الشياطين خلف مكتب الزعيم!
كاد «أحمد» يضحك، وإن ظهرت ابتسامة عريضة على وجهه، وقال: لا بأس؛ هذه ليست قضية هامَّة …
ابتسم «خالد» هو الآخر، وقال: إن الشياطين يحبُّون مثل هذا الصراع الذكي …
استطاع «أحمد» ببعض التأمُّل أن يعرف المساحة التي تفتح في السُّلَّم، ولذلك حدَّد الأمكنة التي يمكن أن يتقدَّما منها، دون أن يتعرَّضا للسقوط مرَّة أخرى.
قال بعد قليلٍ: إن العصابة سوف تضع كل جهدها الآن في الإيقاع بنا، ولن تُفكِّر في شيء آخر …
سأل «خالد»: والشفرة، وموجة الإرسال؛ ألن تحرج من مقر العصابة الآن؟ …
ردَّ «أحمد» بعد لحظة: لا أظن.
فجأة شعر أن جهاز الإرسال يستقبل رسالة ما. نظر إلى «خالد»، وقال: يبدو أن الشياطين يُرسلون رسالة.
بدأ يتلقَّى الرسالة، ثم عَلَت الدهشة وجهه، حتى إن «خالد» تساءل: ما الحكاية؟ انتهت الرسالة، فنقلها إلى «خالد».
لقد كانت الرسالة من رقم «صفر»، وكانت تقول: إن موجاتٍ صوتيَّة موجَّهة الآن إلى مركز العصابة، ولن تستطيع إرسال أي رسالة إلى أي مكان في العالم، وعلیکم بالانتهاء من مُهِمَّتکم …
كانت الرسالة كافية لتملأ الشياطين بالارتياح، وحتى يدفع الاطمئنان إلى قلوب الشياطين في سجنهم. أرسل رسالة إلى «بو عمير» بما جاء في رسالة رقم «صفر». وعندما انتهى منها، نظر إلى «خالد»، وقال: الآن يمكن أن أستنتج لماذا لم يظهر أحد آخر. يبدو أن الموجات الصوتية الموجَّهة إلى مقر العصابة الآن تشغل زعيمهم … صمت لحظة، ثم أضاف: علينا أن نتحرَّك؛ فقد أصبحت المُهِمَّة سهلة.
فجأةً، فُتحت درجة السلم التي يقف عليها، لكنه كان يقف في المنطقة الآمنة. وفي لمح البصر، رأى الشياطين يجلسون على الأرض، أسفلهم تمامًا.
ابتسم، وقال: لا بأس مرة أخرى؛ إننا لن نقع في أيديهم ببساطة …
تقدَّما في حذَر، حتى وصَلَا إلى قاعة متوسِّطة الاتساع، غير أنه لم يكن يظهر باب واحد.
ابتسم «خالد»، وقال: لا بُدَّ أن الأبواب سحريَّة كالعادة. وكما توقَّع «خالد»؛ انفتح فجأة أحد الأبواب، ثم خرجت حزمة من الضوء القوي، لكن لحسن الحظ لم يكن أحدهما يقف في طريقها. ظلت حزمة الضوء مستمرَّة، فجعلت المكان كأنه النهار. نظر «أحمد» إلى «خالد»، الذي كان يقف قباله على الطرَف الآخر من الباب السحري، وابتسم.
فجأةً، انسحبت حزمة الضوء، وقال صوت: لقد انتهى كلُّ شيء. إن الاشعاع يقضي على أي كائن حي.
وصمت قليلًا، ثم أضاف: لا بُدَّ أنهم انتهوا الآن …
مرَّت لحظة، ثم ظهر وجه يتلصَّص. كان «أحمد» و«خالد» في انتظار حدوث شيء آخر. وفي لمح البصر، کانت يد «أحمد» تمتد لتجذب الرجل، فيخرج بكامله بينه وبين «خالد»، الذي أسرع بغرز إبرة مُخدِّرة في ذراعه، جعلته يهوي على الأرض.
علا صوت من الداخل: إن الشياطين في الخارج؛ إنهم لا يتأثَّرون بشيء …
ابتسم «أحمد» و«خالد»، الذي تحدَّث بلغة الشياطين: قنبلة دُخان …
أشار «أحمد» إليه أن ينتظر قليلًا …
انتظر «خالد»، وإن كان قد أخرج قنبلة الدُّخان في يده، في انتظار استخدامها …
كانت الأصوات في الداخل قد توقَّفت. أشار «أحمد» إلى «خالد» أن يتبعه. غادرا القاعة، وعادا إلى السُّلَّم. لم يكن هناك أي صوت يصدر من أي مكان. صعدا السلم بسرعة وحذَر. كانت الجدران ملساء، بما يعني أنه لا يوجد أي مَنفَذ. لكن الشياطين يعرفون أن الأبواب كلَّها سحريَّة في هذا المكان. وضع «أحمد» يده على الجدار بجواره، وأخذ يتلمَّس، في الوقت الذي استمر فيه في الصعود. فجأة، توقَّف؛ كان هناك خط رقيق لا يكاد يظهر، لكن تحسه اليد الخبيرة.
