التماثيل والصور عند العرب
صناعة التماثيل من فروع التصوير، ولا ريب في وجودها عند العرب بدليل وجود الأصنام، وما لهج به شعراؤهم من تشبيه النساء بالدُّمَى؛ وهي الصور من العاج وغيره. وقد كانت أصنامهم بالغة في الكثرة مبلغًا لا يُستهان به، فكان منها حول الكعبة المعظمة يوم فتح مكة ثلاثمئة وستون صنمًا، على ما رواه البخاري وغيره من المؤرخين، عدا ما كان منتشرًا في أماكن أخرى من هذا البلد وسائر أماكن الجزيرة، بل بلغ من استهتارهم بعبادتها أنَّ كل حي من أحيائهم كان فيه صنم، وغلا كثيرون منهم فاتخذوا لهم أصنامًا خاصَّة في دورهم.
ذكر ابن الكلبي في كتاب «الأصنام» أنه كان لأهل كل دار من دور مكة صنم في دارهم يعبدونه، فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسَّح به، وإذا قدم من سفره كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسَّح به أيضًا. ولا يخفى أنَّ مثل هذه الكثرة يُستبعد معها أن تكون تلك الأصنام جميعها مجلوبة إليهم؛ لما في بلادهم من مشاقِّ النقل ووعورة المسالك.
وفي كتاب الحج من «صحيح البخاري» عن ابن عباس: «أن رسول الله ﷺ لما قدم، أي دخل مكة، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأُخْرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله ﷺ: قاتلهم الله! أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط. فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصلِّ»، وقد رواه أيضًا في غزوة الفتح. وقال ابن حجر في «فتح الباري» في شرح هذا الحديث من باب الغزوة المذكورة ما نصه: «وقع في حديث جابر عن ابن سعد وأبي داود أن النبي ﷺ أمر عمر بن الخطاب وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها حتى مُحِيَت الصور، وكان عمر هو الذي أخرجها. والذي يظهر أنه محا ما كان من الصور مدهونًا — مثلًا — وأخرج ما كان مخروطًا.»
وفي معجم البلدان لياقوت أنهم لما بنوا قصر غُمدان باليمن، جعلوا في أعلاه مجلسًا بنوه بالرخام الملوَّن، وصيَّروا على كل ركن من أركانه تمثال أسد من شَبَهٍ — أي نحاس — كأعظم ما يكون من الأسد، فكانت الريح إذا هبت إلى ناحية تمثال من تلك التماثيل، دخلت من خلفه وخرجت من فيه فيسمع له زئير كزئير السباع.
هذا ما كان من خبر التماثيل عند العرب في الجاهلية. فلما جاء الإسلام، وفتحوا المدائن، ومصَّروا الأمصار، وبنوا القصور، وغرسوا الحدائق، واستبحروا في المدنية، نشأ بينهم اتخاذ التماثيل للزينة في القصور والبِرَك، وتفننوا في عملها من الحجر والرخام والجص، والذهب والفضة وغيرهما، ومنها تمثال الرجل النافخ في البوق في إحدى جنان إشبيلية.
وجاء في حرف الدال من «معجم البلدان» لياقوت: «دار الشجرة: دار بالدار المعظمة الخليفية ببغداد، من أبنية المقتدر بالله، وكانت دارًا فسيحة ذات بساتين مُونِقة. وإنما سميت بذلك لشجرة كانت هناك من الذهب والفضة، في وسط بركة كبيرة مدوَّرة، أمام إيوانها وبين شجر بستانها، ولها من الذهب والفضة ثمانية عشر غصنًا، لكل غصن منها فروع كثيرة مكلَّلة بأنواع الجوهر على شكل الثمار، وعلى أغصانها أنواع الطيور من الذهب والفضة، إذا مر الهواء عليها أبانت عن عجائب من أنواع الصفير والهدير. وفي جانب الدار عن يمين البركة تمثال؛ خمسة عشر فارسًا على خمسة عشر فرسًا، ومثله عن يسار البركة، قد أُلْبسوا أنواع الحرير المدبَّج مقلَّدين بالسيوف، وفي أيديهم المطارد، يتحركون على خط واحد، فيُظَنُّ أن كل واحد منهم إلى صاحبه قاصد.»
ومن كل ذلك ترى أنهم لم يكتفوا بتصوير التماثيل فحسب، بل احتالوا على تحريكها بقوة الماء أو اللوالب المدبَّرة بصنوف الحيل، وجعلوا على أفواه ما صوروه الصفارات تُدفع فيها الريح أو الماء، فتحاكي صوت ذي الروح.
وقد طالت أيديهم في غير ذلك من الصنائع، كالبناء والنحت والنجر والنسخ، كما أحكموا صنع الآلات الفلكية وغيرها، واحتالوا على جر الأثقال ورفع الماء وتسخيره في إدارة الساعات والدواليب وما شاكلها، وكذلك أتقنوا صنع آلات القتال، كالمكاحل والمدافع وقوارير النفط والدبابات والكباش الناطحة للحصون.
لعبة البنات
وكان للعرب تماثيل خاصة بصغارهم يسمونها ﺑ «الجواري» و«البنات»، كما في قول امرئ القيس:
وفي القاموس: «البنات: التماثيل الصغار يُلْعب بها.»
والعامة في مصر الآن تسمي أمثال هذه التماثيل ﺑ «العرايس» — بالياء — لأنهم لا يهمزون مثله، وواحدتها عروسة.
قدم رسول الله ﷺ من غزوة «تبوك» وفي سهوتي ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لي، فقال: ما هذا؟ قلت: بناتي، ورأى بينهن فرسًا له جناحان، فقال: ماذا أرى وسطهن؟ قلت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قلت: جناحان، قال: فرس له جناحان! قلت: أما سمعت أن لسليمان خيلًا لها أجنحة؟ فضحك حتى بدت نواجذه.
ويؤخذ من هذا الحديث عدم استنكار ما اتُّخذ من التماثيل لغير العبادة، أي للهو واللعب، وإن شدد بعض الفقهاء فحرمها على الصغار أيضًا، كما فعل ابن العماد في آداب الأكل، فقال استطرادًا:
لعبة الكُرَّج
ومن تماثيل اللهو واللعب «الكُرَّج»، بضم الكاف وفتح الرَّاء المشددة، معرَّب كُرَّهْ بالفارسية، وهو تمثال مُهر من خشب يُلعب به، قال جرير:
وقال:
وفي «الروض الأُنف» في ذكر «مخنَّثي المدينة»: «ربَّما لعب بعضهم بالكُرَّج». وفي «مراسيل أبي داود» أن عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — رأى لاعبًا يلعب بالكُرَّج، فقال: «لولا أني رأيت هذا يُلعب به على عهد النبي ﷺ، لنفيته من المدينة». قلنا: لأن اللعب بمثله غير لائق بالرجال، ومنه قيل للمخنَّث كُرَّجيٌّ.
وأمعنوا في اللهو واللعب، واتُّخذت آلات الرقص في الملبس والقضبان والأشعار التي يُتَرنَّم بها عليه، وجُعل صنفًا وحده. واتُّخذت آلات أخرى للرقص تسمى بالكُرَّج؛ وهي تماثيل خيل مسرجة من الخشب، معلقة بأطراف أقبية تلبسها النسوان، ويحاكين بها امتطاء الخيل، فيكررن ويفررن ويتناقفن، وأمثال ذلك من اللُّعب المعدة للولائم والأعراس، وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو.
