الحرب السورية الأولى
كان هَمُّ «بطليموس الثاني» في وسط هذه الأحداث المفعمة بالمخاطر والحروب أن يعيد
إلى
ملك مصر بلاد «سوريا» التي كان يعدها من حقه منذ أكثر من عشرين عامًا مضت، وتفسير
ذلك
أن معاهدة التحالف التي كانت عُقدت في عام ٣٠٣ق.م لمقاومة «أنتيجونوس» وإيقافة عند
حده
قد أعطت «بطليموس الأول» حق الاستيلاء على «سوريا» إن هو اشترك في الحرب مع حلفائه،
غير
أن بطليموس لم يرسل جنودًا إلى «أبسوس» حيث دارت المعركة الفاصلة، ولذلك فإنه عند
تقسيم
مملكة «أنتيجونوس» بعد هزيمته وانتهاء الحرب كانت «سوريا» من نصيب «سيلوكوس» أي إن
المنتصرين تمسكوا بحرمان بطليموس من الغنيمة لعدم قيامه بنصيبه في الحرب، ولكن بطليموس
على الرغم من ذلك احتل «سوريا» الواقعة جنوبي «لبنان» ودمشق بما في ذلك فلسطين
و«فينيقيا» جنوبي نهر «إليتيروس» Eleutherus عدا «صور»
و«صيدا» اللتين استولى عليهما من «ديمتريوس» عام ٢٨٦ق.م وقد ادعى «بطليموس» على ما
يظهر
أنه في عام ٢٨٢ق.م قد ثبت حقوقه في «فلسطين» وجنوبي «سوريا» بما في ذلك «فلسطين»
وسوريا الجنوبية Cole Syria بالاختصار؛ أي وادي
«مارسياس ماسياس» بالإضافة إلى لبنان وما وراءها و«دمشق» بمثابة ثمن لحياد مصر وإشعال
الحرب على «ليزيماكوس».
والواقع أن سياسة كل فرعون قوي في الأزمان السالفة كانت المحافظة على حدود مصر بمدها
في الأراضي السورية، ومن جهة أخرى نلحظ أن «سيلوكوس» قد استمر في ادعائه بحقه في
كل
«سوريا» حتى حدود مصر بما في ذلك فينيقيا بمقتضى تقسيم عام ٣٠١ق.م، وهذا الموضوع
هو
المسألة السورية التي شغلت مصر أجيالًا طويلة كما سنرى بعد.
وعلى أية حال نجد أنه في مدة حياة كل من «بطليموس الأول» «سيلوكوس» كانت هناك روابط
ألفة وصداقة بينهما منعت قيام أية حرب، وعندما شبت نار أول حرب بعد موت «سيلوكوس»،
وكانت ضمن سلسلة حروب قامت في «آسيا الصغرى» لا في «آسيا»، وكان مُوقد نارها هو
«بطليموس الثاني» بطبيعة الحال، وآية ذلك أن «بطليموس الأول» كان قد استولى في عام
٣٠٩ق.م على بعض أماكن في «كاريا» و«ليسيا» غير أن فقدهما ثانية في عام ٣٠٦ق.م
١ هذا ولا نعلم إذا كان أول ممتلكات ثابتة لمصر في «ليسيا» قد حصل عليها
«بطليموس الأول» في عام ٢٩٥ق.م عندما استولى على قبرص من «ديمتريوس» أو استولى عليها
«بطليموس الثاني» بعد عام ٢٨٠ق.م فذلك الأمر لا يمكن البت فيه، ولكن في عام ٢٨٥ق.م،
نعم
إن بطليموس الأول استولى على «كونوس»
Caunus في
«كاريا» وظلت ملكه، وقد اختلف المؤرخون هنا لِنُضُوب المصادر.
وقد ظلت مصر على هذه الحال حتى عام ٢٨٠ق.م لا تتدخل في إقليم «سيلوكوس»، وذلك لأنه
لم
تكن «ليسيا» ولا «كونوس» ملكًا «لسيلوكوس»، ولكن عندما مات «سيلوكوس» أخذ «بطليموس
الثاني» يَقْلِب ظهر المِجَنِّ واستحال إلى مُغِيرٍ، فكما سبق اعترف بأن «كراونوس»
قد
أصبح ملكًا على مقدونيا وكان «أنتيوكوس» يَدَّعي ملكها، ولم يمضِ عام ٢٧٨ق.م، حتى
استولى على «ميليتوس»، غير أننا لا نعرف كيف حدث ذلك، وقد أعاد إليها قطعة من الأرض
كانت فقدتها منذ زمن بعيد، ولا بد أنها كانت قد أصبحت أرض الملك، ومن الواضح أنه
إذا
استولى على أرض الملك من «أنتيوكوس» فإن ذلك يعني قيام الحرب، وعلى أية حال فإن مقتضيات
الأحوال في عام ٢٧٩ق.م كانت توحي بأن «أنتيوكوس» لم يكن في مركز يجعله يحقد على أي
شيء
يقوم به «بطليموس»، وذلك لأنه كان لا يزال في حرب مع «أنتيجونوس» والحلف الشمالي
الإغريقي، ومن المحتمل أنه كان قد واجه العصيان في «سلوكيس» موطن السليوكيين على
نهر
«الأرنت» حيث قد استولى العصاة على ما يظهر على «أباما» وكل الفِيَلة هناك، وعلى
الرغم
من أنه عقد صلحًا مع «أنتيجونوس» في عام ٢٧٩ق.م ربما كان سببه الخوف من غارة يقوم
بها
«بطليموس» فإن «نيكوميدس» قد أحضر في عام ٢٧٨ق.م «الغاليين» لمساعدة الحلف الشمالي،
وبذلك ازدادت مصاعب «أنتيوكوس» سوءًا على سوء، ومن المحتمل أن عام ٢٢٧ق.م أسوأ عام
مر
به من حيث الرعب والذعر اللذين سببهما الغاليون في آسيا الصغرى، وعلى الرغم من أن
«أنتيوكوس» كان مسيطرًا على العصيان في «سلوكيس»
Seleucis في هذا العام فإنه لم يكن في مقدوره أن يترك «سوريا» حتى الشتاء.
