النزاع بين «بطليموس» الأول و«أنتيجونوس»
أنتيجونوس يزحف على مصر
كان «أنتيجونوس» يعتقد أنه بعد انتصاره في موقعة «سلاميس» أو «سلامين» واختيار
الشعب له ملكًا على البلاد التي يحكمها، سيكون هو الملك الذي يخلف «الإسكندرية»
ومن
أجل ذلك صمم على أن يُخضع كل مناهض أو معارض في أمنيته من حلفائه أو أعدائه، وقد
كان أول من ناصبه العداء وأعلن نفسه ملكًا هو «بطليموس الأول»، وذلك على الرغم من
الهزيمة المنكرة التي هُزِمَها في «رودس»، فلما رأى ذلك «أنتيجونوس» أخذ يعد العدة
لغزو مصر على نطاق ضخم جبار، وليس لدينا مصادر عن حملة «أنتيجونوس» على مصر إلا
ما
رواه لنا «ديودور»١ فقد ذكر لنا أن جيش «أنتيجونوس» كان يتألف من أكثر من ثمانين ألف مقاتل
من المشاة وأكثر من ثلاثة وثمانين فيلًا، وكان يقودها هو بنفسه، أما أسطوله فكان
يتألف من مائة وخمسين سفينة حربية ومائة سفينة نقل محملة بآلات الحصار، كانت بإمرة
«ديمتريوس» ابنه ليهاجم «بطليموس» العنيد الذي أراد أن يناهض من هو أشد منه بأسًا
وأعظم قوة.
ولم ينسَ «أنتيجونوس» أنه سيقطع صحراء جرداء ليصل إلى الحدود المصرية، ولذلك فإنه
لما وصل جيشه الذي جمعه في مدينة «أنتيجونيا» (وقد سميت باسمه، من أعمال سوريا)
إلى
«غزة»، أمر جنوده على حسب ما رواه «ديودور» بأن يحملوا معهم من الزاد ما يكفي عشرة
أيام، هذا إلى أنه حمل على ظهور الجمال التي قدمتها له عرب الصحراء ١٣٠٠٠٠
ميدم Midime من القمح وكمية كبيرة من العلف
للحيوان، وعلى الرغم من هذا العتاد الضخم فإن الحظ لم يكن في جانب «أنتيجونوس»،
وذلك لأنه كان يريد الإسراع بضرب «بطليموس» ضربة مفاجئة قبل أن يأخذ لنفسه الحيطة
والعدة، ويرجع ذلك إلى أن الوقت الذي انتخبه لم يكن ملائمًا؛ إذ وصل إلى الحدود
المصرية في مستهل فصل الفيضان أي في الوقت الذي كانت فيه معظم أراضي القطر المصري
مغمورة بالمياه مما جعل مرور الجيش داخل البلاد المصرية من أشق الأمور بَرًّا، يضاف
إلى ذلك أن البحر في هذه الفترة كان هائجًا عاصفًا، وهذا هو نفس الخطأ الذي وقع
فيه
جيش «الفرس» في عهد «نقطانب» الأول عندما أرادوا غزو مصر وحال بينهم وبين مقصدهم
ماء الفيضان،٢ وعلى ذلك فإن «أنتيجونوس» بعد أن واصل السير في مستنقعات الساحل بمشقة
بالغة اضطُر إلى الوقوف بسبب اعتراض فرع النيل البلوزي له، وكان يعد سدًّا أبديًّا
هيأته الطبيعية لحماية أرض الكنانة، أما أسطول الغزاة فقد لحقت به خسارة كبيرة بسبب
هبوب الرياح عليه باستمرار في تلك الفترة من السنة، وكانت خسارته ظاهرة في سفن
النقل عند ساحل «رفح».
هذا إلى أنه وصل متأخرًا في النقطة التي كان سيرسو عندها أسطوله، ومن ثم لم يقم
بما كان ينتظر منه القيام به، وقد زاد الطين بلة أن جنود «أنتيجونوس» المرتزقين
قد
أخذوا في الفرار من معسكره إلى معسكر «بطليموس» الذي أغراهم بأجر أكبر مما يعطيه
عدوه، ومن أجل ذلك اضطر «أنتيجونوس» إلى التقهقر إلى سوريا، في الوقت المناسب خوفًا
من أن يلاقي ما لاقاه «برديكاس» من قبل، وقد كانا متفقين في أطماعهما، ولا ريب في
أن هذا التقهقر قد قضى على سمعة «أنتيجونوس» الحربية كما قلل من نصره في موقعة
«سلامين»، وعلى إثر هذا الفشل الذي لحق «بأنتيجونوس» أسرع «بطليموس» في نقل هذا
الخبر إلى كل من «سيلوكوس» و«ليزيماكوس» و«كاسندر» بصورة ماهرة إذ أنبأهم أن هزيمة
«أنتيجونوس» كانت ساحقة، هذا فضلًا من أن جيشه قد أغري بالمال كما حدثنا بذلك ديودور،٣ هذا وقد شتتت العاصفة أسطوله عند الفرع البلوزي، ثم عند الفرع
الفاتنيتي الذي أراد الدخول فيهما إلى قلب مصر، ثم لحقت به أخيرًا عاصفة أخرى عندما
أراد العودة إلى «بلوز» وهو المكان الذي لم يتمكن فيه من اقتحام طريق في أول الأمر،
وأخيرًا اضطر إلى العودة بعد أن جمع مجلسه الحربي الذي قرر العودة إلى
سوريا.
