قولوا لها لتقول لهم
هي: اللجنة بالطبع؛ لجنة الاستفتاء الأميركية.
وهم: زعماء السياسة.
قولوا لها كلبنانيين وبيروتيين، كشاميين وحلبيين، كعراقيين وحجازيين، كأناضوليين وفلسطينيين، قولوا لها ما تشاءون.
اطلبوا بلسانها، كمسلمين ونصارى، كدروز ونصيرية، كشيعيين وسنيين، كروم وموارنة وكاثوليك وسريان وأرمن وبروتستانت، إلى آخر ما ابتُلي به هذا الشرق من الطوائف، اطلبوا بلسانها الدولة أو الدول التي تريدون ولكن كشرقيين، قولوا لها لتقول لهم: إن هذا الشعب الضعيف الذي عليه تموِّهُون، إن هذا الشعب الضعيف اليوم سيقوى غدًا بفضل النفخة التي تنفخون، والأموال التي تنفقون، والدسائس التي تخلقون، والأحزاب التي توجدون! نعم، إن أحفاد هذا الشعب سيطالبونكم بالمبادئ الخلابة التي تَسنُّون!
قولوا لها لتقول لهم: إن أبناء الشرق سيطلبون في المستقبل — القادم عليكم بالخير — سيطلبون الحق صريحًا، والسياسة صريحة، والقوة صريحة … وإن هذه الألاعيب التي يتلهون بها هناك منذ عشرات السنين ربما تدهش في المستقبل زنوج أفريقيا. أما شبيبة هذه البلاد فقد فتحت عيونها وآذانها، وهي تقرأ وتكتب، بحمد الله؛ تقرأ التاريخ وفلسفته، والسياسة وتاريخها، ومنعطفاتها ودهاليزها، وسراديبها ولوالبها …
قوموا أمامها بحق الضيافة كما يليق نحو أمة كريمة نبيلة، فما نسينا ولن ننسى ما فعله أبناؤها معنا مدة الحرب. لا، لا ننسى الدكتور كراهام وقيامه وحده بمستشفى العصفورية مدة سنتين كاملتين، ولا المستر دودج الشاب وتسلقه تلال لبنان صعودًا ونزولًا، وإطعامه المئات من أطفال الشوف، ولا السيدة الكريمة التي أُوقفت في الدائرة جزاءً على الإحسان.
قولوا لها: إننا نعرف الجميل ولا ننسى …
ولكن! …
نظرة إلى هذه الأحزاب هنا وهناك وهنالك، نظرة إلى مبدعيها وموجديها، نظرة إلى ما يقال هنا وما يقال هناك، ونظرة مقابلة واستنتاج بين ما يجري هنا ويجري هنالك.
يا لله!
ألدرس أحوال البلاد هم قادمون؟
إنَّ سوريا، بطوائفها ومعابدها ومدارسها ومبشريها، سوريا بسهولها وجبالها ووديانها، بل بشجيراتها وأحجارها، سوريا مرسومة ليس على خرائط بل على أدمغة الساسة هناك، حتى أقدر أن أقول: إنها تنتقل من الآباء إلى الأبناء بالوراثة … قسموا الشرق إلى أشطر، ونحن أمة رضينا منذ مئات من السنين قسمة الجبار فينا، رضينا أن نكون جسرًا يعبر عليه الفاتحون شمالًا وجنوبًا، وشرقًا وغربًا، رضينا مرغمين بحق القوة وقوة الحق، ثم انتظرنا الحلفاء والفرج الذي يحملون.
فماذا جرى؟
جرت أعجوبة غريبة، تجمعنا ثم تفرقنا، ثم تَحزِمُنا ثم تحلُّنا، ثم ترمي بنا إلى الهواء أعوادًا تتبعثر هنا وهناك.
حالة نحن فيها كالخارج من حرب، الداخل في أحرَّ منها وأوجع.
قولوا لها لتقول لهم: كنا قبل أن تشب الحرب وفي خلالها قلبًا واحدًا، وميلًا واحدًا، وإرادة واحدة، لكن السلم ولد لنا حربًا خاصة، فمن ترى يقول لهم: لا أحد منهم يقبل الوصاية علينا. سبحانك ربي!
قولوا لها لتقول لهم: إنَّا فهمنا …
ولا بأس إذا ردَّدتم أننا نريد قوةً صريحةً، وقولًا صريحًا، وعملًا صريحًا إزاء هذه الحالة … وإننا وإن جُررنا اليوم في هذا التيار، فإن سماء الشرق الجديد تتلبد بغيوم ربما تعلِّم الغرب الصراحة قولًا وفكرًا وفعلًا. والمستقبل لله.
أما إذا كنتم لا تريدون أن تقولوا فقد قلت هنا عنكم، والسلام.