أسرار العلائق بين الرضي والصابي
أيها السادة
رأيتم في المحاضرة الماضية ألوانًا من تأثير الصداقة والعداوة في حياة الشريف الرضي، وشهدتم أنَّنا وقفنا وقفة قصيرة عند صلته بصديقه أبي الحسن البتي وخصومته مع أخيه الشريف المرتضى، وتذكرون أنه أشار إلى صديق اسمه ابن حمد، إذ قال في الحديث عمن اجتمعوا عنده في مجلس أنس:
فلنقل اليوم إن ابن حمد هذا كانت له مكانة في أواخر القرن الرابع، وقد رافق الرضي في طريق الحج سنة ٣٩٤، وفيه يقول:
وهناك صديق آخر يسمى ابن ليلى كان له في نفس الرضي أثر بليغ، وسنعرض له في غير هذا الحديث.
والمهم في هذه الليلة أن نشرح أسرار العلائق بين الرضي والصابي فنقول:
كانت صلة الصابي بأسرة الشريف الرضي قديمة العهد، وكان الرضي وهو طفل يسمع أن في دنيا الأدب والسياسة رجلًا كريم الشمائل اسمه أبو إسحاق الصابي، وكان يسمع أنه من أصدقاء أبيه الأصفياء.
وما نعرف بالضبط متى ابتدأت صداقة الصابي لأبي أحمد الموسوي والد الشريف، ولكنا نستطيع أن نؤكد أن شواهدها القوية ظهرت سنة ٣٥٤ قبل أن يولد الشريف بأكثر من أربع سنين.
وتلك الشواهد القوية هي العواطف التي ظهرت في كتابة التقليد، وهو المنشور الذي كتبه الصابي عن الخليفة المطيع لله بتقليد أبي أحمد الموسوي نقابة الطالبيين.
أما بعد، فإن أمير المؤمنين لما يعرفه من تيقظك، وحزمك، وتحفظك يرى أن ينوط بك من سني الأعمال ما يستمتع فيه بكفايتك، ويستثمر معه المخيلة في دينك وأمانتك، ويفرع بك من أعلا المراتب ما يضاهي رأيه في أمثالك من أعيان دولته، وذوي التحقق بدعوته، والاعتصام بحبله؛ جريًا من أمير المؤمنين على شاكلته في الارتياد لمواقع معروفه، وتخير من يؤهله لتكريمه وتشريفه؛ حتى يلبس إنعامه من يستحق التفضل عليه، ويحمد منّته من بين أثر التوفيق في الإحسان إليه؛ ولذلك رأى أمير المؤمنين أن يقلدك النقابة على الطالبيين أجمعين، من كان في مدينة السلام، وفي غيرها من النواحي والأمصار ثقة بأنك تقع من النهوض بالأعباء بحيث تحقق ظن أمير المؤمنين فيك، وتظهر من الكفاية والغناء ما يكون لمزيدك من النعمة مقتضيًا، ولمضاعفة الإحسان إليك ممتريًا. واعلم أن أمير المؤمنين قد فضلك على أهل بيتك طرًا، ورفعك فوقهم جمعًا، فجعلك واحدهم بعد أن كنت واحدًا منهم، واختصك دونهم بعد مساواتك لهم، فسرْ في تطبيقهم سيرته، واسلك في ترتيبهم طريقته، وأوصهم بحسن التأمل لآثار الجماعة، وكفّهم عما تنكر بالهيبة والطاعة، وإنما جعلك أمير المؤمنين أمينه فيهم، وعينه عليهم، لما ضن بهم عن الزلل، وصانهم عن الغيّ والخطل، واستهدِ الله أولًا وآخرًا يهدك، واستكفه باطنًا وظاهرًا يكفك، واستمد منه العون يمددك، واشكر نعمه يزدك.
هذه فقرات تخيرناها من التقليد الذي كتبه الصابي إلى أبي أحمد الموسوي عن الخليفة المطيع، ومن هذه الفقرات ترون روح الحب الذي كان يكنه الصابي للموسوي والد الشريف.
