عبقرية الجندي المجهول
أيها السادة
من طرائف ما اصطلح الناس عليه في العصر الحديث إقامة ضريح يحج إليه المشغوفون بتقديس البطولة والأبطال، وهو الذي يسمونه قبر الجندي المجهول، وذلك القبر يضم عظامًا لا يعرف صاحبها على التحقيق، ولكنها في أذهان الناس رمز التضحية والإخلاص.
قد يكون ذلك الجندي أشجع الجنود، وقد يكون أجبن الجنود، ولكنه في جميع حالاته أسعد الأموات؛ لأن النار المقدسة تظل مشبوبة فوق قبره صباح مساء؛ ولأن قبره يظل كعبة تقدم إليها أطيب القرابين، من الأزهار والرياحين، فهو إن كان في حقيقة أمره من أشجع الجنود حمد الطالع السعيد الذي قضى بأن ينال حقه فيكون رمز الوفاء، وإن كان من الضعفاء الجبناء شكر الله على ستر حاله فأضافه إلى الشهداء.
وإقامة الضريح للجندي المجهول هي أعظم تعزية لأرواح الأبطال الذين جهلت أقدارهم بعد الموت، فكلهم يرجو أن يكون الصورة التي يتمثلها من يزور قبر الجندي المجهول، وكلهم يرجو أن يكون له حظ من الذكرى ومن الدموع يوم يحج الناس إلى ذلك القبر في المواسم والأعياد.
ولكن حدثوني، أيها السادة، كيف يكون شعور الروح، روح الجندي المعروف لا المجهول، حين يمر الناس على قبره فلا تلوح لهم من وجهه صورة، ولا يعترضهم من روحه مثال؟
كيف يكون شعور الروح، روح القائد المغوار الذي يمر الناس على قبره، فلا يذكرون كيف صارع النوائب وصاول الخطوب؟
حدثوني كيف يكون شعور ذلك الروح، وكان في دنياه أرق من الزهر، وأقسى من الزمان؟ ولو كان ذلك الروح يعرف أن عظامه دفنت في أرض موات لهان عليه خطب النسيان!
ولكنه يعرف أن عظامه دفنت في أرض تخرج أطيب الثمرات، وتختال بمن يمشي فوقها من أقطاب الرجال، كيف يكون شعور ذلك الروح في تلك الأرض: الروح الذي اسمه «الشريف الرضي» في الوطن الذي اسمه «العراق»؟
ولكن مهلًا فلن ينسى الشريف الرضي بعد اليوم، فستنشر ذكراه في جميع الأقطار العربية، وسيذكر في أكثر اللغات الأجنبية، وسيحيا شعره على الألسنة والقلوب فيما سيأتي من الأجيال.
قد تسألون؟ وكيف تحكم على الشريف الرضي بالخمول وهو جد معروف؟
وأجيب بأن الشريف الرضي لقي في دنيا الأدب أعنف ضروب العقوق: فهو أفحل شاعر عرفته اللغة العربية، وأعظم شاعر تنسم هواء العراق، ومع ذلك سكت عنه النقد الأدبي فلم يؤلف عنه كتاب ولا فصل جيد من كتاب، ولو كان ديوان الشريف الرضي في لغة الفرنسيس أو الإنجليز أو الألمان لصنفت في شعره مئات المصنفات وأقيمت له عشرات التماثيل.
أليس من العجيب أن يطبع ديوان الشريف الرضي منذ ثلاثين سنة في وطن غير وطنه، ثم لا يعاد طبعه بعد ذلك الحين؟!
أليس من العجيب أن لا يعرف قبر الشريف الرضي على التحقيق فيقام له ضريح في الكاظمية، مع أن مترجميه ينصون على أنه دفن في كربلاء؟
أليس من العجيب أن يسألنا الأستاذ علي الجارم بك المفتش الأول للغة العربية بوزارة المعارف المصرية عن المصدر الذي يرجع إليه في أبيات الشريف:
وأن يجزم بأنه لم يرها في ديوان الشريف مع أنها مثبتة في الديوان، وكان ذلك دليلًا على أن الشريف منسيٌّ لا يعرف ديوانه رجل في منزلة الجارم وهو شاعر مجيد؟!
على أن هذه الأبيات لم يعرفها الأدباء؛ إلا لأنها اتصلت بحادثة وجدانية تناقلها المؤلفون، ولولا ذلك لظلت مطمورة لا يرويها سامر ولا يتمثل بها خطيب.