سوق للُعب الأطفال
وأما اللُّعب فليس يُقْصد بها المعاصي، وإنما يُقْصد بها إلف البنات لتربية الأولاد، وفيها وجه من وجوه التدبير، تقارنه معصية بتصوير ذوات الأرواح ومشابهة الأصنام، فللتمكين منها وجه، وللمنع منها وجه. وبحسب ما تقتضيه شواهد الأحوال يكون إنكاره وإقراره. وقد دخل النبي — عليه الصلاة والسلام — على عائشة، رضي الله عنها، وهي تلعب بالبنات، فأقرَّها ولم ينكر عليها.
لعبة الدوباركة
وذكر التنوخي في «نشوار المحاضرة» أن أهل بغداد كانت لهم لعبة على قدر الصبيان يسمونها «الدوباركة» وهي كلمة أعجمية، وكانوا يحلون هذه اللعبة في سطوحهم ليالي النيروز المعتضدي، ويلعبون بها ويخرجونها في زي حسن من فاخر الثياب، وحلي يحلونها بها كما يُفعل بالعرائس، وتخفق بين يديها الطبول والزمور، وتُشعل النيران، فقالت عائدة بنت محمد الجهنية — وكانت كاتبة فاضلة — تهجو أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي لما ولي الوزارة، وتعيبه بقصر قامته:
تمثال اللعين أو النُّطَّار
ومما يشبه التماثيل ما كانوا يقيمونه في المزارع على هيئة الرجل لتفزيع الطير والوحش، ويسمونه باللَّعين، وبالرجل اللعين، وبالخيال، والضَّبَغْطَرَى، والمجدار، والنُّطَّار. قال الشماخ:
وقال آخر:
ولعل هذا النوع هو المقصود بقول القائل، وقد أورده السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه:
وحكى ابن إياس في حوادث سنة ٨٩١ﻫ، أن السلطان أمر بقتل شخص فأنزلوه من القلعة مسمَّرًا على لعبة من الخشب، غريبة الهيئة تُجَرُّ بالعجل، ولها حركات تدور بها.
غير أنه لم يفصح عنها أكانت من نوع التماثيل أم من غيرها.
صنم من عجوة جاع فأكله
من أغرب ما يُذكر عن العرب في الجاهلية أنهم كانوا يعملون الأصنام من كل شيء، حتى إن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله!
لعبة الدرقلة للصبيان
ويقال لها «الدركلة» أيضًا، وهي لعبة يلعب بها الصبيان، وقيل هي لعبة للحبش كما جاء في المخصص والقاموس: الدركلة كشرذمة: لعبة للعجم، أو ضرب من الرقص، وهي حبشية.
وفي اللسان: الدركلة: لعبة يلعب بها الصبيان، وقيل هي للعجم، قال ابن دريد: أحسبها حبشية معربة، وقال أبو عمرو إنها ضرب من الرقص، وذكر الأزهري: قرأت بخط شمر قال: قرئ على أبي عبيد وأنا شاهد في حديث النبي ﷺ، أنه مرَّ على أصحاب الدركلة، وقال: «جدوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة.»
لعبة دِحِنْدِح لصبيان العرب
لعبة للصبيان يجتمعون لها فيقولونها، فمن أخطأ قام على رِجل واحدة وحجل سبع مرات.
وحكى الفراء: تقول العرب: «دحامحا دعها معها»، وذكر الأزهري في الخماسي: دِحِنْدح: دويبة، وفي كتاب «ما يُعوَّل عليه»: «هوان دحندح» يقال: أهون من دحندح، قال حمزة: إن العرب تقول ذلك فإذا سُئلوا ما هو، قالوا: لا شيء!
وقال بعض أهل اللغة: إنها من لُعب صبيان العرب، تجتمع لها فيقولونها، فمن أخطأ قام على رِجل، وحجل على إحدى رجليه سبع مرات.
لعبة الزَّدو فردًا أو زوجًا
الزَّدو — كالسدو — في اللسان وفي التهذيب: لغة في السدو، وهو لعب من الصبيان بالجوز، والمزادة موضع ذلك، والغالب عليه الزاي، يسدونه في الحُفَيْرة، وزاد الصبي الجوز وبالجوز يزدو زدوًا، أي لعب ورمى به في الحفيرة، وتلك الحفيرة هي المزادة. وفي مادة «سدى» منه: سدو الصبيان بالجوز، واستداؤهم: لعبهم به، وسدا الصبي بالجوزة: رماها من علو إلى أسفل.
وجاء في شرح القاموس، ونقلًا عن التهذيب: الزدو لغة صبيانية، كما قالوا للأسد «أزد» وللسداد «زداد».
وقال ابن دريد: تخاسى الرجلان، أي لعبا بالزوج والفرد.
ويقال: خسًا وزكًا، أي فرد وزوج، قال الكميت:
وفي الحديث: «ما أدري كم حدثني أبي عن رسول الله ﷺ أخسًا أم زكًا»، يعني فردًا أو زوجًا.
لعبة عظم وضاح للصبية
واسمها في الأصل لعبة «القجقجة»، ثم أُطلق عليها اسم «عظمُ وَضاح»؛ لأن القاف والجيم لا يجتمعان في كلمة عربيَّة أصيلة، كما جاء في القاموس. وفي مادة «وضح» أن لعبة «عظم وضاح» لعبة للصبية؛ إذ يأخذون عظمًا أبيض فيرمونه بالليل، ويتفرقون في طلبه. وفي حديث المبعث أن النبي ﷺ كان يلعب وهو صغير مع الغلمان ﺑ «عظم وضاح»، وهي لعبة لصبيان الأعراب، يعمدون إلى عظم أبيض فيرمونه في ظلمة الليل، ثم يتفرقون في طلبه، فمن وجده منهم فله القمر، قال: وسمعت الصبيان يصغرونه فيقولون: عُظَيْم وضاح، وأنشدني بعضهم:
قوله «ضحنَّ» أمر من «يضح»، بتثقيل النون المؤكدة، ومعناه: أظهرن، كما تقول من الوصل صلنَّ.
وذكر ابن قتيبة في تفسير حديث رسول الله ﷺ، أنه بينما كان يلعب وهو صغير مع الغلمان بعظم وضاح، مر عليه يهودي فدحاه، فقال: لتقتلن صناديد هذه القرية.
وقال: وعظم وضاح لعبة للصبيان بالليل؛ وهو أن يأخذوا عظمًا أبيض شديد البياض، يرمي به واحد من الفريقين، فمن وجده من أحدهما ركب أصحابه الفريق الآخر من الموضع الذي يجدونه فيه إلى الموضع الذي رموا عنه.
لعبة اللبخة «التحطيب»
هذه اللعبة تسمى عند عامة مصر ﺑ «التحطيب»، وعند بعض العرب «اللبخة»، ومما قاله الشيخ الشعراني في طبقاته الكبرى المعروفة ﺑ «لواقح الأنوار»، في ترجمة عثمان الحطاب المتوفى سنة نيف وثمانمئة، ما نصه: وكان شجاعًا يلعب «اللبخة»، فيخرج له عشرة من «الشطار» ويهجمون عليه بالضرب فيمسك عصاه من وسطها، ويرد ضرب الجميع فلا تصيبه واحدة! هكذا أخبر عن نفسه في صباه.