قد تقولون: هذا كلام أذيع باسم الخليفة، فهو يصور عواطف الخليفة لا عواطف الصابي.
ونجيب بأنه كان مفهومًا أن الكُتاب يسألون عما يكتبون؛ لأن الخلفاء والملوك والرؤساء لم يكونوا يملون الرسائل، وإنما كانوا يوصون بشرح الغرض، فكانت للكتاب فرص يعلنون بها ما يضمرون.
ومتى غدر أمير المؤمنين بعمّه عبد الله فنساؤه طوالق، ودوابه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون في حل من بيعته.
وكان يستطيع المنصور أن يفترض أن ابن المقفع لم يكتب غير ما أملى عليه، ولكنه كان يعرف أن الكُتاب يتصرفون فيما يعهد إليهم من ضروب الإنشاء، وكان جزاء ابن المقفع أن يقتل ويحرق ويذري رماده في الهواء.
وقد جدد له أمير المؤمنين مع هذه المساعي السوابق، والمعالي السوامق، التي تلزم كل دان وقاص، وعام وخاص، أن يعرف له حق ما كرم به منها، ويتزحزح عن رتبة المماثلة فيها.
فقد غضب عضد الدولة من هذه الكلمة، وعدها تعريضًا به، فلما أمكنته الفرصة نكل بالصابي أشنع تنكيل.
ونحن في هذه الأيام نسمع الردَّ على خطاب العرش، فهل تظنون أن النواب يجادلون جلالة الملك؟ لا، وإنما يجادلون رئيس الوزراء؛ لأن المفهوم في عرف الحياة الدستورية أن خطاب العرش من وضع رئيس الوزراء، أو هو خطاب اشترك في تدوين أصوله جميع الوزراء.
كذلك كان يسأل الكتاب الذين ينشئون الرسائل بأسماء الخلفاء والملوك.
وإنما سقنا هذه الشواهد لنؤكد أن الثناء على أبي أحمد الموسوي في الخطاب الذي كتبه الصابي باسم الخليفة المطيع يدل على المودة المتينة التي كانت بين ذينك الرجلين، وهي مودة سمع بأخبارها الشريف وهو طفل، ثم جاءت الحوادث فزادتها توكيدًا إلى توكيد.
ولكن ما هي تلك الحوادث؟
حدثناكم من قبل عن الخصومة بين بختيار وعضد الدولة، وقلنا: إنها انتهت بانحدار بختيار، وسيطرة عضد الدولة على العراق.
فلنذكر أن عضد الدولة حين انتصر أخذ يصفي حسابه مع خصومه القدماء، فنظر فرأى الصابي، وكان شيخًا له بين الكتاب مكان مرموق، ففكر في أمره غير قليل، ثم هداه الرأي إلى استخدام الصابي في تأليف كتاب يسجل به مفاخر الدولة الديلمية، ويشرح ما قامت به من الحروب والفتوحات، ورآها الصابي فرصة يستلين بها عضد الدولة، وينجي بها رأسه من السيف، وأخذ في التأليف، ولكن بعض الأصدقاء دخل عليه وهو مشغول بالتسويد والتبييض، فسأله عما يعمل، فأجاب وقد خانه الحظ: أباطيل أنمقها، وأكاذيب ألفقها!
وهنا تذكرون أن عضد الدولة الذي نكب الصابي هو نفسه عضد الدولة الذي أودع أبا أحمد الموسوي غياهب الاعتقال.
فإن ذكرتم ذلك فهمتم، ولا ريب أن الاشتراك في مصدر النكبة سيدخل ألوانًا جديدة في نفس الطفل الذي اسمه الشريف الرضي، وفهمتم أن ذلك الطفل سيجعل نكبة الصابي بابًا من التلوم على عضد الدولة الذي يضطهد أقطاب الرجال.
اعتقل الصابي سنة ٣٦٧، ولكن عضد الدولة سيموت، وسيتولى ابنه صمصام الدولة، ويفرج عن الصابي في سنة ٣٧١، فليكن هذا التاريخ هو بداية الصلة الوثيقة بين أبي إسحاق الصابي والشريف الرضي، ولنعط الشعر فرصة يصور فيها ذلك الوداد.
