لقد كانت العواصم المصرية منذ أقدم العهود مسرحًا لوفود الأجانب عليها والاختلاط
بأهلها وبخاصة في عهد الدولة الحديثة عندما أخذت مصر تسيطر على العالم المتمدين،
فكانت
بعوث البلاد الأجنبية تحمل إلى مصر الجزية والهدايا إلى عاصمة الملك، ولا أدل على
ذلك
من المناظر التي نشاهدها حتى الآن في قبور الأشراف تمثل هذه البعوث على اختلاف أجناسها
فنشاهد فيها «الأيوني» و«الكريدي» و«السوري» و«السكاري» و«اللوبي» و«الآسيوي» وغيرهم،
والواقع أن بعض هؤلاء الأقوام كانوا أحيانًا يسكنون أمهات البلاد المصرية وبخاصة
«منف»
و«طيبة» و«سايس»، وكانوا أحيانًا يتخذون أحياء خاصة بهم في تلك المدن.
وقد حتمت مقتضيات الأحوال منذ أول عهد البطالمة في مصر على ازدياد عدد الأجانب بطبيعة
الحال مما عقد الأمور في البداية ودعا «بطليموس» إلى محاولة إيجاد حل سريع لإرضاء
المصريين من جهة ولو ظاهرًا والسكان الجدد من جهة أخرى من الوجهة الدينية بوجه
خاص.
عبادة سيرابيس وإزيس وانتشارها في العالم
كانت أرض الكنانة منذ منتصف القرن السابع قبل الميلاد قبلة للإغريق الذين توافدوا
عليها بوصفها المنبع الفياض للعلوم والمعارف وقد ظلت مدرستهم الوحيدة التي يتلقون
فيها شتى أنواع العلوم العلمية والدينية كما أوضحنا ذلك فيما سبق.
وقد ظهر تأثير ذلك في المعتقدات الدينية وبوجه خاص في عبادة الإله «أوزير» الذي
وحدوه بإلههم «ديونيسوس»، ولا غرابة إذن إن شهدنا الإغريق الذين وفدوا على مصر في
عهد «بطليموس الأول» كان لديهم الاستعداد أن يتقبلوا الآراء المصرية القديمة دون
حرج أو كبير عناء؛ إذ في الواقع نجد أنها كانت قد نَفَذَت إلى أفكارهم في صور
مختلفة بعض الشيء ولكنها في جوهرها واحدة، وبخاصة أن العلاقة بين مصر وبلاد اليونان
لم تنقطع أسبابها منذ منتصف القرن السابع قبل الميلاد حتى دخول «الإسكندر الأكبر»
ولا أدل على ذلك من أن المصريين في بادئ الأمر استعملوا أسماء اثني عشر إلهًا وقد
استعارها الإغريق فيما بعد من المصريين.
وتدل شواهد الأحوال على أن «بطليموس الأول» قد فطن لذلك بمساعدة من حوله من
مستشارين من رجال الدين أمثال الكاهن «أميولبيديس تموتيوس» Eumopides
Timotheus الذي شرح عبادة «ديونيسوس»، وهو يعتبر عمدة
في الديانة الإغريقية، والكاهن المصري «مانيتون» الذي كان يضرب بسهم وافر في
الديانة المصرية والتاريخ المصري، ومن أجل ذلك فكَّر في توجيه الإغريق الوافدين
إلى
مصر إلى عبادة إله لم يكن مجهولًا لدى المصريين ولم يكن بعيدًا عن المعتقدات
الإغريقية، وكان المقصود من ذلك إيجاد رابطة بين الشعبين يلتقيان فيها، ولا نزاع
في
أن أكبر رابطة بين الشعوب القديمة لم تكن رابطة الجنس بقدر ما كانت رابطة الدين،
ومما لا جدال فيه أن الديانة الحقيقية التي كان يعتنقها إغريق الإسكندرية وقتئذ
كانت من جهة عبادة الآلهة التي كانوا يعبدونها في وطنهم القديم، وكذلك بوجه خاص
العبادات الباطنة الخاصة ببلاد الإغريق والشرق، وهي التي كانت منتشرة في ذلك الوقت
في كل أنحاء العالم، نقصد بذلك العبادة «الإليوزينية» Eleusinion التي أُخذت عن أتيكا وأعني بذلك الشعائر الأورفية
الخاصة بالآلهة «ديونيسوس
زاجيروس» Dionysus
Zagreus وهي عبادة عامة عند كل الإغريق بل في العالم كله، وقد
وُصفت شعائر عبادة «ديونيسوس» على لسان «تيوكريتوس» واحتُفل بها بنفس الصيغ
والشعائر في العهد البطلمي المبكر.
