العلا والمعالي في قصائد الشريف
أيها السادة
أريناكم فيما سلف صورًا كثيرة من صلة الشريف بعصره وصلاته بمن عرف فيه من علماء وشعراء
وأمراء وخلفاء وملوك، وأريناكم كيف عرف النعيم والبؤس والضحك والبكاء.
والآن نحدثكم عن غرامه بالمجد، وهيامه بالعلياء، وفنائه في التخلق بأخلاق الأبطال:
والشريف في هذه الناحية هو صورة الشاعر الحق؛ لأن الشاعر الحق لا يخلو قلبه أبدًا
من
التسامي إلى كرائم المقاصد وشرائف الغايات، وهو قد يلهو وقد يلعب، ولكنه يظل مشغول القلب
بما يتسامى إليه، وتدور خواطره حول أمانيه في كل وقت، وإن ظنه الناس من اللاهين.
وما رأيتم من لهو الشريف وما سترون، لم يكن لهو خصيان، وإنما كان لهو فحول، فهو لم
يكن في
غرامياته من الشعراء الضعفاء الذين يستريحون إلى البكار والأنين، وإنما كان شاعرًا فحلًا
يرى الحسن لم يخلق إلا لغرامه الجموح، وسترون فيما بعد أنه تزوج وأنجب، ولم يترك الدنيا
إلا
وهو ملء العيون والقلوب.
أيها السادة
نحن مقبلون على مصافحة الجبل الأشم، نحن مقبلون على مواجهة الفارس الذي بذ جميع الفرسان
حين قال:
نبهتهم مثل عوالي الرماح
إلى الوغي قبل نموم الصباح
لغارة سامع أنبائها
يغص منها بالزلال القراح
ليس على مضرمها سبة
ولا على المجلب منها جناح
٢
يا نفس من هم إلى همة
فليس من عبء الأذى ستراح
قد آن للقلب الذي كده
طوال مناجاة المني أن يراح
يجهدها أو ينثني بالردى
دون الذي قدر أو بالنجاح
الراح والراحة ذل الفتى
والعز في شرب ضريب اللقاح
٦
في حيث لا حكم لغير القنا
ولا مطاع غير داعي الكفاح
وأشعث المفرق ذي همة
طوحه الهم بعيدًا فطاح
لما رأى الصبر مضرًّا به
راح ومن لا يطق الذل راح
دفعًا بصدر السيف لما رأى
أن لا يرد الضم دفعًا براح
متى أرى الزوراء مرتجة
تمطر بالبيض الظبا أو تراح
يصيح فيها الموت عن ألسن
من العوالي والمواضي فصاح
كأنما ينظر من ظلها
نعامة زيافة بالجناح
متى أرى الناس وقد صبحوا
أوائل اليوم بطعن صراح
يلتفت الهارب في عطفه
مروعًا يرقب وقع الجراح
متى أرى البيض وقد أمطرت
سيل دم يغلب سيل البطاح
مضمخ الجيد نؤوم الضحى
كأنه العذراء ذات الوشاج
قوم رضوا بالعجز واستبدلوا
بالسيف يدمي غربه كأس راح
١١
توارثوا الملك ولو أنجبوا
لورثوه عن طعان الرماح
غطى رداء العز عوراتهم
فافتضحوا بالذل أي افتضاح
إني والشاتم عرضي كمن
روع آساد الشرى بالنباح
يطلب شأوي وهو مستيقن
أن عناني في يمين الجماح
فارم بعينيك مليًّا ترى
وقع غباري في عيون الطلاح
وأرق على ظلعك هيهات أن
يزعزع الطود بمر الرياح
لا هم قلبي بركوب العلا
يومًا ولا بل يدي بالسماح
إن لم أنلها باشتراط كما
شئت على بيض الظبا واقتراح
يطمح من لا مجد يسمو به
إني إذًا أعذر عند الطماح
وخطة يضحك منها الردى
عسراء تبري القوم بري القداح
صبرت نفسي عند أهوالها
وقلت من هبوتها: لا براح
إما فتى نال العلا فاشتفى
أو بطل ذاق الردى فاستراح
ماذا ترون، أيها السادة؟ حدثوني ماذا ترون؟
هل رأيتم في الشعر كله قصيدًا يشبه هذا القصيد؟
إن باب الحماسة في ديوان الحماسة لو وضع كله في الميزان لشالت كفته ورجحت كفة هذه
القصيدة، ولكن أين من يفهم المعاني؟
إن هذا القصيد خليق بأن يكون «نشيد الفتوة العربية» وأهل لأن يحفظه جميع الشبان في
سائر
البلاد العربية، فهو جذوة من الفتوة، وقبس من الرجولة، وشهاب من العزم المصمم الذي يطيح
المصاعب والأهوال.