٢
هذا ونعلم أن «أنتيوكوس» وابنه الأكبر «سيلوكوس» الذي أشركه معه في الملك عام ٢٨٠ق.م
قد قضيا الشتاء في «سرديس»، ولم يكن مقدَّرًا له أن يحارب الغاليين حتى الآن، وذلك
لأنه
في ربيع ٢٧٦ق.م غزت جنود «بطليموس الثاني» «سوريا الجوفاء» واستولوا على دمشق ووادي
«مارسياس» الواقع خلف جبال لبنان، وعندئذ ترك «أنتيوكوس» ابنه «سيلوكوس» ليحمي «آسيا
الصغرى» وعبر جبال «توروس» ثانية وهزم الغزاة وردهم على أعقابهم واستعاد «دمشق» وقد
شغلته «سوريا» كل عام ٢٧٦ق.م، وأمضى الشتاء في ربوعها، ومن المحتمل أنه في خريف عام
٢٧٦ق.م كانت قواته البرية في «آسيا الصغرى» وكذلك أسطوله قد طوق جزيرة «ميليتوس»،
وكان
البحر أمامه مفتوحًا؛ إذ كان في إمكانه أن يرسل أخته فيلا Phila إلى «بلا» Pella عاصمة
مقدونيا، وكان أسطول مصر القوي وقتئذ يساعد حملة «بطليموس» في «سوريا»، ومن المحتمل
أنه
في عام ٢٧٥ق.م كان أمير البحر «كاليكراتيس» Callicrates من أهالي «ساموس» هو الذي خلف «فيلوكليس» Philocles بعد عام ٢٧٨ق.م ورفع الحصار البحري الذي
كان مضروبًا على «ميليتوس»، غير أن الضغط برًّا كان شديدًا، ولم يكن في مقدور «بطليموس»
بعد هزيمة سوريا إلا أن يكتب إلى «الميلزيين» حاثًّا لهم على الثبات، وقال لهم إنه
سيعمل جهده لحمايتهم، وعلى أية حال لا نعلم مصير الحرب فيها بعد ذلك، ولكن حوالي
مارس
من عام ٢٧٥ق.م وصلت إليه جنوده من «بابل» في «سوريا»، وكان قد سبق ذلك بمدة شهر إرسال
عشرين فيلًا من فِيَلة القتال، وعندما عبر جبال «طوروس» في أبريل أو مايو ساق هذه
الفِيَلة معه، وقد عمل حسابه على أن الفِيَلة كانت فتاكة بالرجال الذين لم يكونوا
قد
رأوهم من قبل، وقد تحقق له ما حسبه، فقد كسب بها المعركة التي هَزم فيها الغاليين
وهي
الواقعة المعروفة «بنصر الفِيَلة»، وبانتهاء عام ٢٧٥ق.م يبدو أنه قد أظهر نشاطًا
مدهشًا، وأنه وصل إلى بر السلامة، وفي هذه الآونة أطراه حلف «الليوم» Illium على ما أسداه من سلام للمدن وإعادة مملكته إلى ما كانت عليه
من فَخَار حتى بعد هزيمة «بطليموس»، ومن أجل ذلك منحوه لقب «المخلص» بسبب الهزيمة
التي
تكبدها «الغاليون» وقد لقب «المخلص» «سوتر» وهو الاسم الذي يطلق على عبادته.