أراد «أنيتجونوس» بعد هذه الخيبة المَشينة أن ينتقم من أهالي «رودس» الذين لم
يقبلوا الانضمام إلى جانبه قبل موقعة «سلامين» (أو سلاميس)، وكانت «رودس» بحكم
موقعها البحري لا ترغب في الانحياز إلى أحد المتحاربين بل كانت تريد الحياد، حقًّا
إنها ساعدت «أنتيجونوس» في عام ٣١٥ق.م في بناء سفن حربية له، ولكنها فعلت ذلك من
الوجهة التجارية وليس بوصفها محاربة، والواقع أنها كانت تورد سفنًا لكل الممالك
على
السواء، وقد رأى أهل «رودس» أنه ليس في صالحهم قط أن يساعدوا «أنتيجونوس» على
«بطليموس» جارهم وبخاصة أن مفتاح تجارة الإسكندرية في يده،٤ وقد طلب «أنتيجونوس» إلى أهالي «رودس» أحد أمرين: إما أن يدفعوا له
غرامة أو الحرب، وقد كان أمرًا مفهومًا أن أهل هذه الجزيرة الصغيرة لا يمكنهم
الوقوف في وجه ملك آسيا الجبار، وقد كان أول عمل قام به ضد أهل هذه الجزيرة الصغيرة
أنه منعها أن تتاجر مع «الإسكندرية» كما أمر بالقبض على سفنها التي تمر بينها وبين
«الإسكندرية»، ولكن لما كان أهل «رودس» قد دُرِّبوا منذ زمن بعيد على حماية سفنهم
من قرصان البحر، فإنهم دافعوا عن أنفسهم، وقد عد «أنتيجونوس» هذا الدفاع عن النفس
بمثابة إعلان حرب عليه من جانب أهل «رودس»، ومن ثم أرسل «أنتيجونوس» ابنه
«ديمتريوس» للقضاء على «رودس» ولكن لما رأى أهل «رودس» ذلك قبلوا التحالف معه على
«بطليموس» غير أن هذا التحالف لم يُرضِ «أنتيجونوس» إذ طلب «ديمتريوس» من أهل
«رودس» مائة رجل رهينة، كما طلب دخول ميناءهم دون قيد ولا شرط، ولكن هذه المطالب
لم
تُرضِ أهل «رودس» وعزموا على الدفاع عن بلادهم بكل قوة وشجاعة، وهكذا بدأ حصار
الجزيرة في الشهر الأول من عام ٣٠٥ق.م وقد بقي حوالي سنة وانتهى بصلح شريف بفضل
عناد «أنتيجونوس» وقد تحدث المؤرخون كثيرًا عن حصار «رودس» كما تحدث الشعراء عن
حصار «طروادة» ولا أدل على ذلك مما حدثنا به ديودور.٥
وفي أثناء هذه الحرب طلب أهالي «رودس» إلى كل من «بطليموس» و«ليزيماكوس»
و«كاسندر» النجدة، غير أنهم كانوا وقتئذ في شغل شاغل بأمورهم الخاصة، والواقع أن
«بطليموس» كان يخشى الدخول في حرب مع «أنتيجونوس» فيعيد بذلك مأساة قبرص، وعلى
الرغم من ذلك فإنه أمدَّ أهل «رودس» ببعض الرجال والمال والأغذية، وكان «بطليموس»
يرى أن هذه الحرب في صالحه، غير أنه كان يخشى عاقبتها على أهل «رودس»، ولكن بفضل
توسط أهل «أيتوليا» ونصيحة «بطليموس» لأهل هذه الجزيرة قبلوا أن يقدموا مائة رجل
رهينة كما طلب «أنتيجونوس»، وأن يكونوا حربًا على كل من يعاديه إلا «بطليموس»،
وبذلك خرجت «رودس» من هذه الحرب لا لها ولا عليها، وقد أظهر أهل «رودس» اعترافهم
بالجميل لكل من ساعدهم في هذه الحرب فأقاموا تمثالًا لكل من «كاسندر» و«ليزيماكوس»
إذ كانا قد ساعداها بصورة ثانوية، أما «بطليموس» الذي ساعدهم كثيرًا فإنهم على ما
يقال أرسلوا إلى «لوبيا» يطلبون من وحيها إذا كان في مقدورهم أن يمجدوا «بطليموس»
بوصفه إلهًا، وقد أجابهم الوحي بالموافقة وعلى ذلك خصصوا مكانًا معينًا قائمًا
بذاته سموه «بطليماون» Ptolemaeon،٦ ومن المحتمل أنهم هم الذين منحوه لقب المخلص «سوتر» بهذه المناسبة عام ٣٠٤ق.م.٧
وتدل شواهد الأحوال على أن «أنتيجونوس» وابنه «ديمترويوس» لم يفكَّا حصار هذه الجزيرة إلا اضطرارًا، وذلك لأنه كانت هناك أحداث جسام في بلاد اليونان نفسها تستدعي حضورهما فقد ضربها كل من «كاسندر» و«ليزيماكوس» مما دعا «أنتيجونوس» إلى الإسراع لنجدتها ومعه ابنه.
