الشخصانية الإسلامية والمرأة: في نقد الأب
تقديم: أي معنًى هو الأنسب للحديث عن «الشخص»؟
ولأن «الشخص» هو كما جاء في لسان العرب «جماعة شخص الإنسان»، فإن اللقاء مع الحبابي أو مع نصوصه التي باتت الآن «لا-شخصية» (تُقرأ في غيابٍ رسمي للكاتب، دون أن يعني ذلك أنها بلا مؤلِّف) هو يريد أن يكون من الناحية الفلسفية لقاءً «شخصانيًّا» كليًّا؛ وذلك يعني ليس له أن ينحصر في أي اهتمامٍ شخصي به، قد يهم هذا القارئ أو ذاك بعينه. في الفلسفة ليس هناك رغباتٌ شخصية، جزئية، بل مناظرةٌ جذرية، كلية، مع «الشخص» المفهومي. وعلينا أن نسأل عندئذ: أية طريقة هي الأنسب لاستجماع كل معاني اللقاء الفلسفي مع «شخصانية» الحبابي؟
قال عمر بن أبي ربيعة:
فقال ابن منظور: «فإنه أثبت الشخص أراد به المرأة. والشخص: سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد.»
يُقال الشخص إذن على المرأة والرجل بلا تمييز. وإذا كان ثمة من معنًى للإنسانية فهو هذا: أن تغفل اللغة في تسمية النفس عن الفرْق الجنسي بين الذكَر والأنثى، أو بين الرجل والمرأة، فلا تثبته. ولكن لماذا قد تسكت اللغة عن هكذا فرْق؟ أليس يدخل في ماهية الشخص كونه ذكرًا أو أنثى؟
إن قصْدنا في هذه المقالة هو دراسة رأي الحبابي في مسألة الجندر هذه في مختلف الأنحاء المشار إليها في عناوين الحبابي: كيف طرحَت الشخصانية قضية المرأة؟ وبأي طريقةٍ عالجَت مشكِل المساواة بين الجنسَين؟ وبخاصة: على أي أساسٍ أنطولوجي برَّر الحبابي، الفيلسوف الشخصاني المسلم، دعواه بأن الشخص أوسع معنًى من الفرْق الجنسي، وأنفذ حقيقة إلى الواقع الإنساني من الدلالة الجندرية السائدة للذكورة والأنوثة؟
(١) حب «هذه المرأة»: الحميمية والاختلاف
لكن الحبابي رفض أن يكون حداثيًّا بهذا المعنى الفرداني، الذي هو أوروبي في الصميم. ما كان يبحث عنه هو نوع من العلاقة بأنفسنا من شأنها أن تسمح له بضخ العنصر «الشخصي» غير الأوروبي، والإسلامي تحديدًا، الذي يحركه؛ ولذلك هو يفترض فرْقًا حاسمًا بين «الشخص» و«الفرد». وبهذا المعنى فإن الحب هو شخصيٌّ دومًا؛ إذ ليس هناك حبٌّ «فردي»، نعني أن المتوحد لا يحب أحدًا.
بيد أنه لئن كنا نحب دومًا داخل تراثٍ ما، فإن الحب لا يكون محافظًا أبدًا. إنه ليس مجرَّد احترامٍ لقيم أو تقاليد سعادةٍ نجحَت، بل هو فعلٌ شخصي داخل أفُق انتماء لسنا مخيَّرين أبدًا في «التشخصن» من خلاله. الحب هو تجربة تشخصنٍ نموذجية يفترض الحبابي أنها مثالٌ كبير على حركة الانتقال البشري من مجرَّد تدبير الكائن إلى عظمة الاضطلاع بالشخص.
نحن لا نحب غير حميميةٍ ما؛ لأنها توفر الشكل المناسب من العلاقة مع أنفسنا، نعني توفر نمطًا مناسبًا من «النحن» الموافق لعالم القيم الذي أتَينا منه، أو لمشروع الحياة الذي نؤمن به. لكن الإيمان بما هو جماعي لا يلغي أبدًا ما نؤمن به لأنفسنا. مفارقة الحب مع المرأة أنه لا يقبل أي انصهار أو تماهٍ مع الآخر، بل تحقيق ذلك النوع من التصالح الصعب بين حميمية لا يمكن أن تستغني عن الآخر ولا يمكن أن تتحقق إلا في الجمع، واختلاف بالذات لا يمكن لأي انصهار أن يلغيه؛ لأن من كف عن أن يكون ذاته هو لا يحب أحدًا.