والواقع أن شعائر هذا الإله كانت تتمشى في معظمها مع عبادة الإله «سيرابيس»
الجديد الذي أُدخلت عبادته في عهد «بطليموس الأول»، وفي اعتقادي أن السبب الذي حدا
«ببطليموس الأول» إلى إدخال عبادة هذا الإله في «الإسكندرية» أن «ديونيسوس» قد
وُحدت عبادته «بأوزير» وقد نُقلت هذه العبادة عن مصر منذ القرن السادس قبل الميلاد
وأُلبست ثوبًا إغريقيًّا باسم «ديونيسوس» الذي يرجع بدوره إلى أنه كان مثل «أوزير»
إنسانًا ثم إلهًا فيما بعد، وتدل الظواهر على أنه كان وُجد في مصر إله يعبد في
«منف» ويُدعَى «أزير أبيس» وهو الذي سماه الإغريق «سيرابيس».
وقد كان هذا هو المفتاح الذي وضع «بطليموس الأول» يده عليه ليكون نواة للديانة
الجديدة التي كان يريد أن يتجمع حولها سكان مصر من إغريق ومصريين، ولا نزاع في أن
المصريين عندما كانوا يتحدثون عن «سيرابيس» بلغتهم كانوا ينادونه باسم «أوزير
حابي»، وقد كان «سيرابيس» عند المصريين هو إله الآخرة، وقد صار «أوزير» مع تغيير
بسيط في اسم «أبيس» المتوفى يُدعَى «أوزير أبيس» الذي كان يعبد منذ زمن بعيد في
«منف»، وكان معبد «سيرابيس» الذي أقامه البطالمة في «منف» مكان عبادة المصريين
كالمعابد المصرية الأخرى المقامة في «طيبة» و«إدفو» وغيرهما، غير أن المعبود المصري
قد أصبح عزيزًا لدى الإغريق الذين توطنوا في مصر، ولما نُقِلت عاصمة الملك إلى
«الإسكندرية» أقيم له معبد في «الإسكندرية» وأصبح صاحب المكانة الأولى فيها.
والآن يتساءل المرء لماذا اتُّخذ هذا الإله بالذات إلهًا مشتركًا للإغريق
والمصريين دون الآلهة الأخرى التي كانت معروفة لدى الإغريق في مصر؟ والجواب على
ذلك
قد يكون سهلًا ميسورًا عندما نعلم أن عبادة العجول كانت شائعة في مصر منذ فجر
التاريخ واستمرت حتى نهاية عهد الرومان، فقد كان يُعبد العجل «أبيس» في «منف» كما
كان يعبد العجل «منفيس» في «عين شمس» وأخيرًا العجل «بوخيس» في «أخميم»، وقد كان
«نقطانب الثاني» أول من احتفل بعبادة العجل «بوخيس».
فعبادة العجل إذن كانت عبادة منتشرة في مصر، وأقدمها عبادة العجل «أبيس» الذي كان
يُعبد في «منف» عاصمة الملك أحيانًا في العصر المتأخر، ولما حضر «الإسكندر الأكبر»
إلى «منف» قدم له قربانًا كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولا بد أن عبادة العجل في صورة
«سيرابيس» كانت شائعة عند الإغريق في «منف» في هذه الفترة مما حدا «ببطليموس» إلى
نقلها إلى «الإسكندرية» عاصمته الجديدة التي كان يسكنها إغريق ومصريون على السواء،
وفي هذه العاصمة الجديدة أقام له «بطليموس» على ما يظهر معبدًا فخمًا، ثم أقيمت
له
معابد كثيرة في أنحاء القُطر المصري، غير أن المؤرخ «ماكروبيوس» Macrobuis يقول: «إن المصريين قد قبلوا عبادة «سيرابيس» عن
كره.» وقد علل ذلك بقوله إنه يمكن الإنسان أن يَلحظ أن معابد «سيرابيس» إذا
استثنينا «الإسكندرية» كانت دائمًا خارج مباني المدن المصرية، غير أن «فلكن» المؤرخ
المعروف يقول إن هذا الاستنباط خاطئ؛ لأن معابد «سيرابيوم» في مصر كانت دائمًا تقام
في خارج المدن عند حافة الصحراء، وذلك لأن هذه المعابد كانت خاصة بإله الموتى، ومن
ثم كانت تقام بجوار المدافن كما هي الحال في معبد «السرابيوم» بمنف.
وقد كان من الضروري أن يظهر هذا الإله الجديد بعد أن وُطدت عبادته في الإسكندرية
على يد «بطليموس» بمظاهره الإغريقية التي كان يتصف بها الآلهة الإغريق الذين وُحد
بهم، فقد وُحِّد «بأسكليبيوس» بوصفه الإله الشافي، فقد كان يذهب إليه المرضى
وينامون في معبده حيث يملي عليهم هذا الإله في نومهم ما يجب عمله لشفاء كل مرض،
وهذا ما لا نجد له نظيرًا في «أوزير حابي» المنفي، ولا بد من أن هذه الصفات قد خص
بها الإغريق الأُوَل الإله «سيرابيس»، والواقع أنه قد وُجد نقش في خرائب معبد
إغريقي صغير مقام بجوار الطريق المرصوف الموصل ما بين «سرابيوم منف» ومعبد «أنوبيس»
وهذا النقش لا يتخطى تاريخه عام ٣٠٠ق.م وفيه نقرأ أن إغريقيًّا يقدم الشكر للإله
«سيرابيس» على شفائه من المرض الذي أصابه.
