أقسام مصر الجغرافية في عهد البطالمة الأُوَل
تحدثنا فيما سبق عن الجيش والأسطول وقبل أن نتناول بالبحث إدارة البلاد الداخلية يجب أن نلقي نظرة خاطفة على نظام تقسيم البلاد جغرافيًّا في عهد كل من بطليموس الأول والثاني لنرى ما حدث من تغيير منذ نهاية الحكم الفرعوني.
(١) جغرافية مصر في العهد الفارسي
ومما يؤسف له جد الأسف أنه لم تصل إلينا معلومات جغرافية عن مصر في فترة الحكم الفارسي وما بعده حتى فتْح الإسكندر لمصر إلا ما ذكره لنا «هردوت» الذي زار وادي النيل في العهد الفارسي وكتب عنه من عدة نواحٍ، ووصف مصر وصفًا ممتعًا لا يزال يُعد المصدر الأول لدينا عن هذه الفترة الغامضة في جغرافية البلاد، وأغلب الظن أن «هردوت» جاء إلى مصر في عهد الملك «أرتكزركزيس الأول» (٤٦٥–٤٢٤ق.م) على أن ما كتبه «هردوت» عن مقاطعات مصر لا يدل على أنه كان يقصد به أن يعددها لنا، بل إن المقاطعات التي ذكرها لنا كان الغرض منها أن يبين لنا المقاطعات التي كانت تورِّد جنودًا ومقدار ما كان يورَّد من كل منها، ومن المهم لدينا جدًّا أسماء المقاطعات التي ذكرها «هردوت» وقال عنها إن هؤلاء الأجناد كانوا يعسكرون فيها، فنجد من بينها أسماء عدة لا نجدها في قوائم أسماء المقاطعات فيما بعد في الكتابات المصرية ولا في قوائم المقاطعات التي وُجدت منقوشة على جدران معابد عهد البطالمة؛ لأنها تختلف عنها اختلافًا كليًّا من حيث المسميات.
(٢) مقاطعات مصر في العهد البطلمي
لدينا من العهد الذي يبتدئ بفتح الإسكندر لمصر وينتهي بالاحتلال الروماني من عام ٣٣٢–٣٠ق.م، وثائق عدة عن المقاطعات التي كانت تحتويها مصر، ونخص بالذكر منها أولًا الورقة الإغريقية المؤرَّخة بالعام السابع والعشرين من عهد بطليموس الثاني، وهي المعروفة بورقة «قوانين الإيرادات»، هذا بالإضافة إلى الورقة الجغرافية الموجودة في مجموعة «أمهرست»، وقد دُونت في عهد الملك بطليموس السابع، وكذلك الورقة الجغرافية المعروفة بورقة «موريس» وهي من عهد نفس الملك السابق، وأخيرًا لدينا القوائم الهيروغليفية التي نُقشت على الجزء الأسفل من جدران المعابد البطلمية وبخاصة معبد «إدفو»، ويرجع تاريخها إلى حكم بطليموس السابع «أيرجيتيس الثاني» وابنيه «بطليموس الثامن» (سوتر الثاني)، و«بطليموس التاسع» (الإسكندر الأول).
وعلى الرغم من أن ملوك البطالمة قد أظهروا ما أمكنهم من براعة ليسلكوا سياسة تنطوي على المحافظة على تقاليد الشعب المصري وعاداته القديمة التي كان يسير على هديها منذ أقدم العهود في كل الشئون الممكنة، هذا مع جعلها تتفق مع الآراء الإغريقية التي كانوا هم الممثلين لها وجالبيها في البلاد فإن مقتضيات الأحوال التي كان تحتمها الضرورة من حيث الإدارة، وبخاصة الالتزامات المالية المُلحة قد أوجبت عليهم أن يكمشوا أو يغيروا إلى درجة مُحَسَّة نظام المقاطعات التي كانت تنقسم إليها البلاد، ونحن نعلم أنه منذ عهد الفرس قد طرأ تغير على نظام المقاطعات ومساحتها وأسمائها في كثير من جهات القطر وبخاصة في الوجه البحري.
والآن بعد ذكر هذه الملحوظات الأولية، وهي في الواقع ملحوظات عامة يجب علينا أن نبحث عن التجديدات التي ظهرت في قائمتي بطليموس الثاني وهما اللتان وُجِدَتا في بردية قوانين الإيرادات، فمن جهة مقاطعات مصر الوسطى فليس لدينا إلا القليل الذي يدعو إلى البحث فيه؛ إذ إن كل ما يجب الإشارة إليه هو أن المقاطعتين السادسة عشرة والثامنة عشرة قد اندمجتا في المقاطعات المجاورة لهما، والدليل على ذلك أنهما لم يُذكرا في كل من القائمتين، ومن ثم لم يُذكر في مصر الوسطى إلا المقاطعة الخامسة عشرة وهي مقاطعة هرموبوليس، والمقاطعة السابعة عشرة سينوبوليس (قيس)، والمقاطعة التاسعة عشرة وهي أوكسيرنيكوس (البهنسا)، والمقاطعة العشرون وهي أهناسيا المدينة، والمقاطعة الواحدة والعشرون «كروكودبوليس» (الفيوم) والمقاطعة الثانية والعشرون (أفروديتوبوليس) (أطفيح).
هذا وقد جاء اسم مقاطعتين كل منهما باسم مقاطعة البحيرة في كل من قائمتي بطليموس الثاني، وقد أُطلق عليهما إقليم البحيرة، وقد وُجِدَتا ثانية في ورقة «بتري» ثم اختفتا فيما بعد في أواخر عهد «بطليموس الثاني» عندما سُميت مقاطعة «الفيوم» باسم الملكة «أرسنوي الثالثة» وبذلك حل هذا الاسم الأخير محل الاسم القديم «مقاطعة التمساح»، وعاصمتها «شدت» المشهورة بمحرابها الخاص بالإله «سبك» وهي المعروفة الآن «بكيمان فارس» القريبة من مدينة «الفيوم» الحالية.
- (١)
مقاطعة لوبيا: وتقابل المقاطعة السابعة في القائمتين.
- (٢)
المقاطعة الساوية: وتدخل فيها «نقراش» وقد كانت مستقلة عن إدارة المقاطعة، وتمثل المقاطعة الخامسة.
- (٣) مقاطعة «بروزوبيتيس» Prosopitis: وتقابل المقاطعة الرابعة وهي التي عدها هردوت جزيرة.
- (٤)
مقاطعة أتريبيتس: وهي المقاطعة العاشرة في قوائم المعابد.
- (٥)
مقاطعة سبنوتوس: أي المقاطعة السمنودية وتقابل المقاطعة الثانية عشرة في قوائم المعابد.
- (٦)
مقاطعة بوزيريس: وتقابل المقاطعة الثانية عشرة (بوصير).
- (٧)
مقاطعة «منديس»: وتقابل المقاطعة السادسة عشرة.
- (٨)
مقاطعة «ليونتوبوليس» والمقاطعة التاسعة عشرة (تل المقدام الحالي).