هنا بالتحديد نقف على طرافة التناول الشخصاني للعلاقة مع المرأة: أن حبها ليس قتلًا لفرادتها، بل هو إحياء لذاتها، وذلك بدعوتها نحو حميمية لئن كانت تشترط حضور الآخر فهي لا تتخلى له عن ذاتها. وبهذا المعنى كان الحبابي سبَّاقًا لفكر الاختلاف قبل ظهوره فلسفيًّا: الحب هو «الاتحاد بين كائنَين مختلفَين هما سيظلان مختلفَين ويشعران بأنهما كذلك.» إن حب المرأة هو نموذجٌ رائع على التشخصن بوصفه تمرينًا على احترام الاختلاف بين الجنسَين، ومن ثَمة بين جميع الأجناس.
(٢) التكامل الضدي: من الفرد إلى الشخص
في نقد «الأبيسية»: شذرات تفكير خجول في الجندر
في بعض الأحيان يبدو الحبابي وكأنه كاتبٌ أوروبي، بحيث إن أقواله الفلسفية هي مشاركة مواظبة التحلي بنفس القيم النظرية والأخلاقية للفيلسوف الشخصاني الأوروبي والغربي بعامة. لكن طرافته لا تَظهر على هذا المستوى، بل بخاصَّةٍ عندما تأخذه الحمية الفكرية على موقفٍ لا يعيشه الفرد الأوروبي بل هو قدر غير الأوروبيين أمثال الحبابي نفسه.
ثم يأخذ في تحليل إحصائية حول شمال أفريقيا تعود إلى ما قبل ١٩٦٤م، تدرس عدد السكَّان ونسبة النمو ومعدَّل العمر ونسبة الأُميَّة. ولئن كان مقصد الحبابي الصريح هو التنبيه إلى الفرْق بين معدَّل العمر بين سكَّان شمال أفريقيا وسكَّان الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وفرنسا، عندئذ، فإن التعليق الذي خرج به من هذا التحليل الفلسفي لإحصائيةٍ ديمغرافية قد احتوى على عنصر طرافةٍ مثير للانتباه. لقد أقحم الحبابي فجأةً ملاحظة ما بعد كولونيالية ركَّز فيها صراحة على الفرْق الجندري بين الذكور والإناث، من حيث معدَّل العمر، كمعيار للتقدم، يفصل بين «الشعوب النامية» (يقصد الدول الغربية) وشعوب المغرب العربي، وخلص إلى القول:
قد يبدو هذا القول عاديًّا، نعني يدخل في إطار النقد المعاصر للوجه المظلم من التنوير الغربي، ونتائجه على شعوب العالم الثالث، لكن الخلفية التي حركَت الحبابي كانت شخصانية وليست أيديولوجية. ونعني بذلك أنه كان يريد أن يذهب في نقد تخلُّف وضع المرأة إلى جذوره الأنثروبولوجية، وليس فقط الاقتصادية الليبرالية.
إن مغزى تركيز الحبابي على «الفعل» في تحليل الشخص هو التزامه الفلسفي برسم حركة التحرر من الحيوان إلى الإنسان في قاع كل فرد. ما يمتاز به الشخص عن الفرد الحيواني مثلًا هو الفعل. لكن الفعل ليس مجرَّد النشاط البيولوجي. الفعل هو ما يضيفه الكائن الحر لكينونته. وهو ما ينقله من مجرَّد حيوان إلى إنسان.
