سؤال بلا إجابة!
كان استدعاء رقم «صفر» عاجلًا … لدرجة أنَّ «إلهام» لم تُكمل إفطارَها لتتمكن من تلبية النداء فورًا … وأدهشها أنَّ الوحيدة التي خطَت إلى داخل قاعة الاجتماعات معها … كانت «زبيدة» فقط. ترامقت «إلهام» و«زبيدة» لحظة، ثم أخذَت كلٌّ منهما مكانَها في مقعدَين متجاورَين، على حين ظل مكان رقم «صفر» خاليًا …
التفتَت «إلهام» إلى «زبيدة» قائلة: يبدو أنَّها مهمتُنا وحدنا …
زبيدة: إنَّ هذا يجعلني أخمِّن بأنَّ المهمة القادمة ستكون مهمةً نسائية … وجاء صوت رقم «صفر» من مكانٍ ما يجيب قائلًا: هذا صحيح يا «زبيدة» … فالهدف هذه المرَّة هي امرأة خطرة … لدرجة أنَّهم يسمونها المرأة «الجهنمية».
ران صمتٌ عميق بعد كلمات رقم «صفر»، الذي كان مكانُه لا يزال خاليًا … وكان من الواضح أنَّ وقتَه لم يتسع للحضور لانشغاله الشديد، وأنَّه يتحدث إليهما من خلال دائرة تليفونية مفتوحة.
تساءلَت «إلهام» بعد لحظة: هل تلك المهمة تتعلَّق بالأحداث الأخيرة لرجال الأعمال المصريين والعرب في أمريكا وبخاصة في «نيويورك»؟
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا … فقد طغَت تلك الأحداثُ على ما عداها، وصارَت هي النبأَ الأول في نشرات الأخبار … ولقد جاءني منذ لحظة نبأُ العملية الخامسة التي حدثَت ضد رجال الأعمال العرب؛ فبرغم كلِّ ما اتخذوه من احتياطات أمنية دفعَت البعضَ منهم لأن يتخذ حرسًا خاصًّا له لا يفارقه أبدًا … إلا أنَّ الأصابع المعادية كانت في كلِّ مرة تبتكر وسيلةً جهنمية للوصول إلى رجال الأعمال العرب … وآخرها كان في مطار «كيندي» بأمريكا.
هتفَت «زبيدة» في غضب: هل وصلت الجرأة بهؤلاء المجرمين إلى اغتيال رجال الأعمال العرب في مطار ووسط حشود رجال الأمن والحرس الخاص.
أجاب رقم «صفر»: إنَّ تلك العملية الأخيرة التي تلقَّيتُ أنباءَها منذ لحظات أفادَت بأنَّه كان من المفترض وصول أحد رجال الأعمال العرب إلى مطار «كنيدي» بطائرته الخاصة؛ وذلك لعقد صفقة هامة تُقدَّر بنصف مليار دولار، وأنَّه كان يحتفظ في طائرته بالعشرات من رجال الحرس الخاص، وأنَّ المطار نفسه كان مكتظًّا برجال الشرطة والحرس الخاص لرصد أية محاولة لاغتيال رجل الأعمال العربي والقبض على أيِّ مشتبه … ولكن وبرغم كلِّ تلك الاحتياطات الأمنية فإنَّ حادث الاغتيال قد وقع.
هتفَت «زبيدة» في توتر: هل كانت هناك قنبلة مخفاة داخل الطائرة انفجرَت أثناء تحليقها في الجو؟
رقم «صفر»: لا بل حدث ما هو أسوا … فقبل هبوط الطائرة بثوانٍ قليلة انطلق صاروخ مجهول محمول على الكتف من إحدى البنايات البعيدة عن المطار … وأصاب الصاروخُ هدفَه فنسف الطائرة وهي تستعدُّ للهبوط … وطبعًا لم ينجُ أحد من الحادث.