وقد كشف لنا معبد «السرابيوم» الذي أقيم في «ديلوس»
Delos أن الثالوث الذي أثر على المدينة الهيلينية لم يكن
«إزيس» و«سيرابيس» وابنهما «حور» (حربوخرات) بل كان يتألف من «إزيس» و«سيرابيس»
و«أنوبيس».
٢
والأخير هو الإله الذي يقود الأرواح إلى عالم الحياة الأبدية.
وعلى الرغم من أن الإغريق صوروا «سيرابيس» في شكل رجل إغريقي وشوهوا عبادته
بعناصر هيلانية فإن صورته المصرية كانت دائمًا ظاهرة بارزة، حتى عندما نُقلت عبادته
فيما وراء البحار مع الآلهة المصريين الحقيقيين؛ أي مع «إزيس»، و«أنوبيس» و«حور»
والعجل «أبيس».
ولما كان «سيرابيس» في الأصل يمثل صورة من صور «أوزير» فكان على ذلك يقوم في
العالم الإغريقي مكان «أوزير» بجانب «إزيس»، ولكن كان «أوزير» يظهر أيضًا، ويقول
«فلكن»: إن الآلهة المصريين الذين كانوا يرافقون «سيرابيس» هم نفس الآلهة الذين
يظهر أنهم رافقوا «أوزير-حابي» في معبد «سرابيوم منف».
وكان الناس يتطلعون في كل مكان إلى «سيرابيس» و«إزيس» لأنهما الإلهان المخلصان،
ولا بد أنه بحلول القرن الأول قبل الميلاد كانت عبادتهما تعتبر الديانة العالمية؛
فقد انتشرت عبادتهما انتشارًا شاسعًا حتى إن قوة انتشارهما قد جعل «إزيس» وحدها
من
بين الآلهة الأجنبية تدخل بلدة «أوروك» في بابل وتعرف هناك،
٣ في حين أن «سيرابيس» وصل بلاد الهند،
٤ والواقع أن «سيرابيس» الذي أظهره «بطليموس» في عالم الوجود عن روية
وتفكير وهو لا يزال متأثرًا بآراء «الإسكندر» يعد الإله الوحيد الذي صنعه الإنسان،
فقد كان «أوزير» يظهر في ثوب «أبيس» محلًّى بعناصر إغريقية، وكان الغرض منه التوحيد
بين الإغريق والمصريين في عبادة واحدة مشتركة غير أن المصريين كما يقال لم يقبلوه،
وعلى الرغم من أنه حافظ على خصائصه الأوزيرية وأن «إزيس» كانت زوجه فإنه أصبح الإله
الإغريقي للإسكندرية فكان هو و«إزيس» مُمَثَّلَيْنِ على الأرض بالزوجين البطلميين
الإلهيين أي مثل «أزير» و«إزيس» في الديانة المصرية القديمة.
هذا وكانت الآلهة «زيوس» و«هاريس» و«سكليبيوس» وغيرهم يعدون من العناصر التي
تتألف منها طبيعة «سيرابيس»، ولا غرابة في ذلك فإنه من خصائص الديانة المصرية
القديمة أن الآلهة فيها في عهد الدولة الحديثة وما بعدها بوجه خاص، كانت عندما
يرتفع شأن الواحد منها يطغى على صفات الآلهة الآخرين، وعلى مميزاتهم وينسبها لنفسه؛
أي إنه يُصبح موحَّدًا مع أي إله يرى التوحيد معه، ولقد أصبح «سيرابيس» الحاكم
العالمي الذي يَكِلُ إليه عبادة أمورهم كما يريدون، والظاهر أن التفسير الذي قدمه
الأثري «فلكن» وهو «أوزير-أبيس» لم يقبله بعض العلماء حتى الآن، في حين أن التفسير
الذي يقول إن «سيرابيس» مشتق من اسم المعبودة البابلية «أيا» وهو «شارأبسي» لم يجد
قبولًا حسنًا عند الأثريين.