أرأيتم:
نبهتهم مثل عوالي الرماح
إلى الوغى قبل نموم الصباح
أرأيتم هذه الصورة، صورة الفتك، صورة القائد الذي يختال بما يصنع وهو ينبه جنوده إلى
الحرب قبل أن تظهر تباشير الصباح!
أرأيتم كيف وصف جنوده بأنهم مثل عوالي الرماح!
انظروا هذه الصورة ثم تذكروا ما يقابلها من الصور، فهناك شعراء ينبهون رفاقهم أيضًا،
ولكنهم لا ينبهون إلى الاصطباح بالحرب، وإنما ينبهونهم إلى الاصطباح بالصهباء.
أرأيتم كيف ينبه الجنود:
لغارة سامع أنبائها
يغص منها بالزلال القراح
أرأيتم هذه الصورة، صورة الحرب التي تغص سامح أخبارها بالماء القراح فكيف ترونها تصنع
بمن
يصطلي لظاها؟
أرأيتم كيف يشوق جنوده إلى الحرب فيقول:
دونكم فابتدروا غنمها
دمًى مباحات ومال مباح
فهو يطمعهم فيما سينالون من الأموال ومن النساء، وهي مطامع حسية كانت على الدهر من
أعظم
مغانم الحروب.
أرأيتم كيف يحدد مقامه ومقام جنوده من الحقائق الأخلاقية فيقول:
فإننا في أرض أعدائنا
لا نطأ العذراء إلا سفاح
وهذه الأخلاق تبدو في بشاعة الوحشية، ولكن للشاعر عذرًا وأنتم يلومون، فهو يسجل أخلاق
الجنود المغاوير، والجنود المغاوير لا يعرفون المصقول من آداب الناس، فالجندية هي في
ذاتها
وحشية، وهل اشتقت الفروسية إلا من الافتراس؟
ثم يقول:
يا نفس من هم إلى همة
فليس من عبء الأذى مستراح
قد آن للقلب الذي كده
طول مناجاة المنى أن يراح
فيصور لكم قلق الرجل الطماح الذي تغرقه مطامحه في بحر من الهموم فلا يرى نجاته في
غير
القتال.
ثم يقول:
لا بد أن أركبها صعبة
وقاحة تحت غلام وقاح
يجهدها أو ينثني بالردى
دون الذي قدر أو بالنجاح
والغلام في هذا الشعر هو الفتى، والشاعر لا يرى لنفسه غير غايتين: النصر أو الموت،
وهو
معنى سيكرره في آخر القصيدة إذ يقول:
إما فتى نال العلا فاشتفى
أو بطل ذاق الردى فاستراح
وهو بهذا سبق الفرنسيين إلى هذه الحكمة العالية، سبقهم بمئات السنين إلى الحكمة المسطورة
على محراب البانتيون في باريس: Vainore ou mourir.
ولم يكن الشريف أول من قال هذا المعنى بين شعراء العرب، ولكنه أورده موردًا قويًّا
جدًّا
بحيث لا يكون من المغالاة أن نعده من معانيه المبتكرات:
ثم يقول:
الراح والراحة ذل الفتى
والعز في شرب ضريب اللقاح
في حيث لا حكم لغير القنا
ولا مطاع غير داعي الكفاح
فنفهم عن طريقة أعظم معضلة في تربية الأبدان والنفوس، وهل نسيتم أن الخلفاء كانوا
يرسلون
أبناءهم ليتربوا في البادية؟ هنا نفهم السر: فاللغويون يظنون أن الخلفاء كانوا يرسلون
أبناءهم إلى البادية لينشأوا على فصاحة الأعراب، وهذا له وجه، وإنما كان الخلفاء يرسلون
أبناءهم إلى البادية لينشأوا على الصراحة والصرامة والطغيان. فالحكم في البوادي لا يكون
لغير السيف والرمح، وعيش البادية مران عنيف على الخشونة والصلابة والفتك.
وقد سمعتم ألف مرة أن الترف هو داء الأمم، داؤها العقام الذي يعز منه الشفاء، وإنما
كان
الترف داء الأمم؛ لأنه يجردها من الخشونة التي لا يمكن بغيرها صراع ولا قتال.
إن ربيب البادية هو وحده الذي يقدر على منازلة الطبيعة في رعودها وبروقها وجحيمها،
أما
ربيب الحواضر فهو كما قال توفيق البكري: «غادة ينقصها الحجاب، ينظر إلى المرآة ولا ينظر
في
كتاب» أو كما قال الشريف:
مضمخ الجيد نؤوم الضحى
كأنه العذراء ذات الوشاح
إذا رداح الروع عنت له
فر إلى ضم الكعاب الرداح
وأنتم ترون أن الأمم التي ليست عندها بادية، تخلق لنفسها بادية، وهل كان نظام الكشافة
إلا
رجوعًا إلى النظام البدوي الذي مكن أسلافنا من أن يكونوا أشجارًا قوية تقاوم الزعازع
في
مختلف البقاع والأجواء.
