ما هو التنوع البيولوجي، ولماذا هو مهم؟
التنوع الحيوي أو البيولوجي هو مصطلح يشمل تنوع الحياة على مستويات مختلفة، ويكاد يكون مرادفًا للطبيعة أو الحياة البرية في الاستخدام الدارج، لكن المهم أن هذا الترادف ليس تامًّا. لقد تبيَّن أن التنوع البيولوجي عامل حاسم في الحفاظ على رفاهة البشر، وكذلك رفاهة الطبيعة وكل عناصرها المتداخلة. يجيب هذا الفصل عن سؤالين: «ما هو التنوع البيولوجي؟ ولماذا هو مهم؟» عن طريق استكشاف كيف يتشكل التنوع البيولوجي على هيئة التُّروس الحية في آلية الطبيعة. والفصل الثاني، وهو بعنوان: «ما هي المشكلة؟»، يتناول الأسئلة المعنية بما يحدد ما إذا كان التنوع البيولوجي قابلًا للتكيف، وأين مواطن ضعفه، وما الذي يهدده (ويهددنا جميعًا بالتبعية). السؤال التالي هو: ما الواجب عمله؟ أو كما يُعبَّر عنه في الفصل الثالث: ما الغرض من الحفاظ على التنوع البيولوجي؟ وهو سؤال ليس من السهل الإجابة عنه كما كان يبدو فيما مضى. بناءً على هذه النقاط الأساسية، سيحلل الجزء الباقي من هذه المقدمة القصيرة جدًّا بعض هذه المخاطر على نحوٍ أكثر تفصيلًا، وينظر فيما يمكن فعله بشأنها، ولماذا يهم ذلك، وما الذي يلي ذلك.
التنوع المدهش للحياة على الأرض
لو كان التنوع البيولوجي في العالم مكتبة، فكيف تكون فهرستها؟ نجد إجابةً شاملةً على هذا السؤال في كتاب بيتر هولاند، «المملكة الحيوانية: مقدمة قصيرة جدًّا»، يوازيها تنوع في المملكة النباتية (في كتاب تيم ووكر: «النباتات: مقدمة قصيرة جدًّا»). من بين التعريفات المتنازعة للتنوع البيولوجي، نجد في قاموس أكسفورد بداية مبسطة، إذ يُعرِّفه بأنه «وجود عدد كبير من الأنواع المختلفة من الحيوانات والنباتات مما يكون بيئة متوازنة». ويُفَصِّل المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي التعريف فيقول إن التنوع البيولوجي «يشير إلى تنوع الحياة على الأرض على جميع مستوياتها، من الجينات إلى الأنظمة البيئية، ومن الممكن أن يشمل العمليات التطورية والبيئية والثقافية التي تحافظ على الحياة». في وقتنا الحالي، صار بإمكاننا قياس التنوع الجيني، حيث تلقيت للتو من معهد سانجر الجينوم الكامل لواحد من حيوانات الغرير الذي أدرسه. من زمن ليس ببعيد كان ذلك سيبدو خيالًا علميًّا، لكن بات بالفعل ممكنًا الآن أن تشتري جينوم أحد الأنواع بسعر وجبة في مطعم. أما التنوع والوفرة على مستوى الجماعات السكانية، فيمكن قياسهما أيضًا.
من ناحية التصنيف، يُصنَّف الأفراد حسب الفئات، التي تعود كل منها إلى أسلاف تطوريين مشتركين متباعدين أكثر فأكثر. تُسمى هذه الفئات: المملكة، والشعبة، والطائفة، والرتبة، والعائلة، والجنس، والنوع (وهناك العديد من الفئات الفرعية أيضًا). على سبيل المثال، سيكون تصنيف الشمبانزي على النحو التالي: المملكة: الحيوانات؛ الشعبة: الحبليات؛ الطائفة: الثدييات؛ الرتبة: الرئيسيات؛ العائلة: البشرانيات؛ الجنس: بان؛ النوع: بان تروجلودايت. وبالمناسبة، أنت لا تختلف عن الشمبانزي إلا على مستوى الجنس (الهومو) وإذا بحثت في أرشيف المكتبة، فستجد أن هناك تسعة أنواع من البشر الذين عاشوا على الأرض قبل ٣٠٠ ألف سنة، كلهم كانوا بشرًا (هومو ولكن ليس هومو سابينز)، والأرجح أن أسلافنا هم من دفعوا العديد منها للانقراض من خلال المنافسة (مع قليل من الانطماس الجيني للحدود بين الأنواع من خلال التزاوج بينها، فمن المرجح أن تكون نياندرتال بنسبة اثنين في المائة). الحيوانات وحدها تضم ٣٣ شعبة، و١٠٧ طوائف، ونحو ٤٤٠ رتبة، ونحو ٦٠٠٠ عائلة، ونحو ١١٠ آلاف جنس تشمل اللافقاريات المجهرية، مثل البطيء الخطو أو «الدب البحري» الذي يبلغ طوله ٠٫١مم، وصولًا إلى الحيتان. أكبر رتبتين في طائفة الثدييات هما الخفافيش (أكثر من ١٤٠٠ نوع) والقوارض (نحو ١٥٠٠ نوع). أما النباتات، فيمتد نطاقها من الوولفيا، وهو نبات مزهر يبلغ قطره ٠٫١مم، إلى شجرة السكويا العملاقة، الموجودة في كاليفورنيا ويصل قطر جذعها إلى نحو ٨ أمتار. هناك ١٤ شعبة في مملكة النباتات، و٨ شعب من الفطريات، و٤١ شعبة متفق عليها من البكتيريا (ومن المتوقع أن يصل العدد في النهاية إلى ١٣٠٠). إن امتداد التنوع الجيني الموجود داخل نوع بكتيري واحد مثل الفيلقية المستروحة هائل ويعادل التباعد الجيني بين الثدييات والأسماك.
