التطوُّر النسائيُّ
نعم! هو آت لا ريب فيه، ذلك اليوم السعيد الذي ينظر فيه العالم إلى الدمى المزخرفة كما إلى أدوات لا مكان لها في الإنسانية الجديدة، الإنسانية العاملة، الإنسانية المدركة أن لا نصيب في عشائها السري لمن لا يعمل.
وإنني بسرور أنقل شهادة مجلة «الألستراسيون» بالتطور الجديد الناشئ في باريز، تلك المدينة التي يسمونها مدينة الأزياء، والتي نُتَّهم بأخذنا عنها كل قبيح. لنردَّ ادعاءهم مرةً ونأخذ عنها المليح …
لقد جرى في الأزمنة الأخيرة اهتمام جديٌّ بالنساء الجميلات جدًّا، على أن رصيفنا صاحب جريدة «الإيكوده باري» أظهر لنا فكرة جميلة، ظهرت غريبة في بابها بسبب الأفكار العصرية السائدة. أما فكرته فهي تعريف الناس بفواضل الفتيات، وانتخاب عشرين منهنَّ من بين مئات المرشحات. وقد قامت بهذا الانتخاب جمعية يرأسها الجنرال كاستنلو.
وإننا نخطئ إلى الحق إذا نحن أنكرنا التأثير الجميل الذي ساد على القراء في فرنسا وفي الخارج يوم أخذت الجريدة بنشر حكايات الفتيات، ووصف جهادهنَّ وبؤسهنَّ. أما التصويت العام الذي اشترك فيه خمسة وخمسون ألف قارئ، فقد كانت نتيجته أن الآنسة هنريت ساجه نالت الأسبقية بحصولها على اثني عشر ألف صوت.
وحياة هذه الآنسة مثال مؤثر للتضحية والعمل والنشاط النفسي: فقدت أمها في السادسة عشرة من عمرها، وبينما كانت تكمل دروسها كانت تعتني بالبيت، وفيه جدَّة عجوز وستة أطفال صغار كلهم مرضى؛ لتحدرهم من أبوين مريضين. في السابعة عشرة من عمرها بدأت تعمل خارج البيت براتب زهيد، ثم توفي والدها، فإذا بها ربة البيت، وبين يديها حياة سبعة أنفار، وبنشاط عجيب جاهدت ليلًا نهارًا، واحتملت ويلات المرض الذي انقضَّ على بيتها فذهب بأختها ولازم سائر الأطفال زمنًا. وأخيرًا وجدت مركزًا موافقًا وفازت من أرباب العمل بعطف ورأفة، وزارها مؤخرًا مدير جريدة «الإيكوده باري»؛ ليبشرها أنها نالت لقب أفضل فتاة في فرنسا بأكثرية مؤلفة من ٢٥٠٠ صوت مع جائزة قدرها ٤٥ ألف فرنك؛ أي ٢٢٥٠ ليرة سورية؛ لتستعين بها على إعاشة ذويها، أما التسع عشرة فتاة الباقيات، وبينهن الآنسة لاردي فقد نالت كل منهنَّ جائزة.
وإذا كان مدير «الإيكوده باري» لم يتمكن من تعريفنا بكل فواضل الفتيات، فهو على الأقل قد بدأ عملًا شريفًا وعادلًا وكثيرون سيسيرون على خطته، وها إن لجنة الأعياد في باريز قد قررت أن جائزة «ملكة الربيع» التي تعطى في كل سنة إلى أجمل فتاة لن تعطى من الآن وصاعدًا إلا إلى أفضل عاملة، وأسراب العاملات اللائي لقبن «بالنحلات» سينتخبن من بينهن «ملكة النحل».
لتحيَ النحلات العاملات! ليحيَ العمل الشريف الذي تحنى له الرءوس! وليحيَ ابن الوطن الذي يتبرع لنحلات الوطن بأول جائزة من جوائز الفضيلة!