- (٩)
مقاطعة «فرابوتوس» (هربيط): وتقابل المقاطعة الحادية عشرة.
- (١٠)
مقاطعة أرابيا (العرب): وهي المقاطعة العشرون وعاصمتها «صفط الحناء».
- (١١)
المقاطعتان «ستوريت»، و«تانيس»: وتقابلان المقاطعة الرابعة عشرة.
- (١٢)
مقاطعة «بوباستريت»: وتمثل المقاطعة الثامنة عشرة من مقاطعات قوائم المعابد.
- (١٣)
مقاطعة «منفيس»: وتمثل المقاطعة الأولى من مقاطعات قوائم المعابد.
- (١٤)
ليتوبليتيس (أوسيم الحالية): وتمثل المقاطعة الثانية.
- (١٥)
مقاطعة «هليوبوليتيس»: وتمثل المقاطعة الثالثة عشرة.
وعلى أية حال فإن هذه المقاطعات إذا كانت تقابل بصفة عامة الأسماء التي وُجدت في القوائم الهيروغليفية فإنه من المفروض أنها من حيث المساحة والحدود لا تقابل بالضبط ما كانت عليه في العهود القديمة، ومن المعلوم أن البراهين التي تؤكد لنا ذلك تنقصنا، ولكن على أية حال لدينا مثال واحد يوضح لنا ذلك تمامًا، ونجده في مقاطعتي سوتيريت و«تانيس» فهما في الواقع مركز مقاطعة فرعونية واحدة بعينها وهي المقاطعة الرابعة عشرة المعروفة بنهاية الشرق وعاصمتها «تل أبو صيفة» الحالي (تانيس).
(٢-١) مقاطعة لوبيا
(٢-٢) مقاطعة منيلايت
وإذا كانت مقاطعة «منيلايت» تقع في المكان الذي اقترحه «دارسي» فإنه لا يوجد ما يعارض أنها كانت المقاطعة «منيلايت» التي وُجد اسمها ممزَّقًا في السطر السادس من العمود الواحد والثلاثين من ورقة بطليموس الثاني الخاصة بقوانين الإيرادات، وذلك لأننا في هذه الفقرة نجد أنفسنا في الإقليم المناسب لموقع هذه المقاطعة.
أما عن مدينة «منيلاوس» التي جاء ذكرها في فقرة من «إسترابون» وهي غير المتعلقة بمقاطعة «منيلايتيس» الواقعة في وادي النطرون، فإنها تختلف بالتأكيد عن مقاطعة «منيلايت» ومع ذلك فإننا لا زلنا غير متأكدين من موقعها تمامًا.
(٢-٣) مقاطعة الدلتا
(٢-٤) مقاطعة نتريون (وادي النطرون)
(٣) قوائم المقاطعات في المعابد البطلمية
وبعد التحدث عن قوائم المقاطعات وما فيها من ملابسات كما جاء في الأوراق البردية الإغريقية يجدر بنا أن نتحدث بعد ذلك عن قوائم المقاطعات، كما جاءت على المعابد البطلمية وما طرأ عليها من تغييرات بالنسبة للعهد الفرعوني.
تدل الوثائق التي في متناولنا على أن القوائم الجغرافية الخاصة بالمقاطعات المصرية التي وُجدت على جدران المعابد في العهد البطلمي كانت مجزَّأة إلى وحدات كثيرة أكثر مما كانت عليه في عهد الفراعنة، وذلك بصورة مُحَسَّة.
فمنذ الأسرة التاسعة عشرة يُلحظ أن قائمة المقاطعات التي نُقشت على جدران معبد «رعمسيس الثاني» بالعرابة المدفونة قد زِيد في عددها مقاطعتان على ما كانت عليه قبل ذلك العهد.
أما عن التغيرات التي وُجدت في قوائم البطالمة بالنسبة لعدد المقاطعات وحدودها بالتوالي فلدينا معلومات في هذا الصدد خلافًا لما جاء ذكره في ورقة قوانين الإيرادات التي من عهد بطليموس الثاني، وذلك في وثائق عدة من أصول مصرية، فلدينا قوائم جغرافية بأسماء المقاطعات نُقشت على الجزء الأسفل من جدران المعابد، هذا بالإضافة إلى بعض أوراق هيراطيقية ذات صبغة جغرافية أسطورية، ويكفي أن نذكر هنا بوجه خاص البرديات المسماة أوراق «موريس» الجغرافية وهي موجودة بمجموعة «أمهرست».
(٣-١) «أوراق موريس»
ولم يُذكر في هذه البردية في الواقع أسماء مقاطعات بل ذُكرت عواصم المقاطعات مع ذكر الآلهة المحليين الذين كانوا يُعبدون فيها بالتوالي، وعدد هذه العواصم أربعون، ويُلحظ أنها قد مُثلت دون مراعاة أي ترتيب جغرافي حقيقي، وفضلًا عن ذلك نجد أن بعضها قد ظهر عدة مرات في حين أن بعضها الآخر على العكس قد حُذف، وعلى ذلك نجد أنه من بين اثنتين وأربعين عاصمة قد ذُكر اثنتان وثلاثون فقط، خُصصت منها ست عشرة للوجه القبلي والست عشرة الأخرى للوجه البحري، فنجد أن المقاطعات الأولى والثانية والثالثة من مقاطعات الوجه القبلي والمقاطعتين الحادية عشرة والتاسعة عشرة (وهما مقاطعتا الإله «ست») والمقاطعة السابعة عشرة لا وجود لها، وكذلك المقاطعات السادسة والحادية عشرة والرابعة عشرة والثامنة عشرة من مقاطعات الدلتا ليس لها وجود.
وقد خُصصت كل خانة من هذه الأقسام للإله الذي في صورة تمساح «سبك» إله الفيوم بوصفه سيد عاصمة هذه المقاطعة أو تلك، هذا عدا مقاطعة «الفيوم»، ومن ثم نفهم أن هذه ليست أسماء المقاطعات نفسها بل عواصمها كما جاء في مخطوط ورقة بحيرة موريس، وذلك في حين أن «الفيوم» تشغل وحدها «خانتين»، هذا ونجد أن عاصمة المقاطعة الثانية والعشرين من مقاطعات الوجه القبلي التي تواجه الفيوم على الشاطئ الأيمن للنيل قد حُذفت، أما عن الوجه البحري فليس لدينا إلا ثماني عشرة عاصمة بدلًا من عشرين، ويُلحظ أن ترتيبها الجغرافي لم يكن مقيَّدًا قط، ولدينا من بين هذه المقاطعات واحدة تختلف عن القائمة التقليدية وهي العاصمة «رع-نفر»(نوفريس) أو «أونوفيت» وهي التي جاء ذكرها في قائمة «هيردوت»، ومما سبق نفهم أن أوراق البردي الهيراطيقي المؤرخة بالقرن الثاني ق.م لا تمدنا بأية معلومات عن المقاطعات.
(٣-٢) قوائم المعابد
وسنوجه العناية هنا بوجه خاص لقائمة «بطليموس التاسع الإسكندر الأول» وهي التي يُطلِق عليها بعض المؤلفين اسم «قائمة الثماني والأربعين مقاطعة».