ومما سبق نفهم أن «أنتيوكوس» قد كسب الجولة الأولى في الحرب، ولكن سنرى أنه في الوقت
الذي أخفق فيه «بطليموس الثاني» و«الغاليون» قد ظهرت على مسرح التاريخ امرأة نالت
نصرًا
مبينًا عزيزًا على أعداء مصر، وهذه المرأة هي «أرسنوي الثانية» أخت «بطليموس الثاني»
وأرملة كل من «ليزيماكوس» ومن بعده «كراونوس» على التوالي، وذلك أن مُكْثَها في
«ساموتراس» لم يَطُلْ؛ إذ قد عادت إلى مصر بعد موت «كراونوس» وأخذت تلعب دورها المنقطع
النظير حتى الآن في تاريخ البطالمة، فقد تقربت بمكرها ودهائها من أخيها «بطليموس
الثاني» وكانت النتيجة النهائية لمكايدها في القصر أن سرح بطليموس زوجه «أرسنوي الأولى»
بحجة اشتراكها في مؤامرة لاغتياله، وبعد ذلك تزوج من أخته «أرسنوي الثانية»، وفي
الوقت
نفسه تبنى ابنها الذي أنجبته من «ليزيماكوس» واسمه «بطليموس» Ptolemaeus وقد تبنت هي بدورها بِكر أولاده من «أرسنوي الأولى» وهو
الذي أصبح فيما بعد «بطليموس الثالث»، أما «بطليمايوس» الذي طرده «أنتيجونوس» في
عام
٢٦٧ق.م من مقدونيا فكان يحكم «ميليتوس» منذ حوالي عام ٢٧٥ق.م، وقد كان السبب الذي
دعا
«بطليموس الثاني» لتبنيه هو بلا نزاع أنه بوصفه ابن «ليزيماكوس» كان له بحق الوراثة
عن
أبيه أن يحكم «أيونيا» التي كان يأمل «بطليموس» أن يفيد منها، بل يحتمل أنه كان يرغب
في
أن يشترك معه في حكمها، ومن الجائز أن زواج «أرسنوي الثانية» من «بطليموس الثاني»
كان
في عام ٢٧٧ق.م، وأن طموحها هو الذي دعا إلى غزو بلاد «سوريا» عام ٢٧٦ق.م، ولكن يغلب
على
الظن أكثر أن هذه الغزوة وقعت في أواخر عام ٢٧٦ق.م أو في أوائل عام ٢٧٥ق.م ويُستنبط
ذلك
من الحركات التي قام بها «بطليموس الثاني»، وعلى الرغم من أن فكرة زواج بطليموس من
«أرسنوي» قد أتت من جانبها هي، فإن «بطليموس» لا بد كان لديه سبب قوي للزواج من أخته
من
أبيه وأمه، وذلك على الرغم من أن زواج الأخ من أخته كان يعتبر حدثًا مستنكرًا في
بادئ
الأمر بالنسبة للتقاليد الإغريقية، ولكنه كان من جهة المصريين يعتبر تقليدًا لازمًا
عند
فراعنة المصريين بوجه خاص، وذلك لأن كل من يحمل لقب فرعون مصر كان لزامًا عليه أن
يتزوج
من أخته ليحفظ الدم الإلهي خالصًا.
ومن الغريب أن مؤرخي العصر الحديث في أوروبا وغيرها يقرنون سبب زواج «بطليموس الثاني»
من أخته بهزيمته في «سوريا» قام ٢٧٦ق.م، ويقول أحدهم،
٣ إنه على الرغم من طموح هذا الملك وقدرته السياسية — وذلك لأنه كان رجل
أعمال ولم يكن قط مجرد رجل سطحي في معلومات، فإنه لم يكن يفهم الحرب، ولم يَقُدْ
قطُّ
بنفسه جيشًا في ساحة القتال وإنه كان في حاجة إلى نضج عقلها وقوة إرادتها في تدبير
أمور
الحرب التي كان يخسرها كما حدث في حرب «سوريا» حيث لم يكن هناك من أحد يساعده، وفي
نهاية عام ٢٧٥ق.م بل من المحتمل قبل ذلك أخذت «أرسنوي الثانية» شئون الحرب في
يديها.
والواقع أننا لا نعلم من جهتنا عن «أرسنوي الثانية» شيئًا من الوجهة الحربية غير أنها
كانت امرأة صاحبة مكر ودسائس تدبرها لمن تريد أن يختفي من أمامها تنفيذًا لرغائبها
وشهواتها وطموحها، وأن سلطانها على الرجال الذين تزوجت منهم كان بالجسم لا بالعقل
ولم
ترَ قط أنها قادت لأي من زوجيها السابقين قيادة معركة حربية، وفي اعتقادي أنه كان
هناك
سبب آخر لهذا الزواج، ولا بد أن يكون مرجع هذا السبب أولًا وآخرًا إلى الدين.
وقد كتب العالم «ملن» مقالًا صغيرًا في هذا الصدد يتفق مع العقائد المصرية، وقد برهن
فيه على أن «أرسنوي» قد نقلت فكرة عبادة «آمون» عن زوجها «ليزيماكوس» ونشرتها في
مصر
بعد أن كانت لا تُعَدُّ شيئًا بالنسبة لعبادة «سيرابيس».