وسؤال الحبابي الدائم هو: هل هذا ممكن بالنسبة إلينا نحن العرب أو نحن المسلمين؟
(٣) الشخصانية الإسلامية والمرأة: بؤس الفقهاء
ويبدو لنا أن الحبابي لم يكن مبتكرًا بالمعنى المحصور للكلمة بقدر ما كان في كلامه عن المرأة بعامة، والمسائل التي تطرَّق إليها في شأنها بدأَت منذ رسالة الدكتوراه (١٩٥٣م) ولم تُفارِق نصوصه على اختلاف فنونها إلى النهاية. ليس الابتكار في استحداث الغرض المطروق — فقضية المرأة مطروقة منذ مطلع القرن الماضي في أدبيات مفكري الإصلاح والنهضة — بل في القراءة الشخصانية المعاصرة للمرأة/الشخص بعامة. وعلى الرغم من أن جملة الحجج التي اعتمد عليها الحبابي للإدلاء برأيه في تعدُّد الزوجات أو في المساواة بين الرجل والمرأة أو في القوامة أو في الحياة الجنسية، قد جاءت مستقاةً كلها من مصادر إسلامية أصلية مثل القرآن والسنة والفقه … إلخ؛ فإن طريقة تخريجها وأشكال تأويلها وطبيعة الرهان الأخلاقي الذي يحركها قد كانت فلسفية، وفلسفية من نوعٍ طريف. ويكمن وجه الطرافة في أنها فلسفةٌ «ملتزمة»، هادئة وتهذيبية ومناضلة، وليست أيديولوجية أو نقدية فحسب. فهي أقرب إلى مساواتية جندرية منها إلى النزعة النسوية العنيفة، نعني تلك التي تدعو إلى أيديولوجية أنثوية عرقية ضد-رجالية.
- (١)
تعدُّد الزوجات مُباح، تعدُّد الأزواج هو فُحش وإجرام.
- (٢)
للمسلم/الرجل، التزوُّج بكتابية، أمَّا المسلمة/المرأة، فذلك غير جائز لها.
- (٣)
للزوج وحدَه حق الطلاق.
- (٤)
نصيب المرأة من الميراث هو أقل دومًا من نصيب الرجل.
- (٥) شهادة المرأة أقل قيمة شرعية من شهادة الرجل.٦٢
بدلًا من أن يخوض الحبابي أي سجالٍ لاهوتي مستنير مع فقهاء البؤس النسوي في ثقافتنا، اختار الحبابي طريقةً أخرى لها مغزًى فلسفيٌّ خاص.
إن أصالة المرأة من أصالة الإسلام، أو هكذا يبدو، حسب خطة الحبابي. وهكذا فإن المسائل الخلافية حول وضع المرأة في الإسلام، التي عمل الحبابي على تخريجها من موقع التزييف الفقهي إلى موضع الأصالة الأخلاقية، من قبيل «تعدُّد الزوجات» و«المساواة بين الرجل والمرأة» ودعوى «الرجال قوامون على النساء» و«الأموسية والأبيسية» و«المسلمة والحياة الجنسية»؛ هي مسائل قادها الحبابي بفلسفة أملٍ عنيدة لا نكاد نميز فيها بين هدف تحرير المرأة وبين مقصد تحرير الإسلام (!) هل كان الحبابي يرمي إلى الأمرَين معًا؟
وخطة التحرير/التأصيل التي اعتمدها الحبابي تعود في كل مرة إلى رسم معالم صورةٍ أخرى عن العلاقة الإسلامية بالمرأة، هي بالطبع ليست سوى الصورة الشخصانية، ولكن بعد نفض الغبار الفقهي عنها بالفكر الحر.
(٤) الزواج الأحدي: الرجل والمرأة «من نفس واحدة»
القصد الفلسفي هو تنسيب فكرة «التعدُّد» بالكشف عن ثانويتها أو عن تأخرها بالمقارنة مع لحظةٍ ميتافيزيقية أقدم منها: إنها لحظة «الخلق». فحين نسلم بأن الجنسَين كلَيهما مخلوقان من «نفسٍ واحدة»، يصبح كل كلام في الاستعمال العددي لأحدهما من طرف الآخر، اعتداءً ميتافيزيقيًّا عليه. ثمة مساواةٌ سابقة بين الجنسَين تُوجَد في «أصل التكوين»؛ بحيث إنه لا يمكن من بعدُ لأي فقه أن يؤسِّس عدم المساواة بين الرجال والنساء دون أن يُلحق ضرارًا أنطولوجيًّا بشخص المرأة.