والآن يتساءل الإنسان ما الذي يمثله الثمانية والعشرون شخصًا الجدد هذه التي أتت بعد مقاطعات الوجه البحري العشرين؟ والواقع أنه عندما ينظر الإنسان إلى هذه الشخصيات بإمعان يفهم بسهولة أن هذه المراكز الثمانية والعشرين الإضافية تنقسم بالضبط قسمين كل منهما أربعة عشر، والقسم الأول خاص بالوجه القبلي والثاني بالوجه البحري، وهنا يتعرف الإنسان مرة أخرى على مبدأ الثنائية عند قدماء المصريين في كل شيء، وذلك محافظة على توزان المساواة بين القطرين؛ أي بين شطري الوادي، وعلى ذلك فإن الملك البطلمي الذي أنشأ هذه المراكز قد أراد أن يعدل بين القطرين اتباعًا لسُنة الثنائية التي كانت متَّبَعة في كل شيء بالنسبة للقطرين الوجه القبلي والوجه البحري.
غير أنه لا يوجد مثل ذلك الانفصال في الوجه البحري حيث كان يوجد كما ذكرنا من قبل منذ حكم «بطليموس إيريجيتيس الثاني» على الأقل مقاطعتان كُوِّنَتا حديثًا وأضيفتا إلى العشرين مقاطعة العادية التي كانت تتألف منها أرض الدلتا.
المراكز الإضافية في الوجه القبلي
-
المركز الأول: وهو الواحد والعشرون من قائمة الأثري «ديمخين» Dumichen وهو الذي يأتي
مباشرة بعد المركز العشرين والأخير من مراكز الدلتا ويحمل
رقم ٧٢ في نقوش «إدفو» التي نشرها الأثري «شاسينا» واسم
هذا المركز «نبى» واسم جبانته «نبتى» (وهو الاسم المدني)
أم الاسم المقدس فهو «بر-حر» ومما يطيب ذكره هنا أنه لما
كان «بركش» متشبعًا بفكرة أن هذا الإقليم يقع في الدلتا
فإنه قرب الاسم «نبى» من المسميات الجغرافية العربية مثل
«بانوب» و«تانوب» و«تحانوب» وكذلك إلى الاسم الإغريقي
«كانوبس» Kanobos وقد
ترجمه «مدينة الذهب» غير أن المقصود هنا مجرد المركز الذي
كانت فيه أمبوس (كوم أمبو الحالية) وهي العاصمة.
وهذا المركز يؤلف الجزء الشمالي من المقاطعة الأولى من مقاطعات الوجه القبلي التي عاصمتها «أبو» (الفنتين) وهي الآن جزيرة أسوان، وهذا المركز لم يكن مفصولًا في الأصل عن هذه المقاطعة.
ولدينا بعض متون إغريقية من العهد البطلمي تبرهن على أن هذا المركز قد استمر يؤلف جزءًا من مقاطعة «الفنتين» حيث نجد أن مدينة «نبي-أمبوس» قد أخذت الصدارة بدلًا من «الفنتين» وهذا التبديل يؤدي إلى جعل عاصمة بدلًا من أخرى يرجع عهده على الأقل إلى عهد بطليموس السادس «فيلوميتور» (١٧٠–١٤٥ق.م) وهو الذي في عهده نجد ذكر المقاطعة «أمبوس»، هذا وكانت قائمة «بطليموس العاشر الإسكندر الأول» (١٠١–٨٨ق.م) في معبد «إدفو» عبارة عن صورة تُغاير هذا الوضع، وذلك أنه من غير إحلال الاسم القديم «تا-ستي» وهو اسم المقاطعة الأولى محل الاسم الجديد «نبى» ذُكر الاسمان الأول في مكانه العادي على رأس مقاطعات الوجه القبلي، والثاني على رأس سلسلة المراكز الإضافية التي أنشئت حديثًا.
وفيما بعد في نهاية عهد البطالمة نلحظ أن الفصل بين «الفنتين» و«أمبوس» قد تم نهائيًّا وأصبحت مقاطعة «أمبوس» منفردة وعاشت طويلًا، وذلك لأننا لا نجدها تُذكر فيما كتبه المؤلف القديم «بليني»، وكذلك على النقود المحلية للمقاطعات في القرن الثاني من العهد المسيحي.
والاسم المقدس «بيت حور» المخصص هنا لمدينة «أومبوس» قد ثبته ما جاء على معبد «كوم أمبو» الذي كان مقدسًا مناصفة بين إلهين وهما «سبك» (التمساح) و«حور الكبير» «الصقر»، ولكن من الأشياء الغريبة أن نجد أن مركز «أمبوس» لم يصوَّر في قائمة المراكز الإضافية المنقوشة على هذا المعبد، وكان حريًّا بذلك.
-
المركز الثاني والعشرون٣٤: عاصمته السياسية تسمى «مخنت» واسمها المقدس «بيك» (باشق)
أي مدينة الباشق أو الصقر، واسم المدينة هذا يوجد في قائمة
معبد «كوم أمبو»
الجغرافية، ويرجع تاريخها إلى عهد الإمبراطور «فسيسيان»،
أما اسم العاصمة السياسي فقد كتب في معبد إدفو «مخنت» وعلى
ناووس العريش «مخنوت»، والأرجح أنه يمثل الاسم القديم
«نخن»، وهو اسم المدينة التي يسميها الإغريق «هيركونبوليس»
أي مدينة الصقور هي الآن «الكوم الأحمر» الواقعة على
الشاطئ الأيسر للنيل وهي تواجه مدينة «نخبيت» القديمة وهي
«إيليتياسبوليس» Eeileithyaspolis عند الإغريق والكاب الحالية.٣٥
ومدينة «نخن» هذه التي ترجع إلى عهد ما قبل التاريخ وكانت في الوقت نفسه عاصمة الوجه القبلي تُعَدُّ من المدن التي نشأ فيها الإله حور (الصقر)، ومن ثم نجد في العهود المتأخرة هذه الذكرى العتيقة للإله الأول الذي كان يُعبد في الجنوب في شكل صقر جاثم معبرًا عن اسم المركز الجديد الذي أُسس في «هيراكونبوليس» بعد انتزاعه من المقاطعة الثالثة وأصبح مركزًا مستقلًّا له عاصمته الخاصة، والتسمية الإغريقية «هيراكنبوليس» هي بطبيعة الحال الترجمة للاسم المصري «مدينة الصقر»، وهي الكوم الأحمر الحالية الواقعة قبالة «الكاب» الحالية.
