الخدعة!
غادرَت «إلهام» و«زبيدة» مطارَ «كيندي» وهما تحملان بعضَ الحقائب الصغيرة. واقترب منهما سائق تاكسي زنجي، قال باسمًا: هل تحتاجان تاكسيًا؟
ولكن «إلهام» أجابَته قائلة: إنَّنا نفضِّل أن نستقلَّ باصًا.
واتجهَت نحو موقف الباصات القريب فسألَتها «زبيدة» مندهشة: لماذا رفضتِ أن نستقلَّ تاكسيًا؟
أجابَتها «إلهام»: إن سائقي التاكسي في «نيويورك» لا يمكن الاطمئنان إلى أمانتهم وأخلاقهم أبدًا … ونحن ليس لدينا وقتٌ زائد لنضيعَه في معركة ما جانبية.
واستقل الاثنان الباص، في الوقت الذي راح يُراقبهما فيه سائقُ التاكسي الأسود بنظرات عميقة متجهمة.
تساءلَت «زبيدة» والباص يقطع شوارع «نيويورك»: ترى لماذا قطع رقم «صفر» اتصالَه بنا فجأة؟
إلهام: مَن يدري … لعله انشغل بأمر ما … ومن المدهش أنَّه استدعانا على عجلٍ دون أن يتمكن هو من حضور الاجتماع.
لم تردَّ «زبيدة» بشيء … وراحَت تراقب السيارات المجاورة وسكان المدينة الضخمة الذين كانوا يسيرون في سرعة دون أن يلتفتَ أحدُهم للآخر ولو داس على قدمِه، وغمغمَت «زبيدة» في عدم ارتياح: إنَّني لا أحبُّ هذه المدينة … فلطالما زرتُها وقمنا فيها بمهام … ولم أُفلح في حبِّها أبدًا.
إلهام: إنَّها نفس مشاعري أيضًا.
زبيدة: تُرَى كيف سنبدأ مهمتَنا في هذه المدينة الضخمة التي يسكنها الملايين؟
ابتسمَت «إلهام» قائلة: لا تخشَي شيئًا … ربما تكون البداية سهلة.
زبيدة: كيف ذلك؟
لكن جاوبها صوتُ سائقِ الباص، وهو يقول في لهجة خشنة: لقد وصلنا إلى النهاية.
تلفَّت الركاب حولهم في دهشة. كان لا يزال متبقيًا على الوصول إلى نهاية الخط في قلب «مانهاتن» أكثر من ثلاث محطات، وقد توقَّف سائقُ الباص في مكانٍ ناءٍ مظلم أسفل أحد الكباري العلوية الضخمة.
وتساءل أحد الركاب في دهشة للسائق: ولكنَّنا لم نَصِل إلى نهاية الخط؟
فأجابه السائق ساخرًا: لقد نفد الوقود، وإذا ما اشتريت منه ما يملأ خزان الباص من جيبك فلن أُمانعَ من توصيلك إلى نهاية الخط.
فابتسمَت «زبيدة» إلى «إلهام» قائلة: يبدو أنَّ سائقي الباصات هنا ليسوا أقلَّ سوءًا من سائقي التاكسيات.
إلهام: يبدو أنَّنا سنكون مضطرين لأن نستقلَّ تاكسيًا أيضًا.
وغادرَت الاثنتان سيارةَ الباص، التي ما إن أغلق سائقُها أبوابَها بعد نزول الركاب، حتى تحرَّك بها عائدًا من حيث أتى، فغمغمَت «زبيدة» في غضب: يا لهذا الوغد … إنَّه يستغل السيارة لحسابه الشخصي!
تفرَّق الركاب … كلٌّ يبحث عن وسيلة تنقله إلى قلب المدينة … وعلى البعد ظهر طريقٌ عامٌّ تقطعه سياراتٌ مسرعة، فقالت «إلهام»: فلنحمل حقائبَنا إلى الطريق العام لنستقلَّ تاكسيًا.
ولكن ما إن شرعَا في التحرك حتى جذبَت انتباهَهما صرخةٌ حادة صدرَت من ورائهما على مسافة قريبة … كانت صرخةً نسائية عالية!
وعلى الضوء الشاحب البعيد ظهرَت امرأة تستغيث وهناك ثلاثة لصوص يحاولون جذْبَ حقيبتها والاستيلاء على قرطها الذهبي.