أيها السادة
كان الصابي — كما تعلمون — من أعلام الكتاب، وقد بسطت القول عنه من هذه الناحية في الجزء الثاني من كتاب النثر الفني، وكان مع ذلك من أفراد الشعراء، وهو الذي يقول:
فيمكن القول بأن المودة بينه وبين الشريف نشأت من التوافق في المذاهب الأدبية، وذلك من أمتن الأسباب في الجمع بين قلوب الرجال، ولكن يظهر أن التوافق الأدبي لم يكن كل شيء، فقد كان الرجلان من جيلين مختلفين، والألفة الذوقية توجب تقارب السن في أغلب الأحوال، وكان هذان الرجلان متباعدين في السن حين جمع بينهما الصفاء، فقد كان الشريف في مطلع العقد الثاني من عمره، وكان الصابي في أواخر العقد الثامن، وشعر الصابي نفسه يشهد بأنه كان يعظم الشريف قبل أوان التعظيم، أي إنه كان يراه طفلًا لولا الفراسة التي توحي بأن سيكون هذا الطفل من عظماء الرجال، إذ يقول:
وهذه الأبيات تعطينا مفتاح السر لتلك العلائق، فما هي البشارة التي يسجلها الصابي ليستقضي «حلاوتها» في مستقبل الزمان؟
لننتظر قليلًا حتى نسمع جواب الشريف:
إلى أن يقول:
ومن هنا نفهم — أيها السادة — سر العلائق بين ذينك الرجلين، نفهم أن الصابي كان يزين للشريف أن يطلب الخلافة الإسلامية، وهذا التزيين هو وحده كاف لأن يجعل الصابي أعز الناس على الشريف، فقد كان الشريف في بداية شبابه، والشبان يحبون من يثق بكفايتهم الذاتية، ويرشحهم لجلائل الأعمال.
وهذه — أيها السادة — ظاهرة نفسية يدركها من يدرس نفوس الشبان، فهم يحبون أن يصلوا إلى قمم المجد في يوم وليلة، ويبحثون عمن يزكيهم ويؤيدهم، ويدعي لهم التفوق، وقد تلفت الشريف وهو طفل فرأى شيخًا جليلًا يتنبأ له بمستقبل جليل؛ فأحبه كل الحب، ومال إليه كل الميل.
والقصيدة التي سقناها من شعر الشريف تشهد بأنه انخدع كل الانخداع، فأخذ يتصور الأيام التي يقسم فيها الحظوظ والأرزاق، ويؤكد للصابي أنه سيجعله في مأمن من خطوب الزمان.
وقد ثارت الحمية في ذلك الغصن الأملود، واستكثر أن تعوقه غضاضة السن عما يريد، فاندفع يقول:
على أن الشريف لم يكن بالغافل إذ صدق فراسة الصابي، فهما أديبان، والأدباء قد يطمئن بعضهم إلى بعض، وكان الشريف يعرف أن الصابي له علاقات متينة بكثير من الرؤساء والوزراء، ولا سيما الصاحب ابن عباد، وكان مفهومًا في تلك العهود أن الخلافة العباسية على شفا الهاوية، وأن الأمر لملوك بني بويه، والاتفاق مع أولئك الملوك ليس بالأمر المستحيل.
وكذلك تطور الحب بين الشريف وبين الصابي، فبعد أن كان الشريف يميل إلى الصابي؛ لأنه من أصدقاء أبيه القدماء، ولأنه من خصوم عضد الدولة، ولأنه يعجب بشعره وهو طفل، أصبح يحبه صار من دعاته الأوفياء، ولأنه سيصير في المستقبل من صنائعه يوم يصبح أمير المؤمنين.
تلكم — أيها السادة — أسرار العلائق بين ذينك الرجلين، ولكنها إلى الآن علائق نفعية، فلننظر كيف تطورت مرة خامسة فأصبحت مودة وثيقة تساور لفائف القلوب.