مدى التنوع الذي يتبادر عادةً إلى الذهن، بين الثدييات البرية على سبيل المثال هو المدى بين الخفاش الطنان الذي يزن جرامَين والفيل الأفريقي الذي يزن ٦٠٠٠ كيلوجرام، وهو مثال مدهش على قوة التكيف من خلال الانتخاب الطبيعي؛ ومع ذلك، فإنه مجرد قطرة في بحر المجموعة الواسعة للتنوع الحيوي. تشكل الطفيليات نسبة كبيرة من إجمالي التنوع البيولوجي؛ حيث يتعايش كل نوع من الحيوانات أو النباتات عمومًا مع واحد على الأقل من كل من الطفيليات العيانية والطفيليات المجهرية، وقد يعول مجتمعًا كاملًا من الطفيليات. وتشير الاكتشافات المستمرة للكائنات «التي تعيش في الظروف القاسية» في أعماق التربة، وفي البحيرات الجوفية، وفي الفوهات المحيطية إلى أنه ما زالت هناك كائنات مجهولة لا نعلم عنها شيئًا يتعيَّن اكتشافها.
كيف ينتظم التنوع البيولوجي؟
في عام ١٩٥٧، صاغ عالم البيئة إيفلين هاتشينسون مفهوم البيئة الملائمة (بوصفه «حيزًا متعدد الأبعاد») لتوصيف موقع كل نوع من الأنواع في بيئته وتقديره.
قد تعكس أنماط التواجد المشترك متطلبات الموائل المشتركة، سواء كانت مدفوعة بالتفاعلات بين الأحياء، أو كانت نتيجة لضغوط من صنع الإنسان؛ أي بشرية المنشأ، مثل التغييرات في استخدام الأراضي. قد يكون النوعان المتواجدان معًا هما الفريسة والمفترس، اللذين تتداخل مصائرهما وفقًا للعلاقة بين سعي أحدهما للبقاء على قيد الحياة وسعي الآخر لغذائه، أو قد يكونان متنافسَين. حين يعيش نوعان متشابهان ظاهريًّا جنبًا إلى جنب في نفس الموئل — «يتعايشان معًا في نفس المكان» — فقد يتجنب أحدهما الآخر في استخدامه للمكان والزمان. تصطدم البيئات الملائمة للأنواع بعضها ببعض بطرق ديناميكية للغاية. على سبيل المثال، من وجهة نظر الضباع المُرقَّطة، تتحول لقاءاتها مع الأسود، من إيجابية خلال الموسم الرطب، حيث تلتقي بالأسود حين تقتات على فضلات فرائسها، إلى سلبية خلال الموسم الجاف، حيث غالبًا ما تطردها الأسود بعيدًا عن الحُفَر المتبقية المملؤة بالماء، حيث تتركز الفرائس الشحيحة.
بين الثدييات، لنا في طوائف آكلات اللحوم التي تستهلك نفس المصادر مثال على العوامل المحدِّدة لبنية المجتمع: إحلال السمات، على سبيل المثال، حيث يشير تطور الأشكال المختلفة إلى الوظائف المختلفة التي تسمح بالعيش المشترك. يحدث تقسيم الحيز البيئي عندما تكون الأنواع مختلفة بما يكفي للعيش المشترك؛ مثل ابن عرس، والقاقم، والظربان، والمِنك، والخز، والدلق، والسمور. تواجه الأنواع المتنافسة الصراع الشديد الذي يكون داخل الطائفة، والذي غالبًا ما يتخذ شكل استقواء نوع أكبر، كالنمور مثلًا، على نوع أصغر، كالفهود. كثير من الحيوانات اللاحمة من مفترِسات القمة — أي إنها تتربع على قمة الهرم الغذائي — وبصفتها كذلك تلعب أدوارًا مهمة في تسيير النظام البيئي، حيث توفر الاستقرار البيئي من خلال العمل كرد فعل سلبي على أعداد الفرائس.
