الفصل الخامس

التكنولوجيا

قبل مناقشة القضايا الأخلاقية الواقعية المُتعلقة بالذكاء الاصطناعي بمزيدٍ من التفاصيل، لدَينا مهمةٌ أخرى علينا إنجازها لتمهيد الطريق: بعيدًا عن الضجَّة المُثارة حول الذكاء الاصطناعي، علينا أن نفهم هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها. فلنُنَحِّ جانبًا الخيالَ العلميَّ لتجاوز الإنسانية والتطلُّعات الفلسفية للذكاء الاصطناعي العام، ولنُلْقِ نظرةً على ماهية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وكيفية استخدامها اليوم. وبما أن تعريفات الذكاء الاصطناعي وغيرها من المُصطلَحات هي نفسها غير مُتَّفق عليها، فإنني لن أتعمَّق في نقاشاتٍ فلسفية أو سياقات تاريخية. إن هدفي الرئيسي هنا هو أن أُعطي القارئ فكرةً عن التكنولوجيا المعنية وكيفية استخدامها. وسوف أبدأ بالتحدُّث عن الذكاء الاصطناعي بشكلٍ عام؛ أما الفصل التالي، فسيتناول تقنيات تعلُّم الآلة وعلم البيانات وتطبيقاتهما.

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه الذكاء الذي تُظهره أو تُحاكيه الرموز البرمجية (الخوارزميات) أو الآلات. ويُثير هذا التعريف سؤالًا حول كيفية تعريف الذكاء. من الناحية الفلسفية، يُعتبَر الذكاء مفهومًا غامضًا. ويمكن القول بأنه ذكاءٌ شبيه بالذكاء البشري. على سبيل المثال، يُعرِّف فيليب جانسن وآخرون الذكاء الاصطناعي بأنه «علم وهندسة الآلات ذات القدرات التي تُعتبر ذكيةً وفقًا لمعايير الذكاء البشري» (٢٠١٨، ٥). وفقًا لهذا التعريف، يتعلق الذكاء الاصطناعي بإنشاء آلات ذكيَّة تُفكر أو تتفاعل مثل البشر. ومع ذلك، يعتقد العديد من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي أنه ليس هناك داعٍ لأن يكون الذكاء شبيهًا بالذكاء البشري، ويفضلون تعريفًا أكثر حيادًا صِيغَ بشكلٍ مُستقل عن الذكاء البشري وأهداف الذكاء الاصطناعي العام أو القوي ذات الصلة. ويسردون جميع أنواع الوظائف المعرفية والمهام مثل التعلُّم والإدراك والتخطيط ومُعالجة اللغة الطبيعية والتفكير واتخاذ القرارات وحلِّ المشكلات؛ وغالبًا ما يُعادل ذلك الذكاءَ نفسه. على سبيل المثال، تزعم مارجريت بودين أن الذكاء الاصطناعي «يسعى إلى جعل أجهزة الكمبيوتر تقوم بالأشياء التي يُمكن للعقول البشرية القيام بها». يبدو الأمر في البداية وكأن البشر هم النموذج الوحيد. إلا أنها، تسرد بعد ذلك كل أنواع المهارات النفسية مثل الإدراك والتنبُّؤ والتخطيط، التي تُشكل جزءًا من «الفضاء الغني بقدرات مُعالجة المعلومات المتنوعة» (٢٠١٦، ١). ويمكن أن تكون مُعالجة المعلومات هذه ليست حكرًا على الإنسان. فالذكاء العام، وفقًا لمارجريت بودين، لا يكون بالضرورة بشريًّا. فهناك بعض الحيوانات التي يُمكننا اعتبارها ذكية. ويحلم مؤيدو تجاوز الإنسانية بعقولٍ مُستقبلية لا تكون مضمنة بيولوجيًّا مثلما هو الحال الآن. ومع ذلك، كان هدف تحقيق قدرات شبيهة بقدرات البشر وربما ذكاء عام شبيه بذكاء البشر جزءًا من الذكاء الاصطناعي منذ البداية.