•••
قد يكون فيكم من ينكر أن يكون الشريف الرضي من الخاملين.
وأنا أيضًا أنكر ذلك الخمول.
ولكن حدثوني في أي ميدان كانت نباهة الشريف عند المؤلفين والناقدين.
لقد تكررت الإشارة إلى اسمه عند القدماء من المؤلفين بالعربية، وعند المحدثين من المستشرقين الذين نوهوا باسمه في اللغات الأوروبية.
ولكن كيف وقع ذلك؟ لقد وقع في معرضين: الأول في التاريخ السياسي حين تحدث المؤرخون عن النضال بين الفاطميين في مصر والعباسيين في العراق، فقد حدثوا أن الشريف الرضي قال في التعريض بحكومة الخليفة القادر بالله:
ولهذه الأبيات قصة أشار إليها ابن أبي الحديد، ولولا صلتها بالتاريخ السياسي لسكت عنها الكاتبون، وللسبب عينه تحدث المؤرخون عن أبياته في خطاب القادر بالله:
فتصوروا كيف يكون الحال لو لم تشأ المقادير أن يقرن اسم الشريف الرضي باسم علي بن أبي طالب، تصوروا كيف كانت تحمل ذكراه، وهو كاتب مبدع لا يعرف التاريخ الأدبي له أثرًا في النثر الفني إلا حين يدعي أنه المنشئ لتلك الخطب والحكم والعهود.
كان من حظ الشريف الكاتب أن يقرن اسمه باسم علي بن أبي طالب، وإلا فحدثوني أين رسائله الطوال التي كانت تقع في ثلاثة مجلدات؟
تقولون: إن التاريخ تحامل على الشريف بسبب التشيع، إن صح ذلك فحدثوني كيف سكت عنه أدباء مصر والشام والحجاز والمغرب والأندلس، وهم لا يعرفون العصبية ضد التشيع؟ بل حدثوني كيف سكت الشيعة أنفسهم عن رسائل ذلك الكاتب البليغ.
تقولون: إن الشريف الرضي قبة تزار بالكاظمية؟
أهلًا وسهلًا، ولكن هل تعرفون لأي معنى يزور الناس قبته بالكاظمية؟
أعيذكم أن تقولوا: إنهم يزورونها باسم الأدب والبيان.
إنهم يزورونها لمعنى ديني صرف، كما يزور المصريون قبة عمر بن الفارض، ولولا ما شاع وذاع من أن ابن الفارض من الأولياء لما عرف المصريون أن له ضريحًا يزار، وتلتمس به البركات وهل عرف المصريون قبر ابن هشام الأنصاري الذي رفع القاهرة مكانًا عليًّا، وجعل هامتها في النحو مساوية لهامة بغداد؟
هل عرف المصريون قبر ابن خلدون الذي يعد أشرف وأعلم من درسوا بالأزهر الشريف؟
هل عرف المصريون قبر القلقشندي الذي دان اللغة العربية بأفضل كتاب في تاريخ الإنشاء وهو «صبح الأعشي»؟
هل عرف المصريون قبر النويري أول مؤلف في الموسوعات العربية؟
هل عرف المصريون قبر ابن منظور صاحب المعجم الباقي على الزمان، صاحب لسان العرب الذي ألفه وهو جالس على الحصير الممزق بحي الحسينية؟
وكيف تقولون: إن الشريف الرضي حمل بفضل التشيع وهو مذهب له قواعد وأصول، مع أن المجون كان من أسباب شهرة أبي نواس، ومع أن الزندقة كانت من أسباب شهرة أبي العلاء؟
أفي الحق أن الرجل لا يشتهر إلا أن أصبح على وفاق مع جميع الناس؟
أفي الحق أن الفضل وحده يسمو بالرحيل إلى أرفع الدرجات؟
إن قلتم ذلك فقد تحدثكم شواهد العصر الحاضر بضد ما تقولون، ألسنا في هذا العصر فرائس للتيارات الاجتماعية والسياسية؟
ما هي الأسباب التي قضت بشهرة محمد عبده وقاسم أمين؟
هل يعرف أحد اليوم أن محمد عبده كان في حقيقة أمره من العلماء المحققين، الذين يدركون أسرار العلوم العقلية والنقلية؟ هيهات، إنه لا يعرف إلا بفضل نضاله الدموي في إصلاح المناهج الأزهرية والثورة العرابية، ولو رفع هذان الحادثان من حياته لما عرف له تاريخ.
