ضباط الجيش وجنوده
وأخيرًا نجد أن الجنود عندما استقر بهم المقام في البلاد وأصبح لهم مساحات من الأرض ملكًا لهم، كانت الفرصة سانحة أمامهم لتنمية أرضهم وتحسين حالها بالعمل المتواصل، وبإضافة أراضٍ أخرى لها، وبزراعة الكروم وشجر الزيتون وأشجار الفاكهة، وكانت الضرائب التي يدفعها هؤلاء الجنود المرتزقون أصحاب الأراضي لم تكن عالية كالتي كان يدفعها مزارعو الملك، هذا وكانوا يدفعون بوساطة ضريبة خاصة عُشر المحصول بدلًا من السدس، يضاف إلى ذلك أنهم كانوا يتمتعون بِحرية اقتصادية أكثر من أهالي البلاد بدرجة عظيمة، وفعلًا نجد أن بعض الجنود المرتزقين قد أصابوا نجاحًا بوصفهم ملاك أرض، ولكن ليس في استطاعتنا أن نحصي عددهم، وعلى أية حال لم تكن النسبة بينهم قليلة، وكان أصحاب الأطيان هم من المقدونيين والإغريق والتراقيين والسوريين والأناضوليين؛ أي إنهم كانوا ينتمون إلى سلالات تنتج عمالًا كادحين ورجالًا أصحاب نشاط ومبادرة، ومع ذلك كانت تعترضهم عقبات في سبيل نجاحهم الاقتصادي؛ إذ الواقع أن الخدمة العسكرية في عهد الملك «بطليموس الثاني» لم تكن خدمة دَعَة وراحة بل كان الجنود دائمًا في ميدان القتال لكثرة الحروب في عصره، وكانت أراضيهم تستردها الحكومة أحيانًا أثناء غيابهم أو كان يدير شئونها أجانب.
والواقع أنهم لم يكونوا أحرارا تمامًا في عملهم الزراعي، فقد كانوا مراقبين بعناية، وكانوا يعانون متاعب لا تكاد تقل عن متاعب الفلاحين المصريين من عدم كفاية الموظفين الذين يتعاملون معهم وخيانتهم، ومن الصعوبات التي كانت تنجم عن نظام الاقتصاد الذي وضعه البطالمة، فقد كانوا أحيانًا مجبرين على أن يبيعوا حتى حبوبهم لا في السوق الحرة بل للحكومة بالثمن الذي حددته.