يرتبط تاريخ الذكاء الاصطناعي ارتباطًا وثيقًا بتاريخ علوم الكمبيوتر والتخصُّصات ذات الصِّلة مثل الرياضيات والفلسفة، ومن ثَمَّ فهو يمتدُّ على الأقل إلى العصور الحديثة الباكرة (مثل جوتفريد فيلهلم لايبنيتس ورينيه ديكارت) إن لم يكن إلى العصور القديمة، التي تنتشِر فيها قصص عن حرفيِّين يصنعون كائناتٍ اصطناعية وآلاتٍ ذكية يُمكنها خداع الناس (تذكَّر الشخصيات المُتحركة في اليونان القديمة أو الشخصيات الآلية الشبيهة بالبشر في الصين القديمة). ولكن على العموم يُعتبر الذكاء الاصطناعي قد بدأ في الخمسينيات من القرن العشرين بوصفه تخصُّصًا مستقلًّا، بعد اختراع الكمبيوتر الرقمي القابل للبرمجة في أربعينيَّات القرن العشرين وولادة تخصُّص علم التحكُّم الآلي (السيبرانية)، الذي عرَّفه نوربرت وينر في عام ١٩٤٨ على أنه الدراسة العلمية «للتحكُّم والتواصُل في الحيوان والآلة» (Wiener 1948). وكان نشر ورقة ألان تورينج البحثية لعام ١٩٥٠ بعنوان «الآلات الحاسبة والذكاء» في مجلة «مايند»، والتي قدمت اختبار تورينج الشهير ولكن كانت تتناول بشكلٍ عام سؤال ما إذا كانت الآلات قادرةً على التفكير، وسبقت بالفعل في التكهُّن بالآلات التي يُمكنها التعلُّم وأداء مهام مجرَّدة، كانت لحظة هامة في تاريخ الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تُعتبر ورشة العمل التي عُقدت في جامعة دارتموث في صيف عام ١٩٥٦ في هانوفر، نيو هامبشاير، بشكلٍ عام هي محل ميلاد الذكاء الاصطناعي المُعاصر. وقد صاغ مُنظمها جون مكارثي فيها مصطلح الذكاء الاصطناعي، وشاركت فيها أسماءٌ مهمة مثل مارفن مينسكي، وكلود شانون، وألن نيويل، وهيربرت سايمون. وفي حين كان يُنظر إلى علم التحكُّم الآلي على أنه شديد الانشغال بالآلات التناظرية، اهتمَّت ورشة عمل الذكاء الاصطناعي في دارتموث بالآلات الرقمية. كانت الفكرة هي «محاكاة» الذكاء البشري (وليس إعادة خلقِه: فالعملية مختلفة عما يحدث في البشر). وظنَّ الكثير من المشاركين في ورشة العمل هذه أن إنشاء آلةٍ تتمتَّع بنفس ذكاء البشر أمر وشيك الحدوث: توقعوا أنها لن تستغرق في ظهورها أكثر من جيلٍ واحد.

هذا هو هدف «الذكاء الاصطناعي القوي». الذكاء الاصطناعي «القوي» أو «العام» قادر على أداء أي مهام معرفية يمكن للبشر أداؤها، في حين أن الذكاء الاصطناعي «الضعيف» أو «المحدود» يمكن أن يؤدي فقط في مجالاتٍ مُحددة مثل الشطرنج، وتصنيف الصور، وما إلى ذلك. حتى اليوم، لم نُحقِّق الذكاء الاصطناعي العام، وكما رأينا في الفصول السابقة، فإن الشكوك تحُوم حول ما إذا كنَّا سنُحقِّقه على الإطلاق. وعلى الرغم من أن بعض الباحثين والشركات يُحاولون تطوير الذكاء الاصطناعي العام، ولا سيما هؤلاء الذين يؤمِنون بنظرية حاسوبية العقل، فإنه لن يتم تطويره في المُستقبل القريب. ولذا، تُركز الأسئلة الأخلاقية والسياسية في الفصل التالي على الذكاء الاصطناعي الضعيف أو المحدود، الموجود بالفعل حاليًّا والذي من المُرجَّح أن يُصبح أكثر قوةً وانتشارًا في المستقبل القريب.

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي باعتباره علمًا وكذلك باعتباره تكنولوجيا. يمكن أن يكون الهدف من الذكاء الاصطناعي هو تفسير الذكاء والوظائف المعرفية المذكورة تفسيرًا علميًّا أدق. ويُمكن أن يُساعدنا في فهم البشر وغيرهم من الكائنات التي تمتلك ذكاءً طبيعيًّا فهمًا أفضل. وبهذه الطريقة، يكون الذكاء الاصطناعي علمًا وتخصُّصًا يدرس ظاهرة الذكاء بشكلٍ منهجي (Jansen et al. 2018)، وأحيانًا يدرس العقل أو الدماغ. ومن هذا المنطلق، يرتبط الذكاء الاصطناعي بعلومٍ أخرى مثل العلوم المعرفية وعلم النفس وعلم البيانات (انظر القسم اللاحق)، وأحيانًا أيضًا عِلم الأعصاب، الذي يسعى حثيثًا إلى فَهم الذكاء الطبيعي. ولكن قد يكون الهدف من الذكاء الاصطناعي أيضًا هو تطوير تقنياتٍ لأغراضٍ عملية مُختلفة، أو كما يقول بودن «لإنجاز أشياء مُفيدة»: يمكن أن يأخذ شكلَ أدوات، صمَّمها البشر، وتخلق مظهر الذكاء والسلوك الذكي لأغراضٍ عملية. ويمكن للآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تفعل ذلك عن طريق تحليل البيئة (في صورة بيانات) والتصرُّف بدرجةٍ كبيرة من الاستقلالية. في بعض الأحيان، تلتقي الاهتمامات العلمية-النظرية والأغراض التكنولوجية، على سبيل المثال في عِلم الأعصاب الحوسبي، الذي يستخدِم أدواتٍ من علوم الكمبيوتر لفهم الجهاز العصبي، أو في مشروعاتٍ مُحددة مثل «مشروع الدماغ البشري»1 الأوروبي، الذي يشمل العلوم العصبية وأيضًا الروبوتات والذكاء الاصطناعي؛ وتجمع بعض مشروعاته ما بين عِلم الأعصاب وتعلُّم الآلة فيما يُعرَف بعلم أعصاب البيانات الضخمة (مثل فو وآخرين ٢٠١٨).