ومن المحتمل أن «نخن» كانت العاصمة القديمة للمقاطعة الثالثة من مقاطعات الوجه القبلي، ولكن كان قد حل محلها في وقت مبكر «نخبيت» أي الكاب الحالية، وهذه الأخيرة بدورها قد انطفأ سراجها وحل محلها مدينة أخرى تقع على مسافة قليلة شمالًا وتقع على نفس الشاطئ الذي تقع عليه نخن، وهي «أونيت» (مدينة العمد)٣٦ وهي «لاتوبوليس» فيما بعد الإغريق (مدينة سمكة اللوت) وهي «إسنا» الحالية، والظاهر أنه بعد عهد طويل من التدهور تمتعت «نخن» (الكوم الأحمر) في عهد البطالمة باستعادة مجدها القديم، وذلك لأننا نراها في قائمة «بطليموس الإسكندر الأول» في معبد «إدفو» أصبحت عاصمة مركز خاص.ويطيب لنا أن نضيف هنا أنه إذا كانت مقاطعة «أومبوس» قد ثبت وجودها من الوثائق الإغريقية الرومانية، فإن الحالة لم تكن كذلك في مقاطعة «هيراكونبوليس»؛ إذ الواقع أن مثل هذه المقاطعة لم توجد قط، ومن ثم كانت هذه الملاحظة محرجة وتدعونا لحد ما أن نتحفظ بشدة عند تفسير المراكز الإضافية التي دُونت في قائمة «بطليموس العاشر الإسكندر الأول»، وذلك لأن كل هذه المراكز لم تكن بالتأكيد مقاطعات؛ أي إنها ليست وحدات إدارية مستقلة يقوم بالإشراف عليها حاكم خاص، والواقع أن البطالمة كانوا بعيدين عن مضاعفة عدد المقاطعات المصرية، بل يظهر العكس من ذلك؛ فقد كانوا يختصرون عددها، ولا أدل على ذلك من أن «إسترابون» الذي زار مصر بعد حكم «بطليموس الإسكندر الأول» بزمن قليل، وهو الذي كان يأخذ معلوماته الجغرافية من أحسن المصادر، ومن ثم فإن قائمة المقاطعات المصرية التي وضعها لنا عن عصره كانت تمثل أوثق صورة للأقسام الإدارية في نهاية عهد البطالمة، وقد ذكر لنا «إسترابون» عن قصد أن مقاطعة «سخا» (المقاطعة السادسة من مقاطعات الوجه البحري) قد امتزجت بالمقاطعة السمنودية (المقاطعة الثانية عشرة)، ولا شك في أن المسألة كانت أدق بالنسبة لمقاطعات الوجه القبلي، وذلك لأن «إسترابون» لم يقدم لنا قائمة مرتبة منظمة لهذه المقاطعات، ولكن إذا فحصنا بصورة عاجلة الوثائق الإدارية للعهد الإغريقي الروماني فإنه يكفي أن نجد أن المقاطعتين السادسة عشرة والثامنة عشرة قد اختفتا بالنسبة للقوائم المصرية، وأن المقاطعة الرابعة عشرة قد اندمجت في مقاطعة «هرموبوليس» (المقاطعة الخامسة عشرة)، وأن المقاطعة الثانية عشرة قد انضمت للمقاطعة العاشرة؛ أي مقاطعة «أفروديتوبوليس» والمقاطعة الحادية عشرة قد امتزجت في المقاطعة الثالثة عشرة (أي مقاطعة ليكوبوليس) «أسيُوط».
وعلى ذلك نجد أنفسنا أمام أحد أمرين: إما أن يكون الموكب الجغرافي الذي مُثل على جدران معبد إدفو في عهد «بطليموس الإسكندر» من نسج الخيال مجرد زينة وأن الصور الجديدة التي يحتوي عليها هذا الموكب لا تمثل تقسيمًا حقيقيًّا لعصر هذا الملك وزيادة عدد عظيم من المراكز الجديدة، بل إنه نتج عن مجرد تحليل تصويري خصص عدة أشكال لمقاطعة واحدة.٣٧وإما على العكس يقدم لنا فعلًا هذا الموكب أقسامًا جديدة للعصر الذي صُور فيه، غير أن وجود هذا التقسيم كان عرضًا ولم يستمر فيما بعد، وعلى حسب النظرية الأخيرة يُلحظ أن مقاطعة «هيراكنبوليس» الجديدة التي ليس لدينا أي دليل على وجودها في مؤلفات المؤلفين القدامى أو في النقوش والأوراق البردية الإغريقية واللاتينية لم يكن هناك ما يمنع من أن تضاف من جديد لمقاطعة لاتوبوليت (المقاطعة الثالثة) التي تفرعت منها.
- المركز الثالث والعشرون: يُدعى «جحستي» أي مركز الغزال، ومن المحتمل أن كلمة «جحستي» تطلق على المكان الذي جاء ذكره في متون الأهرام بأنه المكان الذي مات فيه أوزير، وفيما بعد كان يُعبد فيه الإلهان «خنوم» و«نفتيس»، وعلى أية حال فإن قائمة «إدفو» جاء فيها أن عاصمة هذا المركز المقدسة هي «بر-عنقت» أي بيت عنقت في حين أن قائمة كوم أمبو تقول إن العاصمة «بر-مرو»، وهذا المكان الأخير موحد ببلدة كومير الواقعة على الشاطئ الأيسر للنيل على مسافة ١٢ كيلومترًا فوق «إسنا»، والواقع أنه توجد في الصحراء خلف «كومير» جبَّانات مكدسة بموميات غزلان، وكذلك يوجد في المتحف المصري أوستراكا عُثر عليها في الدير البحري، وقد مُثل عليها كاتب يتعبد إلى غزال واقفًا عند سفح جبل ومعه النقش التالي: صلوات قدمها … «حامي» الآلهة «عنقت»،٣٨ وكذلك نجد في قوائم الكرنك ومدينة هابو للبلدان أن «أنوكيس» بوصفها آلهة «بر-مرو» ومن أجل ذلك نجد أن الغزال كان بلا نزاع مقدَّسًا للآلهة «أنوكيس»، وأن هناك علاقة بين الغزلان وكومير من جهة وبين عنقت و«بر-مرو» من جهة أخرى، وفضلًا عن ذلك نجد مقطع «بر» في تركيب كلمة «كومين» في ألفاظ قبطية، وقد ذكر مسبرو أنه توجد بقايا معبد في «كومير» وقد ذكر «ويجول» هذا الاسم بصورة أخرى كوم المرة وكومير إلخ.٣٩ وعلى أية حال نجد مركز الغزال هذا قد مُثِّل في قائمة معبد «كوم أمبو» الجغرافية التي يرجع عهدها إلى حكم الإمبراطور «فسبسيان» حيث نجد اسم العاصمة السياسي وهو «جحستي» والاسم المقدس «بر-عنقت».