٤
وذلك أنَّ تطور عبادة «آمون» في مصر في عهد البطالمة تقدم لنا أدلة هامة للسياسة
الدينية التي سارت على هَدْيِها أسرة البطالمة، فمما يُلحظ أولًا أنه ليس لدينا برهان
أكيد على اهتمام «بطليموس الأول» بوجه خاص بعبادة «آمون»، وقصة زيارة «الإسكندر»
لِوَاحة «سيوة»، كما ذكرها لنا «بطليموس الأول» نفسه يظهر مما ذكره لنا المؤرخ «أريان»
أنها قد كتبت من الوجهة الحربية، وذلك على حسب ما اقترحه المؤلف «رادت»،
٥ وذلك كان الهدف الرئيسي «لأريان»، ومن جهة أخرى قد برهن «فلكن» بصفة قاطعة
جدًّا أن التفاصيل الخلابة التي جاءت في قصة «الإسكندر» فيما يخص هذه الزيارة قد
كُتبت
بعد عهد «بطليموس الأول».
وعلى حسب هذا الرأي يكون تمثيل «الإسكندر الأكبر» بقَرْنَيْ كبش على معبده، وهو تمثيل
عادي مألوف بوصفه طرازًا نُفذ، ولا بد أن الغرض منه كان ربط «الإسكندر الأكبر» بالإله
«آمون»، غير أنه لم يظهر في مصر في عهد «بطليموس الأول»، وذلك لأن رأس «الإسكندر»
الذي
كان يمثَّل على قطع نقود الدرخمة التي كانت تُضرب لمصر قبل عهد «بطليموس الأول» كان
يمثل صورته على النقود بلباس رأس في هيئة جمجمة فيل، وربما كان لغرض منها أن يظهر
بأنه
البطل مؤسس «الإسكندرية»، ولكن من المؤكد لم يكن لها أية علاقة بعبادة آمون، وكذلك
نلحظ
في النقود الصغيرة المصنوعة من البرونز في نفس هذا العهد أن الصورة التي كانت عليها
هي
صورة آدمية للإسكندر دون أن تُحَلَّى بقرنين أو أي شيء آخر.
يضاف إلى ذلك أن «آمون» لم يعطَ نصيبًا في ديانة الدولة الجديدة التي كانت تدور حول
عبادة «سيرابيس» وذلك لأن المجلس اللاهوتي (وهو الذي على حسب ما جاء في التقليد كان
مكلفًا بإيجاد إله يُرضي الإغريق والمصريين على السواء) قد تلقى إلهامه من عدة مصادر،
ولكن لا نجد على وجه التأكيد أي أثر لأي تأثير لآمون في التصوير الفني بصورة «سيرابيس»،
هذا فضلًا عن أن السجلات المبكرة الخاصة بالعبادة لا تُظهر أنه كان هناك مثل هذا
التأثير، والواقع أن «بطليموس الأول» لم يضرب صفحًا عن «آمون» وحسْب، بل حقَّره بصورة
مُحَسَّة، وذلك عندما حرم طيبة التي كانت تعد المركز الأول لعبادته من أن تكون صاحبة
القيادة في الوجه القبلي، ونقل تلك السيادة إلى «بطليمايس هيرميو» مدينته الجديدة
التي
أسسها في الوجه القبلي، ومن المحتمل أنه في عهد «بطليموس الثاني» قد بدأت قصة زيارة
«الإسكندر» لمعبد «آمون» بواحة «سيوة» تزخرَف بالأساطير.
ونجد هنا ثانية أن النقود يمكن أن تُستعمل مصدر إلهام، وذلك أن رأس الإسكندر
المُحلَّى على النقود بقرنين قد ظهر للمرة الأولى بوصفه طرازَ نقودٍ في «تراقيا»
على
النقود المصوغة من الذهب أو الفضة التي صكها «ليزيماكوس» لنفسه، فنشاهد أن الرأس
ذا
الصبغة الفنية قد لا يكون لآمون بل لابنه «كارنيوس»
Carneius (أبولو) وأن المقصود بها كان تمثيل وجه «الإسكندر»،
٦ وسواء أكانت الصورة تمثل «آمون» أو «كارتيوس» فإن طرازها كان إغريقيًّا،
ولا بد أنه قد اشتق من عبادة إغريقية متوطنة في مملكة «ليزيماكوس»، وعلى ذلك فإنه
لدينا
بعض الأسباب التي تحملنا على أن نعتقد أن المذهب القائل أن «الإسكندر» كان ابن «آمون»
قد تطور إلى قصة شعبية في «تراقيا» في عهد «ليزيماكوس»، وعلى ذلك فإنه من المهم أن
نفهم
أن عودة عبادة «آمون» في مصر كانت على وجه التقريب معاصرة لعودة «أرسنوي» أرملة
«ليزيماكوس» إلى مصر وزواجها من «بطليموس الثاني».
