ما نرى وما نسمع
نسمع همسًا ولغطًا وصريرًا، بل صراخًا وعويلًا، نسمع الشتائم واللعنات حتى، ولقد سمعت كلامًا بذيئًا، فقلت في نفسي: سيبقى الشرق شرقًا حتى يتدرج ويتطور ويتقلب في كل الظروف التي جعلت الغرب غربًا.
قال لي أحدهم: ما هو مذهبك يا سيدتي، ومن تحبين من دول الغرب؟
قلت: إن ديني دين العقلاء، والعقلاء لا يبوحون بدينهم، وأما من جهة المحبة، فأنا يا سيدي أحب أولًا نفسي، ونفسي قبل كل شيء شرقية، ثم إنني أجلُّ وأكرم كل الشعوب الحية الراقية.
ثم قال لي: هل علمت أن سوريا ستنال استقلالها، وأن مبادئ ولسن ستكتب بأحرف من نور، وأننا سنحيا بعد الآن حياة طيبة؟
أجبته — وكنت إذ ذاك متشائمة: أعلم شيئًا واحدًا؛ وهو أن الغرب قويٌّ، والشرق ضعيف، وأن كلمة الاستعمار كلمة تكتب اليوم بأحرف من ذهب على صفيحة من فضة ضمن إطار من الجواهر، ولكن الاستعمار يعني الاستعمار، وأن ما قُدِّر فهو كائن. وهذا القدر يخطه اليوم مؤتمر الحلفاء الذي يأمر بأمر الله، الذي — جل جلاله — الذي جعل الحق للقوة.
أما اليوم وقد تعدَّل تشاؤمي وداخله شيء من التفاؤل، فلا بأس من كلمة صغيرة أدسَّها بين جمهور الصارخين وقد قيل مرارًا: إن صوت النساء من صوت الله، وأنا صدَّقت، والذنب ليس ذنبي.
قال سبنسر ما معناه: إن مبادئ الاشتراكية لا يمكن تطبيقها عمليًّا، ولكن وجودها لازم؛ فهي لجام تضعه الأكثرية في فم الأقلية؛ أي العمال، في أفواه أصحاب الأعمال. هذا اللجام يشتد قليلًا كما أعمى البطر المحتكرين والمتمولين، فتُحْفظ بذلك الموازنة الطبيعية اللازمة، فاللجام الذي بيدنا — نحن الشعوب الضعيفة — نحن الأكثرية، نحن العمال، الذين نحيك بدماء قلوبنا ثوب أوروبا الاقتصادي، اللجام الذي وضعته الظروف في يدنا هو صوتنا نرسله من هنا صراخًا فيصل إلى المؤتمر همسًا. وهذا الصراخ لا يجب أن يصل إلى آذان من يلزم لغطًا مشوشًا، بل نغمة واحدة تضرب على وتر واحد.
إن اللجام الذي في يد الأكثرية اليوم لا يجب أن يُرخى فتضيع الفرصة، ولا يجب أن يُشدَّ فتغضب أوروبا القوية صاحبة العز والملكوت والجبروت، وترفسنا رفسة ترمينا خمسين سنة في زاوية من زوايا السياسة.
يا قوم، قد اتفقتم على الاستقلال فاتفقوا على سنِّ بروغرام معتدل.
إن أوروبا اليوم مع كل احترامها لنخبة رجالنا الأفاضل تعرف حقيقة اجتماعية تجرحنا في أعماق قلوبنا، ولكنها حقيقة لا يعلو عليها حق؛ وهي أننا عشنا مئات السنين في الذل والخنوع، ولنا كل نقائض الشعوب الذليلة من سقم في الإرادة، وضعف في النفوس، وجبن في القلوب.
يا قوم، أخاف أن تطلب أحزابكم المختلفة ثلاث دول في آنٍ واحد، فينظر إلينا المؤتمر باحتقار ويقول: يا هؤلاء، يظهر أنكم اتفقتم على أن لا تتفقوا؛ ولهذا نحن سنتفق من أجلكم، ولا صوت لكم في هذا الاتفاق.
وإذا أسكت المؤتمر صوتنا اليوم قُضي علينا إلى أجل مجهول.
فاتفقوا قبل أن يتفق المؤتمر عنكم أو … عليكم، والسلام ورحمة الله.