-
المركز الرابع والعشرون: صُوِّر اسم هذا المركز بطائرين وقراءة الاسم غير مؤكدة
ويحتمل أنه يُلفظ «رخوي» أو «رخيت» وعاصمته تدعى «أونيت»
والعاصمة المقدسة «رخويت» أو «رختي» وفي حين نجد أن
المقاطعة الأولى من مقاطعات الوجه القبلي قد قُسمت مركزين
وهما «الفنتين» و«أومبوس» وأن المقاطعة الثانية وهي
«بحدت-أبوللونويوليس مجنا» (إدفو) لم تكن قد تأثرت بالنظام
الجديد الذي كان معمولًا به في عهد «بطليموس الإسكندر
الأول»، فإن المقاطعة الثالثة (لاتوبوليس = إسنا) قد حل
محلها في قائمة «بطليموس الإسكندر الأكبر» أربعة مراكز،٤٠ هذا ونجد أن نواة هذه المقاطعة أي مركزها
الديني الذي يقع على الشاطئ الأيمن للنيل قد بقي في
عاصمتها القديمة «تحبيت» (الكاب الحالية) وهي التي على أية
حال لم تكن بعدُ منذ زمن طويل عاصمة مقاطعة، وذلك لأنه كان
قد حل محلها بلدة أونيت (إسنا) ولكن توجد مدينتان هامتان
تابعتان للجزء الغربي من المقاطعة الثالثة من القوائم
التقليدية قد رُفعتا لأسباب غابت عنا إلى عاصمتي مركزين
مستقلين: وهاك هذين المركزين من الجنوب إلى الشمال على حسب
الترتيب الذي تذكره القائمة التي نحن بصددها:
- (١) مخت = هيراكنيوليس = الكوم الأحمر.
- (٢) جحستي (؟) = كومير، وهو اسم إغريقي غير معروف.
- (٣) أيونيت = لاتوبليس = إسنا.
أما عن المدينة الثالثة الغربية «أونيت» فإن قائمة «فسباسيان» بمعبد «كوم أمبو» تبرهن على أنها لم تكن شيئًا آخر غير عاصمة المركز «رختي».
- المَركزان الخامس والعشرون والسادس والعشرون: ويقعان بين لاتوبوليس (إسنا) في الجنوب و«أرمنت» في الشمال، والظاهر أنهما يحتلان موقعين متقابلين على كِلا شاطِئَيِ النيلِ ويحملان الاسمين «شرق حور» و«غرب حور» على التوالي، وكذلك فإن عاصمتيهما المقدستين تُسمَّيان على التوالي «مسكن حور الشرقي» و«مسكن حور الغربي» أما عاصمتاهما المدنيتان فهما «حقات» و«حسفن» على التوالي أيضًا، وعلى أية حال فإن العاصمتين «حقات» و«حسفن» وهما اللتان كانتا على التوالي عاصمتين لمركزين قديمين كانتا قد رُفعتا إلى مقاطعتين وهما «شرق حور» و«غرب حور» وهما معروفتان تمامًا، فالأولى وجودها ثابت منذ عهد الأسرة الحادية عشرة وهي موحَّدة بقرية «المعلة» الحالية الواقعة على الشاطئ الأيمن للنيل،٤١ والأخرى وهي «حسفنت» أو «حسفن» هي «أسفنينيس» Asphynis الإغريقية الرومانية وموقعها الآن «أصفون المطاعنة» على الشاطئ الأيسر للنيل قبالة «المعلة»، ولكن على مسافة قليلة شمالًا؛ أي على مسافة اثني عشر كليو مترًا تحت «إسنا».٤٢
-
المركز السابع والعشرون: ويسمى «أيونو شمعو» أي «أيون» الوجه القبلي مقابل «أيونو
محو» أي أيون الوجه البحري أي هليوبوليس، ويُدعَى كذلك
أيون منت وبالإغريقية «هرفتس» وأقدم كتابة لها «أوني»
وكُتب بالقبطية «أرمنت» وبالعربية «أرمنت» أيضًا، وتقع على
الشاطئ الأيسر للنيل بالقرب من النهر على مسافة كيلومترًا جنوبيَّ الأقصر.
هذا وقد برهن «لاكو» على أن الاسم الإغريقي كان مشتقًّا من «أون منتو» لا من «برمنت» (بيت منتو) كما كان المظنون من قبل.٤٣
وهذا المركز الذي لم يصبح مقاطعة مستقلة إلا في عهد البطالمة يظهر أنه قد انتُزع من المقاطعة الرابعة التي عاصمتها «واست» (طيبة).
وعلى أية حال فإن مقاطعة «هرمنتيس» تعد الوحيدة من بين المراكز السبعة الجديدة من القائمة الهيروغليفية التي من عهد «بطليموس الإسكندر الأول» مع مقاطعة أونيت التي وُجدت في الوثائق الإغريقية، ومما يؤسف له جد الأسف أن الاسمين المدني والديني لعاصمة هرمونتيت قد فُقدا مع المتن الخاص بهذه المقاطعة، ولكن يجب أن يكونا على التوالي «أونوشمع» أي «أونو» الوجه القبلي و«برمنتو» «مسكن منتو» إله الحرب.
وبقيت مقاطعة هرمنتيت مدة طويلة مذكورة في العهد الروماني، ذكرها «بليني»،٤٤ وكذلك جاء اسمها على نقود الإمبراطورية للمقاطعات، وأخيرًا ذكرها «بطليموس الجغرافي». - المركز الثامن والعشرون: ويقع شمالي طيبة ويسمى «قس» واسم العاصمة المدني هو «قست» واسم العاصمة المقدس هو «حت قرست» أو «حتت قس» والمقصود هنا بداهة هو «قوص» عاصمة مركز قوص الحالي الواقع على الشاطئ الأيمن للنيل. ويحتمل أن هذه البلدة تابعة للمقاطعة الخامسة (أي قفط) وقد انتُزع منها لتصبح عاصمة مركز مستقل، ولما كانت هذه المدينة تعبد الإله «حور الكبير» فإنها أصبحت بالإضافة إلى «إدفو» و«كوم إسفات» واحدة من ثلاثة الأماكن المصرية التي أطلق عليها الإغريق اسم «أبوللونوبوليس» وذلك لتوحيدهم الإله «حور» بالإله «أبوللون».٤٥
- المركز التاسع والعشرون: قرأ «بركش» اسم هذا المركز «أون محيت» والواقع أن اسم المركز في المتن الذي يصحبه هُشِّم تمامًا، والظاهر أن «بكش» كان في فكر مقاطعة «دندرة» المقاطعة السادسة من مقاطعات الوجه القبلي، غير أنه قد يظهر غريبًا أن هذه المقاطعة تمثَّل هنا بين هذه المراكز الإضافية، في حين أنها قد مُثلت في مكانها العادي في نفس القائمة بين المقاطعات المتفق عليها.