في الحقيقة، لم يكن قول القرآن في النساء قولًا فقهيًّا في أول أمره، نعني لم يكن نظرية في الأحوال الشرعية أو نظرية في قانون النساء. كل تلك الآيات هي حسب الحبابي تتحدث في أكثرها عن «الزواج بيتامى النساء»؛ وهذا الأمر خطيرٌ جدًّا: إن سياق سورة النساء هو القول في سياسة اليتامى في الإسلام، ومن الطريف بذلك أن النساء هي تدخل في خانة اليُتم الأخلاقي أمام سُلطة الرجال؛ ولذلك فإن فصل الخطاب في الكلام القرآني عن النساء لم يكن اللذة أو التقنيات الشبقيَّة أو آداب العشق، بل «القِسط» و«العَدل» (!) إن سورة النساء هي في عمقها قول في العدل، وليس خطابًا فقهيًّا في أحكام النساء أو حتى خطابًا نسويًّا على فم الرجال.
ومن المثير أن نلاحظ أن الآية الثالثة من سورة النساء هي تركيب بين قضيتَين خطيرتَين لا علاقة بينهما في الظاهر: من جهةٍ، وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [النساء: ٣]، ومن جهةٍ مقابلة، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً. في اللحظة الأولى يبدو النكاح المتعدد حلًّا ضد عدم القسط في اليتامى؛ لم يكن النكاح مطلوبًا لذاته، بل مجرَّد وسيلةٍ فقهية لدرء ظُلمٍ مسلَّط ليس على النساء بخاصة، بل على اليتامى بعامة. النكاح ضد اليُتم، أو النكاح ضد ظلم اليتامى. أما في اللحظة الثانية، فإن النكاح الأحدي هو حلٌّ هذه المرة ضد عدم العدل بين النساء. إذن، وحده النكاح الأحدي يخص الكلام حول النساء، في حين أن النكاح المتعدِّد هو مستدعًى من أجل درء عدم القسط في اليتامى.
لا يمكن الدفاع عن تعدُّد الزوجات دون أن يؤدِّي ذلك إلى طرح مسألة العدل. وهذه قضيةٌ عميقة؛ لأن العدل لن يتعلق فقط بالعدل بين النساء تحت زوجٍ واحد، وإن كان هذا هو السياق القرآني الصريح، بل بالعدل بين النفوس التي خرجَت «من نفسٍ واحدة»، نعني بين جميع البشر.
(٥) ملكية الأنا، ملكية الاسم: مساواة أنطولوجية ما وراء الاختلافات الجندرية أو «إن المرأة شخص» (!)
من أطرف الحجج التي يسوقها الحبابي في مجرى المنافحة الشخصانية عن المساواة بين الرجل والمرأة، وهو يعتقد جازمًا أن هذا من تعاليم الإسلام الأصلية، هي تلك التي تتعلق بموضوعة «الأنا»، وهذا يتبدَّى في هذا المعطى الرمزي المثير (خاصة بالنسبة إلى قارئٍ فرنسي أو أوروبي بعامة).
لا يتعلق الأمر هنا بمجرَّد تسميةٍ اجتماعية للمرأة/الزوجة من ثقافة إلى أخرى، بل بمشكِلٍ وجودي كبير: إن الاسم هو العلامة الهووية الحاسمة على معنى «الأنا» في شخصية شخصٍ ما. بل ما «الشخص» من دون «اسم»؟ شخص بلا اسم هو شخص بلا أنا؛ ولذلك فإن انتقال أو نقل المجتمع للأنثى من «المرأة» إلى «الزوجة» هو عمليةٌ سياسية من الطراز الرفيع: هي سياسة الجندر الذي يسمِّيه المجتمع «مرأة» أو «نساء» حرصًا منه على تدجين معنى «الأنثى» والحد من حريته الجذرية في الانتماء إلى نفسه؛ ولذلك تنزع بعض المجتمعات، مثل المجتمع الفرنسي، حيث تعلَّم الحبابي تعاليم الشخصانية من فلاسفة من قبيل مونيي ولاكروا، تنزع إلى الحد من أنوثة الأنثى بالزج بها في براديغم «الزوجة» تحت اسمٍ جديد هو «سيدة» أو «حرم» (مدام) فلان. و«فلان» هذا هو جندرٌ غير نسوي أو هو الجندر الرسمي للشخص في المجتمع الأبوي، نعني «الرجل». وحيث تتماهى دلالة «الرجل» (المذكَّر الاجتماعي) مع دلالة «الزوج» (الصيغة الأبوية للاسم أو لمن يملك آلة الاسم وسُلطة التسمية على المرأة).