هل يفهم أحد اليوم أن قاسم أمين كان من أقطاب التشريع؟ هيهات هيات، إنه لا يعرف إلا بفضل ثباته في الدعوة إلى السفور وحرب الحجاب.
•••
آمنتم الآن بأن الشريف الرضي لم ينل الشهرة إلا بفضل المشكلات السياسية والدينية، ثم تسألون: ولكن كيف كُتب علي الشريف الرضي أن يُرزأ في عالم الشعر بذلك الخمول؟
ونجيب بأن الأمر كان كذلك؛ لأن أدباء اللغة العربية ندر عندهم أن يكون الفن وحده هو مرجع النباهة والشهرة وبعد الصيت: فامرؤ القيس لم تكن شاعريته سبب شهرته، ولولا انتقاله من أرض إلى أرض وموته مسمومًا في سبيل الثأر لأبيه لما ذكره الذاكرون، وطرفة بن العبد لم يسر ذكره إلا لموته قتيلًا وهو في سن العشرين، وحسان لم يشتهر؛ إلا لأنه كان شاعر الرسول، والشاعر المفلق أبو نواس لم تكن شاعريته سبب شهرته وإنما اشتهر بفضل اشتراكه وهو راغم في فتنة الأمين والمأمون، وأبو تمام لم يشتهر بفضل شاعريته؛ وإنما اشتهر لأنه سجل في شعره حادثة رجت الأرض وهي فتح عمورية، والبحتري لم يشتهر بفضل شعره، وإنما اشتهر؛ لأنه حضر مأساة دونها التاريخ: وهي شهوده قتل المتوكل والفتح بن خاقان، والمتنبي لم يكن شعره سبب شهرته، وإنما اشتهر بفضل حادثتين ظاهرتين: الأولى: رحلته إلى مصر في سبيل المجد، والثانية: موته قتيلًا بالبيداء.
ولم يتفق للشريف الرضي شيء من ذلك، فقد كان يطلب الخلافة سرًّا لا علانية، ولو تم له ما أراد من الملك لعرف الناس شاعريته وسطروا في الثناء عليه مئات التآليف، ولكنه مات ميتة عادية، فلم يذكر الناس يوم موته إلا أنه رجل شريف ينبغي أن يدفن بجانب جده الحسين في كربلاء.
ولست بهذا أتجنّى على أسلافنا من أدباء اللغة العربية، وإنما أذكر حقائق مؤلمة كانت السبب الأصيل في انحراف الموازين.
فإن لم يكن ذلك صحيحًا فحدثوني عن المشهور من قصائد الشريف؟
أليست قصيدته في رثاء أبي إسحاق الصابي أشهر شعره؟ بلى، هي كذلك، فهل تعرفون أن تلك القصيدة لم تشتهر إلا بفضل ما اتصل بها من الشذوذ، إذ كانت في رجل صابئ يرثيه سيد شريف؟
فإن تخطيتم هذه القصيدة لم تجدوا من يعرف عيون القصائد في ديوان ذلكم الشاعر العظيم.
أين من يعرف الدالية:
أين من يعرف العينية:
أين من يعرف اللامية:
ولو كان أسلافنا من أدباء اللغة العربية تستهويهم المعاني مجردة عن الحوادث الدامية لوجدوا في أشعار الشريف أوسع مجال: فسترون عنده كرائم الطيبات، سترون أن ذلك الرجل عانى في حياته أعنف أزمات الوجدان، سترون كيف كان الرجل يشغل أعظم وظيفة دينية وهي نقابة الأشراف، ثم يكون في الوقت نفسه أعظم شاعر يتغنى بالحب والجمال، سترون أن الشريف الرضي تفرد بوصف مواسم العيون والقلوب في الحجازيات، سترون أنه قال في الصداقة والأصدقاء ما لم يسبقه إليه سابق، وما يعسر أن يلحقه فيه لاحق، سترون أن كلمة (العلا) وكلمة (المعالي) لم يهتف بهما خاطر أشرف من ذلك الخاطر، ولم يلهج بهما لسان أفصح من ذلك اللسان، سترون أن العفاف لم يجد شاعرًا يجعله أظرف من الفسق وأعذب من المجون غير ذلك الشاعر العفيف الشريف، سترون أن الأحباب الذاهبين لم يجدوا من يبكيهم بأندى من ذلك الدمع وأصدق من ذلك الفؤاد، سترون أن لئام الناس لم توسم جباههم وجنوبهم بميسهم أقوى وأعنف من قصائد ذلك الفاتك الصوال.
