حرب «أيمينيس»
وعلى الرغم من هدوء الأحوال ظاهرًا في العالم الهيلانستيكي، فإنه كان على «بطليموس»
أن يكون يقظًا لما يجري حوله في بحر إيجه من أحداث، وبخاصة بعد الهزيمة الساحقة التي
حاقت بالدولة المصرية؛ إذ الواقع أنه كان من المحتمل أن تحل به كوارث جِسام أخرى
وبخاصة
إذا كان «سيلوكوس» قد اتحد مع «أنتيجونوس» عليه، ولكن لحسن الحظ كان الأخير منهمكًا
في
متاعبه داخل إمبراطوريته، وذلك أنه كان مشغولًا في حرب أعلنها «أيمينيس» ملك «برجامم»
حوالي عام ٢٦٣ق.م، وهو الذي كان قد خلف عمه «فيلاتيروس»، وكان «أيمينيس» يريد أن
يُعترف
به ملكًا، واتخذ لنفسه سياسة منظمة تسير عليها من بعده أسرته وهي مناهضة «السليوكيين»
والتحالف مع مصر، وكان أعداء «أيمينيس» لبيت «السليوكيين» في صالح مصر، ولكن من المحتمل
أن مساعدته «لبطليموس الثاني» كان وراءها غرض اقتصادي، وذلك أن مصر كانت دولة بحرية
عظيمة وفي حاجة إلى مادة «الزفت»، ولكن المحصول السوري من هذه المادة كان قليلًا
على ما
يظهر، وكانت تَرِد إلى العالم الهيلانستيكي هذه المادة من «مقدونيا» ومن جبل
«إدا» Ida الواقع في إقليم طروادة.
وكان جامعو زفت «إدا» لهم علمهم التقليدي وطرقهم في تحضيره، وكانت هذه الطرق تختلف
بعض الشيء عن الطرق المقدونية، والظاهر أن «أنتيجونوس» كان في مقدوره أن يرخِّص
بالتصدير، ومن المحتمل أنه كان في استطاعته بواسطة الضرائب أن يرفع أو يخفض ثمن الزفت
المقدوني لمدينة ما على حسب وقوعها في دائرة مصر أو في دائرته هو، وهكذا كان في إمكان
كل من «أنتيجونوس» و«أنتيوكوس» فيما بينهما أن يجعلا مصر تدفع أثمانًا باهظة للزفت
في
زمن السِّلْم، ومن المحتمل أنه كان يمكنهما قطْعُه عنها في زمن الحرب، ومن ثم كان
من
صالح مصر إذا كانت لها دولة صديقة مثل «برجامم» أن تحصل على نصيب في السيطرة على
زفت
«إدا»، والواقع أن تأسيس «إيمنيس» لبلدة «فيلتيريا» تحت سيطرة «إدا» يوحي أنه في
وقت ما
قد أفلح في أن يكون له مثل هذا النصيب.
وفي عام ٢٦٣ق.م دخل «إيمنيس» الحرب وقد استطاع «أنتيوكوس» في وقت ما قبل أبريل أن
يعيد «سيلوكوس» إلى مكانته بوصفه مشتركًا معه في الحرب، وقبل أن يحل ديسمبر مات
«سيلوكوس»، وتقص علينا رواية متأخرة أن «أنتيوكوس» أعدمه بسبب خيانة ارتكبها، هذا
ولدينا نقود تشير إلى محاولة من جانبه إقامة مملكة مستقلة يُحتمل أنها في بابل، ومهما
تكن هناك من حوادث وراء هذه البيانات المجردة عن كل تفصيل فإن «أنيتوكوس» لا بد كان
قد
أعيق بشدة عن متابعة الحرب، ولا شك في أنه في خلال عام ٢٦٣ق.م كان أسطول «بتروكليس»
قد
تحول إلى «آسيا الصغرى»، وبحلول عام ٢٦٣ق.م كانت مصر مسيطرة على «ميليتوس» بل و«أفيسوس»
التي كانت محط الأطماع، وقد وُضعت تحت حكم «بطليمايوس» هذا بالإضافة إلى ساحل «كاريا»
ما بين «ميليتوس»، و«هاليكارناسوس» في حين أن «إيمنيس» بعد أن جمع جيشًا عظيمًا من
المرتزقة بمساعدة «بطليموس الثاني» هزم «أنتيوكوس» في عام ٢٦٣ق.م بالقرب من «سرديس»
وثبت استقلاله وزاد في مساحة إمارته التي أصبحت في عام ٢٦١ق.م تشمل جانبَيْ وادي
«كايكوس» Caicus من أول منبعه حتى البحر، هذا
بالإضافة إلى شريط طويل من أرض الساحل، وقد مات «أنتيوكوس» في المدة التي تقع ما
بين
أكتوبر عام ٢٦٢ق.م وأبريل سنة ٢٦١ق.م، وهذا الرجل الذي لم تُعرف شخصيته كان مشتغلًا
بالحروب المتلاحقة والاضطرابات في مملكة مترامية الأطراف، ومع ذلك فإنه قد أفلح بعض
الشيء في نشر المدنية الهيلانستيكية في «آسيا» وهو يُعتبر الثاني بعد «الإسكندر الأكبر»
في تأسيس المدن الجديدة، ولَعَمْرِي إنه من الأسرار التي لم يكشف التاريخ عنها بعد،
كيف
وجد أنتيوكوس الوقت للقيام بكل ما قام به من أعمال، وقد خلفه على عرش الملك ابنه
الأصغر
«أنتيوكوس» الثاني وهو الذي لقب فيما بعد بالإله؟
أما انتصارات مصر وهزائمها في كل هذه المغامرات فتدل شواهد الأحوال أن سببها كان
راجعًا أكثره إلى حلفائها لا إليها.