نيويورك … وقنابل!
كان زحامُ المرور على أشدِّه في قلبِ حيِّ «مانهاتن» بنيويورك … برغم الوقت المتأخر، فقد كانت الساعة تُشير إلى التاسعة، وكانت الأمطار قد أرغمَت الكثيرَ من الناس باللجوء إلى أقرب مكان للاحتماء به.
وأسفل إحدى بنايات ناطحات السحاب في أطراف الشارع الواحد والأربعين، كان هناك صفٌّ كبير من السيارات الفارهة قد ارتصَّت بجانب الرصيف. بعد أن ضاق بها «الجراج» الواقع أسفل البناية الضخمة التي تعدَّت الثمانين طابقًا، والتي ظهرَت بواجهتها الزجاجية من كلِّ الجهات، كما لو كانت ماردًا خرافيًّا يعكس الأضواء الصناعية المبهرة.
كان من اليسير على كلِّ مَن يقترب من السيارات الفاخرة أن يلاحظَ الوجوه القمحية أو السمراء، وأن يلتقطَ ما يدل على هوية أصحابها من كلماتهم العربية المميزة، وهم يدلفون إلى قلب المصاعد الضخمة التي راحَت تشقُّ طريقَها لأعلى في سرعة وصمت.
وفي الطابق السابع والسبعين كان ثمة حفلٌ قد ضاق بعدد مدعويه … وقد تناثروا في كل أركان الشقة الواسعة الفاخرة التي تدل على ثراء صاحبها كرجل أعمال يمتلك الملايين … وكان كلُّ الحاضرين أيضًا من رجال الأعمال، وأغلبهم من العرب، ببِذْلاتهم الأنيقة ونظراتهم الذكية النفاذة … أما النساء فكانت حليهن الماسية وأقراطهن تدل على أنَّهن من تلك الطبقة التي يُطلق عليها الأمريكيون … طبقة «الهاي سوسيتي» … أو المجتمع الراقي.
عندما ظهر «كريم الجبروني» في مدخل المكان، تعالَى التصفيق الحاد … واندفع البعض لمعانقة رجل الأعمال المصري في تهنئة حارة.
وجاءَت التعليقات متناثرة تدل على بهجةٍ لا مثيلَ لها، وقال أحدهم: كانت صفقة ممتازة تلك التي انتهَت بشراء «كريم» لناطحة السحاب مقابل مبلغ مائة مليون دولار فقط!
وقال آخر مبتهجًا: الآن صار رجال الأعمال المصريين يملكون أكثرَ من عشر ناطحات سحاب في «نيويورك» وحدها.
وأضاف ثالث: ولكن المنافسة كانت شديدة … ولولا براعة «كريم الجبروني» في إدارتها لصالحه في النهاية، لخسر تلك الصفقة لحساب المنافسين.
انفجر رابع ضاحكًا، وهو يقول: إنني أعتقد أنَّه خلال سنوات قليلة سيتحول قلب «مانهاتن» إلى قلب نابض باللغة العربية!
أقبل السقاة يحملون كئوس العصائر والشطائر، على حين انهمك الحاضرون في الحديث عن صفقات أخرى تالية.
ألقى «كريم الجبروني» نظرةً إلى ساعة يده ثم ابتسم … وفي نفس اللحظة كانت إحدى سيارات محال الحلويات الشهيرة تتوقَّف أسفل ناطحة السحاب، ويغادرها أربعة عمال يحملون فوق أيديهم علبة ضخمة يَصِل ارتفاعُها إلى مترين، وقد حملوها في حرصٍ زائد؛ حيث استقبلهم سكرتير «كريم» الخاص واثنان من حرسِه الشخصي. وقفزَت من مقعد القيادة شقراءُ ذات شعر ذهبي قصير وعينَين زرقاوين فاتنتَين، ومدَّت دفترًا إلى سكرتير رجل الأعمال المصري قائلةً: لعل يمكنك التوقيع باستلام البضاعة.
فأجابها السكرتير باسمًا: سأفعل بالطبع.
وبعد التوقيع، اصطحب عمال محل الحلويات إلى مصعد خاص … على حين رمقَته الشقراء الفاتنة بنظرة طويلة غامضة … تفوح منها رائحةُ الخطر.
وعندما أقبل العمال وهم يحملون ذلك الصندوق الكبير من الورق المقوَّى في مدخل شقة رجل الأعمال، هتف باسمًا: ها هي المفاجأة الكبيرة.
فترقب الحاضرون في صمتٍ وترقُّبٍ الصندوقَ الكبير يأخذ مكانَه فوق مائدة عريضة، وأزاح «كريم الجبروني» الورقَ المقوَّى، فظهر بالداخل «تورتة» ضخمة على شكل ناطحة سحاب من ثمانين طابقًا …
كانت التورتة تمثِّل ناطحةَ السحاب التي نجح رجلُ الأعمال المصري في الفوز بها منذ ساعات قليلة … وتعالَت صيحاتُ الإعجاب لمنظر التورتة الفريدة، والتقط «كريم الجبروني» سكينًا طويلة للتورتة واقترب منها … ورمَق الحاضرين بابتسامةٍ واسعة، ثم شرع في شقِّ التورتة الضخمة إلى نصفين.
ولكن ما إنْ لامسَ نصلُ السكين قلبَ التورتة، حتى انفجرَت في دويٍّ هائلٍ وأحالَت المكانَ إلى جحيمٍ مختلط بماء الضحايا.
كان الانفجارُ شديدَ القوة حيث سَمِعه القاطنون على مسافة عدة كيلومترات بعيدة …
وسيارة محل الحلوى تشقُّ طريقَها في قلب المرور المزدحم … وسائقتها الشقراء قد تلاعبَت فوق شفتَيها ابتسامةٌ قاسية إلى أقصى حدٍّ …