بشكلٍ أعم، يعتمد الذكاء الاصطناعي على العديد من التخصُّصات ويرتبط بها، بما في ذلك الرياضيات (على سبيل المثال، الإحصاء)، والهندسة، واللغويات، والعلوم المعرفية، وعلوم الكمبيوتر، وعلم النفس، وحتى الفلسفة. وكما رأينا، يهتم الفلاسفة والباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي على حدٍّ سواء بفهم العقل وظواهر مثل الذكاء والوعي والإدراك والفعل والإبداع. وقد أثَّر الذكاء الاصطناعي على الفلسفة والعكس صحيح. وقد أقرَّ كيث فرانكيش وويليام رامزي بهذا الارتباط بين الذكاء الاصطناعي والفلسفة، وشدَّدا على تعدُّد تخصُّصات الذكاء الاصطناعي، وجمعا الجانبَين العلمي والتكنولوجي في تعريفهما للذكاء الاصطناعي باعتباره «نهجًا مُتعدِّد التخصُّصات لفهم ونمذجة ومُحاكاة الذكاء والعمليات المعرفية عن طريق الاستناد إلى مبادئ وأجهزة حوسبِيَّة ورياضية ومنطقية وميكانيكية وحتى بيولوجية متنوعة» (٢٠١٤، ١). لذلك، يعتبر الذكاء الاصطناعي نظريًّا وعمليًّا، علمًا وتكنولوجيا. ويركز هذا الكتاب على الذكاء الاصطناعي باعتباره تكنولوجيا، على الجانب الأكثر عملية: ليس فقط لأن التركيز داخل الذكاء الاصطناعي قد تحوَّل في هذا الاتجاه، ولكن، على وجه الخصوص، لأن الذكاء الاصطناعي في هذه الصورة له عواقب أخلاقية واجتماعية؛ على الرغم من أن البحث العلمي أيضًا ليس خاليًا تمامًا من العواقب الأخلاقية.

باعتباره تكنولوجيا، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يأخذ أشكالًا مختلفة وعادةً ما يكون جزءًا من نُظم تكنولوجية أكبر: الخوارزميات، والآلات، والروبوتات، وما إلى ذلك. لذلك، في حين قد يتعلَّق الذكاء الاصطناعي ﺑ «الآلات»، فإن هذا المصطلح لا يُشير إلى الروبوتات وحدَها، ناهيك عن الروبوتات التي تتَّخِذ شكلًا بشريًّا. يُمكن أن يُضمَّن الذكاء الاصطناعي في العديد من أنواع الأنظمة والأجهزة التكنولوجية الأخرى. ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تأخُذ شكلَ برنامجٍ يعمل على الويب (مثل الدردشة الآلية ومُحركات البحث وتحليل الصور)، ولكن يُمكن أن يُضمَّن أيضًا الذكاء الاصطناعي في الأجهزة الملموسة مثل الروبوتات أو السيارات أو تطبيقات «إنترنت الأشياء».2 بالنسبة إلى إنترنت الأشياء، يُستخدَم أحيانًا مصطلح «الأنظمة الإلكترونية-المادية»، وهي عبارة عن أجهزة تعمل في العالَم المادي وتتفاعل معه. وتُعَد الروبوتات نوعًا من الأنظمة الإلكترونية-المادية، التي تؤثِّر تأثيرًا مباشرًا على العالم (Lin, Abney, and Bekey 2011).