ومن المحتمل أن «أرسنوي» قد تحققت من أن الفكرة الأكاديمية لعبادة «سيرابيس» قد أخفقت
في أن تجذب إليها قلوب الإغريق أو العناصر المصرية على وجه عام، وذلك أن المعبود
الإغريقي الذي توجد صفته بصورة بارزة في عبادة «هاديس» Hades إله الموتى لم يكن إلهًا ذا شخصية جذابة بوجه خاص، في حين
أنه من جهة أخرى نجد أن «أوزير» إله الموتى عند المصريين كان أكثر أهمية في اللاهوت
المعنوي منه في الشعائر العادية، وكان «آمون» اللوبي يمثل للعقل الإغريقي الإله «زيوس»
وللعقل المصري «آمون رع»، وعلى ذلك مُزجت عبادتان شعبيتان شائعتان ببعضهما بعضًا،
ومن
المعقول أن «أرسنوي» كانت قد نقلت لأخيها كيف أن إفادة زوجها المتوفى من «آمون» مقتفيًا
في ذلك خطى «الإسكندر» قد وَجَدَت قبولًا حسنًا عند الإغريق في أوروبا وفي «آسيا»،
وعلى
ذلك اقترحت عليه أن نفس العلاقة بين هذين الإلهين لا بد أن يفاد منها في مصر، وعلى
أية
حال فإنه من الواضح أن كلًّا من «آمون»، و«سيرابيس» قد أصبح موحدًا الواحد بالآخر
أكثر
فأكثر في السنين الأخيرة من عهد أسرة البطالمة لدرجة أن عدة آلهة وُحِّدت في اسم
واحد
هو «زيوس-أمون-هليوس-سيرابيس» وقد استمر التطور أكثر في العهود الرومانية فأضيفت
صفات
«بوزيدون» و«نيلوس» (إله النيل) و«إسكليبيوس» و«هركليس» للأربعة آلهة السابقة، ولكن
ذلك
لم يحدث حتى القرن الثاني بعد الميلاد.
هذا ولدينا براهين أثرية عن استعمال «بطليموس الثاني» لآمون، فمن ذلك العملة النحاسية
الجديدة التي أُدخلت في عهده وقد كان القصد في ضربها هو أنها تناسب الاستعمال الوطني
بوصفها أداة مبادلة في أعمالهم، وذلك لأن كلًّا من معيارَيِ الذهب والفضة الذي كان
مستعملًا في الممالك الهيلانستيكية كان غريبًا على مصر التي كانت في العادة تستعمل
نظام
العملة النحاسية، أما النظام النقدي الإسكندري الذي أنتجه «بطليموس الأول»، فإنه
أعيد
صكه فكان طراز وجه العملة رأس «آمون» لا رأس «سيرابيس»، وكانت العملة بالأسلوب الإغريقي
فكانت إلى حد كبير تمثل «زيوس» أو «سيرابيس» بوصفها نموذجًا لأي منهما عندما ينظر
إليها
نظرة عابرة، غير أنها مع ذلك كانت معلَّمة بأنها مصرية بالقرص الذي يُتَوِّجُها،
وهنا
نجد ثانية علاقة مع «أرسنوي»، وذلك أنه على حسب «سفورونوس» Svoronos أن العملة النحاسية الجديدة ابتدأت في الاستعمال عام
٢٧٠ق.م وهو العام الذي ماتت فيه «أرسنوي» وفي نفس الوقت ضُربت سلسلة من النياشين
الكبيرة من الذهب والفضة عليها صورتها واسمها.
وأهم وثيقة تحمل في طياتها علاقة أرسنوي بهذا النوع من العبادة هي لوحة «منديس»،
٧ وقد كان أول من نشرها «بركش»،
٨ فنجد في نقوش هذه اللوحة (السطر ١٣) أنه في شهر بشنش من السنة الخامسة عشرة
من عهد «بطليموس الثاني» أن الملك قد أمر بإقامة تماثيل «لأرسنوي» بوصفها الإلهة
برأس
تيس، وقد أنعم عليه بلقب محبوبة «منديس»، وكذلك «فيلادلفس»، غير أنه ليس واضحًا في
المتن على وجه التأكيد إلى أي درجة من الحيوانية توجد في ترجمة عبارة «صورة تيس»
التي
نجدها في المتن المصري، غير أنه من البَدَهِي أنها كانت قد مُثلت في صورة توحدها
بالتيس
المقدس من حيث قداسته وحسب لا من حيث صورته، وقد كان يكفي لأن يفهم الإغريق ذلك أن
تُمثَّل بقرن كبش كما فهم «ليزيماكوس» من تمثيل «الإسكندر»، أما المصري فكان يذهب
إلى
أبعد من هذا، ولكن لسوء الحظ لم نجد لها تماثيل بهذه الصفة فيما خلفته لنا الآثار
المصرية، أما حقيقة أنه كان تيس «منديس» لا «آمون» الذي كان موضوع البحث فعلًا فليس
لذلك أهمية تذكر، وذلك أنه تنفيذًا لأغراض بطليموس كان إله الكبش يمكن أن يقوم مقام
غيره من الآلهة، والواقع أن «منديس» كانت مركزًا للعبادة أكثر ملاءمة لبلاط «الإسكندر»
عنها في «طيبة» أو «سيوة»، وذلك لأن هذين المكانين كانا أبعد بكثير عن العاصمة، هذا
فضلًا عن أن «طيبة» لم تكن محبوبة في نظر الأسرة الجديدة، ومع ذلك فإنه مما تجدر
ملاحظته أنه كانت قد قامت نهضة بناء جديدة في «طيبة» في عهد «بطليموس الثاني»، في
حين
أن قبضة مصر على «سيوة» لم تكن مؤكدة، والنقطة الهامة حقًّا في هذا الموضوع هي أن
أميرة
إغريقية مثل «أرسنوي»، كانت قد أوثقت علاقتها بإله مصري، وهذا كان يعد إجراء جديدًا
في
بابه، وقد عُمل هذا بأمر من الدولة أي بدافع من الإغريق لا من المصريين؛ لأنه لم
يكن
لهم من الأمر شيء،
٩ ولكن عُمل لإرضاء الكهنة المصريين والشعب المصري الذي كان عماد ثروة
البطالمة.