٥
مما يطيب ذكره هنا أنه توجد دعاية قوية للإله «سيرابيس» في محيط مدن مصر، هذا وقد
انتشرت عبادته بسرعة في العالم «الأيوني» وأحيانًا نجد أنه قد دخلت عبادته معبد
أقدم «لازيس» التي كانت عبادتها قد مهدت غالبًا لعبادته كما حدث في «أثينا»، وقد
كانت عبادته في بادئ الأمر مثل عبادة «إزيس» قاصرة على مجتمعات خاصة، ولكنها أصبحت
رسمية كما حدث في «أثينا»، و«ديمترياس»
Demetrias
و«لندوس»
Lendus و«ديلوس» وغيرها، ففي «ديلوس»
مثلًا نجد أن كاهنًا مصريًّا يُدعى «أبولونيوس» قد أدخل عبادته قبل عام ٣٠٠ق.م،
وبعد أن استوطن هذا الإله مدة جيلين هناك بنى له حفيد «أبولونيوس» هذا معبدًا، وفي
عام ١٦٦ق.م، كان له ثلاثة معابد استولت المدينة على واحد منها، وقد وسع هذا
«السرابيوم»، الرسمي فيما بعد، وفي مصر كان للإله «سيرابيس» اثنان وأربعون معبدًا
٦ غير أن معابده الرئيسية كانت في «الإسكندرية» و«منف».
وتدل أقوال المؤرخين القدامى على أن مبنى «السرابيوم» كان موجودًا قبل عهد
البطالمة، وقد قال المؤرخ
Tacitus إنه كان يوجد
معبد يتناسب مع عظمة «الإسكندرية» وأقيم في حي «راقودة» حيث كان يوجد من قبلُ معبد
صغير للإله «سيرابيس» والإلهة «إزيس»، ويذكر كذلك المؤرخ «أريان» الذي عاش في
القرنين الأول والثاني بعد الميلاد أن «الإسكندر الأكبر» قد وضع أساسًا لمعبد
للإلهة «إزيس» في الحي الوطني أي «راقودة»، وكذلك يؤكد العالم البليغ «أفثونيوس»
Aphthonius الأنطاكي الذي زار الإسكندرية في
عام ٣١٥م أنه زار «السرابيوم» وقد أشار إليه باسم «أكروبوليس»
Acropolis، وأن «الإسكندر» هو الذي أسسه، وفضلًا عن ذلك يقول
المؤرخ البيزنطي «مالالاس»
Malalas:
٧ إن «الإسكندر» أقام معبد «السيرابيوم» في «الإسكندرية»، ولا غرابة في
ذلك؛ فإنه كان يوجد معبد قديم صغير قبل عهد البطالمة، كما ذكر «تاسيتوس»، ولا أدل
على ذلك من وجود قرابين قُدِّمت لهذا الإله قبل عهد «بطليموس الثالث»، فقد برهنت
على ذلك الحفائر الحديثة التي عُملت في الإسكندرية عام ١٩٤٣م وعلى أن هذا الملك
هو
الذي أقام هذا المعبد، وقد قدم هذه القرابين «أسكليبيودوروس»
Asclipiodros و«إيبولوس»
Eubolos هذا بالإضافة إلى مائدة قربان تذكارية قيل إنها قُدمت
على شرف «بطليموس الثاني» وزوجه «أرسنوي» (غير أن هذا ليس مؤكدًا)، وقد وُجدت هذه
المائدة منذ زمن بعيد في حرم مقدس صغير يقع شمال عمود بومباي،
٨ ويقول «تاسيتوس» في كلامه إن معبد «سيرابيس» الجديد بناه «بطليموس
الأول» بعد أن أحضر إلى «الإسكندرية» من «سينوبي»
Sinopu تمثال الإله «بلوتو»
Pluto وهو عند الإغريق إله العالم الآخر مثل «أوزير»، وكذلك
يشير «بلوتارخ» إلى نقل التمثال من «سينوبي» الواقعة على البحر الأسود إلى
الإسكندرية، ويقول إنه عند وصوله وُحِّد بتمثال «سيرابيس» وهو الاسم الذي أطلقه
المصريون على «بلوتو».
ومن الجائز أن «بطليموس الأول» أحضر التمثال من «سينوبي» ووضعه فعلًا في محراب
صغير كان موجودًا من قبلُ للإلهين «سيرابيس» و«إزيس» في «راقودة» حيث أقام فيما
بعد
حفيده «بطليموس الثالث» معبد «سيرابيس» الفخم ليحتفل بعظمة «سيرابيس» وببهاء
الإسكندرية، ويقول «تستسس» Tztzes الذي عاش في
القرن الثاني عشر بعد الميلاد إن «بطليموس الثاني» قد أسس المكتبة الثانية في
«السرابيوم»، غير أنه من الممكن أن يكون قد خلط بينه وبين «بطليموس الثالث».