ولعل «الحطاب» لُقِّب بذلك لشهرته بلعبة التحطيب، أو لأنه كان يدأب في خدمة فقراء زاويته من إعداد للطعام وخياطة للثياب وغيرها، أو في جمع الحطب من البساتين، ونرجح الأول دون سائر ما كان يتولاه فيُشتهَر به.
رمانة من ذهب أحمر
تمثال أبي الهيجاء السَّمين
ساعة الرشيد المائية
أهدى الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى شرلمان ملك فرنسا ساعة مائية متقنة الصنعة إلى الغاية، تقسم الوقت إلى اثنتي عشرة ساعة، ولها كرات صغيرة من الصفر — أي النحاس — كلما انتهت ساعة سقط منها بعدد تلك الساعة على صنج قد وُضِع تحتها فيرِن. وذكر بعضهم أنه كان فيها فرسان بعدد تلك الكرات يخرجون من اثنتي عشرة كرة، وأنها لما وصلت إلى فرنسا أكبر الفرنسيس أمرها وكان لها عندهم موقع إعجاب عظيم.
وفي الكلام على مالطة من «معجم البلدان» لياقوت، «وآثار البلاد» للقزويني، أن أحد المهندسين صنع لصاحبها القائد يحيى صورة تُعرَف منها أوقات النهار بالصنج، فقال فيها أحد الشعراء: «جارية ترمي الصنج» وأجاز آخر هذا المصراع بقوله:
جوارٍ من كافور وعنبر
في «أخبار مصر» لابن ميسر أن الأفضل بن أمير الجيوش وزير الفاطميين «كان له مجلس يجلس فيه للشرب، فيه صور ثماني جوارٍ متقابلات: أربع منهن بيض من كافور، وأربع سود من عنبر، قيامٍ في المجلس، عليهن أفخر الثياب وأثمن الحلي، وبأيديهن أحسن الجواهر، فإذا دخل من باب المجلس استوين قائمات!»
والظاهر أن العتبة كانت متحركة، وتحتها أسلاك متصلة بالجواري، فإذا وُطِئت جذبت رءوسهن بحيلة مدبرة وأبقتها منكسة هنيهة، ريثما يصل الرجل إلى صدر المجلس.
امرأة من جريد وقراطيس
قيل إنه ولى عيسى بن نسطورس النصراني كتابته، واستناب بالشام يهوديًّا اسمه منشا، فاعتز بهما النصارى واليهود، وآذوا المسلمين، فعمد أهل مصر وكتبوا قصة جعلوها في يد صورة عملوها من قراطيس، وكتبوا فيها: «بالذي أعزَّ اليهود بمنشا، والنصارى بعيسى بن نسطورس، وأذلَّ المسلمين بك إلَّا كشفت ظلامتي!» وأقعدوا تلك الصورة على طريق العزيز والرقعة بيدها، فلمَّا رآها أمر بأخذها، فلما قرأ ما فيها ورأى الصورة من قراطيس علم ما أريد بذلك، فقبض عليهما وأخذ من عيسى ثلاثمئة ألف دينار، ومن اليهودي شيئًا كثيرًا.
تماثيل من الحلوى
كان من عادة الفاطميين في مصر الإكثار من عمل الحلوى في الأسمطة على هيئة تماثيل، ذكر ناصر خسرو في رحلته «سفر نامه» لمناسبة المواسم والأعياد واتخاذها على أشكال شتى، أنه لما توصَّل إلى دخول الإيوان المقام به سماط عيد الفطر بمصر سنة ٤٤٠ﻫ، شاهد عليه تمثال شجرة من السكر تشبه شجر الأترجِّ بأغصانها وأوراقها وثمارها.
وفي «خطط المقريزي» في ذكر سماط عيد الفطر، نقلًا عن «التاريخ الكبير» للمسبِّحيِّ، ما نصه: وفي آخر يوم منه — يعني شهر رمضان سنة ثمانين وثلاثمئة — حمل يانس الصقلبي، صاحب الشرطة السفلى، السماط وقصور السكر والتماثيل وأطباقًا فيها تماثيل حلوى، وحمل أيضًا علي بن سعد المحتسب القصور وتماثيل السكر.
وفي «طبقات الشافعية» للسبكي في ترجمة أبي علي الروذباريِّ المتوفى سنة اثنين أو ثلاث وعشرين وثلاثمئة، وكان من أئمة الصوفية، أنه اشترى مرة أحمالًا من السكر الأبيض، ودعا جماعة من صناع الحلوى فعملوا له من السكر جدارًا عليه شرفات ومحاريب على أعمدة، ونقشوها كلها من سكر، ثم دعا الصوفية فهدموها وكسروها وانتهبوها.
وقال ابن جبير في رحلته في وصف أسواق مكَّة: «وأما الحلوى فتُصنع منها أنواع غريبة من العسل والسكر المعقود على صفات شتى، يصنعون بها حكايات جميع الفواكه الرطبة واليابسة. وفي الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، تتصل منها أسمطة بين الصفا والمروة، ولم يشاهد أحد أكمل منظرًا منها لا بمصر ولا بسواها، قد صوِّرت منها تصاوير إنسانية وفاكهية، وجُلِيت في منصَّات كأنها العرائس، ونُضِّدت بسائر أنواعها المنضَّدة الملونة، فتلوح كأنها الأزاهر حُسنًا، فتقيِّد الأبصار وتستنزل الدرهم والدينار.»
سمك يسبح في عسل
وقال المتنبي، وقد أهدى إليه بعضهم تماثيل سمك من سكر ولوز تسبح في لجة عسل:
تماثيل فيل من حلاوة
وقال إبراهيم المعمار — المعروف بابن غلام النوريِّ — في تمثال فيل من الحلوى:
حلوى «المشاش»: من العسل
وأنشد الثعالبي في «اليتيمة» للمأموني في مشاش الخليفة:
وأصل «المشاش»، بفتح أوله، لفظ فارسي، يُطلَق على حلوى تُعْقَد من العسل.
ورأيت في كتاب «كنز الفوائد في تنويع الموائد» أنَّه نوع من الحلوى، يُجعل مادة لعمل التماثيل، وخلاصة ما ذكره أنه جلَّاب — نوع من السكر — يُعْقَد على النار، ويُضْرَب بالمهراس حتى يفور، فيُقْلَب على رخامة ويُتْرَك ساعة، ثم يُلَوَّن بالأصباغ، قال: «وهذا الذي تُعْمَل منه جميع التماثيل المختلفة.»
تماثيل القصور: أسد يرمي الماء
قال الوزير أبو جعفر الوقشي، وقد شرب على صهريج فاختنق الأسد الذي يرمي الماء، ونفخ فيه رجل أبخر فجرى:
ولعمري لقد أبدع الوزير في الوصف، فجعل اشمئزاز الأسد من تقبيل الرجل الأبخر علة لرميه بالماء على جنبه، كما يعاف المرء الشيء فيلوي وجهه عنه، ولولا اختناقه بشيء دخل في فيه مع الماء، ما تهيأ للوزير وصف هذا الشكل بمثل هذا التعليق المونق.