إذا تمَّ تضمين الذكاء الاصطناعي في روبوت، فإنه يُطلق عليه أحيانًا الذكاء الاصطناعي «المتجسِّد». وتعتمد الروبوتات في تأثيرها على العالَم المادي تأثيرًا مباشرًا على مكوِّنات مادية. ولكن كل نظام ذكاءٍ اصطناعي، بما في ذلك البرامج النشطة على الويب، «يفعل» شيئًا ولدَيه أيضًا مكوِّنات مادية مثل الكمبيوتر الذي يعمل عليه، والمُكونات المادية للشبكة والبِنية الأساسية التي يعتمِد عليها، وما إلى ذلك. وهذا يجعل التفرقة ما بين تطبيقات الويب «الافتراضية» والتطبيقات «البرمجية» من ناحية، والتطبيقات المادية أو تطبيقات «الأجهزة» من ناحيةٍ أخرى مسألةً صعبة ومُحيِّرة. إن برامج الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى مكوِّنات مادية وبِنية أساسية مادية لكي تعمل، والأنظمة الإلكترونية-المادية لا يمكن اعتبارها ذكاءً اصطناعيًّا إلا إذا تم توصيلها بالبرامج المناسبة. علاوةً على ذلك، من وجهة نظر الظاهرية، قد تندمج المكونات المادية والبرمجية أحيانًا في تجربتنا واستخدامنا للأجهزة: فنحن لا نشعر بأن الروبوت التفاعُلي الذي يأخذ شكلًا بشريًّا ويعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، أو أن جهاز المحادثة بالذكاء الاصطناعي مثل أليكسا، عبارة عن مكونات برمجية أو مكونات مادية، ولكننا نشعر أنهما جهاز تكنولوجي واحد (وأحيانًا نشعر أنهما شِبه أشخاص، مثل دُمية «هالو باربي»).

من المُرجَّح أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على علم الروبوتات، وذلك على سبيل المثال من خلال التقدُّم في معالجة اللغة الطبيعية والتواصُل الشبيه بتواصل الإنسان. في كثيرٍ من الأحيان يُطلَق على هذه الروبوتات اسم «الروبوتات الاجتماعية»؛ لأنها مُصمَّمة بهدف المشاركة في الحياة الاجتماعية اليومية للبشر، على سبيل المثال، كرفاقٍ أو مساعِدين، من خلال التفاعُل مع البشر بطريقةٍ طبيعية. ومن ثَمَّ، يمكن أن يُعزز الذكاء الاصطناعي مزيدًا من التطورات في الروبوتات الاجتماعية.

ومع ذلك، بغض النظر عن المظهر والسلوك الكلي للنظام وتأثيره على البيئة المُحيطة به، وهو ما يُعتبر مهمًّا جدًّا من الناحية الظاهرية والأخلاقية، فإن أساس «الذكاء» في الذكاء الاصطناعي هو برنامج: «خوارزمية» أو مجموعة من الخوارزميات. والخوارزمية هي مجموعة وتسلسُل من التعليمات، مثل الوصفة، تُخبر الكمبيوتر أو الهاتف الذكي أو الآلة أو الروبوت أو أي شيءٍ آخَر يتم تضمينها فيه بما يجب أن يفعل. وهي تؤدي إلى مُخرجات مُعيَّنة بناءً على المعلومات المتاحة (المدخلات). وتُطبَّق الخوارزمية لحلِّ مشكلةٍ ما. ولكي نفهم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، علينا أولًا أن نفهم كيفية عمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي وما تقوم به. وسوف أتحدَّث أكثر عن هذا الموضوع هنا وفي الفصل القادم.

