تحية زعيم راحل٥
أكبرت في غيب الزعيم محمد
من كان يكبر حاضرًا في المشهد
حجب الردى عنا بشاشته ولم
يحجب بشاشة ذكره المتجدد
هيهات ينتقص الزمان مجادة
للسيد بن السيد بن السيد
فخر الصعيد، وفخر مصر جميعها
بالرأي، والخلق القويم الأيد
من يرسل المثني عليه ثناءه
مسترسلًا في القول غير مقيد
جمع القلوب على المديح وإن مضت
نهجين بين مصوَّب ومصعِّد
لم تُقض في هذي الديار قضية
ومحمد ممَّا قضَوه بمبعد
ملء الندى وإن تطامن دفة
كم دقة شحذت مضاء مهند
•••
في دارة الفلكي قبلة كوكب
يعلو على رصد المنايا الرصد
تطوي المغارب جرمه، وشعاعه
متألق في أوجه لم يخمد
أكبرت مطلعه، ولم يك طالعي
في كل حين عنده بالأسعد
ورأيته أقصى وأقرب رؤية
فإذا البروج لكوكب متوحد
مهما اختلفت حياله لم يختلف
سمت السماء ولا علو المقصد
متحرز مما يعاب كأنه
متقيد المسعى، ولم يتقيد
شفَّت سرائره، فكل سريرة
فيه تضيئك من سراج موقد
فإذا عهدت المحض من عاداته
لم تلقَ يومًا منه ما لم تعهد
•••
عَزِّ الكنانة فيه فهي فجيعة
تبلو الكنانة في الضمير وفي اليد
ما في مروءات الشعوب مروءة
إلا رعته بنظرة المتفقد
البر، والمشهود من آلائه
بين المحافل دون ما لم يشهد
ومعاهد التعليم بين مشجع
للعاملين بها، وبين مزوَّد
وإغاثة الأدب اللهيف، وإن تشأ
ردًّا، فعدِّد ما بدا لك، واسرد
ونزاهة اليد واللسان هداية
للمهتدين، وقدوة للمقتدي
وصراحة الأخلاق ما اشتملت على
مستغلق فيها، ولا متأود
والعزة الشَّمَّاء إلا أنها
كالشاهق المخضر لا كالجلمد
وسياسة الوادي، ولم يك رابحًا
منها سوى الشجن المقيم المقعِد
وعزيمة لا تكره الشورى وإن
كانت لتكره حيرة المتردد
شيم وآلاء إذا ما استفردت
كالقطب، عزَّت في ازدواج الفرقد
•••
عز الكنانة والعزاء ليعرب
ما بين مُتْهِمِ قومه والمُنْجِدِ
كم ذاد عنهم والخطوب بمرصد
والشمل بين مشرَّد ومبدَّد
للحق، لا لخبيئة مطوية
تلقى العداة الرابضين بموعد
ولنصرة الإسلام لا لعصابة
تسعى إلى الإسلام سعي المفسد
سمْح على ما فيه من عصبية
سهل، وإن أعيى قوى المتشدد
لا يستطاع على الخصام عناده
وعليه تعويل الأخ المتودد
من أكسفورد، ولو نماه معشر
للأزهر المعمور لم تستبعد
فيه محافظة، وفيه طرافة
وأراه في الحالين غير مقلد
ورث الحَمِيَّةض كابرًا عن كابر
والأريحية منجدًا عن منجد
غيث الفلاة ونيل مصر كلاهما
سقياه من أصليه أعذب مورد
فإذا بكت مصر فغير ملومة
وإذا الحجاز بكى، فغير مفند
•••
رحم الإله محمدًا وأثابه
في خلده الباقي ثواب مخلد
كان السبيل السرمدي سبيله
فعليه رضوان الإله السرمد
«… إنا لمحزونون عليك يا إبراهيم، وإن ما أنا قائل لا يسر ما يقال في هذا الموقف الأليم»:
آه من التراب٧
أين في المحفل «مي» يا صحاب؟
عودْتنا ها هنا فصل الخطاب
عرشُها المنبر مرفوع الجناب
مستجيب حين يدعى مستجاب
أين في المحفل «مي» يا صحاب؟
•••
سائلوا النخبة من رهط الندي
أين مي؟ هل علمتم أين مي؟
الحديث الحلو واللحن الشجي
والجبين الحر والوجه السني
أين ولى كوكباه؟ أين غاب؟
•••
أسف الفن على تلك الفنون
حصدتها، وهي خضراء، السنون
كل ما ضمته منهن المنون
غصص ما هان منها لا يهون
وجراحات، ويأس، وعذاب
•••
شيمٌ غرٌّ رضيَّات عِذاب
وحجى ينفذ بالرأي الصواب
وذكاء ألمعي كالشهاب
وجمال قدسي لا يعاب
كل هذا في التراب، آه من هذا التراب
•••
كل هذا خالد في صفحات
عطرات في رباها مثمرات
إن ذوت في الروض أوراق النبات
رفرفت أوراقها مزدهرات
وقطففنا من جناها المستطاب
•••
من جناها كل حسن نشتهيه
متعة الألباب والأرواح فيه
سائغ مُيِّز من كل شبيه
لم يزل يحسبه من يجتنيه
مفرد المنبت معزول السحاب
•••
الأقاليم التي تنميه شتى
كل نبت يانع ينجب نبتا
من لغات طوفت في الأرض حتى
لم تدع في الشرق أو في الغرب سمتا
وحواها كلها اللب العجاب
•••
يا لذاك اللب من ثروة خصب