وخرج ابن قزمان شيخ الصناعة الزجلية بالأندلس إلى متنزه مع بعض أصحابه، فجلسوا تحت عريش، وأمامهم تمثال أسد من رخام يصبُّ الماء على صفائح من الحجر، فقال على طريقتهم الملحونة — في الزجل — أي بتسكين أواخر الكلم:
وشرب يومًا أبو الحسن بن نزار مع أبي جعفر بن سعيد، في جنة بزاوية غرناطة، وفيها صهريج ماء قد أحدق به شجر النارنج والليمون، وعليه أنبوب ماء تتحرك به صورة جارية راقصة بسيوف، وبه أيضًا رخام يجعل الماء على صورة خباء، فقال أبو جعفر يصف الراقصة:
وقال ابن نزار في خباء الماء:
مملكة في حمام سيف الدين بدمشق
حكم التصاوير في الحمام
قال الحكماء: وينبغي أن يكون مَسْلَخ الحمام — أي مخلعه الذي تُخلَع فيه الثياب عن الأبدان — لطيف الصنعة، واسع الفضاء، وأن تكون فيه التصاوير من الصور اللطيفة الأنيقة كالأشجار والأزهار والأشكال الحسنة والعجائب من الأسلحة ونحوها؛ لأجل تحصيل الراحة بالنظر فيها عند الاتكاء وقد حلل الحمام القوى، لأن المسلخ إذا كان كذلك كان موافقًا للقوى الثلاث لأن التحليل واقع فيها بما فيه مما ذُكر؛ فالأشجار ونحوها للنفسية، والأسلحة للحيوانية، والثمار للطبيعية. فلا شك في أن الحمام آخذ من القوى محلل بلا لبس، خصوصًا إذا طال المقام فيه، والنظر في الأشياء المذكورة منعشٌ مقوٍّ، هكذا قال الحكماء. والذي أقوله إنهم لو أرادوا بالأشكال الحسنة صور الحيوانات الممثلة في جدران الحمام، فذلك من المنكرات التي تجب إزالتها عند العلماء وأهل الورع، قال الإمام أحمد بن حنبل: إن الإنسان إذا دخل الحمام ورأى فيه صورة فينبغي أن يحكها فإن لم يقدر خرج.
منها الصور على باب الحمام أو داخل الحمام، فذلك منكر تجب إزالته على كل من يدخله إن قدر عليها، فإن كان الموضع مرتفعًا لا تصل إليه يده فلا يجوز له الدخول إلا لضرورة، فليعدل إلى حمام آخر فإن مشاهدة المنكر غير جائزة، ويكفيه أن يشوه وجهها ويبطل به صورتها. ولا يمنع من تصوير الأشجار وسائر النقوش سوى صورة الحيوان.
الصورة الأولى: ما يحصل من صور الحيوانات التي على جدر الحمامات وبيوتها الداخلة والخارجة، فإن ما هذا حاله يجب تغييره، ويكفي في تغييرها قلع رءوسها وفصلها وتشويه وجوهها بحيث تبطل صورتها، ولا يُمنَع من صور الأشجار وسائر النقوش فإنها مباحة، فإن لم يمكن تغييرها فإنه يعدل إلى حمام آخر فإن مشاهدة المنكر غير جائزة.
خزانة الجواهر الفاطمية
ذكر المقريزي أن خزانة الجواهر والطرائف والطيب الفاطمية كانت قائمة على أرجل تصور الوحوش والسباع، وكانت التماثيل المصنوعة من العنبر فيها كثيرة، تبلغ اثنين وعشرين ألف قطعة، أقل تمثال منها وزنه اثنا عشر مُنًّا، ومنها تمثال لطاووس من الذهب المرصَّع بنفيس الجوهر، وعيناه من الياقوت الأحمر، وريشه من الميناء المجرى بالذهب على ألوان ريش الطواويس، ومنها ديك من الذهب ذو عرف كبير مفروق، متخذ من الياقوت كأكبر ما يكون من أعراف الدِّيَكة، وغزال مرصع بنفيس الجوهر ذو بطن أبيض منظوم بالدر الرائع، كما ذكر تمثال البستان المصنوع من الفضة المذهبة، والمتخذ طينه من النَّدِّ، وثمر شجره من العنبر وغيره.
الأصنام والدُّمَى
وقد اختلفوا في تعريف الأصنام، فقالوا: ما كان من حجارة تُعْبَد فهي الأنصاب، فإذا كانت تماثيل فهي الأصنام والأوثان. وقيل: المعمول من خشب أو ذهب أو فضة على صورة الإنسان فهو صنم، وإذا كان من حجارة فهو وثن. وقيل: لا يقال وثن إلا لما كان من غير صخرة كالنحاس ونحوه، وقيل: الوثن الصنم الصغير، أو كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض، أو من الخشب أو الحجارة كصورة الآدمي، تُعْمَل وتُنْصَب فتُعْبَد، والصنم الصورة بلا جثة. وقيل غير ذلك.
وقالوا في تعريف الدُّمْيَة إنها الصنم. وقيل: الصورة من الرخام أو المنقَّشة من العاج ونحوه. وقيل: بل كل صورة من غير تقييد. وقد لهجت العرب بتشبيه النساء بها؛ لأنها يُتَنَوَّق في صنعها ويُبَالَغ في تحسينها. وفي شرح التبريزي على «الحماسة»، نقلًا عن أبي العلاء، أنها قيل لها ذلك لأنها كانت في أول الأمر تصوَّر بالحمرة، فكأنها أُخذت عن الدم. وقالوا: البعيم كأمير: التمثال من الخشب أو الدمية من الصمغ.
وفي «الروض الأُنف» للسهيلي، في ذكر «القليس» — وهو بيت للعبادة بصنعاء — أنه كان به صنمان من خشب؛ أحدهما تمثال رجل طوله ستون ذراعًا، والآخر تمثال امرأة زعموا أنَّها امرأته، وكانوا ينسبون إليهما كل ما يصيبهم.
تماثيل على قبر حاتم طيئ
وفي «مروج الذهب» للمسعودي ما محصَّله أن قبر حاتم طيئ كان عن يمينه أربع جوارٍ من حجارة، وعن يساره أربع، كلهن صواحب شعر منشور، ومحتجرات على قبره كالنائحات عليه، لم يُر مثل بياض أجسامهنَّ وجمال وجوههن، مثَّلتهنَّ الجن على قبره ولم يكنَّ قبل ذلك، فهنَّ بالنهار كما وصفنا، فإذا هدأت العيون ارتفعت أصوات الجن بالنياحة عليه، فإذا طلع الفجر سكتت، وربما مرَّ المارُّ فيراهن فيفتتن بهن، فإذا دنا منهنَّ وجدهنَّ أحجارًا.
قلنا: نسبته عمل هذه التماثيل للجن مبنية على ما كانت العرب تزعم، فقد كانت إذا رأت شيئًا مستحسنًا أو هالها عمله نسبته للجن، ورحم الله أبا العلاء حيث يقول:
التمثال الراقص
ومن بديع التماثيل المقرونة بحيلة صناعيَّة، تمثال جارية لها شعر طويل، تدور على لولب، وإحدى رجليها مرفوعة، وفي يدها طاقة ريحان، فإذا وقفت حذاء إنسان شرب، ثم ينقرها فتدور، رآها المتنبي في مجلس بدر بن عمَّار، فقال مرتجلًا:
وقال أيضًا فيها:
وقال أيضًا، وقد شرب ودارت فوقفت حذاء بدر:
وقال أيضًا فيها:
وقال وقد سقطت في دورانها:
وأمر بدر بأن تُرفع، فقال:
وفي بعض نسخ ديوان المتنبي أنَّه وصفها بشعر كثير وهجاها بمثله، ولكنه لم يحفظ.