وتدل كل القصة التي تحتويها لوحة «منديس» على علاقة وثيقة على غير المألوف بين
«أرسنوي» وعبادة «الكبش» التي كان يمثلها تيس «منديس»، وإذا كان «بطليموس» قد أراد
أن
يمنح أخته مجرد مكانة في مجمع الآلهة الوطني فإنه كانت توجد في مصر عدة إلهات تتلاءم
أكثر معها، ويمكن توحيدها بها أكثر من الإله «منديس»، والواقع أن المنشور الذي جاء
في
لوحة «منديس» يأمر بإقامة تماثيل لها بوصفها إلهة ضمن الآلهة في كل المعابد، وحقًّا
نجد
أنه في السنين القليلة التي أتت بعد ذلك عدة آثار لها تدل على إدخالها في عدة عبارات
أخرى، ولكن اندماجها في عبادة «منديس» لم يكن الأول من حيث الزمن وحسب بل كان يعد
غريبًا في بابه من حيث شكل توحيد «أرسنوي» بهذا الإله، ولا بد أنه كان هناك سبب خاص
لهذا الإجراء، والسبب الذي يعد مفتاحًا لبراهين أخرى في هذا الصدد هو أن «أرسنوي»
كانت
المسئولة عن تعظيم عبادة «التيس» وذلك بأنْ جعلت آمون يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأقدار
أسرة البطالمة، وذلك بإحضارها من «تراقيا» الفكرة بأن «الإسكندر» كان معترفًا به
ابنًا
«لآمون» (الذي كان يمثَّل أحيانًا في صورة تيس) ومما سبق نفهم أن «أرسنوي» كانت تريد
أن
تحقق أمنية الشعب المصري الذي كان يتمسك بتقاليده ولو كان في ذلك ما يناقض العادات
الإغريقية، وقد تبعها في ذلك زوجها «بطليموس»، وقد عمل كل من «أرسنوي»، و«بطليموس»
على
السير بهذه الفكرة إلى أبعد حدودها، ومع ذلك إذا فرضنا أن زواجه من أخته كان لغرض
سياسي
فلماذا لم يقتصر حادث الزواج هذا عليه هو وأخته «أرسنوي» وحسب؟ بل الواقع أنه أصبح
سُنَّة في ملوك هذه الأسرة لا مَنْدُوحةَ عنها حتى انقرضت، ولقد علل ذلك بعضهم أن
مثل
هذا الزواج قد وقع مع الآلهة الإغريق فلا غرابة أن يحدث مع ملوك البطالمة الذين كانوا
ينسبون أنفسهم للآلهة؛ فقد تزوج «زيوس» من «هيرا»، والمُطَّلع على تاريخ الديانة
الإغريقية وأصولها يجد أن هذه مأخوذة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الديانة المصرية
القديمة في كثير من الأحوال فالإله «زيوس» والإلهة «هيرا» يقابلهما عند المصريين
«أوزير» و«إزيس» … إلخ.
حقًّا كانت «أرسنوي» امرأة داهية ماكرة صاحبة سلطان عظيم على زوجها الرِّخو السمين
لدرجة أنها لم ترضَ أن تكون ملكة وحسب، بل اشتركت معه في الحكم فعلًا؛ إذ كانت تضع
صورة
رأسها على النقود ولبست التاج مثل والدتها، ولما أخذت تدير شئون الملك بمهارة عظَّمها
الإغريق وانتحلوا لزوجها البغيض في نظرهم من أخيها — والمحبب في أعين المصريين —
بأنه
زواج مقدس على غرار زواج «زيوس» من أخته «هيرا» وإن كان ذلك غير الحقيقة، وفي اعتقادي
أن هذه هي المرة الثانية التي حاول فيها ملوك البطالمة التقريب بين الشعبين الإغريقي
والمصري عن طريق العقائد الدينية والتقاليد الوطنية، فكانت الأولى كما ذكرنا آنفًا
عندما حاول «بطليموس الأول» التقريب بين معبود المصريين «أوزير أبيس» ومعبود الإغريق
«سيرابيس»، والمرة الثانية هي التي قامت بها «أرسنوي» وهي التقريب بين «آمون»
و«سيرابيس» وذلك بالعودة إلى عبادة «آمون رع» والتمسك بمبادئها والتي من مقوماتها
حفظ
الدم الملكي الإلهي طاهرًا في الأسرة المالكة بزواج الملك من أخته وشقيقته، وكان
هذا
الإجراء أحب شيء عند الشعب المصري (انظر فيما بعد ترجمة لوحة منديس).