- المَركزان الثلاثون والواحد والثلاثون: وهذان المَركزان قد حُسِمَ اسماهما كذلك إلا كلمتين قرأهما «بركش»: «تاانوب»، والظاهر أن القراءة الصحيحة هي «تاوي سوتنج» أي بلاد الإله «سوتنج» = (ست)، ونحن هنا في إقليم المقاطعة السادسة (دندرة) أو في المقاطعة السابعة «ديوسبوليس الصغرى» (هِو الحالية)، والواقع أن ورقة «جوليتشف» الجغرافية تذكر بعد مدينة «أون-تانترت» الخاصة بالإلهة حتحور أي «دندرة» عاصمة المقاطعة السادسة مكانًا يُدعَى «ناشو-ن-سوتخ» أي سنط الإله «سوتخ» هذا ويؤدي بنا إلى مكان مقدس يوجه خاص للإله المناهض حور، ومن الجائز أن له علاقة ببلاد الإله «سوتخ» التي جاءت في القائمة التي نفحصها الآن، وقد ذُكر هذا المكان في قائمة جغرافية نُقشت على معبد «هابو» من عهد «رعمسيس الثالث» باسم «سوتخ ناشنو» وقد وحَّده «دارسي» بحق باسم خنوبوسيون Chenoboseion الإغريقية، وموقعها الآن قرية القصر والصياد بمركز نجع حمادي؛ حيث توجد جبانة قديمة.٤٦
- المركز الثاني والثلاثون: وُجد هذا المركز مهشَّمًا ولم يبقَ منه إلا الجزء الأخير من اسم العاصمة المدنية ويحتمل أن يكون «تاور» (المقاطعة الثامنة؛ أي مقاطعة طينة) ويحتمل جدًّا أنها بالقرب من جرجا، وذلك لأن إلهها «أوزريس» (أن-حرت) وإنما يركب تركيبًا مزجيًّا في أسماء الأعلام مع المواقع القريبة من «نجع الدير» و«نجع المشايخ»، وهناك مكان آخر يمكن أن يكون الموقع الذي قامت عليه هذه المدينة وهو «البربا»، وتقع على مسافة نحو الغرب، ولكن عند هذه النقطة يطيب لنا أن نحذر تحذيرًا عامًّا بالنسبة للجبانات التي تقع على الشاطئ الأيمن؛ إذ نجد هنا أن التلال تقترب جدًّا من النيل ولا تترك مكانًا لوجود مقابر صخرية، في حين أنه لا يوجد مكان لإقامة بلدة عظيمة مثل «نس» التي يمكن أن تكون قد أقيمت في المزارع عبر النهر مع مسافة من الجهة الغربية.٤٧
-
المركز الثالث والثلاثون: وُجد اسم هذا المركز مهشَّمًا ولم يبقَ منه إلا كلمة
«حور» مما يدل على أن المركز كان مخصصًا لعبادة صورة من
صور الإله «حور» والاسم المدني هو نشيت والاسم المقدس لم
يُذكَر، وقد جاء ذكر مدينة «نشيت» من قبل في قائمة جغرافية
من عهد الأسرة التاسعة عشرة في نقوش العرابة المدفونة، وقد
وجد الاسم بصورته الكاملة «نشيت» في ورقة هاريس الكبرى،٤٨ والظاهر أن هذا الاسم قد اختفى عندما أقام
«بطليموس الأول» على أنقاضها مدينة «بطولمايس» وتقع على
الشاطئ الأيسر بالقرب من النهر، وقد بقي اسمها في العربية
«المنشاة» و«المنشية» وتوحيدها «ببطولمايس» قد بُرهن عليه
من عدة نقوش وُجدت في نفس المكان،٤٩ ويقول «مسبرو» إنه أخذ بعظمة التلال التي
أقيمت عليها المدينة الحديثة وبجمال المراسي ذات الجهاز
الإغريقي وتمتد هذه المدينة لمسافة تترواح ما بين ستمائة
وثمانمائة متر أمام البيوت، ولا تزال تستعمل مرسًى للسفن
حتى يومنا هذا.٥٠
ويُلحظ من قائمة «إدفو» التي نتحدث عنها أن هذا الإقليم قد سُمي في عهد بطليموس الإسكندر الأول باسم الإله «حور» وقد انتُزع من المقاطعة الثامنة (المقاطعة الطينية) ليصبح مركزًا مستقلًّا، ومما تطيب الإشارة إليه أنه لأجل تمييز «بطولمايس» هذه من المدن الكثيرة التي تحمل هذا الاسم سميت «بطلولمايس الطيبية»، وكذلك لتمييز «المنشاة» التي تقع على أنقاض «المنشاة القديمة» من البلاد الأخرى التي تحمل هذا الاسم قد سميت «منشاة أخميم».
- المركز الرابع والثلاثون: هذا الإقليم يقع في أسبوس «أرتميدوس وبني حسن»، واسم هذا المركز معناه «سلة الجبل»،٥١ أو نعجة الجبل،٥٢ وهو ينفرج في جبال العرب على مسافة قريبة من الجنوب من مقابر «بني حسن» وذلك لأن عاصمة هذا الإقليم المقدسة هي مدينة الآلهة «بخت» وهذه الآلهة لِصَيَّادة مُثِّلث في صورة لبؤة، وقد وحدها الإغريق بالآلهة «أرتميس» عندهم، وكذلك أطلقوا على المعبد الجبلي الذي نُحت في الجبل منذ الأسرة الثانية عشرة اسم «سبوس أرتميدوس» Speos Artimidos وهذا الإقليم وعاصمته كانا يؤلِّفان جزءًا من المقاطعة السادسة عشرة، وكان يذهب إليه في كل عيد محلي عدد عظيم من السكان الجائلين؛ مما جعله يضفي أهمية على المدينة المنذورة للآلهة «نجت-أرتميس» لدرجة أن الإدارة البطلمية على ما يظهر جعلتها عاصمة لمركز خاص.
المراكز الإضافية للوجه البحري
يبلع عدد المراكز التي أضيفت للوجه البحري أربعة عشر مركزًا، وهي كعدد مراكز الوجه القبلي بالضبط، وتبتدئ من أول المركز الخامس والثلاثين حتى المركز الثامن والأربعين كما ذكرها الأثري «دميخن» ومن ٨٦ إلى ٩٩ كما جاءت في مؤلف شاسيتا عن إدفو.
- المركز الخامس والثلاثون: ويسمى «برجعبي» مسكن «جعبي» (إله النيل)، وعاصمة هذا المركز تسمى بنفس الاسم، والمقصود هنا هو الجزء الجنوبي من المقاطعة الثالثة عشرة من مقاطعات الوجه البحري أي مقاطعة هليوبوليس، و«مسكن جعبي» هذا معروف منذ الأسرة العشرين من ورقة هاريس الكبرى،٥٣ وقد لعبت دورًا هامًّا منذ الفتح الكوشي كما جاء على لوحة بيعنخي،٥٤ وقد اختلفت الآراء في موقع «برجعبي» غير أن «جاردنر» قد بحث هذا الموضوع بحثًا مسهبًا. ويُظن في النهاية أن مكان هذه المدينة هو «أثر النبي» الحالية ويقول إن «خرعحا» و«برجعبي» مُوحَّدان تقريبًا لأنهما متلاصقتان.٥٥
- المركز السادس والثلاثون: ويسمى «عين» ويقول «جاردنر» بعد بحث طويل إنه من الممكن أن يُعَدَّ مرادفًا لِطُرة الحالية أو طرة وما جاورها.٥٦
- المركز السابع والثلاثون: ويسمى «حتب» وكذلك تسمى عاصمته بنفس الاسم، وهو إقليم يقع في ضواحي هليوبوليس أي المقاطعة الثالثة عشرة، وهو مخصص لعبادة الإله «حتحور».