ففي عام ٣٠٧ق.م دخل «ديمتريوس» هذه البلاد دخول المخلص لها، غير أنه منذ ذهابه
المفاجئ إلى قبرص أصبحت بلاد اليونان عرضة لهجمات «كاسندر» وأصبحت محاطة من كل جانب
بقواته،٨ وكان على «ديمتريوس» أن يأتي لمساعدتها، ومن أجل ذلك فإنه لم يكد ينتهي
من الصلح مع «رودس» حتى نزل بجيشه في أوليس Aulis
ومعه أسطول قوامه ٣٣٠ سفينة وقوة من الجنود عظيمة فطرد «كاسندر» من «هيلاد» ثم ذهب
إلى «أثينا» ليستمتع بالنصر الذي ناله بسهولة، وهناك أراد أن ينتظر عودة الربيع
ليقوم بتحرير بلاد «البلوبونيز».
رأى «بطليموس» في هذه اللحظة أنه لا فائدة تعود عليه من حماية المدن التي كان
يسيطر عليها في بلاد اليونان، والظاهر أنه نزل عن «كورنثه» ﻟ «كاسندر» أما الحامية
التي تركها في «سيسيون» فقد دافعت بعض الوقت محافظة على كرامة جنودها، وانتهى الأمر
بأن سمح لقائد هذه الحامية بالعودة بها إلى مصر،٩ وقام بعد ذلك «ديمتريوس» إلى «البلوبونيز» وانتزعها كلها من يد
«كاسندر» و«بوليبرشون»، عام ٣٠٣ق.م، ومن ثم أعاد «ديمتريوس» حلف «كورنثه» وأعلن
نفسه قائدًا أعلى عليه، وقد عُثر على نقوش في «إبيدور» Epidaure يحتمل أنها تحفظ ذكريات هذا الحادث وهي تفسر بعض الشيء
نظام هذا الحلف للأمم الهيلانستيكية (٣٠٤-٣٠٣ق.م)، بعد ذلك أعلن «ديمتريوس» أنه
سيشعل نار حرب عوان على «كاسندر» في العام المقبل، وقد كان «كاسندر» يعلم أن ذلك
لم
يكن من باب التهديد الأجوف، ولذلك أخذ في إعداد جيش عرمرم، وكذلك كسب إلى جانبه
ملك
«أبيروس» حليفًا وتزوج من ابنته، وقد هال هذا الأمر «كاسندر» ولذلك أراد أن يتفاوض
مع «أنتيجونوس» غير أن الأخير لم يقبل أية مفاوضة إلا الإذعان التام،١٠ ولما لم يجِدْ فائدة من جانب «أنتيجونوس» بدأ يفهم «ليزيماكوس» أن
«تراقيا» سيكون مصيرها مصير «مقدونيا»، ومن ثم أسرع الاثنان بإرسال مبعوثين لكل
من
«بطليموس» و«سيلوكوس»، وقد تألف من كل هؤلاء حلف لمنازلة «أنتيجونوس» الأعور في
حرب
كان مصيرها الحياة أو الموت.١١
ولم يشترك «بطليموس» في هذه الحرب الحاسمة بل اكتفى بأن يراعي مصلحته المباشرة،
فكان دوره فيها دور المترقب ينتظر الوقت الذي يمكنه فيه غزو «سوريا» وبعبارة أخرى
كان ينتظر اضطرار «ليزيماكوس» إلى الذهاب إلى شمال آسيا الصغرى مما يجعله يخلي
«سوريا»، وقد حانت له الفرصة وانقضَّ على «سوريا» واحتلها، غير أنه لم يكد يسمع
شائعة أن أنتيجونوس قد انتصر حتى أخلاها في الحال وعاد أدراجه، ولكن لم يلبث أن
علم
أن هذه الشائعة كانت كاذبة، وقد أراد بطليموس أن يستر فعلته التي أظهرت جبنه وخوره،
فادَّعى أن ما فعله كان تنفيذًا لخطة مرسومة، وعلى أية حال فإنه لم يتحرك من مصر