المناهج والمجالات الفرعية المُختلفة

هناك أنواع مختلفة من الذكاء الاصطناعي. يمكن القول أيضًا إن هناك مناهج أو نماذج بحثٍ مختلفة. كما رأينا في انتقاد دريفوس، غالبًا ما كان الذكاء الاصطناعي على مدار التاريخ ذكاءً اصطناعيًّا رمزيًّا. وكان هذا هو النموذج السائد حتى أواخر الثمانينيات. ويعتمِد الذكاء الاصطناعي الرمزي على التمثيلات الرمزية للمهامِّ المعرفية العالية المُستوى مثل التفكير التجريدي واتخاذ القرارات. على سبيل المثال، قد يتَّخِذ قرارًا استنادًا إلى الهيكل الشجري لاتخاذ القرار؛ وهو عبارة عن نموذجٍ للقرارات وعواقِبها المُمكنة، ويُمثَّل غالبًا بشكلٍ رسومي يُشبه المُخطط الانسيابي. وتحتوي الخوارزمية التي تفعل ذلك على عباراتٍ شرطية: قواعد لاتخاذ القرار على صورة if … then …، بحيث يلي if الشرط ويلي then النتيجة. وهذه العملية حاسمة وغير عشوائية. وبالاستناد إلى قاعدة بياناتٍ تُمثِّل المعرفة الخبيرة البشرية، يُمكن لمِثل هذا الذكاء الاصطناعي اتخاذ القرار، مُعتمدًا على كمٍّ هائل من المعلومات، والتصرُّف كنظامٍ خبير. ويستطيع أن يتَّخذ قراراتٍ حكيمة أو يصل إلى توصيات استنادًا إلى كتلةٍ ضخمة من المعرفة، قد يكون من الصعب أو من المُستحيل بالنسبة إلى البشر الاطلاع عليها. على سبيل المثال، تُستخدَم هذه الأنظمة الخبيرة في القطاع الطبِّي لتشخيص المرض ووضع خطةِ العلاج. وقد ظلَّت هذه الأنظمة هي الأنجح في مجال الذكاء الاصطناعي لفترةٍ طويلة.
ولا يزال الذكاء الاصطناعي الرمزي مُفيدًا حتى اليوم، ولكن ظهرت أيضًا أنواع جديدة من الذكاء الاصطناعي، يُمكن دمجها أو عدم دمجها مع الذكاء الاصطناعي الرمزي، وهي قادرة على التعلُّم ذاتيًّا من البيانات، على عكس الأنظمة الخبيرة. ويتم ذلك من خلال استخدام نهجٍ مختلف تمامًا. ويعتمد نموذج البحث «التشابُكي»، الذي تم تطويره في الثمانينيات من القرن العشرين كبديلٍ لما أُطلِق عليه اسم «الذكاء الاصطناعي القديم» ويعرف اختصارًا ﺑ GOFAI، وتكنولوجيا «الشبكات العصبية» على فكرة أننا بدلًا من تمثيل الوظائف المعرفية العُليا، يجب علينا بناء شبكات مُترابطة بالاستناد إلى وحداتٍ بسيطة. ويدعي مؤيدو هذا النهج أن هذا يُشبه الطريقة التي يعمل بها الدماغ البشري؛ إذ ينشأ الإدراك من تفاعُلات بين وحداتِ المعالجة البسيطة المُسمَّاة «الخلايا العصبية» (ومع ذلك، فهي لا تُشبه الخلايا العصبية البيولوجية). ويُستخدَم العديد من الخلايا العصبية المُترابِطة. يُستخدَم هذا النهج وهذه التكنولوجيا كثيرًا في «تعلُّم الآلة» (انظر الفصل التالي)، والذي يُطلق عليه بعد ذلك «التعلُّم العميق» إذا كانت الشبكات العصبية تتكوَّن من عدة طبقاتٍ من الخلايا العصبية. وتُعتبَر بعض الأنظمة هجينة؛ على سبيل المثال، يُعتبَر «ألفا جو» الذي طوَّرَته شركة «ديب مايند» نظامًا هجينًا. وقد أدَّى التعلُّم العميق إلى حدوث تطوُّر في مجالات مثل رؤية الآلة ومُعالجة اللغة الطبيعية. ويمكن أن يكون تعلُّم الآلة الذي يَستخدِم شبكة مُحايدة بمنزلة «صندوق أسود»؛ بمعنى أنه في حين أن المُبرمِجين يعرفون تصميم الشبكة، فإنه ليس واضحًا للآخرين ماذا يحدث بالضبط في طبقاتها الوسيطة (بين المدخلات والمخرجات) وبالتالي كيف تتَّخِذ قرارًا. وهذا عكس ما يحدُث في الهيكل الشجري لاتخاذ القرار، الذي يكون واضحًا وقابلًا للتفسير، ومن ثَم يمكن فحصُه وتقييمه من قِبل البشر.

ثمَّة نموذج مُهم آخَر في مجال الذكاء الاصطناعي وهو ذلك الذي يَستخدِم مناهج أكثر تجسيديةً وأكثر اعتمادًا على المواقف، مركزًا على التفاعُل والمهام الحركية بدلًا مما نُطلق عليه المهام المعرفية العُليا. والروبوتات التي صنعها باحثون في مجال الذكاء الاصطناعي مثل رودني بروكس من «إم آي تي» لا تحلُّ المشكلات باستخدام تمثيلاتٍ رمزية ولكن عن طريق التفاعُل مع البيئة المُحيطة. على سبيل المثال، صُمِّمَ الروبوت «كوج» الشبيه بالبشر، الذي تمَّ تطويره في التسعينيات من القرن العشرين، بحيث يتعلَّم من خلال التفاعل مع العالم، كما يفعل الأطفال. وعلاوةً على ذلك، يعتقد بعض الأشخاص أن العقل يمكن أن ينشأ فقط من الحياة؛ وبالتالي، لإنشاء الذكاء الاصطناعي، يجب أن نُحاول إنشاء حياةٍ اصطناعية. ويتبع بعض المهندسين نهجًا أقلَّ مِيتافيزيقية وأكثر عملية؛ إذ يأخذون الأحياء نموذجًا لتطوير تطبيقاتٍ تكنولوجية عملية. وهناك أيضًا آلات تطوُّرية مزودة بالذكاء الاصطناعي تستطيع أن تتطوَّر. ويمكن لبعض البرامج، باستخدام ما يُسمَّى بخوارزميات الوراثة، تغيير نفسها.