وتلاقَت نظراتُ «إلهام» و«زبيدة» في حركة سريعة … ولم تكن الاثنتان في حاجة إلى مَن يدفعهما للحركة لإنقاذ شخص ما يستنجد …
في لحظة واحدة قفزَت الاثنتان حتى صارتَا أمام اللصوص الثلاثة، وقد أشهروا أسلحتَهم في أيديهم وبدَا الشرُّ والإجرام على وجوههم … وصاحَت «إلهام» في اللصوص الثلاثة: ابتعدوا أيُّها المجرمون وإلا قضيتُ عليكم.
فترك اللصوص الثلاثة فريستَهم والتفتوا إلى «إلهام» و«زبيدة» في دهشة، ثم قال أحدهم في غضب: مرحى … يبدو أنَّ السماء تُمطر فتياتٍ اليوم!
وأجابه الآخر ساخرًا: إنَّهنَّ فتياتٌ شجاعات لا يخشَين شيئًا … ولا حتى ثلاثة من لصوص «نيويورك» وفئرانها.
وقال الثالث وهو يلوح بمطواته: فلنعطيهنَّ درسًا في السلوك المهذَّب أمام اللصوص.
وأجابَته «زبيدة»: فلنرَ مَن الذي سيتلقَّى الدرسَ المهذب الليلة.
ثم طارَت لأعلى لتُصيبَ أقربَ اللصوص إليها فأطاحَت بمُدْيتِه بعيدًا، وطارَت مرة أخرى لتُصيبَه ويسقط على الأرض بلا حَراك.
تراجع اللصان الآخران في دهشة للوراء لِمَا حدث لزميلهما، ولكن «إلهام» قطعَت عليهما الطريق قائلةً: لا يصحُّ أن تغادرَا المكان قبل أن تتلقَّيَا تحيةَ المساء بعلقة ساخنة!
ولكن وقبل أن تتحرك نحوهما، جاءها صوتٌ ساخر من الخلف يقول: هناك شخصٌ ما يجب أن يُلقيَ بتحيَّتِه هذا المساء … وأنا عادةً أقولها قبل أن يتحرَّك إصبعي فوق زناد مسدسي.
استدارَت «إلهام» و«زبيدة» في دهشة للوراء … فطالعهما الوجهُ الأشقر الفاتن والعينان الزرقاوان والمسدس المصوَّب إليهما.
كانت مَن تقف على مسافة خطوات قليلة منهما هي «سالي ماكماهون» … «المرأة الجهنمية»، وقد وقف خلفها خمسةٌ من رجال العصابات شاهرين مدافعهم الرشاشة.
كانت المفاجأة مذهلة ﻟ «إلهام» و«زبيدة» … وقد وضح لهما فجأةً الكمين الذي دبَّرَته تلك «المرأة الجهنمية» للإيقاع بهما … فلم يكن ما فعله سائق الباص ومحاولة السرقة المزعومة غير وسيلة لجذبهما إلى ذلك المكان النائي!
ابتسم اللصوص الثلاثة وضحيتهم التي كانت تستغيث منهم منذ لحظات، واختفَوا في قلب الظلام كالأشباح.
وترامقَت «إلهام» و«زبيدة»؛ فلم يكن معهما ولا حتى سلاح صغير يُدافعان به عن نفسَيهما أمام الأسلحة المصوبة إليهما.
وتمالكَت «إلهام» نفسَها وهي تقول ﻟ «سالي»: إنَّني أعترف لك بالبراعة … فما قمتِ به وتخطيطك السريع للحركة يدل على العقل الجهنمي الذي تملكينه.
ارتسمَت ابتسامةٌ قاسية على وجه «سالي»، وقالَت: لولا أنَّني أمتلك ذلك العقل الجهنمي لما بقيتُ حية حتى هذه اللحظة بعد أن اختفى أعدائي داخل قبورهم واحدًا وراء الآخر!
هتفَت «زبيدة» في غضب: لقد حان أوان نهايتك أيضًا.
ظهر الغضب على وجه «سالي» وجزَّت على أسنانها قائلة: حسنًا … إنكما تختاران مصيركما … فلقد أخبروني قبل وصولكما بأنَّكما شديدتَا الخطورة … ولسوف نرى صدْقَ ذلك القول حالًا … وما يمكن أن تفعلَه أيَّة فتاة مهما كانت درجة احترافها … أمام مسدس مصوَّب إلى رأسها.
وسدَّدَت «سالي» مسدسَها إلى «إلهام» على حين توزَّعَت فوهاتُ المدافع الرشاشة من الخلف على «إلهام» و«زبيدة».
وفي لحظةٍ واحدة انطلق الرصاص يهدر كالسيل ويشقُّ صمتَ الليل وسكونه!