وترك حلفاءه يقومون بأعباء الحرب دون اشتراكه معهم، ولا شك في أن هذا يكاد يعد
خيانة من جانبه، وذلك فضلًا عن أن خطته كانت فاشلة، أما «أنتيجونوس» فقد ظن أنه
أصبح في استطاعته أن يقبض على «ليزيماكوس» الذي جازف بالذهاب بجيشه إلى آسيا الصغرى
قبل أن ينضم إليه حليفه «سيلوكوس»، والواقع أنه وجد نفسه في مركز غاية في الحرج
عندما وجد «ديمتريوس» قد دعي من «تساليا» ليقطع مواصلاته مع أوروبا ولكن
«ليزيماكوس» بحركة ماهرة تفادى منازلة عدوه القوي حتى وصل «سيلوكوس» لنجدته، وقد
كان تحت إمرته جيش جبار بالإضافة إلى ٤٨٠ فيلًا مدربة على الحرب وصلت إليه هدية
من
الهند وعسكر في «كابودوشيا»،١٢ وقد كان على الحلفاء أن يجتمعوا في مكان واحد، وفي ربيع عام ٣٠١ق.م كان
جيشًا «سيلوكوس» و«ليزيماكوس» مجتمعَيْن يبلغان حوالي ثمانين ألف مقاتل، وقد زحف
هذا الجيش إلى أواسط «فرجيا»، ومما يؤسف له جد الأسف أننا لا نعرف على وجه التأكيد
موقع «أيسوس» وهو المكان الذي دارت فيه رحى المعركة.
وكل ما نعرفه أنه في بلاد «فرجيا»، يضاف إلى ذلك أننا لا نعرف تأريخًا وقعت فيه
الواقعة بالضبط، ولكن نعلم فقط أن الهزيمة كانت منكرة، ولا شك في أن هذه الواقعة
كانت الفاصلة في النزاع الذي دار بحد السيف فكان من نتائجها أن «أنتيجونوس» الذي
لم
يقبل أن يكون له مناهض قد سقط في ميدان القتال صريعًا مدفونًا في هزيمته في حين
أن
ابنه «ديمتريوس» ولى هاربًا إلى «أفيسوس»،١٣ ولم يبقَ له بعد هذه الهزيمة إلا أسطول «قبرص» التي اتخذها مقرًّا
لجيشه، وقد كان في استطاعة «ديمتريوس» بعد هذه الهزيمة بما بقي من أسطوله أن يصبح
قرصان بحر يُخشى بأسه، غير أنه لم يعد بعدُ ملكًا حتى للأثينيين الذين أغلقوا بابهم
في وجه هذا الإله الذي سقط من عليائه.
١
راجع: Diod. XX, 73.
٢
راجع مصر القديمة الجزء الثاني عشر.
٣
راجع: Diod. XX, 74–76.
٤
راجع: Diod. XX, 81.
٥
راجع: Diod. XX, 81–89.
٦
راجع: Diod. XX, 99 (Pausan). I, 8,
6
٧
ولكن يقال: إن الفضل الأول في جعل «بطليموس» يُعبد بوصفه إلهًا يرجع إلى
نقش نقشه خلف جزر «سيكلاد»، راجع: Mechel. No.
373 التي كانت قد وضع عليها حمايته في عام ٣٠٨ق.م،
وإذا كان الإهداء الذي عملته «أرسنوي» حدث في السنين التي بين ٣٠٨ و٣٠٦ق.م
فإن بطليموس لا بد قد لُقب فعلًا «الإله المخلص» قبل أن يفقد سلطانه على
إيجه بهزيمته في «سلاميس» وقبل أن يحمل لقب فرعون مصر (راجع:
Bevan, Ibid. P. 51).
٨
راجع: Bouché-Leclerq I, P. 79, note
1.
٩
راجع: Diod. XX, 102.
١٠
راجع: Diod. XX, 106.
١١
راجع: Diod. Ibid. Justin XV, 2, 15, 4,
1.
١٢
راجع: Diod. XX, 113.
١٣
راجع: Plut. Demetr. 29.