وفي تلك الأثناء نرى أن «أنتيوكوس» قد وطد العزم على غزو مصر عام ٢٧٤ق.م؛ إذ تراه
قد
ضم إلى جانبه «ماجاس» أخا «بطليموس» الذي كان وقتئذ حاكم فينيقيا، وقد زوَّجه «أنتيكوس»
من ابنته «أباما»، ومن أجل ذلك أعلن استقلاله عن مصر، وعلى إثر ذلك نجد أن «ماجاس»
قد
بدأ زحفه على مصر عام ٢٧٤ق.م وكاد يصل في زحفه إلى الإسكندرية بسبب عصيان الغاليين
المرتزقين، وهنا تظهر «أرسنوي الثانية» على مسرح الحرب؛ فقد توصلت بتدبيرها أن جعلت
جنود «مرمريقا» الليبيين يقومون بثورة على «ماجاس» من وراء ظهره، وذلك بفضل ما اتُّهِم
به من مال، وعلى ذلك لم يجد «ماجاس» بدًّا من أن يرتد على عقبيه عائدًا إلى بلاده،
أما
الجنود الغاليون العصاة فإنها حصرتهم في جزيرة وأتت عليهم جميعًا ولم تأتِ نهاية
هذا
العام حتى كانت قد ضمنت لنفسها عدم تدخل «أنتيجونوس» إذ كانت قد ضمت إلى جانبها «بيروس»
ملك «أبيروس» ومَدَّتْه بالمال فأعلن الحرب على خصمها، غير أن «أنتيوكوس» لم ينهض
قط
لمساعدة «ماجاس»، وذلك لأنه كان مضطرًّا للبقاء في آسيا الصغرى؛ لأن الأسطول الذي
كان
يقوده «كاليكراتس» كان مُجهَّزًا تمامًا بسفن نقل وجنود مرتزقين، وقد أرسله «بطليموس»
لمهاجمة «كليكيا» التي كانت تعد مفتاح «آسيا الصغرى» وبذلك يُضطر إلى المحاربة من
أجل
المواصلات بين أنتيوك (أنطاكية) و«سرديس»، في حين أنه كان قد استأجر قرصان بحر لتخريب
سواحله، ومن المحتمل أن الغاليين قد سدوا الطريق الثانية في وجهه، كما كان من الجائز
كذلك أن بعض العرب قد هاجموا مصر من جهة الصحراء، وذلك لأنه في شهر هاتور (يناير)
سنة
٢٧٣ق.م كان كل من «بطليموس» و«أرسنوي» في مدينة «هيروبوليس» قد تشاورا معًا في أمر
حماية مصر من الأجانب هناك، وفي عام ٢٦٩ق.م حفر «بطليموس الثاني» قناة لحماية مصر
في
هذه الجهة تربط بين البحر الأبيض والبحر الأحمر بواسطة النيل (راجع مصر القديمة الجزء
الثالث عشر).
وفي عام ٢٧٤ق.م قامت مصر بفتوح واسعة على شاطئ «آسيا الصغرى»، ولكن لا يمكن القول
بأن
«أنتيوكوس» قد اضطُر في عام ٢٧٣ أو ٢٧٢ق.م إلى إبرام صلح، وقد أفلح الأخير في المحافظة
على شرقي «كليكيا»، وكانت أملاك «بطليموس» عند إبرام الصلح تشمل النصف الغربي الواقع
خلف نهر «كاليكادنوس» Calycadnus من «كليكيا» حيث نجد
بلدين؛ الأولى باسم «فيلادلفيا» والثانية باسم «أرسنوي»، وكذلك الساحل الشرقي
«لبامفيليا» مضافًا إلى ذلك «فازيليس» Phasilis ويحتمل
كذلك «أسبندوس» Aspendus، ومعظم «ليسيا» و«ميليارد» Milyard حيث أصبحت «باتارا» تدعى «أرسنوي»، وكذلك
استولى «بطليموس» في «كاريا» و«أيونيا» على «كاونوس» Caunus و«هليكارناسوس» Halicarnasus و«ميندوس» Myndus
و«كنيدوس» Cyclades، ويحتمل كذلك «ميليتوس» Miletus، وفي بحر إيجه استولى «بطليموس» خلافًا
لساموس و«تيرا» Thera و«سيكلادس» Cnidus على «ساموتراس» التي قدمتها له «أرسنوي» مهرًا لها على
الأرجح، وعلى الرغم من أن دمشق بقيت في يد «السليوكيين» فإنه حصل على «أرادوس» Aradus و«ماراتوس» Marathus، وبذلك جعل كل فينيقيا مصرية، يضاف إلى ذلك أن «ماجاس»
حاكم «سيريني» قد اعترف بسيادة أخيه «بطليموس الثاني» فكان ذلك نجاحًا عظيمًا
لمصر.