والظاهر أن العالم «فريزر»
٩ بعد أن ذكر أن أقدم معبد «لسيرابيس» كان في منف
١٠ أضاف أنه على الرغم من أنه في السنين التالية قد نسب إدخال عبادة
«بطليموس الأول» (أو الثاني) الذي أحضر التمثال من «سينوبي» فإن كل ما فعله هذا
الملك المقدوني السياسي على ما يظهر هو أنه وحد «أوزير» المصري بالإله «بلوتو»
الإغريقي، وبذلك أقام إلهًا أمكن للمصريين والإغريق أن يتحدوا في عبادته على
السواء، يضاف إلى ذلك أنه عُثر على نفس في ترعة المحمودية يقرر أن «أرخاجاتوس»
وزوجه قد قدما «لبطليموس الثاني» وزوجه حرمًا مقدسًا (حوش) في «سيرابيس» و«إزيس»
(وهذا المكان غير معروف الآن)، ولكن مما يؤسف له جد الأسف أنه ليس لدينا حتى الآن
برهان أثري إيجابي يمكن الاستناد عليه فيما ذكره هنا سابقًا كل من «أريان»
و«أفتونيوس» و«مالالاس» و«بلوتارخ» و«تستسس».
١١
وكل هذه المصادر التي اقتُبست في كتاب «إجبتياكا»
١٢ تشير إلى إحضار التمثال من «سنوبي» وإلى البناء المزعوم الخاص
«بالسربيوم»، وعلى أية حال فإن الكشوف الحديثة التي عُملت في منطقة «الإسكندرية»
تدل على أن «السرابيوم» الكبير قد أقيم في عهد بطليموس «الثالث»،
١٣ وهذه هي حقيقة هامة جدًّا؛ لأنه وجد في بردية مؤرخة بهذا العهد (عام
٢٤٣ق.م) لأول مرة ذُكر فيها اسم «بارمينيون» الذي يسمَّى عادة «بارمينسكوس»
Parmeniscos. مهندس العمارة الشهير الذي أقام
«سرابيوم» يعتقد بعض المؤرخين أنه «سرابيوم» الإسكندرية الكبير.
١٤
هذا ويشك المؤرخ «بيفان» في قصة حلم الملك «بطليموس الأول» وإحضار تمثال
«سيرابيس» إلى مصر من «سينوبي» الواقعة على البحر الأسود،
١٥ وعلى أية حال فإنه مما لا نزاع فيه أنه كانت هناك صلة تجارية صادقة بين
مصر وهذه البلدة على ساحل البحر الأسود مما يجعل لهذه الأسطورة صداها، وبخاصة عندما
نعلم أن أهل هذه البلاد كانوا مغرمين بمصر وآثارها،
١٦ وقد كتب «جوجيه»
١٧ في هذا الصدد يقول: والظاهر أنه ليس هناك ما يدل على أثر مصري في صورة
المعبود الجديد الذي مثل للعبادة في «سيرابيوم الإسكندرية»، ومن المحتمل أن هذه
الفكرة قد نسبت للحفار الأثيني «برياكسس»
Bryaxis
الذي صنع تمثال هذا الإله أي تمثال «سيرابيس» فقد مُثِّل لابسًا جلبابًا طويلًا
وملتفًّا بحزام كبير وله مظهر الإله «زيوس» القوي، ولكنه كان منعمًا عابسًا وشعره
غزير ومصفف في حلقات مسدلة على جبهته، هذا وقد خلع عليه لمعان نظرته الدافقة سيماء
الخير، ويلبس على رأسه السلة المقدسة الخاصة بالشعائر وزُينت بثلاث أشجار زيتون
بارزة يخرج منها سنابل من ذهب، وقد مُثل جالسًا على عرشه، ويرتكز بيمينه على صولجان
في حين كانت يده اليسرى تهدي كلبًا له ثلاثة رءوس نابحة وجسمه كان مطوقًا بثعبان.
١٨
كل هذه الأوصاف تُشعر بأن هذا الإله هو إله دولة الظلام في العالم السفلي وحاكم
الموتى، والواقع أن الإله «سيرابيس» هو الإله «بلوتو» ملك الآخرة والموتى، وإذا
لم
يكن لدينا لتعريفه غير طراز صورته فإنه لا يمكن أن نبحث عنه بين الآلهة المصريين،
ومع ذلك نجد أن «شمبليون» قد تعرف في هذا الإله الإغريقي على الإله المصري «أوزير
حابي» الذي كان يعبد في معبد «أبيس» الجنازي المُقام في «منف»، وهذه الثيران
المقدسة (أبيس) كانت تصبح مثل الآلهة والناس عند الموت أي تدعى «أوزير»، وكانت
تحنَّط، وكان هناك كاهن مقنَّع بملابسه في هيئة الإله «تحوت» يحمله في حفل عظيم
حتى
حافة الصحراء الغريبة حيث كان يوجد معبد الإله «أنوبيس»، وكان ابن آوى المقدس
(أنوبيس) أو كاهن آخر يمثل دوره يقود الحفل في شارع مرصوف في خلال الجبَّانة حتى
يصل إلى المبنى السفلي الذي كان يستعمل مقبرة للحيوان المؤلَّه «أبيس»، وقد كانت
أيام الحداد تمتد ٧٠ يومًا، وكان يصحبه بوجه خاص كاهنتان شابتان توأمان وهما يمثلان
الأختين الإلهيتين «إزيس» و«نفتيس».
