ويومها العصيب …
في يوم ممطر من الشتاء الماضي صعدت إلى الحافلة التي يسمونها الترام، شققت لي طريقًا بين الصدور والمناكب وعليها المشمعات تقطر ماء، فوصلت إلى مقعد جلس عليه ثلاث سيدات، إحداهنَّ آنسة كريمة تشتغل في إحدى الدوائر المحلية، وقفت حالمًا رأتني إلى جانب النافذة، وأشارت إليَّ أن أجلس في مكانها الصغير.
– أشكرك لستُ تعبة.
– أراك تتعبين من الوقوف في الترام، أما أنا فمنذ سنتين أقطع هذه المسافة أربع مرات في النهار، وكثيرًا ما أقطعها واقفة. اجلسي.
نزلت من الترام وأنا أفكر بكل الموظفين والتجار والطلبة الذين يدخلون الترام أربع مرات في النهار، فيُحشرون ويتذمرون ويظلون صابرين …
وجاء الصيف فذهبت إلى الأعالي، ويومًا جاءني شاب يقول: احمل نبأ أعرف أنه يسرك.
– هات.
– اعتصب الشعب على الترام.
وفتح أمامي الجرائد وفيها بخطوط عريضة تفاصيل الحركة الشعبية المباركة.
يا للحركة الهائلة في حلاوتها، الحلوة في هولها، كيف كانت تكهرب كياننا وتهزه هزًّا …
وكم ردَّدت في تلك الآونة قصيدة الريحاني المشهورة:
وقالوا: انتهت مشكلة الترام فخطر في بالي أن أجرب، فصعدت إلى تلك التي تسير على طريق الحرش، وصعد ورائي سربٌ كبير من النساء، وبما أننا أصبحنا متمدنين نهض الرجال — بارك الله في أصلهم — وأعطوا أماكنهم للسيدات، ثم إنهم — كدت أغلط وأقول: تفرقوا — انحشروا قرب السائق وبين المقاعد، وكان عددهم يزيد عن العشرين.
وجرت الحافلة، باسم الله مجراها، جرت بعنف وشدة، فاهتز الرجال في مواقفهم، ووقع بعض من كان بين المقاعد على اللواتي كنَّ عليها، وهنالك شيخ لطم رأسه بلوح الباب لطمة كادت تذهب برشاده … ووقف الترام فشققنا نحن السيدات طريقًا لرءوسنا وأكتافنا بين الرءوس وبين الأكتاف.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتُّ عن الكلام المباح.