بطليموس و«سوريا» بعد موقعة «أسوس»
كان من الطبيعي ألا يطمع «بطليموس» في شيء من الغنيمة التي كسبها حلفاؤه نتيجة لموقعة
«أسوس» وفعلًا قد قُسِّمت الغنيمة دون حضوره ولم يمنحه حلفاؤه لا «قبرص» ولا «فينيقيا»
كما كان المتفق عليه، أما بلاد «كول» (سوريا) (وهي الجزء الواقع بين «لبنان» وما
خلفها
بما في ذلك «دمشق» ونهر «الأردن» الأعلى) بما في ذلك المدن التي وضع فيها «بطليموس»
حامياته فقد كانت من نصيب «سيلوكوس»، ولكن «بطليموس» احتج على ذلك وادعى أن هذه البلاد
من حقه بمقتضى شروط المعاهدة التي أبرمها مع حلفائه قبل قيام الحرب، ولكن الحلفاء
من
جانبهم أنكروا عليه ذلك؛ لأنه لم يقم بأي عمل إيجابي أثناء الحرب مع «أنتيجونوس»
بل على
العكس أظهروا له أنه كان أشبه منه بالخائن لهم لا حليفهم، غير أن «بطليموس» لم يلتفت
إلى ذلك؛ لأنه كان في حاجة إلى إعادة قوته وتثبيت سلطانه وبخاصة سيادته البحرية التي
كانت قد أفلتت من يده.
وعلى ذلك وجدناه قد استولى على بلاد «سوريا» التي منحها الحلف لسيلوكوس، وقد كاد عمل
بطليموس يفسد ما بينه وبين صديقه القديم «سيلوكوس»، ومنذ وقوع هذا النزاع بين الأسرتين
نجد أنه امتد أمده حتى نهاية البطالمة تقريبًا، والواقع أن التاريخ يعيد نفسه فقد
كانت
بلاد «سوريا» كما تحدثنا عن ذلك من قبل تتنازعها مصر والممالك القوية التي كانت تنشأ
بجوارها طوال العهد الفرعوني، وعلى أية حال فإن «سيلوكوس» لم يكن في مقدوره أن ينسى
الصداقة التي كانت بينه وبين «بطليموس» وأن الأخير قد ساعده على إنشاء دولته في «بابل»
ومن أجل اكتفى «سيلوكوس» بادعائه ملكية «سوريا» وحسْب إلى أن يأتي الوقت المناسب
لأخذها
إذا اقتضت الأمور بالقوة، ومنذ تلك اللحظة أخذ كل منهما يبحث عن حلفاء له استعدادًا
لما
عساه أن يحدث في المستقبل، فأخذ بطليموس يعمل على مصادقة كل من «كاسندر» و«ليزيماكوس»
وكانت أول بادرة في هذا السبيل أن «الإسكندر» بن «كاسندر» تزوج من «ليسندرا» ابنة
«بطليموس» و«أيريديكي»، وفي الوقت نفسه نجد أن ملك «تراقيا» «ليزيماكوس» سرح زوجه
«أماستريس» ملكة «هيراكليس» ليتزوج من ابنة «بطليموس» «برنيكي» وكانت لا تزال في
حداثة
سنها، ومن جهة أخرى نشاهد «سيلوكوس» يخطب الأميرة «ستراتونيس» ابنة «ديمتريوس» عام
٣٠٠ق.م.