وكان يقام فوق الضريح مقصورة مخصصة لعبادة أوزير الجديد، منذ الأسرة التاسعة عشرة
لم يكن يوجد إلا مدفن سفلي واحد ومعبد فريد حيث كان يعبد الناس فيه الروح الجماعية
لكل الثيران المدفونة هناك وهي «أوزير-أبيس» أو «أوزير-حابي»، وهذا الإله الأرضي
أو
السفلي كان يظهر للمخلصين من أتباعه في صورة تمثال على الطراز المصري، ومن المحتمل
أن هذا التمثال كان يمثَّل بصورة «أوزير» جالسًا ورأسه رأس ثور، وهذه النظرية قد
ذكرها المؤرخ «فلكن».
١٩
ويتساءل المرء كيف حدث أن هذه الصورة الغريبة قد أصبحت تعتبر الصورة لنفس الإله
الذي صوره الإغريق بصورة إنسان جميل الطلعة؟ وليس من شك في أنه نفس هذا الإله
والروابط التي تربط بين «سرابيوم الإسكندرية» و«سرابيوم منف» ظاهرة واضحة
«فأوزوريس-حابي» و«أبيس» لهما مكانهما على قلعة «راقودة» حيث لا يزال العمود
المعروف بعمود «بومبي» قائمًا إلى يومنا هذا، وهو يوحي إلينا ببقايا «السرابيوم»
القديمة و«سيرابيس» كان يمثَّل جالسًا على عرشه في محرابه «بمنف»، وكان يجيء ويروح
في حرم هذا المحراب جم غفير من الكهنة والمتعبدين، فكان كل واحد منهم على حسب
قوميته يعبد هذا الصنم أو ذاك بالعاطفة التي كان يوجهها لإله واحد، وتُحَدِّثنا
الأوراق التاريخية الخاصة «ببطليموس المقدوني» بن «جلوسياس» Glusias وهو أحد السجناء الخفيين لهذا الإله أن السيد الذي
يعبده في هذه المدينة المقدسة كان في نظره «سيرابيس».
ومن ذلك نفهم أن «أوزير حابي» قد أصبح هيلاني الصبغة، والظاهر أنه في هذا التحول
قد لعبت إرادة الملك دورًا كبيرًا، ويحدثنا «بلوتارخ» عن بعث لاهوتي كان على رأسه
الكاهن المصري «مانيتون» و«تيمتيوس» لتنسيق ديانة «سيرابيس»، ويلفت النظر في ديانة
«سيرابيس» هذه أنها كانت خالية من الأساطير، وهذه علامة تدل على أنه كانت ديانة
مصطنعة وُضعت عن علم وقصد، والظاهر أن عبادة «سيرابيس» قد وُضعت على غرار آخر أُتي
به من شواطئ أخرى، وقد أشرنا فيما سبق عن رواية المنام الذي رآه الملك في أنه كان
لزامًا عليه أن يذهب لجلب الإله من «سينوبي» ومن هنا جاء الاسم «سيرابيس» وذلك
لتشابه لفظة «سرابيوم» و«سنبيوم» التي ورد ذكرها في هذا الصدد.