إنما كان الترف داء الأمم؛ لأنه يورث اللين، والشاب اللين لا يصلح لقتال ولا صراع.
ويصور الفتى الصوال فيقول:
وأشعث المفرق ذي همة
طوحه الهم بعيدًا فطاح
لما رأى الصبر مضرًّا به
راح ومن لا يطق الذل راح
دفعًا بصدر السيف لما رأى
أن لا يرد الضيم دفعًا براح
فالفتى عنده هو الأشعث المفرق، أما صاحب المفرق المعطر فليس من الفتيان، الفتيان المغاوير
الذين يأبون الضيم ويقارعون الخطوب. وأنتم قد ترون في دنياكم فتيانًا من أبناء الزمان
يضيعون في تزيين مفارقهم ما يضيعون، وهم فتيان لهم شأن في التمدن الحديث، وإليهم مصاير
الأمور في أكثر الأحيان ولكنهم سيظلون حيث وقفتهم نفوسهم الصغيرة، فلا يعرفون دفع الضيم
بالسيف حين لا يغني دفعه بالراح، فهم كما قال الشريف:
قوم رضوا بالعجز واستبدلوا
بالسيف يدمَى غربه كأس راح
توارثوا الملك ولو أنجبوا
لورَّثوه عن طعان الرماح
وللشريف في هذه القصيدة إشارات لا تخفى عليكم، فقد وجَّه إلى خصومه كلمات أشد من وقع
النبل، وحق لمثله أن يقول:
يطمح من لا مجدَ يسمو به
إني إذًا أُعذَر عند الطِّماح
– صدقت، أيها البطل، صدقت!
•••
ويتوثب الفارس إلى الفتك فيقول:
وإن قعودي أرقب اليوم أو غدًا
لعجز فما الإبطاء بالنهضان
سأترك في سمع الزمان دَوِيَّهَا
بقرعي ضراب صادق وطعان
وأخصف أخفاقًا بوقع حوافر
إلى غاية تقضي منًى وأماني
فإن أسرِ فالعلياء همي وإن أُقِمْ
فإني على بكر المكارم باني
وإن أمض أترك كل حيٍّ من العدا
يقول: ألا لله نفس فلان
فهذا الفارس ينكر الترقب، ويراه من العجز، ويشوقه أن يتأثر المتنبي الذي كان يرى المجد
في
الفتك والطعان، ويؤمن بأنه الفائز في كل حال، فهو إن نهض فإلى الحرب، وإن قعد فلبناء
المجد،
ويشعر بأن أعداءه سيترحمون عليه يوم يموت.
والأبيات الآتية قالها الشاعر في مطلع صباه، والظاهر أنه كان مفطورًا على الفتوة منذ
الحداثة، وإلَّا فكيف صح له أن يقول وهو في سن المراهقين:
ستعلمون ما يكون مني
إن مد من ضبعيَّ طول سني
أأدَعُ الدنيا ولم تدَعْني
يلعب بي عناؤها المعنِّي
وسعت أيامي ولم تسعني
أفضل عنها وتضيق عني
لم أنا مثل القاطن المبن
١٣
أحصل من عزمي على التمني
وليتني أفعل أو لو أني
راضٍ بما يضوي الفتى ويضني
أسس آبائي وسوف أبني
قد عز أصلي ويعز غصني
غنيت بالمجد ولم أستغن
إن الغنى مجلبة للضن
وللقعود والرضا بالوهن
الفقر ينئي والثراء يدني
والحرص يشقي والقنوع يغني
جننت بأسًا والشجاع جنى
آثار طعن الدهر في مجني
تشهد لي أن الزمان قرني
سوف ترى غبارها كالدجن
لتعرفني ولتعرفني
أيام أفني بالقنا وأغني
كم صبر خافي الشخص مستجن
منطمر من الأذى في سجن
مرتهن بهمة تعني
يا ليتها بنهضة فدتني
من قبل أن يغلق يومًا رهني
٢٢
متى تراني والجواد خدني
والنصل عيني والسنان أذني
وأمي الدرع ولم تلدني
ولا قرعت من قنوط سني
يا أيها المغرور لا تهجني
وعذ بإغضائي واستغذني
واحذر عداء قاطع في ضمني
ينطق عني بلسان ضغني
نبهت يقظان قليل الأمن
جنيت من قبل وسوف أجني
أثنى يدي والعزم أن أثني
فما رأيكم في هذا الطفل الذي أنضجه العزم وسقته نفسه ذوب الحديد المتوقد؟
ما رأيكم في الطفل الوادع الذي يصرخ فيقول:
ستعلون ما يكون مني
إن مد في ضبعي طول سني
ما رأيكم في الطفل الذي يبدأ بمحاسبة نفسه فيقول:
أأدع الدنيا ولم تدعني
يلعب في عناؤها المعني
ما رأيكم في الطفل الذي يرى نفسه قرين الزمان:
إن كنت غير قارح فإني
أبذ جري القارح المسن
جننت باسًا والشجاع جنى
آثار طعن الدهر في مجني
تشهد لي أن الزمان قرني
سوف ترى غبارها كالدجن
ما رأيكم في الذي يتشوف إلى مصيره في الفتوة فيقول:
متى تراني والجواد خدني
والنصل عيني والسنان أذني
وأمي الدرع ولم تلدني
إن هذه القصيدة من أنفس ما قال الفتيان، فليحفظها وليتأدب بها كرام الفتيان.