أيها السادة
لا تسألوا عن الصابي الذي كان يشجع الشريف على مطامعه السياسية، فتلك شؤون كان الرجلان يروضانها في الخفاء، وقد مرت أعوام وأعوام وبغداد بين مدٍّ وجزر، وأرض العراق معسكرات يتداولها المحاربون بين يوم ويوم، فكان لا بدّ من التربص لتحقيق ذلك الأمل الخطير، وهو لن يحقق برسالة يكتبها الصابي، أو قصيدة ينظمها الشريف، وإنما يحقق يوم تتم السيطرة لرجل واحد من البويهيين يسهل معه الاتفاق، ولكن متى يأتي ذلك اليوم؟
إن انتظاره سيطول!
وفي انتظار اليوم الموعود يمضي الصديقان فيتساقيان كأس الوداد، والظاهر أن نفس الشريف كان طال عهدها بالنفرة من الناس، فما كاد يعرف الصابي حتى أقبل على محبته بقلب ملهوف.
ويظهر أيضًا أن نفس الصابي كانت ملّت الاتصال برجال السياسة الذين أزعجوا شبابه وكهولته بالتلون والتقلب، فما كاد يتصل بالشريف حتى رأى فيه نفسًا روحانية قد تستطيع تجديد نوره، وهو يجنح راغمًا إلى الغروب.
وهنا نذكر أن شيخوخة الصابي اعتمدت على دعامتين من أكرم دعائم العطف: الدعامة الأولى: هي مودة الصاحب ابن عباد، الرجل النبيل الذي ظلمناه بعض الظلم في كتاب النثر الفني، فقد كان ابن عباد يتلطف في برّ الصابي؛ فيرسل إليه الهدايا المستورة مع الحجاج، والدعامة الثانية: مودة الشريف الرضي، الفتى الفقير الذي يملك من صفاء الروح ما يؤنس الصابي فيرده إلى مرح الشباب.
ولكن حظّ الصديقين كان يختلف أشد الاختلاف، فكل شمس تطلع تمد الشريف بقبس من الفتوة، وكل شمس تغرب تذكر الصابي بما ينتظر من الأفول.
وسياق الحوادث يشهد بأن ذلك الشيخ الذاوي هو الذي كان يجب عليه أن يتكلف المشقة ليزور ذلك الفتى الفينان، وقد تكلف ذلك الشيخ ما تكلف إلى أن أعجزه المرض عن عبور دجلة، فكتب إلى صديقه الفتى يقول:
وقد أجاب الشريف على هذه الأبيات بقصيدة طويلة ابتدأها بجيد النسيب إذ يقول:
فلما وصل إلى خطاب الصابي تلطف، فأشار إلى أنه نصيره على الزمان، وشبه وجهه بالدينار، وكلامه بالنصول، ثم قال:
ومن هذه الأبيات نفهم أن الصابي كان يشكو علتين: علة الشيخوخة، وعلة الفقر الديقوع.
ثم اشتدت العلة بالصابي فكان لا ينتقل من مكان إلى مكان إلا وهو محمول، فكتب إلى رفيقه الفتى:
وهي قصيدة مزعجة يضيق المقام عن سرد ما تشير إليه من الفجائع الإنسانية، والمهم أن نشير إلى أن الصابي كشف في هذه القصيدة عن نفسه؛ فرأيناه يرى الشريف الرضي هو الذخيرة التي يتركها لأبنائه يوم يموت، وهذا أجمل ما يمدح به صديقنا الشريف طيب الله ثراه.
وقد انزعج الرضي لهذه القصيدة الباكية، وأجابه بقصيدة طويلة نختار منها هذه الأبيات الحسان:
ثم لزم الصابي منزله وهو راغم بحكم الضعف والوهن، فكان آخر ما قال من الشعر قصيدة أرسلها إلى الشريف قبل أن يموت باثني عشر يومًا، وهي قصيدة طويلة نكتفي منها بالأبيات الآتية:
وقد أجاب الشريف بقصيدة أطول وأمتع، نكتفي منها بالقطعة الآتية:
وكانت هذه القصيدة آخر ما مر بسمع الصابي من الطيبات، فقد مات بعد قراءتها بأيام.