٢٠
والواقع أن أصل هذا الإله لم يُحَل بعدُ تمامًا، ولكن الشيء المهم هو تدخل الملك
في أمره، وعلى أية حال نجد أن هذا الإله المختلط يتفق بصورة مدهشة مع حكومة مركبة
مثل حكومة مصر البطلمية، وفضلًا عن تنوع صبغته وصفاته فإنه كان صاحب قوة وضَّاءة
شاملة، فقد كان سيرابيس و«أوزير» و«بلوتو» وهو بمثابة «أوزير» يوحَّد بالإله
«ديونيسوس» الإغريقي وذلك على حسب لاهوت يرجع في قدمه على أقل تقدير إلى عهد
«هردوت»، وعلى ذلك فإن «ديونيسوس» كان إله أسرار ولكن «أوزير» هو إله مصر
والإمبراطورية المصرية، وعلى ذلك يكون «سيرابيس» إلهًا وطنيًّا، فقد ضمن لملوك
البطالمة إمبراطورية مصر والعالم، ومن ثم صار «زيوس» ملك أي «زيوس سماوي» أيضًا،
وذلك لأنه منذ زمن طويل كان توحيد الشمس «أوزير» في الديانة المصرية أمرًا مسلَّمًا
به، والواقع أننا رأينا في زمن متأخر جدًّا؛ أي في الزمن الذي كانت فيه الديانة
الشمسية قد بدأت تصبح ديانة الإمبراطورية الرومانية تكرار الصيغة المشهورة وهي إله
واحد «زيوس هليوس سيرابيس»، ولكن هذه الديانة كانت فعلًا بذرة زُرعت في تصورات
القرن الثالث قبل الميلاد، ولا بد من أن نعترف هنا بأن تُقى الناس وصلاحهم قد عمل
من الإله «سيرابيس» إلهًا يمكن أن يساعدهم ويأخذ بناصرهم، والمعجزة نجدها في أصل
التعبد «لسيرابيس» فقد كان إلهًا شافيًا من الأمراض فبهذه الصفة ارتبط ﺑ «أمحوتب»
المصري ووُحد «بإسكلابيوس» الإغريقي وهما واحد، ولا نزاع في أن مثل هذه الديانة
كان
مقدَّرًا لها الانتشار بسرعة في كل حوض البحر الأبيض المتوسط بسهولة، وبخاصة أنها
كانت ديانة «أوزير» الذي تزوج من «إزيس» التي كان مقدرًا لها أن تصبح هي نفسها إلهة
عالمية، وقد أنجبا الإله «حور الطفل» و«حربوخرات»، ومن ذلك تكوَّن «ثالوث
الإسكندرية»، وقد فتح «سيرابيس» وزوجه «إزيس» العالم ناشرين في كل مكان سلطان
الإسكندرية ومصر الفرعونية. وإنه لمن الصعب حقًّا أن نفهم أن ملوك البطالمة لم يكن
لهم يد بصورة ما في نشر هذه الدعوة التي اجتاحت كل العالم بانتصار مبين، هذا ونجد
غالبًا أن نظام هذه الديانة الجديدة يؤكد ما رأيناه من عناية الملك في مراعاة
التقاليد المصرية، وأنه قد عمل في الوقت نفسه لصالح المصريين والمقدونيين والإغريق،
ولم يكن يعني ذلك رغبته في أن يقوم الحكم بين هاتين الثقافتين؛ أي الثقافة
الإغريقية والثقافة المصرية بمساواة خداعة؛ إذ الواقع أن سرعة جعل «سيرابيس» هيلاني
الصبغة يضيف إلى ما لدينا من معلومات أخرى أن انتشار الهيلانية السريع كان أمرًا
ضروريًّا، وأنه قد احتفظ بدور غاية في القوة للهيلانيين.
هذا ما كان من أمر الدور الذي لعبه «سيرابيس»، أما الدور الذي لعبته زوجه «إزيس»
فقد كان على جانب عظيم من الأهمية وبخاصة من الوجهة الإنسانية.
والواقع أن «إزيس» في العصر الهيلاني كانت تحمل أسماء عدة وكانت تعتبر أعظم إلهة
بين الآلهة الهيلانستيكية؛ فقد كانت في الواقع موحدة بكل إلهة كما كانت تعتبر
المرأة المؤلهة في كل العالم المعروف، فكانت هي الحقيقة الوحيدة التي تضاءلت أمامها
كل الحقائق، فكانت سيدة الكل ترى كل شيء وتسيطر على كل شيء، كما كانت ملكة العالم
المعمور ونجمة البحر وتاج الحياة والقانون ومخلصة العالم والرقة والجمال والسعد
والفيض والصدق والحكمة والحب،
٢١ وكانت كل المدنية هبتها وتحت سلطانها، وتماثيلها تصوَّر في هيئة امرأة
في ريعان الشباب في ملابس متواضعة بتقاطيع تصور الرقة والإحساس وتلبس على رأسها
تاجًا من البشنين الأزرق اللون أو الهلال وكانت أحيانًا تحمل بين ذراعيها طفلها
حور
وكانت القرابين تقدم لها يوميًّا، ولم يكن يُعرَض تمثالها الخفي لعبَّادها إلا في
الأعياد العظيمة، فكان تمثالها يعرض مرتديًا أفخر الملابس التي يتلألأ فيها
المجوهرات، وذلك لأن كهنتها كانوا يفهمون كل فنون الأحفال التي يمكن أن تجتذب إليها
الناس، وكانت «إزيس» في عيد نوفمبر تمثل مأساة أوزير؛ أي موته بيد أخته «ست»
(تيفون)، والدور الذي لعبته «إزيس» في البحث عن جثته ثم عودته إلى الحياة.
٢٢
أما عيد الربيع الخاص بإنزال السفينة فكان أكثر فخامة وروعة من السابق، وقد كان
الغرض منه الاحتفال ببداية إبحار السفينة، وقد وصف هذا الموكب الفخم «أبوليوس»
Apuleius بعبارة حية جزلة عندما يأخذ سيره من
المعبد إلى الساحل لا تزال السفينة الرمزية الخاصة للآلهة،
٢٣ وعبادتها يكنى عنها بالقتال وكان تلاميذها هم الجنود في جيشها.
