نهاية عهد بطليموس الأول
كان «بطليموس الأول» في الثانية والثمانين من عمره عندما عزم على النزول عن الملك لابنه، وفي رواية أخرى إشراكه معه في ملك مصر، و«بطليموس الثاني» أنجبته له زوجه «برنيكي» التي كان قد فضَّلها على زوجه الأخرى ولذلك نجده قد فضل «بطليموس» هذا على أخيه الأكبر «بطليموس كرونوس» (العاصفة) بكر أولاده، وقد كان في الواقع خليفته الشرعي على حسب القانون والعرف عند المقدونيين.
وتدل شواهد الأحوال على أن «بطليموس الأول» في الفترة الأخيرة من حياته لم يشغل باله بالشئون الخارجية بل كان كل ما فعله في تلك الآونة هو أن ضم صوته إلى أولئك الذين كانوا يسعون في تخليص «ديمتريوس» من سجنه الذي لم يعارِض فيه وقتئذ إلا «ليزيماكوس» الذي قدم مبلغًا ضخمًا من المال لساجنه «سيلوكوس» ليقضي على حياته، ومن أجل ذلك لم يُلِحَّ «بطليموس» في رجائه لإخلاء سبيل «ديمتريوس»؛ وذلك لأنه كان لا يريد إحياء المخاصمات القديمة والأحقاد الدفينة التي كان يُكِنُّها له «سيلوكوس» في أعماق نفسه بسبب اغتصاب «بطليموس» سوريا التي لم تكن من حقه بل كانت بمقتضى المعاهدة التي أُبرمت في وقتها ملكًا «لسيلوكوس» كما تحدثنا عن ذلك من قبل، ومن ثم بقي «بطليموس» يستغلها بطريقة غير شرعية بشتى الطرق.
ومن المدهش أن نلحظ أنه بقدر ما كان «بطليموس الأول» معتنيًا «ببطليموس فيلادلفس»، كان إهماله ظاهرًا في تنشئة ابنه بطليموس بن «أيريديكي»، وبقدر ما كان الأول وديعًا كان الثاني متوحشًا، وعلى ذلك رأى «بطليموس سوتر الأول» أن يختار لحكم بلاده «بطليموس الصغير» مفضِّلًا إياه على أخيه الأكبر، غير أنه بذلك خالف قوانين «مقدونيا» التي تحتم تولي المُلك الابن الأكبر لصاحب العرش، وإذا فرضنا أن ابن «برنيكي» لم يكن شرعيًّا كما قيل فإن ابن «أيريديكي» كان الابن البكر، ولا غبار على شرعيته لتولي الحكم، هذا فضلًا عن أنه كان من سلالة ملكية وأعظم عراقةً في الملك من جهة أمه، فقد كانت أخت الملك «كاسندر»، في حين أننا لا نعرف حتى الآن أشياء عن شجرة نسب برنيكي، أضف إلى ذلك أننا لو نظرنا إلى موضوع تولي العرش من الوجهة المصرية فإن «بطليموس» بن «أيريديكي» ترجح كفته على كفة أخيه تمامًا، فقد كان ابن ملك وابن أميرة من الدم الملكي، وكان هذا أول شرط لولاية العرش عند قدماء المصريين كما تحدثنا عن ذلك من قبل.
ولعمري إن كل هذه الطرق والحيل التي اتبعها «بطليموس الأول» لتبرير تولية «بطليموس» بن «برنيكي» لم تكن لإقناع المقدونيين أهل بلاده بل كانت لإقناع المصريين الذين يخشى بأسهم ويحافظ على شعورهم وتقاليدهم الدينية التي لا تستقيم الأمور في البلاد بدونها.
ولا نزاع في أن المَلك الجديد عند توليه العرش وجد الأحوال خارج بلاده متوترة؛ فقد احتمى أخوه «بطليموس كرونوس» عند «ليزيماكوس»، بعد ذلك عند «سيلوكوس» الذي رحب به ووعده بأن يضعه على عرش الكنانة وهو حقه المغتصب منه، وهذا الموقف يُشعر بما عساه أن يحدث من مآسٍ وحروب لا بد أن تقوم فيها مصر بدورها، وعلى أية حال كانت عاصفة الحرب تظهر بوادرها في كل العالم المتمدين، وفي تلك الأثناء وافت «بطليموس الأول» المنية وهو في الرابعة والثمانين من عمره، ولقد كان القائد الوحيد من بين قواد «الإسكندر الأكبر» الذين شاركوه في كل غزواته تقريبًا ومات على فراشه ميتة طبيعية بعد أن حكم مصر أكثر من أربعين حولًا.