همس بلغة الشياطين: يوجد هنا باب …
ظل يتتبَّع الخطَّ، حتى حدَّد مكان الباب بالضبط، ثم قال: ينبغي أن نفتحه بأي طريقة.
همس «خالد»: طريقة الاحتمالات …
ابتسم «أحمد»، وقال: فكرة طيِّبة.
وبسرعة كان يكتب أرقامًا في الهواء، وكأنه يقوم بعمليَّة حسابيَّة. وفي دقيقةٍ واحدةٍ، كان قد حدَّدَ الرقم ١٢٨٤١. همس به إلى «خالد»، الذي كان قد بدأ يُحدِّد مکان قفل الباب، وعندما توقَّفت يده عنده، همس: هذه هي الدوائر الرقمية.
أسرع «أحمد» ووضع أصابعه عليها، ثم بدأ يديرها تبعًا للرقم الذي حدَّده، لكن الباب لم ينفتح، وإن كان قد بدأ يهتز.
قال «خالد»: هناك رقم واحد خطأ!
من جديدٍ، بدأ «أحمد» يُجري العملية الحسابية، ثم ابتسم، وقال: هذا صحيح، إن رقم ٤ يجب أن يكون ٥.
أسرع يُدير الدوائر الرقمية مرَّة أخرى. فجأة انفتح الباب، فجذبه برفق، فاستجاب له. أطلَّ في حذَر إلى الداخل، فلم يجد أحدًا. تقدَّم وخلفه «خالد»؛ کانت هناك مساحة واسعة ليس بها شيءٌ، وكانت هي الأخرى ذات جدرانٍ ملساء. أخذ الاثنان يبحثان عن مكان الباب، وتوقَّفا معًا عند بابين متجاورين. وبنفس نظرية الاحتمالات، استطاعا أن يفتحا الاثنين معًا، لكنها لم يتقدَّما؛ كان كلُّ باب يُؤدِّي إلى مكان، يفصل بينهما جدار.
همس «أحمد»: فليدخل كل منا إلى اتجاه …
اختفى «أحمد»، واختفى «خالد» أيضًا.
كانت هناك طرقة طويلة بيضاء، لم يرَ «أحمد» آخرها؛ فقد كانت الإضاءة خافتة، بما يكفي لأن يكون آخر الطرقة مُظلِمًا. فجأةً، شعر بموجات مغناطيسيَّة تجذبه. توقَّف لحظة، ثم ترك نفسه للموجات المغناطيسيَّة. أخذت تسحبه، حتى كاد يصطدم بحائط. توقَّف، لكن قوَّة الجذب کانت شديدة … وضع أذنه على الجدار، وبدأ يلتقط عددًا من الأصوات، لكنَّه لم يتبيَّن أيَّ كلمة. قال في نفسه: لعلَّها حجرة الزعيم …
أرسل رسالة سريعة إلى «خالد» يطلب الانضمام إليه، غير أن «خالد» ردَّ بسرعة. وكانت رسالته تقول: «إنني في الطريق إلى بقيَّة الشياطين؛ يبدو أن المكان قد أصبح خاليًا.» ردَّ «أحمد» على رسالة «خالد»: «استمرَّ؛ سوف أُرسل إليك …»
كانت الرسائل المتبادلة بين الشياطين بطريقة الشفرة الخاصَّة بالشياطين، والتي لا يعرفها سوى رقم «صفر» فقط.
ظلَّ «أحمد» واقفًا بجوار الجدار يستمع. كان يُفكِّر: هل يمكن أن تكون قوَّة الجذب شديدة؛ حتى تأخذه إلى داخل الحجرة بالقوة؟ … وكان هذا ما حدث فعلًا. لقد وجد نفسه فجأة يصطدم بالحائط، لكنَّه ظلَّ يقاوم. في نفس الوقت، كان يُخرج من جيبه سماعة شديدة الحساسيَّة، ألصقها بالجدار، ثم بدأ يستمع.