وهذا التحالف قد ثبَّت من جديد مركز الأخير بعد هزيمته في موقعة «أسوس»، وذلك لأنه
كان قد فقد نفوذه في بلاد اليونان، وكانت «أثينا» أول مدينة أعلنت حيادها، وقد قابل
سفراؤها الملك في جزر «سيكلاد» وأحضروا له زوجه دياميا Deidameia، وسفنه، وأعلنوه أن أثينا قد أغلقت أبوابها في وجهه، والواقع
أن هذه كانت ضربة بالنسبة «لديمتريوس»، ولكنه لما أصبح عزيز الجانب بما نشأ بينه
وبين
«سيلوكوس» من محبة ومصاهرة فكر في إمكان بناء دولة قوية من جديد في «آسيا» وذلك بشن
حرب
على «ليزيماكوس» وقد كان أول عمل قام به أنه فرض رهينة على رعايا «ليزيماكوس» في
«كرسونيس» Chresonese، وبعد ذلك اشتبك مع أخي
«كاسندر» المسمى «بليستراكوس» Pleistrachos حاكم
«كليكيا» ولم في استطاعة أخيه أن يمد له يد المساعدة بصورة جدية (٢٩٩ق.م) والظاهر
أن
«كاسندر» قد أغمض عينه بتأثير من أخته «فيلا» امرأة «ديمتريوس» وقد كانت تمثل زوجها
الذي كان منهمكًا في مشاكل «آسيا» الصغرى مما جعله يتحول منذ زمن بعيد عن شئون بلاد
الإغريق، وقد احتفل بزواج «سيلوكوس» من «ستراتونيس» ابنة «ديمتريوس» و«فيلا» في مدينة
«روسوس» Rhossos في «سوريا» ويقول بعض المؤرخين إن
«ديمتريوس» قد اشتبك في حرب مع «بطليموس» كان من نتائجها انتزاع «سماريا» ويحتمل
كذلك
«سوريا» الجنوبية بأجمعها، غير أن ذلك لم يثبت بصورة قاطعة، هذا وكان «سيلوكوس» يخشى
أن
تصبح الحرب عامة، ومن أجل ذلك حاول عقد صلح مع «ديمتريوس» و«بطليموس» في أواخر عام
٢٩٩ق.م، وقد كان السبب الذي حدا به إلى ذلك أنه كان يخشى أنه إذا مات «كاسندر» أن
يغري
ذلك «ديمتريوس» على إنشاء إمبراطورية في بلاد الإغريق ومقدونيا، وقد كان من بين شروط
المعاهدة التي أُبرمت بينهم أن يصبح «الإسكندر» (ربيب «ديمتريوس» وقد كان مقدَّرًا
له
أن يموت في مصر) وكذلك «بيروس» بن «بطليموس» وحماه (وكان قد طُرد من أبيروس عام ٣٠٢ق.م)
بمثابة رهينة، وكذلك اتفق على أن يتزوج «ديمتريوس» من «بطليمايس» وهي أميرة مصرية،
وقد
كانت هذه المعاهدة فرصة أمام «بطليموس» ليحفظ لنفسه الحق في أن يتدخل في شئون أوروبا
وضد ممالكها القوية، ومن أجل ذلك عقد حلفًا مع «أجاتوكليس» ملك «سرقوسة» الذي تزوج
من
إحدى بناته المسماة «تيوكزينا».
تلك كانت الحالة السياسية في مصر على وجه التقريب عندما مات كاسندر عام ٢٩٧ق.م، غير
أن طمع «ديمتريوس» أخذ يعكر الجو من جديد فقد عُلم للأطراف الأخرى أنه أخذ يستعد
للحرب
بجيش جبار وأسطول عظيم لم يُسمع بمثلهما من قبل منذ عهد «الإسكندر» فأسرع كل من
«ليزيماكوس» و«سيلوكوس» و«بطليموس» إلى عقد تحالف بينهم من جديد انضم إليه «بيروس»
الذي
كان يعتبر «بطليموس» الأول والده، وقد كان من حسن حظ الحلفاء أنه قبل أن يخرج أسطول
«ديمتريوس» من المواني التي صُنع فيها، كان أسطول مصري يمخر عباب البحر تجاه ساحل
بلاد
الإغريق يدعو الهيلانيين إلى محاربة «ديمتريوس»، وفي الوقت نفسه قام «ليزيماكوس»
بغزو
بلاد «مقدونيا» من الشمال كما هاجمها «بيروس» من الغرب، وبهذه المفاجآت حدث ما لم
يكن
في حساب «ديمتريوس»، فكان من جراء ذلك أن تخلى عنه أهالي مقدونيا الذي أغضبتهم تصرفاته
الاستبدادية، ومن ثم نجده على حين غفلة قد خُلع عن عرشه وحل محله «بيروس» عام ٢٨٧ق.م،
غير أن ذلك لم يكن إلا مؤقتًا؛ لأن «ديمتريوس» كان لا يزال تحت تصرفه جيش صغير بقيادة
ابنه «أنتيجونوس» «جوناتاس»، وقد حافظ به على سلطانه في بلاد الإغريق، وقد كانت بلاد
«تساليا» أو على الأقل مدينة «ديمترياس» لا تزال في قبضته، يضاف إلى ذلك أنه كان
لا
يزال لديه أسطوله العظيم الذي يستطيع به السيطرة على البحار، وأن يحارب به «بطليموس»
في
«أرخبيل اليونان» غير أن هزيمة «ديمتريوس» في «مقدونيا» قد شجعت على قيام ثورة عليه
في
«أثينا» في صيف عام ٢٨٧ق.م، وقد شجعهم على هذه الثورة أن مبعوثهم الذي أُرسل إلى
طلب
النجدة من «ليزيماكوس» و«بطليموس» و«بيروس» قد لاقى قبولًا حسنًا؛ فقد منحهم
«ليزيماكوس» على دفعتين نحو مائة وثلاثين تالنتا من الفضة كما أعطاهم «بطليموس» خمسين
تالنتا، هذا بالإضافة إلى غلال وهبات وصلت من بلاد أخرى،
١ وكان «ديمتريوس» قد حاصر «أثينا» وكاد يستولي عليها لولا تضرعات الفلاسفة
المبعوثين له للصفح عنها وخلاصها.