- المركز الثامن والثلاثون: ويسمى «شن-قبح»، وعاصمته تسمى «إست-أب» ويحتمل أنه في المقاطعة الثالثة عشرة أيضًا.٥٧
- المركز التاسع والثلاثون: ويُدعَى «منستي»٥٨ واسم عاصمته يسمى بنفس الاسم، وهو في المقاطعة الثالثة عشرة أيضًا، والظاهر أنه في عصر متون الأهرام كان يوجد في مدينة «هليوبوليس»، أو بجوارها مكانان يُدْعيان «منست» العليا و«منست» السفلى٥٩ ولا بد أن هذين الاسمين هما اللذان أطلق عليهما المصريون مثنى لفظة «منست» ويجوز أن المقصود هنا هو «منستي العليا» التي كانت على الأرجح أهم المكانين، وذلك على الرغم من أن الكلمة في المتون المتأخرة في صورة المثنى، وعلى أية حال فإن الآراء مختلفة في موقع هذا المركز.٦٠
- المركز الأربعون: من الصعب تحديد موقع هذا المركز كما أنه من العسير الوصول إلى معرفة نطق اسمه، وهو يقع على أرجح الأقوال في الإقليم الشرقي من الدلتا، والكمات الجغرافية الأخرى التي بقيت في متنه هي «ختم خنمت» مكان مربية الطفل، و«شن-ن-تا» = دائرة محيط الأرض، ويقول «جو تييه» إن هذا الإقليم هو وعاصمته يُدعَى «خنس» أو «شنس» دون أن يفضل أحدهما على الآخر، أما عن موقعه فإنه على ما يظهر يقع في الإقليم الأوسط من برزخ السويس، والمحتمل أنه في محيط وادي الطميلات أو أعلى من ذلك شمالًا في إقليم «دفني» وهو تل دفته الحالي.٦١
- المركز الواحد والأربعون: ويُدعَى أتف حز (مركز الشجرة أتف البيضاء) كما نجده مذكورًا بأنه في المقاطعة الثالثة والعشرين من مقاطعات الدلتا في قائمة العهد الأول للملك «بطليموس التاسع» (سوتر الثاني) (٨٨-٨١ق.م) في «إدفو»، وقد حاول بعض العلماء جعل عاصمة هذا المركز «سما بحدت» أي تل البلامون الحالي في المقاطعة السابعة عشرة الواقعة على مسافة خمسة كليو مترات في الجنوب الغربي من محطة «رأس الخليج» على خط السكة الحديد «المنصورة» «دمياط».٦٢
- المركز الثاني والأربعون: ويسمى «حت نجم» (ومعناه مكان الرقة) ويقع في أقصى الشمال الشرقي من الدلتا في محيط «بلوز الفرما».٦٣
- المركز الثالث والأربعون: ويُدعَى «إنبو» (الجدران) وكذلك تدعى عاصمته «مدينة الجدار» (أو الجدران)، والمقصود هنا ليس «منفيس» التي كانت غالبًا تُدعى «الجدار» أو «الجدران» أو مقاطعة «منفيس» ولكن المقصود هو المركز الذي كان يقع في أقصى الحد الغربي لمصر أي في إقليم «خليج السويس»، وفي بداية الأسرة الثانية عشرة جاء في قصة «سنوهيت» هذا الاسم: «إنبو حقا» = «جدار الملك»، وهو جدار طويل للحماية وكان مُقامًا على طول «خليج السويس»، ويفصل مصر عن صحراء سيناء وفلسطين، وكذلك جاء ذكر هذا الجدار في لوحة «بتوم» في السطر السادس عشر: «إنبو-أتي» = جدار الملك، وكان لا يزال موجودًا بعضه في عهد البطالمة، ومن المحتمل أن هذا الإقليم هو الذي نحن بصدده الآن، وقد أتى في صيغة الجمع: «الجدران» … هذا وقد جاء ذكر مكان يُدعَى «تا أنبت»: أي «إقليم الجدار» ويقع بجلاء على الطريق الحربي الذي يؤدي من مصر إلى فلسطين في الشمال من النقطة المحصنة (المجدل) التي أقامها الملك «سيتي منفتاح» أي في جهة ما في الشرق أو في الشمال الشرقي من القنطرة الحالية.٦٤
- المركز الرابع والأربعون: وُجد اسم هذا المركز مهشَّمًا على الأصل في القائمة، غير أن ما بقي من اسم العاصمة يمكن أن يكون «شدنت»، وهذه المدينة معروفة باسم «سدنو» وهي مؤسسة حديثًا نسبيًّا لأننا لم نجدها مذكورة في المتون التي قبل العهد البطلمي إلا في العهد الساوي، والظاهر أنها حلت محل عاصمة المقاطعة الحادية عشرة «حبس» وهي «حبست» القديمة وتعد مدينة سيتِيَّة؛ أي منسوبة للإله «ست» إله الشر، ومن أجل ذلك كانت تعتبر بخسة مما أدى إلى حذفها أحيانًا في القوائم الجغرافية الرسمية، وموقع مدينة «شدن» هذه هو «هربيط» الحالية على مسافة عشرين كليو مترًا من الزقازيق، واسمها الإغريقي «فرباتوس» ومن المحتمل أن هذا الاسم مشتق من اسم العاصمة المقدس وهو «بر-حر-مرتي» (بيت الإله حر-مرتي) وقد لفظ اسمها في القبطية «فربيط» كما جاء في المقريزي ويُنطق الآن «هزبيط».
