المطاردة الجنونية!
انفتح الطريقُ أمام سيارة الإطفاء، وقد انتشرَت أخبارها عبر أجهزة الراديو؛ فكلُّ مَن يلقاها في طريقِه كان يقفز إلى أقرب مكان يحتمي فيه.
وإلى الأمام، ظهرَت سيارة أتوبيس معطلة كانت تسدُّ الطريق، وفي الحال استدار مدفعُ سيارة الإطفاء صوبَها، وانطلقَت القذيفةُ التي فجَّرَت الأتوبيس وأحالَته إلى شظايا محترقة. مرقَت من خلالها سيارة الإطفاء.
وصاحَت «زبيدة» في غضب: هذه الشيطانة، إنَّها على استعداد لأن تحوِّلَ هذه المدينة إلى مقبرة. وضغطَت فوق دواسة البنزين بكل طاقتها، فزادَت السيارة من سرعتها، فهي تزأر كفهد ثائر … واقتربَت سيارة الشياطين من سيارة الإطفاء … وصرخَت «إلهام»: حاذري يا «زبيدة».
وفي لحظة خاطفة، لمحَت «زبيدة» فوهةَ المدفع المصوبة إلى السيارة، فانحرفَت بها بكل قوتها، ولكن القذيفة أصابَت السيارة في جنبها، فأطاحَت بها بعيدًا، وانقلبَت السيارة وقد اشتعلَت فيها النيران.
شعرَت «إلهام» أنَّها توشك على الاختناق داخل السيارة المقلوبة، فزحفَت خارجةً منها. في نفس اللحظة التي كانت «زبيدة» تزحف خارجةً منها أيضًا … ثم انفجرَت السيارة في اللحظة التالية، في صوت رهيب.
وامتلأَت عينَا «زبيدة» بغضبٍ حادٍّ، وهتفَت: هذه الذئبة الشريرة … لسوف تدفع الثمن غاليًا، ودون بطء.
أخرجَت مسدسها، وصوَّبَته نحو سيارة الإطفاء الهاربة … ثم أطلقَت الرصاص، وقبل أن تمرَّ لحظة، دوَّى انفجارٌ رهيب … وتحوَّلَت سيارة الإطفاء إلى شعلة من اللهب، بعد أن أصابَت الرصاصةُ خزانَ وقودها.
اندفعَت «إلهام» و«زبيدة» نحو سيارة الإطفاء … ولكنهما شاهداها خالية من أيِّ ركاب.
تساءلَت «إلهام» في دهشة: أين ذهبَت هذه «المرأة الجهنمية» وبقية أعوانها، بما أنَّ السيارة خالية؟
زبيدة: لا شك أنَّهم قفزوا من السيارة في اللحظة الأخيرة، وساعدَتهم ملابس الإطفاء التي يرتدونها على النجاة من انفجار السيارة … ولكن أين اختفَوا؟
أشارَت «إلهام» بيدها إلى مكان قريب، هاتفة: انظري يا «زبيدة»؟
وكان المكان الذي تُشير إليه «إلهام»، عبارة عن بلوعة مجاري كبيرة، كان غطاؤها منزوعًا بجوارها، فاقتربَت الاثنتان منها، وأطلَّا إلى الداخل … فسمعتَا أصوات أقدام تُهرول مبتعدة.
قالَت «زبيدة»: لا بد أنَّهم سلكوا طريق المجاري؛ فهي في هذه المدينة عبارة عن أنفاق ضخمة تمتدُّ في شبكة واسعة بكل اتجاه، ويَصِل قطرُها إلى عدة أمتار، مما يجعل بعضَ المتشردين ورجال العصابات يتخذونها مأوًى لهم.
إلهام: ماذا ننتظر … دعينا نُسرع خلفهم.
أسرعَت الاثنتان تتسلَّقان السلالم الحديدية الهابطة إلى أسفل … وظهر أمامها باطن النفق متسعًا مليئًا بالقاذورات. فوضعَت «زبيدة» يدَها على أنفها تأفُّفًا من الرائحة البشعة، ولكن «إلهام» تقدَّمَتها شاهرةً مسدسَها وعيناها تتفحصان المكان حولهما في حذر بالغ.
وأنصتَت لحظة، ثم أشارَت يسارًا، قائلة: دعينا نسلك هذا الاتجاه.