صاحَت «إلهام» في غضب: هذه عملية إجرامية … إنَّها خطة شيطانية.
رقم «صفر»: ولقد أفادَت الأنباء الأولية بأنَّ شقراء فاتنة شُوهدَت وهي تُغادر البناية التي أُطلق منها الصاروخ، وبالطبع فقد فشلَت جهودُ رجال الشرطة في العثور عليها كما حدث في المرات السابقة.
تساءلَت «زبيدة» في عنفٍ: هل تقف امرأةٌ واحدة خلف كلِّ هذه العمليات الإجرامية؟
رقم «صفر»: هذا هو ما تأكَّدنا منه … بل وتمكَّنَّا خلال الفترة الماضية من التوصل إلى شخصية تلك المرأة. إنَّها تُدعَى «سالي ماكماهون» … ويلقِّبونها ﺑ «المرأة الجهنمية» … وبالطبع فإنَّه يساعدها عددٌ من المجرمين، ولكنهم مجردُ محترفين عاديِّين، أما الخطرُ كلُّه فيكمن في تلك «المرأة الجهنمية» التي تساوي فريقًا من المرتزقة وحدها.
إلهام: إنَّني أعتقد أنَّ هذه المرأة تنتمي إلى جهة معادية على أكبر قدر من الإجرام.
رقم «صفر»: هذا صحيح يا «إلهام» … فهذه «المرأة الجهنمية» هي أخطر عضو تمَّ التحاقُه مؤخرًا بمنظمة «سادة العالم» الإجرامية!
غمغمَت «زبيدة» في دهشة قائلة: «سادة العالم» … هذا ما كان يجب توقُّعُه منذ البداية.
إلهام: وأين تلقَّت هذه المرأة تدريبَها المدهش الذي جعلها من أخطر المحترفات في الأعمال الإجرامية في العالم؟
جاء صوتُ رقم «صفر» بعد لحظة يقول: لقد تمكَّن قسمُ المعلومات لدينا من جَمْع أكبر قدر من المعلومات عن هذه المرأة. وثبت لنا أنَّها كانت عضوًا نشطًا في أحد أكبر أجهزة المخابرات في العالم، وأنَّه كان يُعهد إليها ببعض العمليات الخاصة التي تتطلَّب جرأةً كبيرة، وأنَّها كانت تنفِّذ هذه العمليات دون أن يَطْرِف لها جفنٌ، فهي على استعداد لقتل العشرات دون أن يهتزَّ قلبُها، وهي ماهرة في إطلاق الرصاص لدرجة لا تُصدَّق، وأيضًا لديها خبرةٌ في زَرْع المتفجرات والتنكُّر وألعاب القتال الرياضية، وكل ما يخطر على البال … ولكن حدث في الفترة الأخيرة أن تمرَّدَت «سالي» على جهاز المخابرات الذي تعمل معه، لأنَّها بدأت تعمل لحسابها فتمَّ طردُها من عملها، وهنا التقطَتها أصابع منظمة «سادة العالم» لتعمل لحسابهم.
زبيدة: يا لَها من صفقة بشعة! …
إلهام: ولكنها صفقةٌ تسبَّبَت في سقوط العشرات من رجال الأعمال العرب ضحايا ما بين قتيل وجريح.
رقم «صفر»: لقد وصلَتني بعضُ التقارير مؤخرًا عن نتائج تلك الحملة الإرهابية ضد رجال الأعمال العرب في أمريكا … فقد تقلَّص نشاطُهم إلى حدٍّ كبير، وبادر أغلبُهم إلى تصفيةِ أعمالِه بل وبيعها بالخسارة ومغادرة أمريكا حرصًا على حياتهم.
إلهام: إنَّها إذن حربٌ اقتصادية.