- المركز الخامس والأربعون: ويسمى «ر-نفر» = (الباب الطيب)، والظاهر كما يقول «جوتيه» أنه توجد مدينتان بهذا الاسم واحدة منهما في الشمال الغربي من مقاطعة الخطاف الغربية وهي المقاطعة السابعة، وقد أصبحت في العصر المتأخر عاصمة مقاطعة «أونوفيب» التي لم يُعرف مكانها بالضبط، والثانية في الشمال الشرقي في المقاطعة السادسة عشرة المنديسية أو في الشرق في المقاطعة الثامنة وهي مقاطعة الخطاف الشرقي، ومن المحتمل أنه بسبب الموقع الذي يحتله مركز «رنفر» في القائمة التي نحن بصددها هنا؛ أي بين المركز «شندت» (هريبط) والمركز «حبت» أي «بهبيت الحجر»، ينبه علينا أن نفضل وقوعه في الدلتا الشرقية، وعلى أية حال فإن بلدة «ر-نفر» كانت منذورة للآلهة «إزيس» كما نجد ذلك على لوح صغير من البرونز من عهد الأسرة السادسة والعشرين وهو محفوظ الآن بمتحف القاهرة، وكذلك في متن من معبد أوزير «بدندرة» وكانت تُعبد هناك كذلك الآلهة نفتيس،٦٥ والظاهر أنها كانت مجاورة للمدينة التي خُصصت لعبادة «إزيس» وهي المعروفة باسم «أزيوم» وهي الآن «بهبيت الحجر» مركز طلخا مديرية الغربية، غير أن الأمر الذي ليس مؤكدًا في هذا الموضوع هو أن الاسم المصري «ر-نفر» قد أخذ صورة غريبة في الإغريقية وهو «أنوفيس»، وهذا لا يساعدنا على تحديد موضع «ر-نفر»؛ لأن مقاطعة «أونوفيت» التي عاصمتها «أنوفيس» قد ذكرها لنا «هردوت» ثم جاء ذكرها ثانية على ما نعلم بعد ستة قرون في جغرافية «بطليموس»، وعلى أية حال لم يمكن تحقيق موقعها بصورة قاطعة فيتردد العلماء في وضعها بين «تل طبللة» وبين «محلة منوف»، ومن المحتمل أنه كانت توجد مقاطعتان مختلفتان باسم «أوتوفيت»، الأولى التي ذكرها «هردوت» والثانية التي ذكرها بطليموس الجغرافي.٦٦
- المركز السادس والأربعون: وُجد اسم هذا المركز مهشَّمًا وقد اقترح «بركش» مما بقي منه أن يسمى «حب» وأن اسم العاصمة الذي اختفى كذلك كان يُدعى «حبت»، والواقع أننا الآن أمام مركز يقع في المقاطعة الثانية عشرة أي المقاطعة السمنودية وقد أصبح مركزًا مستقلًّا في عهد البطالمة، والاسم «حبت» قد رُكِّب تركيبًا مزجيًّا في اسم الملك نقطانب الثاني آخر ملوك العهد الفرعوني (نخت-حر-حبت) وقد ظهر في العربية «بهبيت» على ما يُظن، ولما كانت هذه المدينة منذورة للآلهة «إزيس» فقد سماها المؤلفون الإغريق واللَّاتِين «أزيون» أو أزيوم، واسم المدينة المقدس كان «نتريت» أو «نترت» (المقدسة)، هذا ولم تذكر لنا الوثائق الإغريقية الرومانية مقاطعة منذورة خصيصًا للآلهة «إزيس»، وعلى ذلك فإنه لما كان وجود المركز الإضافي لم يظهر إلا في قائمة «بطليموس الإسكندر الأول» بإدفو فإنه من المحتمل أن كان قصير العمر.
- المركز السابع والأربعون: وُجد اسم هذا المركز مهشَّمًا، ولكن تدل شواهد الأحوال على أنه كان يُقرأ على ما يظهر «محيت» أي «الشمالي»، وقد اختفى اسم عاصمته، ولكن نجد في المتن الذي يتبع هذا المركز أثرًا لاسم مدينة «ب» مما يخوِّل لنا القول إننا في إقليم مدينة «بوتو» وهي التي كانت مؤلفة من مكانين قديمين جدًّا وهما «دب» و«ب» ويضع حجر «بلرم» هذه المدينة «بوتو» في عهد الأسرة الخامسة في المقاطعة الخامسة، وعاصمتها «سخا»، ولكن نجد أنها في العهد المتأخر تابعة لمقاطعة «فتنيتو» Phtenetou أو بوتيكوس Buticus في الوثائق الإغريقية الرومانية وكانت العاصمة، وهي الآن تل الفراعين في مديرية الغربية مركز «دسوق».٦٧
-
المركز الثامن والأربعون: ويسمى «بحدتي» وتسمى عاصمته بنفس الاسم، وفي المتن الذي
يتبع هذا المركز جاء ذكر مدينة «دمنهور» الواقعة في
الإقليم الشمالي الغربي للدلتا، مما يجعلنا نفكر في أن
القائمة التي نحن بصددها ينبغي أن تستمر ويُذكر بعد أقاليم
الشرق والوسط إقليم الغرب بدلًا من أن تنتهي بهذا المركز،
والواقع أن بلدة «بحدت» التي في الدلتا كانت منذورة للإله
«حور» وهي بلا شك أقدم بكثير من التي تسمى باسمها في
الجنوب وهي المنذورة للإله حور «أبولليتوبوليس» وتحتل الآن
مكان «إدفو» الحالية وهي التي على ما يظهر كانت مستعمرة
لها، ولكن الأخيرة أي «إدفو» فاقتها في الأهمية والشهرة
على مر الأيام، وإذا كانت «دمنهور» بدلًا من أن تسمى في
العهد الروماني باسم «أبوللينوبوليس برفا» قد سُميت كما هو
المعتقد بوجه عام «هرموبوليس برفا» فإنه يجب علينا أن
نعترف أنه بجانب عبادة الإله «حور» التي نمت وقويت هناك
منذ أقدم العصور، قد ظهرت فيما بعد بجانبها عبادة الإله
تحوت، وعلى أية حال فإنه ليس لدينا أي أثر أو متن يؤكد هذا
الزعم، وعلى ذلك فإن «جاردنر» لا يميل إلى توحيد هذين
البلدين بصورة قاطعة.٦٨
هذه نظرة عاجلة على حالة البلاد من الوجهة الجغرافية وما تحتويه من مقاطعات ومراكز مستقلة.
أما عن نظام الحكم في هذه المقاطعات فقد ذكرنا في بادئ الأمر أن «الإسكندر الأكبر» لم يغير كثيرًا في النظم المصرية القديمة، ولكن في عهد البطالمة أخذ الحكم في المقاطعات يتشكل بصورة جديدة الغرض منها جعْل مقاليد الحكم في أيدي الإغريق، وجمع أكبر مقدار من المال بشتى الطرق لخزانة البطالمة، وبعد هذه النظرة السريعة في نظام المقاطعات ننتقل إلى نظام الحكم فيها.
(٤) نظام الحكم في المقاطعات
ومن الغريب أن تأليف وظائف العمال الذين يديرون المقاطعات المختلفة لم يكن قط ثابتًا؛ فنراهم يتغيرون أمام أعيننا، ومع ذلك لم يكن في استطاعتنا معرفة السبب الذي كان يدعو لهذه التغيرات، والظاهر أنه في عهد «بطليموس الأول» كان لا يزال النظام العادي الإداري المتَّبع هو الذي كان سائدًا في الأزمان السابقة وهو الذي لم يكن قد تغير في أيٍّ من أصوله في عهد «الإسكندر الأكبر» فكان رئيس المقاطعة كما كان في الأزمان القديمة هو الحاكم أي حاكم المقاطعة، وكان أحيانًا يعيَّن من المصريين، وهو الذي كان في الأزمان القديمة سيدًا إقطاعيًّا عظيمًا.
وأخيرًا كان يقف على آخر درج السلم الإداري آلاف الحراس من شتى الأنواع قد وكل إليهم أمر السدود والترع والطرق، والمحاصيل المزروعة والكروم والمخازن والمراعي والماشية وما شاكل ذلك، وهذه الالتزامات كانت تقع على عاتق القرويين الذين كانوا يتحملونها على مضض بوصفها أعباء ممقوتة بغيضة.
وترجمة السطرين هي: كما أن اسم الإله شر رب منست العليا يبقى في «هليوبوليس» فكذلك ليت اسم الملك يبقى. وكما يثبت اسم «تفنوت» في «منست» السفلى في «هليوبوليس» فكذلك ليت اسم الملك يثبت (راجع: The Pyramid Texts by Samuel A. B. Mercer. Vol. II. P. 785; Vol. I. P. 254, L. 1661 a & 1662 a.)