وكانوا يقيمون التماثيل في البِرَك ويسلطون الماء عليها، فيُصبُّ منها إلى البركة، وفي أحد هذه التماثيل يقول عمر بن مسعود الحلبي المعروف ﺑ «المحار»، وكان التمثال من نحاس على صورة شخص يخرج الماء من أعضائه:
وقال من أخرى:
وقال من رجز:
التماثيل في المغرب
فإذا تركنا المشرق وتماثيله، وأخذت بيدك لتشرف معي على الأندلس، موطن الحضارة العربية ومعهد التفنن والاختراع؛ لرأينا عجبًا، واستجلينا بدعًا، بل استنتجنا من خبر القوم في قصورهم وجنانهم أنهم كانوا أشد مغالاة بها، وأحرص على الاستكثار منها من أهل المشرق، وحسبنا ما أقامه الناصر من تماثيل الرخام وغيره بالزهراء، وما أقيم من التماثيل في حمراء غرناطة الباقية إلى اليوم تُعارِك الدهر.
من أعظم آثار الملوك
وفي صدر هذه السنة كمل للناصر بنيان القناة الغريبة الصنعة التي أجراها، وجرى فيها الماء العذب من جبل قرطبة إلى قصر الناعورة غربي قرطبة. في المناهر المهندسة وعلى الحنايا المعقودة يجري ماؤها بتدبير عجيب وصنعة محكمة، إلى بركة عظيمة عليها أسد عظيم الصورة، بديع الصنعة، شديد الروعة، لم يُشاهَد أبهى منه فيما صوَّر الملوك في غابر الدهر، مطليٌّ بذهب إبريز، وعيناه جوهرتان لهما وميض شديد، يجوز هذا الماء إلى عَجُز هذا الأسد فيمجه في تلك البركة من فيه، فيبهر الناظر بحسنه وروعة منظره، وثجاجة صبِّه، فتُسقى من مجاجه جنان هذا القصر على سعتها، ويستفيض على ساحاته وجنباته، ويمد النهر الأعظم بما فضل منه! فكانت هذه القناة وبركتها والتمثال الذي يصب فيها من أعظم آثار الملوك.
فيل من فضة على شاطئ بركة
وكان في قصر المعتمد فيل من فضة على شاطئ بركة يقذف الماء، وهو الذي يقول فيه عبد الجليل بن وهبون من قصيدة:
وقال يحيى بن هذيل في غزالة من نحاس ترمي الماء في بركة:
ولما أراد أحد سلاطين مراكش في القرن الثاني عشر إبرام هدنة مع الإسبان، ندب لذلك السيد أحمد بن محمد بن غزال الفاسي، وبعثه سفيرًا لملكهم سنة ١١٧٩ﻫ، فكان مما شاهده ﺑ «إشبيلية» ووصفه في رحلته «نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد»؛ دار عربية كبيرة كانت لم تزل قائمة على عهده، يقول في أثناء وصفه لها ولجنَّتِها: «وبأعلى السور تصويرة آدمي، وبيده بوق متصل بفيه يزعق فيه، ولا يسكت إلا إذا انقطع الماء، وبهذا الروض عدة صهاريج استوعب جميعها تصاوير يدفق الماء من فيها.»
بركة عليها أشجار مذهَّبة
وفيها يقول ابن حمديس:
إلى أن يقول في الأشجار:
إلى آخر ما قال في وصفها. وله من قصيدة أخرى يصف فيها بركة يجري إليها الماء من شاذروان من أفواه طيور وزرافات وأسود:
إلى أن يقول:
وهي طويلة، نكتفي منها بهذا المقدار.
تمثال جاريتين في تدمر بالشام
وروى ياقوت في «معجم البلدان»، في كلامه على آثار تدمر في الشام، أنه كان من جملة التصاوير التي بها صورة جاريتين من حجارة، فمر بهما أوس بن ثعلبة التيمي، صاحب قصر أوس بالبصرة، فاستحسنهما وقال:
ويُروى عن الحسن بن أبي سرح عن أبيه قال: دخلت مع أبي دُلَف إلى الشام، فلما دخلنا تدمر ووقف على صورتين هناك، أخبرته بخبر أوس بن ثعلبة، وأنشدته شعره فيهما، فأطرق قليلًا ثم أنشدني:
وقال محمد بن الحاجب يذكرهما:
وقال أبو الحسن العجلي فيهما:
حكم التصوير في الإسلام
عن بُسْر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن أبي طلحة صاحب رسول الله ﷺ، قال: إن رسول الله ﷺ قال: إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصورة.
قال بُسْر: ثمَّ اشتكى زيد فعُدْناه، فإذا على بابه سترٌ فيه صورة، فقلت لعبيد الله ربيب ميمونة زوج النبي ﷺ: ألم يخبر زيد عن الصورة يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: إلا رَقْمًا في ثوب؟
وفي «الكامل» لابن الأثير، في حوادث سنة اثنتين وثلاثين للهجرة، أن عبد الرحمن بن ربيعة كان له سيف يسمى بالنون؛ ولذلك قيل له «ذو النون»، والظاهر أنه كان متخذًا له مثال سمكة أيضًا كسيف مالك بن زهير، فسمي بذلك.
وفي «الكامل» أيضًا، في ذكر سلاح النبي ﷺ أنه كان له تُرْسٌ فيه تمثال رأس كبش، فكرهه لذلك.
كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير، فرأى في صُفَّته تماثيل، فقال: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي ﷺ يقول: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصوِّرون.
من خطبة للإمام علي رضي الله عنه
ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير، فيقول: يا فلانة — لإحدى زوجاته — غيِّبيه عني؛ فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينيه؛ لكيلا يتَّخذ منها رياشًا.
وذكر العليمي في «المنهج الأحمد» عن أحمد بن علي العلثي، أحد الزهاد، أنه كان عفيفًا لا يسأل أحدًا شيئًا، ويتقوَّت من عمل يده بتجصيص الحيطان، ويتنزه في صناعته عن عمل النقوش والصور، ثم ترك صناعته بسبب دخوله مرة دار السلطان للعمل مع الصناع، وكان فيها صور من الأسفيداج، فلما خلا كسرها كلها، فاستعظموا ذلك منه، وانتهى أمره إلى السلطان، وأخبروه بصلاحه فأمر بإخراجه ولم يعاقبه.
صور على الستور المنسوجة بالذهب
ذكر المقريزي في خططه، في الكلام على خزائن الفرش والأمتعة الفاطمية، أنه كان بها من الستور الحرير المنسوجة بالذهب على اختلاف ألوانها وأطوالها؛ عدَّة مئين تقارب «الألف» فيها صور الدول وملوكها والمشهورين فيها، مكتوب على صورة كل واحد اسمه ومدَّة أيامه وشرح حاله.
