من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١) العرض: الجزئي والكلي – النسقي – الأدبي
«كما يَقبل الله الثورةَ على الأنبياء ونقدَهم احترامًا لاختيار الإنسان الحر وتصديقًا للنبي، كما أوحى الله لبعض الأنبياء وحدةَ الدِّين والعقل والعلم؛ أي الوحي والعقل والطبيعة. واختيار العقل وحده يَرفع الدِّين والعلم، ويكون بلا وحيٍ وبلا طبيعة، بلا ضَمان وبلا موضوع.»
انتهَت مرحلة الترجمة وما فيها من شرحٍ وتلخيصٍ وجمع، وبدأ العالَم الإسلامي في محاوَلةِ استيعابِ ما نقَله إلى اللغة العربية، وهي المرحلة التي أطلق عليها الدكتور «حسن حنفي» «مرحلة التحوُّل»، وتبدأ ﺑ «العرض». يُمكِن التمييز بين ثلاثة أنواع من «العرض»: النوع الأول يُسمَّى «العرض الكلي والجزئي» للأفكار الفلسفية الوافدة؛ حيث يعرض الفيلسوف ما استوعبه في ثلاثِ مراحلَ تصاعُدية، تبدأ بتناولِه أحدَ المواضيع الفلسفية لإيضاح الغرض منه، ثم يَنتقل إلى العرض الكُلي لمذهب أحد الفلاسفة، وأخيرًا ينتهي بالتوفيق بين مذهبَين كمذهبَي «أرسطو» و«أفلاطون» مثلًا. أما النوع الثاني فهو «العرض النسقي» الذي اتَّجه فيه العقل الإسلامي إلى تأليف الوافد، كما فعل «إخوان الصفا» و«ابن سينا». ويُقابله النوعُ الثالث المسمَّى ﺑ «العرض الأدبي» الذي يَعمد فيه الفيلسوف إلى عرض الفلسفة بأسلوبٍ أدبيٍّ في مُحاوَرات أدبية، مثلما فعل «أبو حيان» و«ابن مسكوَيه» وغيرهما.
تُمثِّل سلسلة «من النقل إلى الإبداع» المرحلةَ الثانية من المشروع الفكري الضخم للدكتور «حسن حنفي» المُعنون ﺑ «التراث والتجديد». وتشمل هذه السلسلة ثلاثةَ عناوين كُبرى، يضم كلٌّ منها ثلاثةً أخرى فرعية؛ الأول «النقل» ويحوي «التدوين» و«النص» و«الشرح»؛ والثاني «التحوُّل» ويحوي «العرض» و«التأليف» و«التراكم»؛ والثالث «الإبداع» ويحوي «تكوين الحكمة» و«الحكمة النظرية» و«الحكمة العملية».