•••
وصح لهذا الفارس وهو في السادسة عشرة أن يقول:
أمن شوق تعانقني الأماني
وعن ود يخادعني زماني
وما أهوى مصافحة الغواني
إذا اشتغلت بناني بالعنان
عدمت الدهر كيف يصون وجهًا
يعرض للضراب وللطعان
تعرفني بأنفسها الليالي
وآنف أن أعرفها مكاني
أنا ابن مفرج الغمرات سودًا
وجدي خابط البيداء حتى
تبدى الماء من ثغب الرعان
٢٧
قضى وجياده حول المعالي
ووفد ضيوفه حول الجفان
تكفنه ظبا البيض المواضي
ويغسله دم السمر اللدان
نشرت على الزمان وشاح عز
ترنح دونه المقل الرواني
جواد ترعد الأبصار فيه
إذا هزأت برجليه اليدان
كأني منه في جاري غدير
ألاعب عن عناني غصن بان
حبي الطرف إلا من مكر
يبين من خلائقه الحسان
إذا استطلعته من سجف بيت
ظننت بأنه بعض الغواني
سأطلع من ثنايا الدهر عزمًا
يسيل بهمة الحرب العوان
ولا أنسى المسير إلى المعالي
ولو نسيته أخفاف الحواني
٢٩
وكنا لا يروعنا زمان
بما يعدي البعاد على التداني
فها أنا والحبيب نود أنا
تدانينا ونحن الفرقدان
وليل أدهم قلق النواصي
جعلت بياض غرته سناني
وصبح تطلع الآجال فيه
وناظر شمسه في النقع عاني
٣١
عقدت ذوائب الأبطال منه
بأطراف المثقفة الدواني
الأغرب والأعجب أن تعلموا أن هذا الشعر هو مطلع قصيدة في المدح، وهي تجربة طريفة فقد
كان
الشعراء يبدأون قصائد المدح بالنسيب، وكثر منهم ذلك حتى صح للمتنبي أن ينقدهم فيقول:
إذا كان مدح فالنسيب المقدم
أكل فتى قد قال شعرًا متيم
والمهم أن تعرفوا ما في هذه القصيدة من الشاعرية، المهم أن تعرفوا أن ذلك الفتى كان
يشعر
بأنه أعلا من الأماني والزمان فيقول:
أمن شوق تعانقني الأماني
وعن ود يخادعني زماني
وأي شاعرية أمجد وأعظم من شاعرية من يتمدح بأن جده كفنته السيوف وغسلته الرماح:
قضى وجياده حول العوالي
ووفد ضيوفه حول الجفان
تكفنه ظبا البيض المواضي
ويغسله دم السمر اللدان
وهل رأيتم أحلا وأعذب من شاعرية الفارس الذي يتغزل في جواده فيقول:
خفيري في الظلام أقب نهد
يساعدني على ذم الزمان
جواد ترعد الأبصار فيه
إذا هزأت برجليه اليدان
كأني منه في جاري غدير
ألاعب من عناني غصن بان
حبي الطرف إلا من مكر
يبين من خلائقه الحسان
إذا استطلعته من سجف بيت
ظننت بأنه بعض الغواني
ذلكم هو الفارس، وتلكم هي الفروسية، والذي يقول هذا الشعر فتى كان يرشح نفسه لإمارة
الحج،
ومنصب القضاء، ونقابة الأشراف، وكذلك كان أسلافنا فتيانًا يستهويهم جمال الخيل وميادين
القتال.