وقال أبو العلاء المعري مما كتب على ستر فيه صور طيور:
وقال المتنبي يصف سترًا مصوَّرًا:
تماثيل الزَّهْر والنَّوْر
إلى آخر ما قال، وكان إلى ناحية تلك السفائف سفينة فيها جارية من النوَّار، تجذِّف بمجاذيف من ذهب لم يرها صاعد، فقال المنصور: أجدت إلَّا أنك لم تصف هذه الجارية، فقال:
وكان «قصر الورد» يُتَّخذ في مصر للخلفاء الفاطميين بالخاقانية، وهي قرية من قرى قليوب كانت من خاصِّ الخليفة، وبها جنان كثيرة يُغرس فيها الورد، وكانت من أحسن المتنزَّهات المصرية.
وكان هذا القصر من أيام الفاطميين المعدودة، يسير فيه الخليفة إلى تلك القرية، ويُصنع له فيها قصر عظيم من الورد، ويُخدم بضيافة عظيمة، على ما ذكره المقريزي في خططه.
بستان خُمَارَوَيْه
بطيخة من النَّدِّ عليها قلادة من لؤلؤ
ومما رُوي عن المتنبي أنه دخل على أبي العشائر الحسين بن علي بن حمدان، ورأى في يده بطيخة من نَدٍّ في غشاء من خيزران، وعليها قلادة من لؤلؤ، فحياه بها وطلب منه تشبيهها، فقال:
وقال فيها ارتجالًا أيضًا:
زِرٌّ ذهب في كرة عنبر
كان الملك العزيز بن صلاح الدين يميل إلى القاضي الفاضل في حياة أبيه، فاتفق أن العزيز هَوِي قَيْنَة شغلته عن مصالحه، وبلغ ذلك والده فأمره بتركها، ومنعها من صحبته، فشق ذلك عليه، وضاق صدره، ولم يجسر أن يجتمع بها، فلما طال ذلك بينهما سيَّرت له مع بعض الخدم «كرة عنبر»، فكسرها فوجد في وسطها زِرَّ ذهب، ففكر فيه، ولم يعرف معناه، واتفق حضور القاضي فعرَّفه الصورة، فعمل القاضي الفاضل في ذلك بيتين وأرسل بهما إليه، وهما:
فعلم العزيز أنها أرادت زيارته في الليل. وهذا وإن كان خارجًا عما قصدناه، فقد ساقتنا المناسبة إلى ذكره.
في دار ابن زُرِّيك فارس المسلمين
صور على جدران الكعبة المشرفة
وذكر أيضًا في رواية عن أسامة بن زيد أنه قال: دخلت مع رسول الله — صلى الله عليه وآله — الكعبة، فرأى فيها صورًا، فأمرني أن آتيه في الدلو بماء، فجعل يبل الثوب ويضرب به الصور ويقول: «قاتل الله قومًا يصوِّرون ما لا يخلقون!»
وذكر العلَّامة ابن حجر في «فتح الباري شرح صحيح البخاري»، في شرح غزوة الفتح، ما يستفاد منه أن بقية بقيت من تلك الصور لخفائها على من محاها.
صورة مريم وعيسى عليهما السلام
ورُوي عن أبي عائذ في المغازي أن صورة عيسى وأمه — عليهما السلام — بقيتا حتى رآهما بعض من أسلم من نصارى غسان، فقال: «إنكما لببلاد غربة!» فلما هدم ابن الزبير البيت ذهبتا فلم يبق لهما أثر.
ثمَّ رُوي بعد ذلك عن ابن جريح أن بعضهم أدرك في الكعبة تمثال مريم — عليها السلام — وفي حجرها ابنها مزوَّقًا، وكان ذلك في العمود الأوسط الذي يلي الباب، ثمَّ ذهب في الحريق.
ولعل المراد بالتمثال هنا الصورة المنقوشة لا المخروطة، بدليل قوله «مزوَّقًا»، أي مصوَّرًا بالدهان.
صورة للشمس والهلال
عثر المنقِّبون من الإفرنج في آثار اليمن على نقوش في الجدران فيها صور أناس يمانين؛ بين رجَّالة، وفرسان، ومتقربين بالضحايا للأوثان.
وذكر الهمداني في «الإكليل» في كلامه على «رِئَام» أنه كان أمام قصر أحد ملوك اليمن حائط فيه بلاطة فيها صورة الشمس والهلال، فإذا خرج الملك ورآها كفَّر لها، بأن يضع راحته تحت ذقنه، ثم يخر بذقنه عليها.
وذكر في موضع آخر من هذا الكتاب قصرًا كان بتدمر قديمًا، مصوَّر الحيطان، وأورد قصيدة في وصفه تُنسب للنابغة وليست له، ذكر فيها أنواع هذه الصور من فرسان مدجَّجين، وصنوف من الحيوان كالثعالب، والفيلة، والأسود وغيرها، إلا أن التحريف الغالب عليها منعنا من إيرادها.
القصر الأبلق في دمشق
حمام الشطارة بإشبيلية
كان بحمام الشطارة بإشبيليَّة صورة بديعة الشكل، جلَّاها لنا أحد شعراء الأندلس بقوله:
دار الملك رضوان بحلب
كانت دار الملك رضوان بحلب، وفيها يقول الرشيد عبد الرحمن بن النابلسي، من قصيدة يمدحه بها سنة ٥٨٩ﻫ، ويذكر ما على جدران الدار من الصور:
ومنها:
ثم لما تزوج بصفيَّة ابنة عمه الملك العادل وأسكنها في هذه الدار، وقعت نار عقب العرس فاحترقت واحترق جميع ما فيها، ثم جدد عمارتها وسماها «دار الشخوص»؛ لكثرة ما كان من زخارفها.
قصر الرَّفْرَف بقبة الجبل
في خطط المقريزي أن الأشرف خليل بن قلاوون لما عمَّر «الرفرف» بقلعة الجبل جعله عاليًا بحيث يشرف على الجيزة كلها، وبيَّضه، وصور فيه أمراء الدولة وخواصها، وعقد عليه قبَّة على عمد وزخرفها، وصار مجلسًا يجلس فيه السلطان، إلى أن هدمه أخوه الناصر محمد سنة ٧١٢ﻫ.
مسجد المتوكل في «سُرَّ من رأى»
صور أشجار وأمصار بالمسجد الأموي
وذكر المقدسيُّ في «أحسن التقاسيم» أن جدران المسجد الأموي بدمشق كانت مكسوَّة بالرخام المجزَّع إلى قامتين، ثم بالفسيفساء الملوَّنة المذهَّبة إلى السقف، وفيها صور أشجار وأمصار وكتابات على غاية الحسن والدقة ولطافة الصنعة، وقَلَّ شجرة أو بلد مذكور إلا وقد مُثِّل على تلك الحيطان.
وحكى البدري في «نزهة الأنام في محاسن أهل الشام»، عن بعض المؤرخين، أن الرخام كان في جدران هذا المسجد سبع وَزَرَات، ومن فوقه صفات البلاد والقرى، وما فيها من العجائب، وأن الكعبة المشرَّفة وُضِعت صفتها فوق المحراب، ثم فُرِّقت البلاد يمينًا وشمالًا، وما بينها الأشجار المثمرة والمزهرة وغير ذلك. ولا نعلم إن كانت هذه الصورة من عمل صناع الروم الذين استجلبهم «الوليد» عند بناء المسجد، أم من عمل العرب الذين اشتركوا معهم في العمل فتكون داخلة فيما قصدناه.