هذا التنوُّع في مناهج الذكاء الاصطناعي ووظائفه يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي اليوم له العديد من المجالات الفرعية: تعلُّم الآلة، ورؤية الكمبيوتر، ومعالجة اللغة الطبيعية، والأنظمة الخبيرة، والحوسبة التطوُّرية، وهلمَّ جرًّا. وغالبًا ما يكون التركيز اليوم على تعلُّم الآلة، ولكن هذا ليس سوى مجالٍ واحد من مجالات الذكاء الاصطناعي، حتى وإن كانت هذه المجالات الأخرى مُتصلةً غالبًا بتعلُّم الآلة. وقد تم تحقيق تطورات هائلة مؤخرًا في رؤية الكمبيوتر ومعالجة اللغة الطبيعية وتحليل البيانات الضخمة عن طريق تعلُّم الآلة. على سبيل المثال، يمكن استخدام تعلُّم الآلة لمعالجة اللغة الطبيعية استنادًا إلى تحليل الكلام والمصادر المكتوبة مثل النصوص الموجودة على الإنترنت. وقد أثمر هذا العمل عن إنشاء أجهزة المحادثة الحديثة. مثال آخَر هو التعرُّف على الوجوه استنادًا إلى رؤية الكمبيوتر والتعلُّم العميق، ويمكن استخدامه، على سبيل المثال، في مجال المراقبة.

التطبيقات والتأثير

يمكن تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجالاتٍ مختلفة (لها تطبيقات متنوعة)، تتراوح ما بين التصنيع والزراعة والنقل، والرعاية الصحية والتمويل والتسويق والجنس والترفيه والتعليم ووسائل التواصُل الاجتماعي. في مجال البيع بالتجزئة والتسويق، تُستخدَم أنظمة التوصية للتأثير في قرارات الشراء ولتقديم إعلاناتٍ مستهدفة. أما في مجال وسائل التواصُل الاجتماعي، يمكن أن يشغَل الذكاء الاصطناعي الروبوتات: وهي عبارة عن حساباتِ مُستخدمين تظهر على أنها أشخاصٌ حقيقيون ولكنها في الواقع برامج. ويُمكن لمِثل هذه الروبوتات أن تنشر محتوًى سياسيًّا أو تُجري دردشةً مع مُستخدِمين من البشر. وفي مجال الرعاية الصحية، يُستخدَم الذكاء الاصطناعي لتحليل بياناتٍ من ملايين المرضى. وما زالت الأنظمة الخبيرة تُستخدَم أيضًا في هذا المجال. في مجال التمويل، يُستخدَم الذكاء الاصطناعي لتحليل مجموعاتٍ ضخمة من البيانات لتحليل السوق وأتْمَتَةِ التعامُلات المالية. وغالبًا ما يتم تضمين نوع من الذكاء الاصطناعي في الروبوتات المُصمَّمة لتكون مرافقًا للإنسان. والطيار الآلي والسيارات ذاتية القيادة تستخدم الذكاء الاصطناعي. ويمكن لأصحاب العمل استخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة الموظفين. كما أن ألعاب الفيديو تحتوي على شخصياتٍ مدعومة بالذكاء الاصطناعي. وتستطيع الآلات المزوَّدة بالذكاء الاصطناعي تأليف المُوسيقى أو كتابة مقالات الأخبار. كما تستطيع تقليدَ أصوات الأشخاص وحتى إنشاء مقاطع فيديو مُزيفة لخطابات.

نظرًا إلى تنوُّع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من المُرجَّح أن يكون له تأثير واسع النطاق، سواء اليوم أو في المُستقبل القريب. فإذا فكَّرْنا مثلًا في الشرطة التنبُّؤية وإمكانية التعرُّف على الكلام، اللذَين يخلقان إمكانيات جديدة للأمان والمراقبة، ووسائل النقل بين الأفراد والسيارات ذاتية القيادة التي يُمكن أن تُحدِث تحوُّلًا في مدنٍ بأكملها، والتداول الخوارزمي العالي التردُّد الذي يُشكِّل بالفعل الأسواق المالية، أو التطبيقات التشخيصية في القطاع الطبي التي تؤثر في اتخاذ القرارات السليمة. يجب أيضًا ألا ننسى العلوم كأحد المجالات الرئيسية التي تأثَّرَت إلى حدٍّ كبير بالذكاء الاصطناعي: عن طريق تحليل مجموعاتٍ ضخمة من البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة العلماء في اكتشاف ارتباطات لم يكونوا ليُدركوها لولاه. وهذا ينطبق على العلوم الطبيعية مثل الفيزياء، ولكن أيضًا على العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية. ومن المُؤكَّد أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم الإنسانية الرقمية الناشئ، على سبيل المثال، عن طريق تعليمنا المزيد عن البشر وعن المُجتمعات البشرية.