•••
وقد ظن جامع الديوان أن الشريف وصف الأسد، وما وصف الشريف الأسد بلى، وصف الشريف الأسد؛
لأنه وصف نفسه فقال:
سيرعب القوم مني سطو ذي لبد
لا يطعم الطعم إلا من فريسته
إن يعدم القرن يومًا فهو طيان
٣٣
ماشي الرفاق يراعي أين مسقطهم
والسمع منتصب والقلب يقظان
يستعجل الليلة القمراء أوبتها
إذا بنو الليل من طول السرى لانوا
حتى إذا عرسوا في حيث تفرشهم
نمارق الرمل أنقاء وكثبان
دنا كما اعتس ذو طمرين لمظه
من فضله الزاد بالبيداء ركبان
٣٤
ثم استقرت به نفس مشيعة
لها من القدر المجلوب معوان
فعاث ما عاث واستبلى عقيرته
يجرها مطعم للصيد جذلان
قرن إذا طلب الأوتار عن عرض
لم تفد منه دماء القوم ألبان
وغلمة أخذوا للروع أهبته
لف البطون على الأعواد خمصان
٣٥
طارت بأشباحهم جرد مسومة
كأنما خطفت بالقوم عقبان
من كل أعنق ملطوم بغرته
كأنه من تمام الخلق بنيان
٣٦
يمد للجرس مثل الآستين إذا
فاستمسكوا بنواصيها وقد سقطت
من غائر الجري ألباب وأرسان
كعمت فاغرة الثغر المخوف بهم
يهفو بأيمانهم نبع ومران
٣٨
كأن غر المعالي في بيوتهم
بيض عقائل يحميهن غيران
إلى كم الرحم البلهاء شاكية
لها من النعي إعوال وإرنان
حيرى يضلونها ما بيننا ولها
منا على عدواء الداء نشدان
النجر متفق والرأي مختلف
فالدار واحدة والدين أديان
٣٩
وثم أوعية الإحسان مكفأة
فوارغ ووعاء الشر ملآن
إنا نجرهم
٤٠ أعراضنا طمعًا
في أن يعودوا إلى البقيا كما كانوا
أنَّى يتاه بكم في كل مظلمة
وللرشاد أمارات وعنوان
ميلوا إلى السلم إن السلم واسعة
واستوضحوا الحق إن الحق عريان
يا راكبًا ذرعت ثوب الظلام به
هوجاء مائلة الضبعين مذعان
أبلغ على النأي قومي إن حللت بهم
أني عميد بما يلقون أسوان
يا قوم إن طويل الحلم مفسدة
وربما ضر إبقاء وإحسان
مالي أرى حوضكم تعفو نصائبه
وذود كم ليلة الأوراد ظمآن
٤١
لا يرهب المرء منكم عند حفظته
ولا يراقب يومًا وهو غضبان
٤٣
إن الأولى لا يعز الجار بينهم
كم اصطبار على ضيم ومنقصة
وكم على الذل إقرار وإذعان
وفيكم الحامل الهمهام مسرحه
داج ومن حلق الماذي أبدان
٤٥
والخيل مخطفة الأوساط ضامرة
كأنهن على الأطواد ذؤبان
الله الله أن يبتز أمركم
راعٍ رعيته المعزي والضان
ثوروا لها ولتهن فيها نفوسكم
إن المناقب للأرواح أثمان
فمن إباء الأذى حلت جماجمها
على مناصلها عبس وذبيان
وعن سيوف إباء الضيم حين سطوا
مضى بغصته الجعدي مروان
فإن تنالوا
٤٦ فقد طالت رماحكم
وإن تنالوا
٤٧ فللأقران أقران
ذلك وصف الأسد كما تصوره جامع الديوان، فماذا ترون في هذا القصيد؟
إن الشاعر هنا قوي الروح جدًّا، ولا يمكن إدراك قوة الروح هذا في القصيد إلا بقراءته
مرتين أو مرات، وهو شبه نفسه بالأسد وساقه ذلك إلى وصف الأسد، ولكن أي وصف؟ إنه وقف عند
المعاني النفيسة التي تصور ما في الأسد من عزة وكبرياء.
ثم تحدث عن رفاقه في الحرب أجمل حديث فجعل المعالي في بيوتهم بيضًا عقائل تحميها الغيرة
ويحرسها الإباء.
ثم التفت إلى قومه فعنفهم على التنابذ والتقاطع، وعجب من أن يتفق الأصل ويختلف الرأي،
وجزع من تعدد الأديان مع وحدة الوطن.
ثم استصرخهم إلى حماية الحوض، وذكرهم بالذين نثروا جماجمهم على المناصل في سبيل
الحفاظ.
والقصيدة جيدة جدًّا، ومن العجب أن يسكت عنها نقاد المعاني.
وللشريف قصائد طوال قصرها على همومه في المعالي، منها الميمة:
أرى نفسي تتوق إلى النجوم
سأحملها على الخطر العظيم
وفيها يقول:
ولي أمل كصدر الرمح ماضٍ
سوى أن الليالي من خصومي
ويمنعني المدام طروق همي
فما يحظى بها إلا نديمي
وما أوفت على العشرين سني
وقد أوفى على الدنيا عزيمي
٤٨
وله فيها نفثات موجعات:
يضل نفوسنا داء عقام
فيسلمنا إلى أرض عقيم
ونتبع بالدموع وأي دمع
يجير ولو أقام علىى السجوم
ونلقى قبل لقيان المنايا
رماح الداء تطعن في الجسوم
٥١
وفيها يقول:
ألا من مبلغ الأحياء أني
قطعت قرائن الزمن القديم
وأني قد أبيت مقام رحلي
بوادي الرمث أو جبل الغميم
وعن قرب سيشغلني زماني
برعي الناس من رعي القروم
٥٢
سألتمس العلا إما بعرب
يروون اللهاذم أو بروم
وهذا كلام نفيس جدًّا، وهو قوي الدلالة على خطر ما كان يصطرع في تلك النفس من
آمال.