والواقع أن تعاليم أصول مبادئها لم يكن بالأمر السهل، فمن الجائز أن التلميذ
المبتدئ قد يُمضي سنوات عدة قبل أن تدعوه الآلهة ليدخل محرابها، وقد كان عقاب كل
من
يدخل المحراب دون أن يُدعَى إلى ذلك هو الموت،
٢٤ وكذلك كان يُحكم بالموت على من يدخل المحراب إلا بعد الدعوة لذلك،
والتعليمات اللازمة التي يجب أن يصدرها حافظ الأسرار، ولكن كان الموت لحياة المبتدئ
القديم وولادة لحياة جديدة وهي حياة الخلاص والنجاة وقد كان على الطالب في الاحتفال
نفسه أن يطهَّر أولًا بالماء ثم يجول في أماكن العالم السفلي المظلمة في المدة التي
بين حياته وقيامته معرَّضًا لبعض تجارب قاسية، فمن المحتمل أنه قد مات فعلًا ثم
دُفن، ومن الجائز أن الحدْس والتخمين لقد لعب في ذلك دورًا كبيرًا، وفي النهاية
كان
يخرج قبس من نور وعليه الملابس المقدسة وكان يلوح بشعلة للطائفة بوصفه إلهًا، ومن
ثم كانت زوجه محررة من سلطان القدر وسلطان الموت.
٢٥
ولم تقتصر عبادة «إزيس» على الأحفال التي كانت تقام لها، والشعائر التي كانت
تؤدَّى لها في المعابد، فقد كانت «إزيس» ظاهرة لم تُعرف بعدُ في البحر الأبيض
المتوسط في العصور التاريخية، ولكن عندما ظهرت وعُرفت ظل نجمها ساطعًا لم يختفِ
قط
في كل عصور التاريخ القديمة ولا في العصور الحديثة في أوروبا، فقد كانت آلهة
المرأة، ولا غرابة فإن نصف الجنس البشري كان في حاجة ماسة إلى صديق أمام محكمة
النساء، وقد كانت الآلهة أثينا الإغريقية آلهة الرجل، وإذا كانت امرأة تستغيث
بالآلهة «أرتميس» عند الوضع فإن ذلك يرجع إلى أنه لم يكن هناك أحد غيرها يمكن أن
يُدعَى، والواقع أن وقائع الحياة الرئيسية في نظر أي امرأة عادية مهذبة هي أنها
تكون زوجة أو أمًّا وأنه ليس بينها وبين عذراء محاربة محبة للفن أو عذراء صائدة
إلا
القليل من أوجه الشبه بل كانت تعد باردة مثل القمر، وكذلك لم يكن فيها إلا القليل
من صفات آلهة الخصب التي من عصر الأمومة القديم، وكان أقل شبهًا بالآلهة «أفروديت»
وذلك على الرغم من أن الناس كان في قدرتهم أن يؤوِّلوا أي شيء إلى روح، والآن أصبح
للمرأة بوجود «إزيس» صاحبة بل وأعظم الصاحبات كلهن، فقد كانت زوجة وأمًّا كما كانت
امرأة تتألم ما شاء لها أن تتألم.
وكانت امرأة فهمت أنوثتها، و«إزيس» نفسها لم تترك أي شك لمستزيد في هذه الناحية،
فهي فخر النساء؛ إذ قد منحتهن قوة تضارع قوة الرجال،
٢٦ وقد عثر لها على قصيدة في «يوس»
Ios
تعبر عن ذلك فاستمع إليها وهي تقول: «إني «إزيس» وإني أنا التي يدعوها النسوة إلهة،
لقد أمرت بأنه يجب أن يحب الرجال النساء ولقد جمعت بين الزوج والزوجة واخترعت عقد
الزواج، وأمرت بأن يحملن أطفالًا، وأنه يجب على الأطفال أن يحبوا آباءهم.»
٢٧ وبهذه القوة التي عبرت عنها «إزيس» اكتسحت بلاد البحر الأبيض المتوسط
بقوتها وسلطانها، وعندما انتصرت المسيحية في نهاية الأمر على الوثنية وطوحت بتماثيل
الآلهة «زيوس» و«أبوللون» و«سيرابيس» والآلهة النجمية من على عروشها نجد أن «إزيس»
وحدها قد ظلت محتفظة بعرشها بعد هذا السقوط الذي
شمل كل الآلهة الآخرين، وقد أُدخلت عبادة العذراء قبل تخريب «السرابيوم»، ومن ثم
انتقل عبَّاد «إزيس» في هدوء إلى عبادة أمٍّ أخرى، وقد يشاهَد مقدار هذا الهدوء
في
هذا الانتقال عندما نرى ونعلم أن أمثلة منوعة من تماثيل «إزيس» قد استُعملت للبتول
(مريم).
٢٨