وسارَت الاثنتان في سرعة وحذر … وفجأة، انشقَّت الأرض عن ثلاثة من المجرمين، قد ظهروا فجأة، شاهرين مسدساتهم، ويظهر في عيونهم شرٌّ بالغ.
توقَّفَت «إلهام» و«زبيدة». وقال أحد المجرمين ساخرًا: إلى أين أنتما ذاهبتان أيتها الجميلتان، إنَّ هذا الطريق لا يؤدي إلى «برودواي» بكل تأكيد!
تمالكَت «إلهام» نفسها، وقالت في غضب: ولكنَّه سيؤدي إلى الجحيم لكما إذا أصررتم على تعطيلنا، وقطع الطريق علينا.
ظهر الغضب على وجوه المجرمين الثلاثة، وقال أحدهم: لقد كانت «سالي» على حق عندما أخبرَتنا أن نأخذ حذرَنا من هاتين الفتاتين … فهما تبدوان لي شرستَين جدًّا.
تبادلَت «إلهام» و«زبيدة» نظرةً سريعة … كان من المؤكد أنَّ المجرمين الثلاثة، يمكن أن يقودوهما إلى مكان تلك الذئبة الهاربة، فارتسمَت ابتسامة واسعة على شفتَي «إلهام»، وقالت: إذن، فأنتم تعملون مع هذه الشريرة الشرسة … ولقد وضعتم نهاية لإجرامكم بذلك.
طارَت قبضة «إلهام» إلى أقرب المجرمين، وسقط على الأرض، وهو يئنُّ من الألم، وزمجر المجرم الثاني، وهوَى بضربة فوق «زبيدة»، ولكنَّها قفزت إلى اليسار، فتحاشَت الضربة القاتلة، وطارت لأعلى مرة أخرى، وبضربة قوية، ألقَته إلى الوراء، على الأرض، دون حَراك.
تراجع المجرم الثالث إلى الوراء في رعب، ثم انطلق هاربًا … ولكن «إلهام» و«زبيدة» انطلقتَا خلفه، حتى تمكنتَا من قطع الطريق عليه، وأطاحَت «إلهام» بالمسدس الذي معه بعيدًا، على حين أمسكَته «زبيدة» من ياقته، وصاحَت به غاضبة: سوف تصطحبنا إلى مكان «سالي» الذي تختفي فيه مع بقية عصابتها، وإلا فسوف تكون هذه المجاري مقبرتك!
وطارَت قبضة «زبيدة» إلى المجرم، لتؤكد له ما تقوله، فانحنى من الألم الشديد، وقال في ضعف: إنَّها تسكن في فيلَّا في أطراف «برودواي» بالقرب من مسرح اﻟ «ودوي». وقبل أن يُكملَ عبارته، جاء صوتُ رصاصة مفاجئة المجرم، فمات على إثرها في الحال.
وأسرعَت «إلهام» و«زبيدة» تحتميان في أحد الأركان، شاهرين مسدسَيهما … وجاءهما صوتٌ ساخر من مكان بعيد يقول: إنَّ سلاحَيكما لن يُفيدَكما بشيء … أمام الموت الذي سينطلق نحوكما بعد لحظات … فقد اخترتُ لكما ميتة مذهلة، لا شك أنَّها لم تخطر ببالكما أبدًا.
وانقطع صوتُ «سالي». وتلاقَت نظراتُ «إلهام» و«زبيدة» في قلق ودهشة … وهمسَت «إلهام» متسائلة: ماذا تقصد هذه الشيطانة؟
جاءَتها الإجابة في الحال على صوت هدير هائل يأتي من الخلف.
والتفتَت الاثنتان للوراء، فاتسعَت عيناهما من الذهول، وهما تُشاهدان نهرًا من المياه تندفع داخل مواسير المجاري نحوهما.
وصرخَت «إلهام»: إنَّها مياه المجاري … لقد فتحها شخصٌ ما لإغراقنا.
زبيدة: لنُسرع بالهرب.
انطلقَت الاثنتان هاربتَين بكل سرعتهما … ولكن المياه القذرة كانت أسبقَ منهما، وسرعان ما صدمَتهما وأغرقَتهما، وراحَت تعلو سريعًا، لتسدَّ عليهما كلَّ منفذ للنجاة.