سترون أيها السادة أن الشريف الرضي كان شاعر القلب والعقل والذكاء، سترون شاعر الإنسانية يفصح عما تعاني من شهوات وأهواء وآلام وأرزاء، وأمان وآمال.
سترون أنه يحس ما تحسون اليوم، ويشعر بما تشعرون، مع أنه سبقكم إلى تنسم هواء العراق بنحو ألف سنة، وسيظل يشارك الناس في أحلامهم وأحقادهم آلاف السنين.
أفما كان في تلك الجوانب النفسية والذوقية والعقلية ما يلفت أنظار النقاد إلى ذلك الرجل لو كانوا يفهمون أقدار المعاني؟
ألم تكن هموم المجد في أشعار الشريف الرضي أولى بعناية النقاد من البحث عن شرقات المتنبي؟
ألم يكن الحرص على تدوين أوابده في نقد المجتمع أولى من الحرص على تدوين قصائد ابن الرومي في شتم الناس؟
ألم يكن فيهم من سمع الشريف وهو يصرخ فيقول:
ألم يكن فيهم من يدفعه التطلع إلى شكواه من طول الليل في بغداد؟ إذ يقول:
أما كان فيهم من يسأل كيف ضجر الرجل من أهل بغداد؟ فقال يخاطب الثلج الذي رآه أهلها أول مرة في شهر ربيع الآخر سنة ٣٩٨:
إن النقاد سكتوا عن ضجر الشريف من العراق، ولكنهم لم يسكتوا عن ضجر المتنبي من مصر؛ لأن ضجر الشريف من العراق لم تشهره الحوادث، أما ضجر المتنبي من مصر فقد صحبته خطوب تحدث بها الركبان، فكان الرواة والنقاد لا يلتفون إلى الشعر إلا أن دقت من حوله الطبول.
ألا ترونهم يذكرون ما قال بشار في التعريض بخلفاء بني أمية، ولا يذكرون ما قال الرضي في التعريض بخلفاء بني العباس؟
إنهم يذكرون أبيات بشار؛ لأنها جرت عليه القتل، ولا يذكرون أبيات الرضي؛ لأنه خرج منها بعافية، وإلا فأي شعر أخطر من شعره وهو يقول في التعريض بخلفاء بني العباس:
•••
لقد غفل النقاد عن المعاني الإنسانية والشخصية في أشعار الشريف الرضي، ولم يتحدثوا عن عيون القصائد في ديوان ذلك الشاعر القلل النظائر والأشباه، فهل ترونهم قيدوا ما في أشعاره من الحكم والأمثال؟ هل سمعتم أن أديبًا جاد من وقته بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع في الغوص على ما في ديوان الشريف من اللؤلؤ المكنون؟
أعيذكم أن تظنوا أن ذلك الشاعر خلا ديوانه من الأبيات النوادر التي تفصح عن بصره بخلائق المجتمع وسرائر الناس، فقد أستطيع أن أجزم بأنه في هذه الناحية أشعر من المتنبي؛ لأن المتنبي كان يقصد إلى الحكمة قصدًا، ويتعمدها وهو متكلف، أما الرضي فكانت الحكمة تسبق إلى خاطره من فيض السجية والطبع، فيرسلها عفوًا بلا تصنع ولا اعتساف.
ما رأيكم في هذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذين البيتين:
وهذا البيت:
وهذين البيتين:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذين البيتين:
وهذين البيتين:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذه الأبيات:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذه الأبيات:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذين البيتين:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذين البيتين:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذه الأبيات:
وهذين البيتين:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذين البيتين:
وهذين البيتين:
وهذين البيتين:
وهذين البيتين:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذا البيت:
وهذين البيتين:
وهذين البيتين:
فما رأيكم فيما سمعتم يا أدباء بغداد!