والمدهش أن الأسطول المصري لم يقم بأية محاولة لتخليص ميناء «بيروس» و«إليوزيس»
Eleusis٢ من جنود «ديمتريوس» وعندما زحف «بيروس» لتخليص أثينا خان وعقد معاهدة سرية
مع «ديمتريوس» بمقتضاها يظل الأخير مسيطرًا على الميناء، ومن اتجه إلى «آسيا» فلم
يحاول
الأسطول المصري الوقوف في وجهه لمنعه، ومن المحتمل أن «بطليموس» قد فعل ذلك عن قصد،
هذا
إذا صدقنا أنه كان مشتركًا في التحالف السري الذي عُقد بين «بيروس» و«ديمتريوس» وبمقتضى
هذا التحالف يبقى الأخير سيد بلاد الإغريق على شرط أن يتخلى عن مقدونيا ويكون حرًّا
في
منازلة «ليزيماكوس» وعلى شريطة ألا يهاجم أهل المدن الإغريقية الذين كانوا في حماية
«بطليموس الأول»، كما كان يجب عليه ألا يهاجم قبرص، غير أن ديمتريوس كان لا يؤمَن
له
جانب.
وقد عزم بطليموس في هذه الأحوال على أن يبقى متفرجًا إذا وقعت حرب «ليزيماكوس»
و«ديمتريوس» وفعلًا لم نلبث أن رأينا «ديمتريوس» يقطع الأرخبيل اليوناني دون عائق
وينقضُّ على أملاك «ليزيماكوس» في آسيا الصغرى، والظاهر أنه لا «ليزيماكوس» ولا
«بطليموس» الأول كان غاضبًا من هذه الفعلة، فقد فُتحت «ميلوتوس» التي كانت تسكنها
«أيريديكي» منذ عام ٢٨٦ق.م وتزوج من «بطليمايس» التي كان قد وعده بها «بطليموس» الأول
من قبل، وبعد ذلك مباشرة أصبح مسيطرًا على «سارديس» ثم أخذ في الاستيلاء على مدن
سواحل
«آسيا الصغرى» غير أن «ليزيماكوس» كان أشد منه بأسًا وأعظم قوة للدفاع عن نفسه، ولسوء
حظ «ديمتريوس» كان قد انفصل وقتئذ عن أسطوله وتوغل في داخل القارة الآسيوية وقد طارده
في توغله هذا «أجاتوكليس» ابن «ليزيماكوس»، وقد حاول أن يحتمي في «كليكيا» التي كانت
وقتئذ ضمن أملاك «سيلوكوس»، وقد قبل الأخير أن يستقبل صهره (والد زوجة ابنه وكان
«سيلوكوس» قد نزل عن «سترتونيس» لابنه «أنتيوكوس» منذ بضع سنين مضت حوالي عام ٢٩٣ق.م)
على شرط أن يضع «ديمتريوس» السلاح، غير أن الأخير أصم أذنيه، وبذلك جرى لحتفه بظلفه،
فقد هُزم ثم ضُيق عليه الخناق حتى اضطُر إلى التسليم صاغرًا، وهكذا نجد أن «سيلوكوس»
الذي كان يريد أن يكون حاميًا له قد أصبح ساجنه، وقد اعتُقل «ديمتريوس» في مدينة
«أبامي» Apamee على نهر «لأرنت» وقد بقي هذا الأسد
الضاري حبيسًا في قفصه إلى أن فارق الحياة بعد سجن دام حوالي ثلاثة أعوام (٢٨٣ق.م)
كانت
الهموم والفراغ في خلالها قد قضت على حياته التي قضاها في حروب عاصفة ومغامرات
دامية.