نير يقبس من حس وقلب
بين مرعى من ذوي الألباب رحب
وغنى فيه وجود مستَحب
كلما جاد ازدهي حسنًا وطاب
•••
طلعه الناضر من شعر ونثر
كرحيق النحل في مطلع فجر
قابل النورَ على شاطئ نهر
فله في العين سحر أي سحر
وصدى في كل نفس وجواب
•••
حي «ميًّا» إن من شيع ميا
منصفًا حيا اللسان العربيا
وجزى حواء حقًّا سرمديا
وجزى ميًّا جزاء أريحيَّا
للذي أسدت إلى أم الكتاب
•••
للذي أسدت إلى الفصحى احتسابا
والذي صاغته طبعًا واكتسابا
والذي خالته في الدنيا سرابا
والذي لاقت مصابًا فمصابا
من خطوب قاسيات وصعاب
•••
أتراها بعد فقد الأبوين
سلمت في الدهر من شجو وبين
وأسى يظلمها ظلم الحسين
ينطوي في الصمت عن سمع وعين
ويذيب القلب كالشمع المذاب
•••
أتراها بعد صمت وإباء
سلمت من حسد أو من غباء
ووداد كل ما فيه رياء
وعداء كل ما فيه افتراء
وسكون كل ما فيه اضطراب
•••
رحمة الله على «مي» خصالا
رحمة الله على «مي» فعالا
رحمة الله على «مي» جمالا
رحمة الله على «مي» سجالا
كلما سجل في الطرس كتاب
•••
تلكُم الطلعة ما زلت أراها
غضة تنشر ألوان حلاها
بين آراء أضاءت في سناها
وفروع تتهادى في دحاها
ثم شاب الفرع والأصل، وغاب
•••
غاب والزهرة تؤتي الثمرات
ثمرات من تجاريب الحياة
خير ما يؤتي حصاد السنوات
بعثرتهن الرياح العاصفات
ورمتهن ترابًا في خراب
•••
رد ما عندك يا هذا التراب
كل لب عبقري أو شباب
في طواياك اغتصاب وانتهاب
خُلقا للشمس أو شم القباب
خلقا لا لانزواء واحتجاب
•••
ويك! ما أنت برادٍّ ما لديك
أضيع الآمال ما ضاع عليك
مجد «مي» غير موكول إليك
مجد «مي» خالص من قبضتيك
ولها من فضلها ألف ثواب
عام محمد٨
جدد العهد بعد عام محمد
تلك ذكرى على المدى تتجدد
خلق لا يزال قدوة جيل
بعد جيل، أخلق به أن يخلد
بل طراز من المكارم باق
كلما عده الكرام تعدد
ومعان غراء هيهات تُحصى
كثمار الفردوس هيهات تنفد
إنما يُذهب الزمان فقيدًا
إن تقضَّى الزمان لم يُتفقَّد
ليس يُفني الزمان من كلما عسـ
ـعس ليل سمعت: أين محمد؟
أين من كان رحمةً وهو بأس
أين من كان أمة وهو مفرد
أين من كان للمساكين عونًا
وله في ذؤابة المجد مسند
أين من كان منية المتمني
في مغيب من الوداد ومشهد
أين من عُود الإباء صبيًّا
ولكل من دهره ما تعوَّد
أين من كلما تقلد أمرًا
صان في جيده عرى ما تقلد
أين من كان مرجع القوم فيما
صدع العزم أيديا فتبدد
أين من كان قولهم فيه شتى
والطوايا في وصفه تتوحد
أين من كان قائدًا وهو فيما
نتقيه جندي مصر المجند
سألوا أين أين؟ وهو قريب
منهم في جواره غير مبعد
هو في كل معهد يتراءى
هو في كل مسمع يتردد
هو فيهم وقد تغيب عامًا
لا يُرى قاصدًا، وإن كان يُقصد
رب دانٍ مجسد لا نراه
وبعيد نراه غير مجسد
•••
مصر يا أمة الخلود المشيَّد
والوفاء الذي رسا وتوطد
أنت في نعمة وخير عميم
ما تعهدت خير ما يُتعهد
لك في الذكريات كنز رجاء
أبد الدهر بابه ليس يوصد
فاذكري الغابرين وادخريهم
لغرار ينضى وعزم يشدد
إنهم مهدوا الطريق ولولا
خطوهم فيه لم يكن بالممهد
اذكري كلما بلغت زهيدًا
من أمانيك أنه كان أزهد
واذكري كلما بلغت عظيمًا
أن جهد المصري في المجد أجهد
إن ما ضاء كان بالأمس ظلما
ء وما ابيضَّ كان بالأمس أسود
والذي في يديك كان سرابا
زمنًا ثم صار يجنى ويحصد
وارقبي العالم المُطِل علينا
من غدٍ، إنه جنين سيولد
الحروب التي تضج وغاها
هي نجوى مخاضة تتصعد
إننا في يديه لعبة لاه
إن جحدناه أو حسبناه يُجحد
ما مضى من زماننا أو سيأتي
في يدي ذلك الجنين سيحشد
الجنين الموعود لا تجهلوه
يا بني مصر فهو للجهل مُرصد
هو حي، إن لم يكن قد تَسمَّى
باسمه في قرابه فكأن قد
فاجمعوا عدة من الأمس ترضى
واجمعوا عدة من الغد تحمد
أنتم في كنانة الله أهل
إن تصدوا السهام وهي تسدد
ولكم من صيانة الله شروى
ما تصونون من فخار وسؤدد
كل حق لكم فغير مضاع
ما رعيتم حقًّا لمثل محمد