رقم «صفر»: هذا صحيحٌ تمامًا … فالهدف الواضح لهذه العمليات الإرهابية هي تخويف وإرهاب رجال الأعمال العرب بالذات ليتوقَّفوا عن استثمار أموالهم في أمريكا … وذلك بالرغم من أنَّ أمريكا سوقٌ استثماريٌّ مفتوح يستوعب آلاف المليارات، وبالرغم من أنَّ هناك مئات الآلاف من رجال الأعمال من كلِّ دول العالم يستثمرون أموالَهم في أمريكا دون أن يتعرَّضوا للمضايقات إلا أنَّه من الواضح أنَّ الهدف هم العرب فقط!
زبيدة: إنَّها عملية عنصرية.
رقم «صفر»: هذا مما لا شك فيه.
تساءلَت «إلهام»: ولكن ما هي مصلحة منظمة «سادة العالم» في إرهاب رجال الأعمال العرب؟
أجاب رقم «صفر»: إنَّ عصابة «سادة العالم» تعمل لحساب جهة أخرى دون شكٍّ لتنفيذ هذا المخطط … وهذه الجهة الخفية لا تريد أن تظهر في الصورة، فمن المؤكد أنَّ لها علاقاتٍ اقتصادية وسياسية مع عالمنا العربي، ومجرد الشك في أنَّها تفعل ذلك قد يُطيح بمصالحها في منطقتنا، ولذلك استعانَت بعصابة «سادة العالم» لتنفيذِ مخططِها الإرهابي دون أن تظهرَ هي في الصورة … وهو ما حدث بنجاح حتى هذه اللحظة!
وأضاف رقم «صفر» بعد لحظة: إنَّها حربٌ اقتصادية فيها أساليب إجرامية … وقد قررنا دخول هذه الحرب للكشف عن كلِّ خفاياها وإعادة الأمن المفقود لرجال أعمالنا في أمريكا، فليس من مصلحتنا الاقتصادية التخلص من مشاريع ناجحة بالمليارات وبيعها بالخسارة وهَدْم استثمارات ناجحة.
إلهام: سيكون الهدف هو «المرأة الجهنمية» … أليس كذلك؟
رقم «صفر»: هذا صحيح … فالمطلوب هو التخلُّص من تلك المرأة وكلِّ مَن يعاونها في عملها الإجرامي … وأيضًا كشف الجهة الحقيقية التي تختفي خلف عصابة «سادة العالم».
قالت «زبيدة» في إصرار: سوف نقوم بذلك بإذن الله.
رقم «صفر»: لقد فشلَت كلُّ جهود الشرطة الأمريكية والمباحث الفيدرالية في الوصول إلى مكان «المرأة الجهنمية»، وكلُّ البحث الذي دار في هذا الشأن لم يؤدِّ إلى شيء، بسبب احتراف هذه المرأة البالغ، وقدرتها على التخفِّي والدهاء … ولكن طالما ظلَّت طليقةً حرة فستبقى مصالحنا الاقتصادية في «أمريكا» في خطر بالغ … ولقد فكرتُ في أنَّ امرأة بمثل هذا القدر من الدهاء لن يمكن مواجهتُها إلا بطريقة مماثلة. ولهذا اخترتُكما أنتما بالذات لهذه المهمة.
إلهام: ولسوف نكون عند حسن ظنك يا سيدي.
رقم «صفر»: هناك تذكرتَا سفر محجوزتان باسمَيكما في أول طائرة ستغادر إلى «نيويورك» بعد ساعة … وعليكما اللحاق بها فورًا …
زبيدة: ولكن من أين سنبدأ مهمَّتَنا في «نيويورك» … وهل سينتظرنا أحدُ عملاء رقم «صفر» في الخارج ليمنحَنا بعضَ المعلومات الإضافية؟
ولكن رقم «صفر» لم يردَّ بشيء وانقطع صوتُه تمامًا … وظلَّ سؤالهما بلا إجابة!
تبادلَت «إلهام» و«زبيدة» نظرةَ دهشة، سرعان ما تغلبتَا عليها … ثم غادرتَا القاعة في سرعة ونشاط.