ولبعض المحدثين قصيدة في وصف هذا المسجد، أوردها ابن عساكر في «تاريخ دمشق»، والنويري في «نهاية الأرب»، يقول فيها في وصف صورة:
تصوير مجالس الخلفاء العباسيين
مما يدل على أن مجالس الخلفاء كانت مصوَّرة الجدران، ما حكاه ابن المخلِّطة في «العزيزي المحلي» عن «المهتدي بالله العبَّاسي» وزهده وتقلُّله من الدنيا، ومخالفته من قبله من الخلفاء في أمور كثيرة ذكرها، وذكر منها أنه «عمد إلى الصور التي كانت في مجالس الخلفاء فمحاها، وأزال تلك الشخوص المشوَّهة في الحيطان وغيرها.»
وذكر أبو هلال العسكري في الباب العاشر من كتابه «الصناعتين»، في كلامه على ما ينبغي الاحتراز منه في مفتتح القصائد، أن المعتصم لمَّا فرغ من بناء قصره بالميدان جلس فيه وجمع الناس من أهله وأصحابه، وأمر أن يلبس الناس كلهم الديباج، وجعل سريره في الإيوان المنقوش بالفسيفساء، الذي كان في صدره صور العنقاء، فجلس على سرير مرصع بأنواع الجوهر، وجعل على رأسه التاج الذي فيه الدرَّة اليتيمة، وفي الإيوان أسرَّة من آبنوس عن يمينه وعن يساره، من عند السرير الذي عليه المعتصم إلى باب الإيوان، فكلما دخل رجل رتَّبه هو بنفسه في الموضع الذي يراه، فما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم. فاستأذنه إسحاق بن إبراهيم في النشيد فأذن له، فأنشده شعرًا ما سمع الناس أحسن منه في صفته وصفة المجلس، إلا أن أوله تشبيب بالديار القديمة وبقية آثارها، فكان أول بيت منها:
فتطيَّر المعتصم منها، وتغامز الناس وعجبوا كيف ذهب على إسحاق مع فهمه وعلمه وطول خدمته للملوك!
تماثيل من العنبر والمِسْك والكافور
وفي «أخبار مصر» لابن ميسَّر، في ذكر ما وُجد من الذخائر في خزائن الأفضل بن أمير الجيوش، وزير الآمر الفاطمي بعد مقتله، أنه كان بينها «لعبة عنبر على قدر جسده برسم ما يُعمل عليها من ثيابه لتكتسب الرائحة»، وهو من غريب ما يُروى من ضروب التنعم والترفُّه.
وفي «مطالع البدور» وصف مفصل لهذا الإعذار، جاء فيه أن هذه التماثيل عُملت من العنبر والمسك والكافور على مثل الصور، فمنها ما كان مرصعًا بالجوهر مفردًا، ومنها ما كان عليه ذهب وجوهر.
تماثيل لحيوانات خيالية
مصابيح مزخرفة بأنواع النبات والطيور
مما صنعه العرب في العصور الإسلامية ما يوجد بدار الآثار العربية بالقاهرة؛ من مجموعة من المصابيح الزجاجية المزخرفة، على بعضها أسماء صناعها، وفيها ما هو مصوَّر بأنواع النبات والطيور، يندر وجود مثلها في دور الآثار، نذكر منها مشكاة عليها اسم السلطان محمد بن قلاوون وبين زخارفها كثير من صور الطيور المتقنة الرسم، ومشكاة بديعة التذهيب عليها صور طيور ومكتوبًا عليها: «مما عُمل برسم المَقَرِّ العالي السيفي الملك الناصري»، وقطعة من كرة تُعلَّق على المشكاة عليها صور طيور أيضًا، وقطعة جامٍ من غَضار عليها عصابة من الكتابة الكوفية، وبأسفلها صورة تَيْسَين يتناطحان، رمزًا لما كان يهواه بعض الغزاة من الفرس، وإظهارًا لأن القوة أساس عندهم لصاحب الحق بالغلبة أو التغلب على خصمه.
صورة مطربين على قُمْقُم للعطر
ومن الأواني العربية المصوَّرة المحفوظة بدار الآثار قمقم للعطر مُكَفَّت بالفضة، مكتوب عليه «يا فاعل الخير»، وعليه صورة جماعة يضربون على آلات الطرب.
والمراد ﺑ «التكفيت»: تنزيل الذهب والفضة في النحاس ونحوه، كالتطعيم في الخشب، ويقال له «الكَفْت» أيضًا، ولصانعه «الكَفْتي».
ومنه قول بعضهم:
وقول آخر:
وكلها ألفاظ مولَّدة. وكان لهذه الصناعة رواج بمصر ولأهلها اشتغال بها على ما في خطط المقريزي، وقد انقطعت الآن منها وبقيت منها بقية بالشام.
تَنَانير مصوَّرة ومنقوشة بصور الفرسان
ومنها إناء نُقِش عليه اسم «محمد بن فضل الله»، أحد بني فضل الله العمري المشهورين بكتابة الإنشاء بمصر، وطُرِّزت حافَّته بكتابة فيها ألقابه، يتخللها صور طيور، وإناء آخر عليه صورة فارس. وفيها غير ذلك من الأواني كالطاسات والصواني المصوَّرة بأشكال الحيوان، والتَّنَانير المنقوشة بصور الفرسان.
صور من خزائن بني أمية
تمثال المتجرِّدة
مما يدل على أن أهل اليمن كانوا يقيمون بعض التماثيل على قواعد مرفوعة، أي على نحو ما تُقام عليه اليوم، قول النابغة الذبياني في المتجرِّدة امرأة النعمان:
قال شارحه الوزير أبو بكر البطليوسي: «يقول هذه المرأة مثل دمية بُني لها بنيان مرتفع وحُملت فيه، فهو أصون لها وأحفظ لجسمها.»
رُمحان برأسيهما أهلَّة من ذهب
أعلام يمنية مصوَّرة على عرفات
جمال من طين لمعالجة المس
من مزاعم العرب في جاهليتهم نوع من «تماثيل الجمال»، كانوا يعملونها من الطين، قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»: ومن أعاجيبهم أنهم كانوا إذا طالت علة الواحد منهم وظنوا أنه به مسًّا من الجن لأنه قتل حية أو يربوعًا أو قنفدًا؛ عملوا جمالًا من طين وجعلوا عليها جوالق وملئوها حنطة وشعيرًا أو تمرًا، وجعلوا تلك الجمال في باب جحر إلى جهة المغرب وقت غروب الشمس، وتحايلوا على من به علة من مس الجن، فإذا ما أمسك بها ظنًّا منه أنها جمال حقيقية وحاول سحبها ليغنم ما تحمله من الجوالق، انهارت وسقطت بما عليها، فيحدث ذلك في نفسه رد فعل إثره، فيتسبب لصاحب العلة فزع شديد من هول ما شاهده، ويكون فيه شفاؤه وبرؤه. وهذه من مزاعم العرب في زمن جاهليتهم، وقد يتصادف غالبًا نجاح هذه المزاعم التي يعتقدون صحتها، بل يكادون أن يجزموا بها كل الجزم لما سبق أن جربوه فأتى بما كانوا يتوقعون، وحقق ما كانوا يزعمون.