يؤثر الذكاء الاصطناعي أيضًا على العلاقات الاجتماعية، كما أن له تأثيرًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا وبيئيًّا أوسع (Jansen et al. 2018). ومن المُرجَّح أن يشكل الذكاء الاصطناعي التفاعلات البشرية ويؤثر على الخصوصية. ويُقال إنه قد يزيد من التحيُّز والتمييز. ومن المتوقَّع أن يؤدي إلى فقدان الوظائف وربما إلى إحداث تحوُّلٍ اقتصادي كامل. فمن المُمكن أن يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء وبين أصحاب النفوذ والمُستضعَفين، معجلًا الظلم والتفاوت الاجتماعي. أما التطبيقات العسكرية، فقد تُغيِّر الطريقة التي يتم بها تنفيذ الحروب، على سبيل المثال، عند استخدام الأسلحة القاتلة ذاتية التشغيل. كذلك يجِب أن نأخُذ في اعتبارنا التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي، والذي يشمل زيادة استهلاك الطاقة والتلوُّث. وسوف أُناقش لاحقًا بعض الآثار الأخلاقية والاجتماعية بمزيدٍ من التفصيل، مركزًا على مشكلات الذكاء الاصطناعي ومَخاطره. ولكن يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي أيضًا آثار إيجابية؛ على سبيل المثال، يمكن أن يخلق مُجتمعات جديدة عن طريق وسائل التواصُل الاجتماعي، ويُقلِّل المهام المتكرِّرة والخطيرة عن طريق تكليف الروبوتات بها، ويُحسِّن سلاسل الإمداد، ويُقلِّل استهلاك المياه، وهكذا.

فيما يتعلَّق بالتأثير — إيجابي أو سلبي — يجب ألا نسأل فقط عن طبيعة التأثير ومداه؛ بل أن نسأل أيضًا «مَن» هم المتأثرون وكيف سيتأثَّرون. قد يكون التأثير أكثر إيجابية بالنسبة إلى البعض منه بالنسبة إلى الآخَرين. فهناك العديد من الأطراف المَعنية، بدءًا من العمال والمرضى والمُستهلكين، إلى الحكومات والمُستثمرين والشركات، وجميعهم قد يتأثرون بطرُق مختلفة. وتنشأ هذه الاختلافات في المكاسب والخسائر من تأثيرات الذكاء الاصطناعي ليس فقط داخل البلدان ولكن أيضًا بين البلدان وأجزاء العالَم. فهل سيعود الذكاء الاصطناعي بالنَّفع على البلدان المتقدِّمة والمُتطورة في المقام الأول؟ وهل من المُمكن أن يكون مفيدًا أيضًا للأشخاص ذوي التعليم المُنخفِض والدخل المُنخفض، على سبيل المثال؟ مَن ستكون لدَيه القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا ويكون قادرًا على جنْي فوائدها؟ مَن سيتمكن من تمكين نفسه باستخدام الذكاء الاصطناعي؟ ومَن سيكون مُستبعدًا من هذه الفوائد؟

مَن ستكون لدَيه القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا ويكون قادرًا على جني فوائدها؟ مَن سيتمكَّن من تمكين نفسه باستخدام الذكاء الاصطناعي؟ ومَن سيكون مُستبعدًا من هذه الفوائد؟

الذكاء الاصطناعي ليس التكنولوجيا الرقمية الوحيدة التي تُثير مثل هذه الأسئلة. فهناك تقنيات رقمية أخرى خاصة بالمعلومات والاتصالات، وهي أيضًا تؤثر تأثيرًا كبيرًا على حياتنا ومُجتمعاتنا. وكما سنرى، بعض المشكلات الأخلاقية التي يُثيرها الذكاء الاصطناعي ليست حكرًا على الذكاء الاصطناعي وحدَه. على سبيل المثال، هناك مشكلات موازية في تكنولوجيا الأجهزة الذاتية التشغيل. تذكَّر مثلًا الروبوتات الصناعية التي تمَّت برمجتها ولا تُعتبَر ذكاءً اصطناعيًّا، ولكنها لا تزال لها تأثيرات اجتماعية عندما تؤدي إلى البطالة. وبعض مشكلات الذكاء الاصطناعي مُرتبطة بالتقنيات التي يتَّصِل بها الذكاء الاصطناعي، مثل وسائل التواصُل الاجتماعي والإنترنت، التي تُواجهنا بتحدياتٍ جديدة عندما يتم دمجُها مع الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، عندما تستخدم منصَّات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» الذكاء الاصطناعي لتعرِف المزيد عن مُستخدميها، فإن هذا يُثير مخاوف تتعلَّق بالخصوصية.

