وصف السود الملاح
أيها السادة
حدثتكم منذ أشهر أن ابن سكرة كان أولع بجارية سوداء، فقال: فيها ألوف الأبيات، وحدثتكم أن الشريف الرضي تأثر ذلك الشاعر في وصف السود الملاح، وفي هذا المساء يتضح لكم أن الشريف وقف عند حدِّه في الوصف، فلم يتعد الكلام عن اللون، إذ قال على لسان من سأله مدح جارية سوداء:
فما هذا الكلام؟ وما هذا المنطق؟ إن الشريف في هذه القصيدة يعبث عبث الأطفال!
فهل من الحق أن الرجل يعشق السوداء؛ لأن سوادها يذكره بسواد الناصية؟
وهل من الحق أن الرجل يبغض البيضاء؛ لأن بياضها يذكره ببياض الشيب؟
نترك هذا، وننظر قوله من كلمة ثانية:
فماذا ترون في هذه الأبيات؟ هل غرست في قلوبكم الميل إلى السواد في الملاح؟
ولنسايره مرة ثالثة، فننظر كيف يقول:
الحق أن أشعار الشريف في النساء السود كلها لعب في لعب، وقد جاء في الديوان أنه سئل أن يقول في السواد كما قال ابن الرومي، فقال: والسكوت كان أولى وأوجب؛ لأن الشريف لم يكن يستطيع أن يجاري ابن الرومي في هذه الميدان، وكيف وابن الرومي شاعر فاجر لا يضيره أن يذكر الخصائص الأصلية في المليحة السوداء؟ وهل كان يكفي أن يقال: إن السواد أفضل من البياض كما فعل الشريف، وكان من الغافلين؟
إن قصيدة ابن الرومي في محبوبته السوداء قصيدة فريدة في الشعر العربي، وما كان يجوز للشريف أن يتورط في معارضته؛ لأن الفصل في هذه القضية ما كان يمكن لشاعر يتقنع بالحياء، ومركز الشريف في المجتمع لم يكن يسمح له بأن يخلع قناع الحياء.
الواقع أن الشريف لم يكن يستطيع أن يفضل لونًا على لون، أو جنسًا على جنس؛ لأن هذا التفضيل لا يتيسر إلا لجماعة من الشعراء سيصيرون فيما يقال من حطب الجحيم.
والشريف — فيما نرجح — كان رجلًا «طيبًا» يصف الجمال بالسماع!