تمثال دجاجة من ذهب
قلعة من خشب
تمثال «جُعْجُرَّة» من العجين
قال صاحب «القاموس»: «كانوا يصنعونها على هيئة التماثيل من العجين ويسمونها بالجعاجر، فيجعلونها في الرُّبِّ إذا طبخوه فيأكلونه، الواحدة «جُعْجُرَّة» كطُرْطُبَّة.» ومثلها مدائن العجين التي كانت تُعمل في الأندلس يوم النيروز إلى بعض الأكابر، وعادتهم أن يصنعوا في مثل هذا اليوم مدائن من العجين لها صورة مستحسنة، فنظر أحدهم إلى صورة مدينة فأعجبته، فقال له صاحب المجلس: صفها وخذها، فقال:
وقد أجاب بالجواز لأنها جزء من صورة لا صورة كاملة.
فارس على رأس القبة الخضراء
ذكر الخطيب في مقدمة تاريخ مدينة السلام في وصف قصر المنصور، قال: «كان في صدر قصر المنصور إيوان طوله ثلاثون ذراعًا وعرضه عشرون ذراعًا، وسقفه قبته، وعليه مجلس مثله فوقه القبة الخضراء وسمكه إلى أول حد، عقد القبة عشرون ذراعًا، فصار من الأرض إلى رأس القبة الخضراء ثمانون ذراعًا، وعلى رأس القبة تمثال فرس عليه فارس، وكانت القبة الخضراء تُرى من أطراف بغداد.
وحدَّث القاضي أبو القاسم التنوخي، قال: سمعت جماعة من شيوخنا يذكرون أن القبة الخضراء كان رأسها صنم على صورة فارس في يده رمح.
وروى بعضهم خرافة عن هذا التمثال ملخصها أنَّه إذا استقبل جهة دلَّ على خروج خارجي في تلك الجهة». ولكن ياقوت في «معجم البلدان» فنَّد هذا الزعم بقوله: «ما هكذا ذكر الخطيب، بل إنه من المستحيل والكذب الفاحش، وإنما يُحكى بمثل ذلك عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان وتخيُّل المتقدمين الذين ما كانوا بني آدم؛ لأن الملة الإسلامية تجلُّ عن هذه الخرافات، فبان من المعلوم أن الحيوان الناطق الصانع لهذا التمثال لا يعلم شيئًا مما يُنسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيًّا مرسلًا، فلو كان كلما توجه إلى جهة خرج منها خارجي، لوجب أن لا يزال خارجي يخرج في كل وقت.»
ثم ذكر الخطيب أن رأس هذه القبة سقط سنة ٣٢٩ﻫ.
فارس على منارة مسجد
ذكر ابن الأنباري في «طبقات الأدباء» قال: «قال ابن عائشة: كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابًّا نظيفًا جميلًا، تعلَّق من كل علم بسبب، وضرب من كل أدب بسهم، مع حداثة سنه وبراعته في النحو، فبينما نحن ذات يوم إذ هبت ريح فأطارت الورق، فقال لبعض أهل الحلقة: انظر أي ريحٍ هي؟ وكان على منارة المسجد تمثال فارس بفرسه وجميع آلاته من عقيق، فنظر ثم عاد فقال: ما ثبتت على حال»، ويُفهم من ذلك أن هذا التمثال كان يدور على محور، فإذا اتجه إلى جهة عُلِم أن هبوب الريح من الجهة التي تقابلها.
شياطين من خشب
كان المتوكل العباسي شديدًا على أهل الذمة، ذكر ابن الأثير في حوادث سنة خمس وثلاثين ومئتين أنه ألزمهم بأمور في ملابسهم ومراكبهم، كلبس الطيالسة العسلية، وشد الزنانير، وركوب السروج بالركب الخشب وغير ذلك، وأغربها إلزامهم بأن يجعلوا على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمَّرة.
وقد ذُكر ذلك في «محاضرة الأوائل» أيضًا، كما ذكره القلقشندي في «صبح الأعشى»، غير أنه لم يذكر صور الشياطين.
ورُوي أن المتوكل أقصى اليهود والنصارى ولم يستعملهم، وأذلهم وخالف بين زيهم وزي المسلمين، كما جعل على أبوابهم الدهان مثال الشياطين. وهي عبارة صريحة بأن هذه الصور كانت مصوَّرة بالدهان، أي ليست تماثيل من خشب.
ولا يبعد أن يكون بعضها صوِّر بالدهان، وبعضها كان تماثيل على ما يظهر.
كما أن المقتدي بأمر الله أجراهم على هذه العادة، بل علَّق في أعناقهم الجلاجل، ونصب الصور الخشبية على أبوابهم.
تماثيل طيور مغردة
ذكر النويري في «نهاية الأرب» أن من بين ما بناه المتوكل من القصور قصرًا يسمى ﺑ «البرج»، قال: «وكان البرج من أحسنها، كان فيه صور عظيمة من الذهب والفضة، وبركة عظيمة غُشِّي ظاهرها وباطنها بصفائح الفضة، وجُعل عليها شجرة من ذهب، عليها طيور تُصوِّت وتُصفِّر سماها «طوبى»، وبلغت نفقة هذا القصر ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار.»
دلفين على بركة المتوكل
كان مما قاله البحتري من قصيدة يصف بها بركة أنشأها المتوكل، وكان بها تمثال دلفين:
في مغاور اليمن
لو أُتيح لليمن ما أُتيح لمصر من الحفر عن آثارها لكشف التنقيب — فيما نرى — عن آثار مدنية هائلة لا تقل عن المدنية المصرية، فقد روت صحف الأخبار بمصر سنة ١٣٤٠ﻫ أن سيلًا عظيمًا داهم وادي مرخة بقرب مأرب، فكشف عن مغاور بها جثث محنطة، وتماثيل رجال ونساء بسِحَن يمنية، وتماثيل على صور البقر مكتوب عليها بالحميرية، ونقود من الذهب والفضة وأحجار وفصوص من العقيق حُملت إلى أسواق اليمن فاشتراها الهنود.
تمثالا غزالين من ذهب بالكعبة
كان بالكعبة تمثالا غزالين من ذهب، ذكرهما ابن الأثير في تاريخه «الكامل»، فلما ضعف أمر جُرْهم بمكة وفني غالبهم وأرادت خزاعة إجلاء من بقي منهم، خرج عامر بن الحارث الجرهمي بالغزالين والحجر الأسود يلتمس التوبة، وهو يقول:
فلم تُقْبَل توبته، فدفن الغزالين ببئر زمزم وطمسها، وخرج بمن بقي من جرهم إلى أرض جهينة، فجاءهم سيل فذهب بهم أجمعين. ولما حفر «عبد المطلب» بئر زمزم وجدهما فجعلهما صفائح من ذهب، فكان أول ذهب حُلِّيت به الكعبة.
وقيل: بقي الغزالان فيها حتى سُرقا قبل أن تهدمها قريش، وذلك أنها كانت رضيمة دون القامة، فتجرأ نفر منهم على سرقة كنزها وفيه الغزالان، وكانا في بئر في جوفها، فهدمتها قريش وأعادت بناءها ورفعت سقفها في سنة خمس وثلاثين من مولد النبي، عليه الصلاة والسلام.