ولا نزاع في أن الأعوام من ٢٧٢–٢٧٠ق.م عندما طارت «أرسنوي» صاعدة إلى السماء في
التاسع من يوليو كانت أعوامًا ذهبية في تاريخ المملكة المصرية؛ فقد كانت «الإسكندرية»
تنمو بسرعة عظيمة من حيث الفخامة المادية والأعمال العقلية التي أُنجزت في خلال تلك
الفترة، وقد أتحفنا الشاعر «تيوكريتوس» Theocritus
بمدائحه «لبطليموس» فقد وصفه بأنه أعظم ملوك العالم وأكثرهم ثراء؛ إذ كانت تحت سلطانه
١٣٣٣٣ مدينة، وقد تنبأ له الشاعر «كاليماكوس» في أنشودة دبجها ببراعة لمدينة «ديلوس»
والمرجح أن «أرسنوي» قد طلبت إليه أن ينشدها في «بطولاميا» التي في «ديلوس» وجاء
فيها
أن «بطليموس» سيحكم العالم من مشرق الشمس إلى مغربها.
وقد أقام خلف الجزيرة تمثالًا «لكاليكراتيس» Callicrates الذي كان نائب البحر مثل «فيلوكليس» وقد كرمه في جزيرة
«ساموس» فرْد من أهلها هو والملك والملكة، وهذا حادث فريد في بابه لم يُعمل من قبل
لأحد
أفراد الرعية، ولكن «أرسنوي» ربة الكثرة وسيدة القصر التي علمت مصر كيف تستعمل أسطولها
والتي قلبت الخيبة إلى فوز، كُرمت في حياتها وبعد مماتها بما لم يعمل مثله إلا القليل
من النساء؛ فقد كانت تحمل اسم تتويج كاسم تتويج للملك، وأقيم لها تمثال بين تماثيل
ملوك
البطالمة وضع أمام «أوديوم أثينا» وبجوار تمثال «بطليموس الثاني» وكان المُهْدي لهما
هو
«كاليكراتيس» في «أولمبيا»، وفي الإسكندرية كان يسمى باسمها عدد كبير من شوارعها
كما
كان يطلق على عدد كبير من المدن الواقعة حول شواطئ بحر إيجه، وهناك أسطورة تقص علينا
أنه كان لها تمثال منحوت في الياقوت الأصفر المستخرج من البحر الأحمر.
هذا وقد وضع تصميم لأرسينويون
Arsinion حجرة
مغناطيسية حيث كان يوجد تمثال لها من الحديد يجب أن يسبح حرًّا في وسط الهواء بوصفه
خالدًا، وقد أصبحت «أرسنوي» فعلًا خالدة، فنجد في كل معبد وطني قد نصب تمثالها بجانب
آلهة مصر الخالدين وأصبحت تُعبد مثلهم، وكانت تعد في نظر الإغريق الإله «فيلادلفوس»
أي
حبيبة أخيها مثل «هيرا» ملكة السماء، ومن بين الأسماء التي كانت تعبد بها اسم «هيرا»
نفسه، وقد انتشرت عبادتها خارج مصر في كل عالم الجزر الإغريقية، هذا وقد أصبحت بعد
موتها موحدة بالإلهة «أفروديت» و«إزيس»، أما في عبادة الأسرة الرسمية فقد كان لها
مكانها وكاهنتها على حدة، وأقيمت لها المحاريب في الإسكندرية وفي «ديلوس» وأقام لها
«كاليكراتيس» معبدًا في «زفيريون»
Zephyrion بوصفها
أفروديت «زفيريتيس» وقد أشاد بذكره الشاعر «بوزيديبوس»
Poseidippus، أما من حيث اعتقاد القوم الذين كانوا في خدمتها فقد
أبرزه في أحسن صورة «هيرمياس» مشرف «بطليموس الثاني» على الجزر، فقد أقام هذا المشرف
بعد موتها بمدة قصيرة في «ديلوس» آنية عيد «فيلادلفيا»،
١٠ على شرف آلهة «ديلوس» وعلى شرف الإلهين الجديدين «بطليموس الثاني»
و«أرسنوي»، وفي حين نجد في الإهداء الذي نُقش على الأواني أن اسم «بطليموس الثاني»
قد
وضع في آخر الإهداء، فإن اسم «أرسنوي» احتل المكانة الأولى على الكل فتقدم على «أبولو»
نفسه.
١١