوء، إلى نفس الاتجاه الذي حدَّدَه مؤشِّر الجهاز. عَلَت وجهه ابتسامة؛ فقد رأی أحدهم يتحرَّك دون صوتٍ. اقترب منه في هدوءٍ، وعندما استجمع قواه ليقفز قفزته النهائية فوقه، كان شيء ضخم يسقط فوقه. وعندما استطاع أن يلتفت، رأى أحد أفراد العصابة يستَلُّ خنجره ليُسدِّدَه إلى قلبه، إلا أنه في لَمْح البصر كان قد تدحرج من مكانه. في نفس الوقت، كانت قدمه تخرج كالسهم في وجه الرجل، فأطاحت به بعيدًا. كان الرجل الآخر قد انقضَّ عليه، لكن «أحمد» تلقَّاه بین ذراعيه، وضربه بقوَّة جعلته يسقط على الأرض.
التفت بسرعة، فرأی «خالد» قد انضمَّ إليه، وأمسك بواحدٍ منهم … كانت «ریما» ترقب ما يحدث، وهي تُفكِّر في الانضمام إليهما، إلا أنها تردَّدَت قليلًا؛ حتى تظلَّ في حالة مراقبةٍ للبابين. فجأة، رأت أحدهم يهُمُّ بالقفز من فتحة الباب الحديديِّ؛ سدَّدَت مُسدسها إليه، وأطلقت طلقة، إلا أن الرجل تلقَّاها في بساطةٍ، وأصبح داخل المركز. تأكَّدت أن ملابس رجال العصابة ضدَّ الرصاص. فكرَت بسرعة، ثم أخرجت الإبَر المُخدِّرة، وقبل أن يظهر آخرُ، كانت قد استعدَّت. ظهر أحد أفراد العصابة، وعندما همَّ بالقفز، كانت قد سدَّدَت إبرة مُخدِّرة إلى جبهته، فأصابته تمامًا. وقبل أن يصل إلى الأرض، كان قد فقد الوعي. وقفز آخر فأصابته، ولكن فجأة فُتح الباب الخلفي، ثم ظهرت مجموعة من الرجال، كانوا يلبسون نفس الملابس الغريبة.
تعاملت معهم بالإبَر المُخدِّرة، واستطاعت أن تُسقط خمسةً من سبعة دخلوا معًا. في نفس الوقت، كانت المعركة دائرة بين «أحمد» و«خالد» وبقيَّة أفراد العصابة. شاهدت «أحمد» يرفع أحدهم ويدور به، ثم يُلقي به فوق ثلاثة اتَّجهوا إليه مندفعين، فسقط فوقهم وأوقعهم على الأرض … شاهدت «أحمد» أيضًا يُخرج مُسدسه، ثم يتعامل معهم. كانوا يسقطون الواحد خلف الآخر، فعرفت أنه استخدم الإبَر المُخدِّرة. مرت ربع ساعةٍ لم يظهر أحد منهم، واستطاع «أحمد» و«خالد» أن ينهوا المعركة، وساد الصمت المكان. كان «أحمد» يبدو مُنهَكًا تمامًا؛ في نفس الوقت، كان «خالد» يجلس مُستنِدًا إلى أحد الأجهزة، وهو يُحاول أن يستردَّ قواه.
أسرعت إليه، فهمس لها مبتسمًا: لقد كانت معركة قاسية؛ سوف أكون مُستعِدًّا خلال دقائق …
لكن الدقائق التالية شهدت معركة أخرى؛ فقد اندفعت مجموعة من الرجال في وقت واحد من الجانبين، غير أن الشياطين كانوا قد استعدُّوا. لقد كانت الإبَر المُخدِّرة هي السلاح الصحيح لهذه المعركة. ولأن إطلاق هذه الإبَر لا يحتاج إلى مجهود؛ فقد استطاعوا من أماكنهم أن يُسيطروا على الموقف؛ فقد كان رجال العصابة يتساقطون كالعصافير، حتى إن بعضهم صرخ وهو يعدو هاربًا: إننا نتعامل مع شياطين …
أخيرًا، توقَّف الصراع، فهمس «أحمد»: ينبغي أن نُغادر المكان؛ فنحن هكذا محاصرون …
سألت «ريما»: هل نخرج من الباب الخلفي؟ …
قال «أحمد»: نعم؛ فالباب الحديدي ليست به حماية كافية …
زحفوا بسرعة؛ حتى لا يتعرَّضوا لأي هجومٍ مُفاجئ، وعند الباب، قال «خالد»: إن التقدُّم يحتاج إلى قنبلة دُخانيَّة …
بسرعة لبس كلٌّ منهم جهازًا واقيًا من الدُّخان. أخرج «خالد» قنبلة صغيرة، ودحرجها في هدوءٍ من خلال الباب المفتوح. انتظروا لحظة، حتى بدأ الدُّخان يُغطِّي المكان. وما كادوا يتقدَّمون، حتى سمعوا أصوات سُعال شدید.
همس «خالد»: كما توقَّعت؛ لقد كانت هناك مجموعة في طريقها إلينا …
تقدَّم «أحمد» زاحفًا، وأطلَّ من الباب؛ كان الدُّخان كثيفًا. أخرج بطارية تعمل بالأشعة، وسدَّدَ ضوءَها في قلب الدُّخان. رأی مجموعة من الرجال مُكوَّمة على الأرض. أشار إلى «خالد» و«ريما» أن يتقدَّما. خرجوا من الباب، ثم تقدَّموا في حذر. كان «أحمد» یکشف المكان بضوء البطارية. رأى درجات سُلَّم تصعد، فاتجهوا إليها. كانت درجاتٍ مُتعدِّدة.
همس: خُذا حذركما؛ فقد تكون السلالم هي الكمين الذي يمكن أن نقع فيه …
تقدَّموا وهم يتجسَّسون درجات السُّلَّم بطريقة خاصَّة، لكن فجأة حدث ما لم يكن يتوقَّعه أحد. لقد وصلت رسالة من «بو عمير» و«باسم». كانت الرسالة تقول: «لقد وقعنا!» نقل «أحمد» الرسالة إلى «خالد» و«ریما»، فظهرت الدهشة عليهما.
بسرعة، أرسل «أحمد» رسالةً يطلب تحديد المكان، فجاءه الرد: «نحن في النقطة «ﻫ» …»
رسم «أحمد» خطوطًا سريعة على إحدى درجات السُّلَّم، ثم قال: إنها أسفلنا تمامًا!
ولم يكد ينطق، حتى كانت إحدى درجات السُّلَّم قد فُتحت، وسقطت «ريما» أمام أعينهما …