هذا الاتصال مع التقنيات الأخرى يعني أيضًا أن الذكاء الاصطناعي يكون غير ملحوظٍ في كثير من الأحيان. ويرجع هذا في المقام الأول إلى كونه أصبح بالفعل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. فالذكاء الاصطناعي كثيرًا ما يُستخدَم في تطبيقات جديدة ومذهلة مثل «ألفا جو». ولكننا يجِب ألا ننسى الذكاء الاصطناعي الذي يشغل بالفعل منصَّات التواصُل الاجتماعي، ومُحركات البحث، وغيرها من الوسائط والتقنيات التي أضحت جزءًا من تجربتنا اليومية. إن الذكاء الاصطناعي مُتوغِّل في كل شيء. ويمكن أن يكون الفارق بين الذكاء الاصطناعي الفعلي وأشكالٍ أُخرى من التكنولوجيا غامضًا، ممَّا يجعل الذكاء الاصطناعي غير مرئي: إذا تم تضمين أنظمة الذكاء الاصطناعي في التكنولوجيا، فإننا عادةً لا نُلاحظها. وإذا كنا نعرِف بالفعل أنه مُضمَّن، فإنه من الصعب أن نقول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي هو الذي يُسبِّب المشكلة أو التأثير، أو إذا كانت التكنولوجيا الأخرى المُتَّصلة به هي المسئولة عن ذلك. بعبارة أخرى، لا يوجد «ذكاء اصطناعي» في حدِّ ذاته: فالذكاء الاصطناعي يعتمد دائمًا على تقنيات أُخرى ويتم تضمينه في مُمارسات وإجراءات علمية وتكنولوجية أوسع. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي أيضًا يُثير مشكلاتٍ أخلاقية خاصة به، فإن «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» تحتاج إلى أن تكون مُرتبطة بالأخلاقيات العامة للمعلومات الرقمية وتكنولوجيا الاتصالات، وأخلاقيات الكمبيوتر، وما إلى ذلك.

يجب ألا ننسى الذكاء الاصطناعي الذي يشغل بالفعل منصَّات التواصل الاجتماعي، ومُحركات البحث، وغيرها من الوسائط والتقنيات التي أضحت جزءًا من تجربتنا اليومية. إن الذكاء الاصطناعي مُتوغِّل في كلِّ شيء.

ثمَّة منطق آخَر يؤكد أنه لا يوجد شيء يُعرف باسم الذكاء الاصطناعي في حدِّ ذاته، وهو أن التكنولوجيا أيضًا دائمًا ما تكون اجتماعيةً وإنسانية: فالذكاء الاصطناعي لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا ولكن أيضًا بما يفعله البشر بها، وكيف يستخدمونها، وكيف يُدركونها ويعيشونها، وكيف يُضمِّنونها في بيئاتٍ اجتماعية وتقنية أوسع. وهذا أمر مُهم للأخلاقيات — التي تتعلق أيضًا بقرارات الإنسان — ويعني أيضًا أنه يجب تضمين منظورٍ تاريخي واجتماعي ثقافي. الضجة الإعلامية المثارة حاليًّا حول الذكاء الاصطناعي ليست الضجَّة الأولى التي تُثار حول التقنيات المتقدمة. قبل الذكاء الاصطناعي، كانت «الروبوتات» أو «الآلات» هي الكلمات الرئيسية. كما شهدت تقنيات مُتقدمة أخرى مثل التكنولوجيا النووية، وتكنولوجيا النانو، والإنترنت، والتكنولوجيا الحيوية الكثير من الجدل. ومن المُفيد أن نضع ذلك في اعتبارنا خلال مناقشاتنا حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ ربما يُمكننا أن نستفيد من هذه النقاشات والجدالات. إن استخدام التكنولوجيا وتطويرها يحدث في سياق اجتماعي. وكما يعلَم الأشخاص المُهتمون بتقييم التكنولوجيا، عندما تكون التكنولوجيا جديدة، يميل الناس إلى أن يُثيروا حولها الكثير من الجدل، ولكن بمجرد أن تُصبح جزءًا من الحياة اليومية، تنخفِض الضجة المُثارة حولها والجدل بشأنها بشكلٍ كبير. ومن المُرجح أن يحدث هذا أيضًا مع الذكاء الاصطناعي. وفي حين أن مثل هذا التوقُّع ليس سببًا وجيهًا لترك مُهمة تقييم الجوانب الأخلاقية والعواقب الاجتماعية للذكاء الاصطناعي، فإنه يُساعدنا في رؤية الذكاء الاصطناعي في سياقه، ومن ثَمَّ يساعدنا في فهمِه على نحوٍ أفضل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