وله ميمية أخرى منها هذه الأبيات:
وما ابن غيل تذيع الموت طلعته
إذا تطلع غضبانًا من الأجم
٥٤
يجلو دجى شدقه عن صبح عاصلة
مطرورة كشبا المطرورة الخذم
٥٥
يومًا بأقدم مني في ململمة
٥٦
شعواء تعزف بالعقبان والرخم
وله ثالثة جمع فيها بين الفخر والنسيب فقال:
ألا خبر عن جانب الغور وارد
ترامى به أيدي المطي الرواسم
وإني لأرجو خطوة لوذغية
تجيب بنا داعي العلا والمكارم
نداوي بها من زفرة الشوق أنفسًا
تطلع ما بين اللهى والحيازم
وإني على ما يوجب الدهر للفتى
ولو سامه حمل الأمور العظائم
مقيم بأطراف الثنايا صبابة
أسائل عن أظعانكم كل قادم
وأرقب خفاق النسيم إذا حدا
من الغرب أعناق الرياح الهواجم
بنات السرى هذا الذي كان قلبه
يسومك أن تصلي بنار العزائم
ومن كل وضاح الحسام مشمرًا
إذا شحبت فينا وجوه المظالم
يمسح أضغان العدو وإنما
يقبل ثغرًا من ثغور الأراقم
إذا شهد الحرب العوان تدافعت
صدور المواضي في الطلى والجماجم
وعفر فرسان العدا ودماؤهم
جوامد ما بين اللحى والعمائم
حدا فقده كل العيون إلى البكا
فقطع أرسان الموع السواجم
وما خطرت منه على المجد زلة
فيقرع في آثارها سن نادم
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
ألاطم أعناق الربا بالمناسم
وهل تقذف البيداء رحلي إليكم
تنفس عن ليلي أنوف المخارم
ولا بد أن ألقى العدا في حميلة
من الخيل تولي بالقنا والصوارم
والجمع بين الفخر والنسيب كثير في شعر الشريف، وهو شاهد على اشتباك النوازع في تلك
الروح،
فذلك قلب يجمع بين العنف واللطف، والقسوة واللين، هو قلب عامر النواحي، فيه حنان الأطفال،
وصيال الأبطال، يرق فتحسبه نسيمًا، ويقسو فتحسبه جحيمًا، وانظروا كيف يقول وهو يجمع بين
الفخر والنسيب:
يا دار ما طربت إليك النوق
إلا وربعك شائق ومشوق
جاءتك تمرح في الأزمة والبرى
والزجر ورد والسياط عليق
ونحن ما جد المسير كأنما
كل البلاد محجر وعقيق
دار تملكها الفراق فرقها
بالمحل من أسر الغمام طليق
شرقت بأدمعها المطي كأنما
فيها حنين اليعملات شهيق
الآن أقبل بي الوقار عن الصبا
فغضضت طرفي والظباء تروق
ولو أنني لم أعط مجدي حقه
أنكرت طعم العز حين أذوق
رمت المعالي فامتنعن ولم يزل
أبدًا يمانع عاشقًا معشوق
وصبرت حتى نلتهن ولم أقل
ضجرًا: أدواء الفارك
٥٧ التطليق
ما كنت أول من جثا بقميصه
عبق الفخار وجيبه مخروق
كثرت أماني الرجال ولم تزل
متوسعات والزمان يضيق
من كل جسم تقتضيه حفرة
فكأنه من طينها مخلوق
والقصيدة طويلة جدًّا، ويكفي أن ننبه إلى بعض المحاسن فيما أنشدناه، والشاعر في هذا
النسيب يجعل المطي باكيات، والشعراء يتصورون المطي باكيات، ولكنها في هذه المرة تبكي
لبكاء
الشاعر فهي لا تحن إلى العطن الذي ستعود إليه، وإنما تبكي على الديار التي يفارقها صاحبها
الأمين.