أجل، عادةً ما يُناقَش موضوع النساء في الإسلام من زاويةٍ واحدة هي تعدُّد الزوجات. ولكن هذا الجانب يكاد يكون الجانب الأضعف والأكثر هشاشةً فقهية. وبكلمةٍ واحدة: هو لم يكن مقصودًا لذاته. أما ما كان مقصودًا لذاته فعلًا فهو سَن حقوق للنساء، خاصة بها، وغير قابلة للاستلاب. ومهما كانت تلك الحقوق محدودة بالمقارنة مع الإعلان العالمي الحديث لحقوق المرأة، فإن بناء حرمةٍ قانونية للنساء كأشخاص مالكة أو كذوات ملكية قائمة بذاتها، قد كان مكسبًا رمزيًّا استثنائيًّا في ثقافتنا العميقة. ووضع شيء مثل «فقه النساء» هو نفسه فتحةٌ علمية وحقوقية من طرازٍ رفيع.
(٦) الإيمان والجنس: أو المرأة والمقدَّس
-
«ما من رجل أخذ بيد امرأته يراودها إلا كتب الله تعالى له حسنة، فإن عانقها فعشر حسنات. فإن أتاها كان خيرًا من الدنيا وما فيها.»
-
«خيار الرجال من أُمتي خيارهم لنسائهم، وخير النساء من أُمتي خيرهن لأزواجهن، يُرفَع لكل امرأة منهن كل يوم وليلة أجر ألف شهيد.»
-
«ما من امرأة حملَت من زوجها حين تحمل إلا كان لها من الأجر مثل القائم ليله، والصائم نهاره، والغازي في سبيل الله تعالى.»٩١
ضد هذا الحكم المسبق (الصادر عن رؤيةٍ مسيحية مترهبنة للجسد وللجنس)، حاول الحبابي أن يبيِّن كيف أنَّ مكمن الصعوبة في نظرة الإسلام إلى الجنس هو كونه يعتبِر الجماع مجالًا للمقدَّس وليس أداة تدنيس لقداسةٍ ما، ممنوعة عن البشر والبشرية. وكيف يمكن لمسيحي أن يفهم أن «مراودة» الرجل لامرأته هي «حسنة» وليس سلوكًا شبقيًّا عابثًا؟ أو أن «عناقها» يساوي «عشر حسنات»؟ أو أن جماعها هو «أجر ألف شهيد»؟
ومع ذلك علينا أن نتساءل اليوم، بعد الحبابي: هل ذلك يسوغ ما صار يُسمَّى راهنًا «جهاد النكاح»؟ أم أن الإسلام براء من هكذا انتحال عدمي للجنس ومن ثم للمرأة/الشخص؟ كل ما قاله الحبابي في هذا المبحث هو جواب عن هكذا احتمال.
خاتمة: الأموسية المفقودة
Lahbabi, M. A., Liberté ou libération? A partir des libertés bergsoniennes (Paris: Aubier, 1956).
Lahbabi, M. A., De l’être à la personne: essai d’un personnalisme réaliste, avant-propos de Pierre Maxime Schuhl (Paris: P.U.F., 1954; Thèse de Philosophie, Paris: 1953).
وتُوجَد ترجمةٌ عربية لهذا الكتاب الأساسي قام بها المؤلف نفسه: الحبابي، محمد عزيز، دراسات في الشخصانية الواقعية، من الكائن إلى الشخص، مكتبة الدراسات الفلسفية (مصر: دار المعارف، ١٩٦٨م).