إلى جامعة السيدات
إن في بيروت اليوم حركة نسائية مباركة، حركة يقصد منها السير في طريق التقدم، والتقدم في نظري هو الذي يأخذ بحياة الأمة من أربعة أطرافها، فيتناول الأخلاقيات، والعلميات، والعقليات، والاقتصاديات، ويوجد نقطة خامسة، ولعلها الوسط لا الزاوية، هذا الوسط يسمى السياسيات أو حياة الأمة السياسية …
ولكن الحكمة والمنطق والتعقل تقضي على النساء بعدم تناول السياسة. وهنا لا أتكلم عن السياسة بوجه العموم، فللنساء الأوروبيات فيها نظرية خاصة بهن نشأت من نفس أحوالهن، هذه النظرية تدفعهن إلى الدخول في الحياة السياسية؛ لأن فيها المناصب الكبيرة. وكبيرات النفوس في أوروبا يشتغلن للوصول إلى المناصب الكبيرة، لا لأجل التنفذ فيها؛ ولكن لأن منها تسن الشرائع والقوانين، ومنها تصدر مقدَّرات الأمة. والأمة يا سيداتي مجموع عائلات كثيرة، وفي هذه العائلات يوجد أناس غير الرجل الغني، الرجل التاجر، الرجل الوزير، الرجل السيد، يوجد أناس يدعون أرامل، وعمالًا، وعاملات، وأصحاب عاهات، ورقيقًا أبيض، وأيتامًا، وأطفالًا جنى عليهم السكر والفساد الفظيع، فدخلوا إلى هذا العالم لأجل العذاب، لأجل العذاب فقط يا سيدتي.
لأجل تحسين حالة هؤلاء طرقت سيدات الغرب أبواب السياسة. ولكن السياسة عندهم مرتكزة على قواعد معروفة، فهي في الأمة ومن الأمة.
وهي منذ مئات السنين تتطوَّر ضمن قاعدة النشوء والارتقاء اللازمة الملازمة للأمم.
إن سياسة الغربيين مبنية على التجربة والاختبار؛ سياسة شيوخ، سياسة بلدية وطنية.
أما سياسة هذه البلاد، فلا حنكة فيها ولا خبرة، وأحيانًا لا اعتقاد صحيح، ولا مذهب قويم، ولقد قلت: إن الحكمة والمنطق يقضيان على نسائنا بعدم المداخلة فيها، ليس لكونها سياسة، بل لكونها سياسة أوحال، والمرأة في نظري درة مكنونة لا يجوز طرحها في الأوحال.
•••
ولقد وجهت مقالي هذا إلى جامعة السيدات ولي أملٌ كبير بهذه الجامعة — حقق الله آمالي — وما قلته أعلاه لهن ليس بالجديد؛ فقد فهمن قبلي ضرر السياسة وفي قانونهن بند يقول: إن الجامعة تسعى لرفع المرأة وتحسين حال العائلة.
أما الذي أقوله الآن فهو هذا: النساء هنَّ نصف العالم، وعليهن نصف العمل، ولقد تألفت قبل الآن جمعيات كثيرة في بلادنا، ورأينا عدم فائدة أكثرها، وقلة فائدة بعضها.
ذلك لأن أعمالنا تقوم بالكلام، والكلام لا تقوم به الأمم. منذ عشر سنوات ونحن نحضر الحفلات الخطابية، ونسمع القصائد، فلم نتقدم كثيرًا في طريق التجدُّد الفعلي. فعلى الجامعة الآن أن تأتينا بالأعمال السريعة لنشعر بالتحسين السريع، ولا يمكن للجامعة أن تأتي بالأعمال بدون أن تكون قوية الجانب، مسموعة الكلمة، فلا قوة للجامعة بدون المال، ولا كلمة مسموعة لها إلا إذا انتشرت غايتها في كل حيٍّ من أحياء المدينة.
أفهم بلفظة الجامعة حلقة قوية تضم السيدات في بيروت، أو نقابات تمثل سيدات بيروت، وأودُّ لو وجد في جامعة السيدات لجنة خاصة قوامها أعضاء من كل الجمعيات النسائية والمدارس النسائية في بيروت، كجمعية زهرة الإحسان، وجمعيات السل، وجمعية مستشفى القديس جاورجيوس، وجمعية الأعمال الخيرية للفتيات المسلمات، ومدرسة تهذيب الفتاة، والمدرسة السورية الأهلية إلخ.
لو وجدت هذه اللجنة التي هي عبارة عن نقابات نسائية قوية لقوي شأن الجامعة وشأن النساء في بيروت، وقدرن في وقت قصير أن يعملن أعمالًا كثيرة تعود بالخير على الأمة.
وربما يقول البعض: وماذا تفعل نقابات النساء؟ فأجيب: إن هذه النقابات تمثل عددًا عظيمًا من نساء البلد، وللكثرة تأثير لا يمكن أن يناله الفرد، فيمكن للجنة النقابات — مثلًا — أن تدرس مدة من الزمن نظامات التعليم في مدارس بيروت كلها، وترفع بعد درسها تقريرًا لمن بيدهم الحلُّ والربط، فتبين وجه الخطأ في نظام، ووجه الصواب في غيره.
ويمكن للنساء أن يهتممن بأمور الصحة، فيدرسنها درسًا وافيًا، وينشرن النشرات الأسبوعية أو الشهرية، ويرفعن التقارير إلى البلدية وإلى مديرية الصحة. وهذه المراجع تعرف معنى تعب السيدات وتعير كلامهن التفاتًا، وكلام السيدات أفعل من كل ما تكتبه الجرائد.
وكذلك يمكنهن أيضًا أن يهتممن بهمَّل الأيتام، وبصغار المتشردين، فرجال الحكومة لا يردون طلب السيدات إذا هنَّ أبدين رغبتهنَّ بإيجاد محلات جديدة للصغار وإصلاح المحلات القديمة.
إن أسباب التسلية والرياضة للأولاد مفقودة تمامًا، ففي أوروبا يذهب الولد مرة في الأسبوع إلى محل السينماتوغراف، فيرى على الستار صور وقائع وأمور تاريخية لو أراد أن يتعلمها في كتاب لقضى شهرين في درسها. فلو طلبت عائلة واحدة من العيال البيروتية إلى إدارة السينما أن تستجلب لها الصور التاريخية لأجل تسلية الأولاد لما أجابت الإدارة لها طلبًا، ولكن إذا رُفع تقرير إلى تلك الإدارة مُوقَّعًا من عشرين جمعية نسائية لبادرت الإدارة حالًا وأحضرت صورًا خصوصية للأولاد فيها التسلية والأدب والفائدة.
وأي شيء لا يعملنه سيداتي الناهضات لو قصدنَ إليه؟ إن صوت المرأة من صوت الله، وما تريده المرأة يريده الله، فإلى الأمام يا سيدتي في توسيع الجامعة وتوسيع غايتها — حفظكنَّ الله.