جاءته الكلمات واضحةً هذه المرَّة؛ كان صوت يقول: إن الرجال قد أصيبوا بما يُشبه الإغماء …
وقال صوت حاد: لقد ضِعنا؛ أنتم لم تستطيعوا عمل شيء …
فهم «أحمد» أن هذا الصوت هو صوت الزعيم. ظلَّ يستمع، وكانت هذه الجُمَل هي التي وصلت إليه …
-
يجب أن تفعلوا شيئًا …
-
وقع ثلاثة منهم في المصيدة.
-
هناك آخرون، لم نعرف أماكنهم بعد!
-
لماذا لم تستخدموا الإضاءة الكاشفة في أرجاء المركز؟
-
إنهم يستخدمون طرقًا حديثة لم نسمع بها، ولم نعرفها …
كانت الكلمات كافيةً لأن يفهم كلَّ شيء، لكن ما سمعه بعد ذلك كان أهمَّ؛ لقد سمع صوتًا يقول: إن هناك موجات غريبة تُعطِّل عمل الأجهزة.
وجاء صوت الزعيم يقول: ألم تُرسلوا الرسائل إذن؟ …
ردَّ صوت آخر: لقد حاولنا أيها الزعيم، لكن كل محاولاتنا فشلت …
قال الزعيم: ربَّما تكون لديهم أجهزة هي التي تتسبَّبُ في تعطيل أجهزتنا …
ثم حدث صمت، قطعه صوت الزعيم مرة أخرى: أحضِروهم هنا …
تحرَّكت أقدام سمعها «أحمد»، ثم فجأة فُتح الباب، فاختفى خلفه. خرجت أقدام، فاستطاع أن يعرف أنها لخمسة أشخاصٍ. لم يتحرَّك من مكانه؛ فقد كان يهمُّه أن يلتقي بالزعيم. لمح الأشخاص الخمسة يتقدَّمون الواحد بعد الآخر. قال في نفسه: ينبغي أن يكونوا أربعة فقط؛ حتى تكون معركتهم مع الشياطين سهلة.
وفي هدوء أخرج مُسدسه، وثبَّت فيه إبرة مُخدِّرة، وقبل أن يختفي الرجال جميعًا، أطلق الإبرة على آخر واحد فيهم. توقَّف الرجل لحظة، ثم بدأ يتهاوى. وكان «أحمد» أسرع في الحركة إليه، فتلقَّاه بين ذراعيه، ثم جره مُبتعدًا به؛ حتى لا يلفت ذلك نظر الآخرين. كان الأربعة قد اختفوا. ظلَّ يجذب الرجل، حتى اقترب به من الباب، الذي أُغلق من تلقاء نفسه، لكنَّه كان يعرف كيف يفتحه.
وضع الرجل مُمَدَّدًا عند الباب، وفكر: كيف يمكن أن يستفيد منه الآن؟ … لكن الوقت لم يطل به التفكير؛ فقد توصَّل لفكرة مُذهلة. حمل الرجل على ظهره، وانحنى؛ حتى لا يستطيع أحد رؤية وجهه، ثم عالج الباب في سرعة فانفتح. دخل مُنحنيًا وهو يحمل الرجل، وبطرف عينه لمح الزعيم واقفًا أمام الشُّرفة الوحيدة التي رآها من الخارج.
قال الزعيم بسرعة: ماذا حدث؟ …
ردَّ «أحمد» بصوتٍ تمثیلي: لا أدري أيُّها الزعيم؛ لقد أصابته نوبة إغماء بلا سبب …
قال الزعيم في ذُعر: هؤلاء الشياطين يفعلون أشياء غريبة. وقبل أن يكمل كلامه، كان «أحمد» يخفي ابتسامة لم يرَها الزعيم. أكمل كلامه: وأين بقيَّة الرجال؟ …
قال «أحمد» بنفس الطريقة التمثيلية: لقد ذهبوا لتأدية المُهمَّة يا سیدي …
ثم تقدَّم الزعيم من «أحمد» في خطوات هادئة. في نفس الوقت، كان «أحمد» قد استدار في اتجاه الأريكة الطويلة الموجودة؛ حتى لا يرى الزعيم وجهه. وعندما تأكَّد أن الزعيم قد أصبح خلفه مباشرةً، دار دورة سريعة، جعلت أقدام الرجل تصطدم بالزعيم، فاختل توازنه. وفي لحظةٍ، كان قد ألقى الرجل على الأريكة، ثم قفز إلى الزعيم، وسدَّد له لكمة قوية جعلته يترنَّح، لكنه كان قويًّا بما يكفي لأن يستعيد توازنه. غير أن «أحمد» كان أمامه مباشرةً، فعاجله