ويصور الشاعر ما يقع من النزاع بين العقل والهوى فيقول:
الآن أقبل بي الوقار عن الصبا
فغضضت طرفي والظباء تروق
ثم ينص على أن العز لا طعم له إلا إن ناله الرجل عن طريق الكفاح فيقول:
ولو أنني لم أعط مجدي حقه
أنكرت طعم العز حين أذوق
ويرى المعالي معشوقات فيقول:
رقت المعالي فامتنعن ولم يزل
أبدًا يمانع عاشقًا معشوق
وقد صدق: فالعزائم كالقلوب لها صبوات، والمعالي أحق بالعشق من الملاح ويتأثر الخلق
النبي
خلق الفتيان الذين يتمدحون بالقميص الممزق، فيقول:
ما كنت أول من جثا بقميصه
عبق الفخار وجيبه مخروق
وعبق الفخار أشرف من عبق الطيب، وإن غضب الشبان الظرفاء. والنص على الخشونة والتشعث
في
شجعان الفتيان قديم في الشعر العربي فما ابتكره الشريف، ولكن إلحاحه في توكيد هذا المعنى
له
دلالة قوية عند من يعقلون، وأنظروا أيضًا كيف يقول:
وعدت يا دهر شيئًا بت أرقبه
وما أرى منك إلا وعد عرقوب
وحاجة أتقاضاها وتمطلني
كأنها حاجة في نفس يعقوب
لأتعبن على البيداء زاحلة
والليل بالريح خفاق الجلابيب
في فتية هجر والأوطان واصطنعوا
أيدي المطايا بإدلاج وتأويب
٥٨
من كل أشعث ملتاث اللثام له
لحظ تكرره أجفان مذءوب
يوسد الرحل خدًّا ما توسده
قبل المطالب غير الحسن والطيب
وهو في هذه المرة يجعل جنود شبانًا نشأوا في النعيم، ثم قهرهم حب المعالي على فراق
النعيم، وهذا أبلغ في تصوير المجد.
•••
ويصور قلق الفتي الصوال فيقول:
سئمت زمانًا تنتحيني صروفه
وثوب الأفاعي أو دبيب العقارب
مقام الفتى عجز على ما يضيمه
وذل الجريء القلب إحدى العجائب
إذا قل عزم المرء قل انتصاره
وأقلع عنه الضيم دامي المخالب
وما بلغ المرمى البعيد سوى امرئ
يروح ويغدو عرضة للجواذب
وما جر ذلًّا مثل نفس جزوعة
ولا عاق عزمًا مثل خوف العواقب
ألا ليت شعري هل تسالمني النوى
وتخبو همومي من قراع المصائب
إلى كم أذود العين أن يستفزها
وميض الأماني والظنون الكواذب
حسدت على أني قنعت فكيف بي
إذا ما رمى عزمي مجال الكواكب
وما زال للإنسان حاسد نعمة
على ظاهر منها قليل وغائب
وأبقت لي الأيام حزمًا وفطنة
ووفرن جأشي بالأمور الغرائب
توزع لحمي في عواجم جمة
وبان على جنبي وسم التجارب
وفي هذه القصيدة يبدو الشريف هادئ النفس، ولكنه هدوء من يزعجه الهدوء، وكيف يهدأ من
يتصور
الحوادث وهي تدب دبيب العقارب، أو تثب وثوب الأفاعي؟
وهو يرى مقام الفتى على الذل عجزًا قبيحًا، ويرى ذل القلب الجريء إحدى الأعاجيب. وانظروا
الصورة الشعرية التي يمثلها الشطر الثاني من هذا البيت:
إذا قل عزم المرء قل انتصاره
وأقلع عنه الضيم دامي المخالب
وهو يرى الذل من ثمار الجزع، ويرى خوف العواقب داء يقتل عزائم الرجال.
•••
وهناك دالية نرى تنبيهكم إليها من أوجب الفروض، وهي مما جمع فيه بين الفخر
والنسيب:
لأي حبيب يحسن الرأي والود
وأكثر هذا الناس ليس له عهد
أكل قريب لي بعيد بوده
وكل صديق بين أضلعه حقد
ولله قلب لا يبل غليله
وصال ولا يلهيه عن خله وعد
يكلفني أن أطلب العز بالمنى
وأين العلا إن لم يساعدني الجد
أحن وما أهواه رمح وصارم
وسابغة زعف وذو ميعَة نهد
٦٠
فيا لي من قلب معنًّى به الحشا
ويا لي من دمع قريح به الخد
أريد من الأيام كل عظيمة
وما بين أضلاعي أسدٌ ورد
وليس فتى من عاق عن حمل سيفه
إسارٌ وحلاه عن الطلب القد
٦١
إذا كان لا يمضي الحسام بنفسه
فللضارب الماضي بقائمه الحد
وما العيش إلا أن تصاحب فتية
طواعن لا يعنيهم النحس والسعد
٦٢
إذا طربوا يومًا إلى العز شمَّروا
وإن ندبوا يومًا إلى غارة جدوا
وكم لي في يوم الثوية رقدة
يضاجعني فيها المهنَّد والغمد
ولو شاء رمحي سدَّ كل ثنيةٍ
تطالعني فيها المغاوير والجُرد
نصلنا على الأكوار من عجز ليلة
ترامى بنا في صدرها الغَور والوهد
طردنا إليها خُفَّ كل نجيبة
عليها غلام لا يمارسه الوجد
ودسنا بأيدي العيس ليلًا كأنما
تشابه في ظلمائه الشيب والمرد
ألا ليت شعري هل تبلِّغني المنى
وتلقي بيَ الأعداء أحصنة جرد
يعيد عليها الطعن كل ابن همة
كأن دم الأعداء في فمه شهد
يضارب حتى ما لصارمه قُوًى
ويطعن حتى ما لذابله جهد
٦٣
إذا عربي لم يكن مثل سيفه
مضاء على الأعداء أنكره الجد
والقصيدة طويلة، وفي هذه النفثات كفاية.
