الجندر الحزين
«ما يهمُّنا في هذا المبحث هو مدى إمكانية مراجعة الفرق بين المرأة والنساء في ضوء الدراسات الجندرية. لا يتعلَّق الأمر بالدفاع النسوي التنويري عن حقوق المرأة، بقدر ما يتعلق بالعمل النقدي على بَلورةِ سياقٍ مناسب لفهم تجرِبة هُوِية الأنوثة في ثقافتنا العميقة. وهو أمرٌ يستوجب إرساءَ تقاليدِ بحثٍ جندرية طويلة النفَس تحفر في تاريخ تقنيات الذات وأشكال الذاتية منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم.»
متى صارت الإناث نساء؟ ما دام الرجال يزعمون أنهم رجالٌ بالطبع. ينطلق «فتحي المسكيني» في كتابه من هذا السؤال ليبحث في قضية النوع وأسطورة النظام الأبوي التي نُسجَت في الأزمنة الغابرة، وبُني عليها نظامٌ اجتماعي ظلَّ راسخًا ردَحًا طويلًا من الزمن، ولم يهتزَّ إلا مع الأزمنة الجديدة؛ حيث بدأ اختزال البشر في ذواتٍ مجرَّدة وتأسيسية انتهت إلى تجريد الرجال من أبَويَّتهم القديمة، وإفساح المجال أمام موجاتٍ غيرِ مسبوقة من الذات التي كان النظام الأبوي قد جرَّدها من ذاتيتها؛ هي موجاتٌ نسوية. لكن الفرق بين المرأة والنساء قد عمَّق المشكلة؛ فتحريرُ النساء معركةٌ لا تزال مذكَّرة في سريرتها، ولم تبدأ معركة المرأة بعد، ولا تزال الأنثى صامتة. وهنا يسأل «المسكيني»: إلى أي مدًى يُمكِن الاحتماء بما تقوله الجينات؟ قبل آلاف السنين كانت الأنثى حيوانًا مثل الذكر، وفي هذا لا فضل لجسدٍ على آخر.