بيمين مستقيمة، استطاع الزعيم أن يُفلت منها، ويُوجِّه يمينًا خُطَّافيَّة إلى «أحمد» الذي تراجع في الوقت المناسب، فطاشت في الهواء. ثم ردَّ عليها بضربة بكفِّ يده جعلته يَئِنُّ من الألم. وقبل أن يفيق من ألم الضربة الحادَّة، كان «أحمد» قد قفز في الهواء وضربه بقدميه ضربة مزدوجة، جعلته يدور حول نفسه. وقبل أن يتوقَّف، ليستعيد توازنه، كان «أحمد» قد سدَّد إليه ضربةً قوية في بطنه، جعلته ينحني إلى الأمام، ثم ينهار. إلا أن «أحمد» لم يترکه؛ فقد سدَّدَ له لكمة أخرى، جعلته يتراجع بسرعة مُصطدمًا بالمكتب الضخم، ثم ينقلب فوقه بلا حركة. وفي هدوء، جذبه، وأنزله إلى الأرض، ثم جرَّه حتى أخفاه أسفل الأريكة. كان الرجل المُمدَّد فوقها قد بدأ يُفيق؛ فلم تكن الإبرة قوية المفعول، بجوار أنه كان ضخمًا بما يكفي لأن يفقد وعيه لدقائق، غير أن «أحمد» الذي كان يقف أمامه مباشرة؛ انتظَر مُتحفِّزًا.
فتح الرجل عينيه، التي امتلأت بالرُّعب عندما رأى «أحمد»، وقال في استسلام: إنني طوع أمرك.
ابتسم «أحمد» وهو يمدُّ يده؛ ليوثق يديه، وقال: انزِل وارقُد خلف الأريكة.
نفَّذ الرجل ما طلب منه، فوقف «أحمد» لحظةً يرقب المكان الأنيق المُجهَّز بأحدث الأجهزة. كان فوق المكتب تابلوه صغير، فوقه عدَّة أزرار. قرأ المكتوب فوقها، وكانت مجموعً من الأرقام. مدَّ يده، وضغط الزرَّ رقم ١، فظهر مركز الاتصالات على شاشة صغيرة، أمام المكتب مباشرة. كان المركز واضحًا بأجهزته، وبرجال العصابة الممدَّدين على الأرض. ابتسم، وضغط الزرَّ رقم ٣، فجاءت حجرة خالية تمامًا من أي شيء.
لكنه فجأة سمع صوت أقدام هادئة تتقدم. أسرع ينزلق خلف المكتب، في الوقت الذي أخرج فيه مسدسه، استعدادًا لأي شيء. اقترب صوت الأقدام أكثر، ورأی مِن أسفل المكتب أقدام أربعةٍ يلبسون تلك الملابس الغريبة. فكر بسرعة، ثم بدأ يستعدُّ لتنفيذ فكرته. كانت خُطَّته أن ينتظر حتى يقترب أوَّلهم؛ فيستخدمه للإحاطة بهم جميعًا. اقتربت الأقدام أكثر، واستعد لينقض، لكنَّه فجأة كتم ضحكةً كادت ترتفع؛ فقد سمع صوت «ريما» تقول: لا بُدَّ أن أنتهي من الزعيم، ثم نُطارد الباقين … لقد استطاع الشياطين أن يُحقِّقوا انتصارًا طيِّبًا. وها هم في ملابس العصابة …
فكر لحظةً، وقال في نفسه: هل أداعبهم؟ لكنه لم يفعل، فقد خشِي أن يتصرَّف أحد الشياطين بسرعة كالعادة، فيرتكب خطأ جسيمًا، قد يُودي بحياته، لكنه فكر في دعابة أخرى.
أرسل رسالة يقول فيها: «الشياطين، خلف مكتب الزعيم.» … فجأة سمع ضحكات الأربعة.
قال قبل أن يظهر: نعم، والزعيم أسفل الأريكة.
تعالت ضحكات الشياطين، فقد انتهت العصابة بكاملها؛ إن عليهم الآن إرسال رسالة إلى رقم «صفر» ليتصل بالجهات المسئولة لتتسلم المكان.
وجاءهم ردُّ رقم «صفر»: تهنئتي وتحيتي؛ أتمنى لكم عودة طيِّبة …
وعندما خرج الشياطين من مركز العصابة، كانت الشمس تتوسَّط السماء؛ فقد انتصف النهار. وفي هدوءٍ، أخذوا طريقهم إلى سيَّاراتهم … فقد كانوا في حاجة إلى نوم طويل يستعيدون به نشاطهم، في انتظار مغامرة أخرى.