والشاعر يذكر أن قلبه يكلفه طلب العز بالأماني، ثم يثور على هذا المطلب؛ لأنه يعرف
أن
المعالي لا تنال بالأماني، وإنما تنال بالجهاد.
ويرى أن الحسام إن لم يمض بنفسه فليس له حد، وإنما الحد للضارب الماضي. وهذا معنى
نفيس.
وإليكم بيت القصيد:
إذا عربي لم يكن مثل سيفه
مضاء على الأعداء أنكره الجد
•••
وانظروا روعة الفخر في هذه الأبيات:
شبابي إن تكن أحسنت يومًا
فقد ظلم المشيب وقد أساء
ويا معطي النعيم بلا حساب
أتاني من يقتر لي العطاء
متاع أسلفتناه الليالي
وأعجلنا فأسرعنا الأداء
سأمضي للمتى لا عيب فيها
وإن لم أستفد إلا عناء
وأطلب غاية إن طوحت بي
أصابت بي الحمام أو العلاء
أنا ابن السابقين إلى المعالي
إذا الأمد البعيد ثنى البطاء
إذا ركبوا تضايقت الفيافي
وعطل بعض جمعهم الفضاء
نماني من أباة الضيم نام
أفاض عليَّ تلك الكبرياء
شأونا الناس أخلاقًا لدانا
وأيمانًا رطابًا واعتلاه
ونحن النازلون بكل ثغر
نريق على جوانبه الدماء
ونحن الخائضون لكل هول
إذا دب الجبان به الضراء
٦٤
ونحن اللابسون لكل مجد
إذا شئنا أدراعًا وارتداء
أقمنا بالتجارب كل أمر
أبى إلا اعوجاجًا والتواء
تجر إلى العداة سلاف جيش
كعرض الليل يتبع اللواء
نطيل به صدى الجرد المذاكي
إلا أن نورد الأسل الظماء
٦٥
أقف عند هذا الحد. أيها السادة، فما يتسع وقتي للنص على جميع المواطن التي تحدث فيها
الشريف عن العلا والمعالي، وهي محفوظة في مذكراتي، وأنا أضن بها على تلاميذي؛ لأني أحب
لتلاميذي أن يرجعوا بأنفسهم إلى ديوان الشريف وأن يرفعوا ما أقام أستاذهم من قواعد
البناء.
أحب لتلاميذي أن يحفظوا جميع ما قال الشريف في العلا والمعالي، فتلك بوارق من الروحانية
تحيي ميت العزائم، وتقيم ما صدعته أجيال البؤس من النخوة العربية.
أحب أن يرجع تلاميذي فيفتشوا على ما أغفلت من القصائد، أحب لهم أن يطيلوا صحبة هذا
الروح
المتوقد الذي أقام الشرائع لعزائم الفتيان.
•••
وأنتهز هذه الفرصة، أيها السادة، فأعتب على القدماء من مؤرخي الأدب العربي، فقد رأيت
أن
هذا الشاعر لم يفتنهم إلا بقصائد الحجازيات ولو أن الله كان هداهم فالتفتوا إلى أشعاره
في
المعالي، كما التفت أبو تمام إلى أشعار العرب في المعالي لأخرجوا من ديوان الشريف مجموعة
نفيسة تنفع أجزل النفع في توجيه الشبان إلى التخلق بأخلاق الأبطال.
اسمحوا لي أيها السادة أن أبتكر عبارة جديدة هي عبارة «معالي الشريف»، فهي عندي أفحل
وأصدق من «حجازيات الشريف»، وهي أعظم من «زهديات أبي العتاهية» و«تشبيهات ابن المعتز»
و«مدائح البحتري» و«خمريات أبي نواس».
إن «معالي الشريف» قصائد مقدودة من الفتوة، ومنحوتة من العزيمة والنظر فيها يعود على
الروح بأقباس الفحولة والبطولة، ويدخل على الدم جبروت النار والحديد.
هوامش