ألا ترون أن الثروة الشعرية كانت خليقة بعناية الدارسين والناقدين؟ ألا ترون أن الشريف كان أهلًا لأن يتعقبه أحد النقاد فيدرس ما في شعره من الحكم والأمثال، ثم يبين ما فيها من المبتكر والمنقول؟ أما كان أهلًا لأن يشغل به النقاد فيقولون: إنه ابتكر كَيْت أو سرق زَيْت؟
لقد رأيناهم يتعقبون المتنبي فيردون حكمه وأمثاله إلى الأدب المأثور عن قدماء اليونان، فما بالهم سكتُوا عن الرضي ذلك السكوت؟
أتريدون الحق أيها الأدباء؟ الحق أن النقاد شغلوا أنفسهم بالمتنبي طاعة لبعض الرؤساء، ولم يشغلوا أنفسهم به حبًّا في الوقوف على أصائل المعاني. إن حقد الصاحب بن عباد على المتنبي هو الذي وجَّه الشعراء إلى نقد شعره، وكان ذلك النقد على ما فيه من ظلام الهوى والغرض أساس الشهرة التي تمتع بها المتنبي في الحياة وبعد الممات، ولولا التحامل على المتنبي في الحياة وبعد الممات، ولولا التحامل على المتنبي لما وجد له أنصار يرفعون اسمه فوق الأسماء.
وقد حرم الشريف الرضي أسباب الشهرة من هذه الناحية، فقد حمله التجمل والتعفف على هجر أبواب الملوك والوزراء، فلم يكن يمدح حين يمدح إلا عن حب أو مداراة، ولم يره أحد يزاحم الشعراء والأدباء على أبواب السلاطين فكان من أثر ذلك أن قل حاسدوه والحاقدون عليه، فلم يشق في ثلبه قلم ولا لسان، ولم يكن الأدب في تلك العصور يعرف الحياة إلا بفضل المماراة والضجيج.
أفلا ترون معي أيها السادة، أن الأدب كان حظه حظ التاريخ لا يُرفع فيه علم إلا بفضل الدماء؟
لقد ولي مصر في العهد الإسلامي كثير من المتحكمين، وكان كافور أقربهم إلى الأذهان؛ لأنه أزال الغشاوة عن أماني المتنبي، وتولى الوزارة في بغداد كثير من الرجال، وكان أقربهم إلى الأذهان أقطاب البرامكة؛ لأن سلطانهم ختم بالفجائع.
فيا ليت شعري متى يجيء العهد الذهبي الذي تسمو فيه الآراء بفضل ما فيها من قوة الصدق، لا بفضل من يحرسها من الجنود.
وقد شكوت هذه البلية، واتفق لي أن أكون من ضحاياها في كثير من الأحيان، وما شكوته أنا شكاه سواي، فالنقاد اليوم يعرفون أصدقاءهم قبل سائر الناس، والجرائد والمجلات قد تعامل الكتاب والشعراء والمؤلفين وفقًا لصلاتهم بمختلف الأحزاب.
•••
أما بعد فقد بينت لكم بعض الأسباب التي قضت على الشريف الرضي بالخمول، فهل تحبون أن أحدثكم كيف عرفت ذلك الشاعرالعظيم؟
لا تظنوا أني تلقيت الإعجاب به عن الأساتذة والأدباء، فقد كان أهل الأدب في عهد حداثتي لا يختلفون إلا حول أبي تمام والبحتري والمتنبي من بين القدماء، وشوقي وحافظ من المحدثين، ثم اتفق أن شرعت في سنة ١٩١٧ أؤلف كتاب «مدامع العشاق» فحملني ذلك على استقراء المأثور من الشعر الوجداني في مختلف العصور، وكانت فرصة ذهبية عرفت فيها الشريف الرضي شاعر القلب والوجدان.
ومنذ ذلك اليوم وأنا أحدث الناس عن القائد المعروف لا الجندي المجهول، حتى أصبح له في مصر أشياع يقدمونه على سائر الشعراء، وأصبحتم تسمعون رنين شعره من حنجرة «أم كلثوم».
وها نحن أولاء نعود فندعو أهل بغداد إلى إحياء ذكراه، ها نحن أولاء نعود فنتحدث عنه في المدينة السحرية التي عرف فيها كيف تندي الأزهار، وكيف تقعقع الرعود، وكيف تصطخب القلوب.
ها نحن أولاء نتحدث عنه في خشوع وقنوت، كما يتحدث المؤمن وهو في حرم المحراب.
فيا أيها الشريف: أنا في وطنك وفي ضيافتك، فارفع الحجب عن أسرار قلبك وسرائر عبقريتك، في إلى فهم روحك ظمأ لا ترويه دجلة، ولا يرويه النيل. وسلام عليك بين المصطفين الأبرار من أقطاب الشعراء …