وقد رأيتم أن هذين الصديقين كانا يتقارضان الشكاية، فإن تجمل الصابي شكا عنه الشريف، وإن شكا الصابي واساه الشريف، وما ندري كيف استطاع الشريف أن يسكت على قول الصابي في وصف الزمان.
ولكني أرجوكم أن تتذكروا أن الرضي كان فقيرًا، وأن أملاك أبيه ظلت محجوبة عنه إلى ذلك الحين.
لم يبق — أيها السادة — إلا أن نحدثكم عما صنع الشريف بعد موت الصابي، وكل أديب يعرف أن الشريف رثى الصابي بقصيدة جيدة بلغت اثنين وثمانين بيتًا، وكل الذين ترجموا للصابي أو الرضي تحدثوا عن تلك المرثية الهائلة، وكان وجه الغرابة أن يبكي شاعر من عترة الرسول رجلًا من الصابئين، وقد فصلت ذلك في كتاب النثر الفني فلا أعود إليه الآن، ولكن الذي يجهله أكثر الأدباء أن الشريف لم يَرْثِ الصابي مرة واحدة، فقد ظل يتفجع عليه إلى آخر حياته، ورثاه بعد أن طال العهد بموته بقصيدتين هما آيتان من آيات الوفاء.
وأعيذكم أن تجهلوا هذا الجانب من نفس الشريف، فالشعراء في الأغلب يرثون أصدقاءهم يوم الموت، ثم يتناسونهم فينسونهم بعد حين، والوفاء في الدنيا قليل.
وتذكروا أن الصابي لم تكن له عصبية حتى نتهم الشريف بأنه يبحث عن أنصار وأشياع، هيهات، فقد كان الصابئون أقلية لا يحسب لها حساب، وكان محرمًا عليهم أن يتساموا إلى مراتب الوزراء.
ونحن في الواقع نثق ثقة مطلقة بأمانة الشريف، ولكن البحث النفسي يوجب أن نعرض هذا الجانب، والمؤرخون لذلك العهد نظروا إلى مرثية الشريف نظرة استغراب، وهذا يؤكد أن الشريف لم يرع في مرثيته غير معاني الوداد.
ويزيد في قيمة تلك المرثية أن الصابي لم يمت إلا وهو في فقر مدقع، ولم ير الموت إلا بعد أن تقطعت عنه أسباب المجد، وأقبلت الدنيا على خصومه الألداء.
فالشريف في رثاء الصابي رجل مفرد بين الرجال، وموقفه أقوى من موقف البحتري في رثاء المتوكل؛ لأن البحتري شهد فاجعة أليمة تنطق الجماد، أما الصابي فيرثي صديقًا عديم الحول، وقد بلغ أرذل العمر، ولم يمت إلا في الحادية والتسعين، وهو على دين «منبوذ» تنكره الدولة، وينكره الناس.
وقد تقولون: إن الشريف لم يكن يملك غير ذلك، وقد عرف الناس ما بينه وبين الصابي.
ونعترف بأن هذا النوع من الوفاء هو لون من الأثرة الذاتية، ولكن هذه الأثرة في ذاتها جوهر نبيل، وشرف البواعث مما تنصب له الموازين.
وكيف يتهم في صدقه من يقول:
وقد اجتاز الشريف على قبر الصابي بعد موته بأعوام، فهاجته الذكرى فقال:
وفي سنة ٣٩٣ أي بعد موت الصابي بنحو تسع سنين مر الشريف على قبره فقال:
إلى آخر القصيدة.
وكنت أشرت في كتاب النثر الفني إلى أن رسائل الصابي لا تصلح لغير أهل عصره؛ فهي غير خليقة بالبقاء. وفاتني أن أقول: إن الشريف كتب اسم الصابي على جبهة الزمان بأصباغ لا تجففها شمس، ولا يمحوها هواء.