يقدم أعضاء عائلة القطط، السنوريات، نموذجًا بالغ الفائدة لفهم فصل الحيز البيئي، والمنافسة، ومحركات التنوع البيولوجي. استخدمت دراسة حديثة في مجمع الغابة الشمالية في ميانمار كاميرات رصد لاستكشاف كيف تتواجد النمور، والفهود الملطخة، والقطط الذهبية الآسيوية، والقطط المعرَقة، والقطط النَّمِرِيَّة كلها معًا. كانت النمور والقط المعرَقة أساسًا نهارية، وكانت الفهود الملطخة والقطط النَّمِرِيَّة ليلية، فيما كان نشاط القطط الذهبية على مدار اليوم. فيما بين الأنواع الثلاثة المتوسطة الحجم (الفهود الملطخة، والقطط الذهبية، والقطط المعرَقة)، كلما ازداد التشابه في حجم أجسامها، قلَّ استخدامها لنفس المكان في نفس الوقت. كانت الاختلافات في استخدام المكان والوقت أشد بين الأنواع الثلاثة الأصغر حجمًا. نسقت هذه القطط الصغيرة حياتها بما يتفق مع حياة أقاربها الأكبر حجمًا المتجبرة؛ تجنبت القطط المعرَقة (٣كجم) على وجه الخصوص القطط الذهبية الآسيوية (٨كجم)، التي تجنبتها بدورها خصوصًا القطط النَّمِرِيَّة (٤كجم). تعكس هذه التجليات لتشكيل طائفة من الحيوانات اللاحمة، في عالم مصغر، مبادئ المنافسة والعيش المشترك التي تتردد أصداؤها في جميع أنحاء مملكتي الحيوان والنباتات، وإن كان من خلال عمليات معقدة أوسع نطاقًا من تباين الموائل.
إحدى الآليات التي تتطور بها الأنواع للتعايش هي التشعب التكيفي؛ أي إنتاج نوع واحد للعديد من الأنواع التي تحتل مواطن بيئية مختلفة، وغالبًا ما يكون ذلك بسرعة. ولدينا المثال الكلاسيكي، المعبر بوضوح على الدوام عن التشعب التكيفي في ١٤ نوعًا من طيور الحسون التي قسمت أرخبيل جالاباجوس فيما بينها على مدى المليونين إلى الثلاثة ملايين سنة الأخيرة. وكما كتب داروين في عام ١٨٤٢:
الأمر الأغرب هو التدرج الكامل في حجم مناقير الأنواع المختلفة من الجيوسبيزا (عصافير الأرض) … عند رؤية هذا التدرج والتنوع البنيوي في مجموعة صغيرة شديدة الارتباط من الطيور، قد يتخيَّل المرء أن نوعًا واحدًا قد أُخذ وعُدل لأغراض مختلفة من عدد محدود من الطيور الأصلية في هذا الأرخبيل.
كان على حق تمامًا. يتجلى التنافس والتعايش فيما بين هذه الطائفة في العلاقة بين حجم المنقار وبنيته، والنظام الغذائي، وهما أوضح ما يكون عند المقارنة بين العصافير المغردة الصغيرة الآكلة للحشرات (ووزنها نحو ثمانية جرامات) والعصافير الأرضية الكبيرة الآكلة للحبوب (ووزنها ٣٠ جرامًا).
على نطاق أصغر، تشكل الأنواع الأربعة من النمل المرتبطة بنوع واحد من أشجار السنط، وهو سنط الشوكة الصافرة (أكيشا دريبانولوبيوم)، طائفة من اللافقاريات. بالقرب من التربة الغنية بالعناصر الغذائية التي يبني النمل الأبيض بيوته بداخلها وحولها، ينبت المزيد من براعم السنط الطازجة وتكثر كثافات اللافقاريات التي تعيش في الفضلات (وهي مصدر غذاء مهم لنمل السنط) عنها في الأماكن الأبعد عن بيوتها. يرتبط هذا التنوع المكاني في توافر الموارد مع التنافس بين النمل على الأشجار العائلة؛ بالقرب من البيوت، من المرجح أن تحل الأنواع السائدة محل الأنواع الخاضعة، بينما تحل الأنواع الخاضعة محل الأنواع السائدة عند الأشجار العائلة بدرجة أكبر مع البعد عن بيوت النمل الأبيض. وهكذا يؤثر التباين في الموئل بفعل النمل الأبيض على ديناميكيات مجتمع النمل الذي يعيش على أشجار السنط، مما يساهم في تعايش الأنواع في مجتمع شديد التنافس.
الجينات | الأفراد | التجمعات السكانية | الأنواع | الطوائف | التجمعات | المجتمعات | النظام البيئي | الغلاف الحيوي |
---|---|---|---|---|---|---|---|---|
الوحدة المادية والوظيفية الأساسية للوراثة | الكائن وحده وكذلك نوع الكائن وحده | مجموعة فرعية من أفراد النوع الواحد تشغل منطقة جغرافية معينة وتتزاوج، في الأنواع التي تتناسل جنسيًّا | مجموعة من الكائنات يمكنها التكاثر بصورة طبيعية بعضها مع بعض وإنتاج ذرية وَلَّادة | مجموعة من الأنواع تستخدم نفس الفئة من المصادر البيئية بطريقة مشابهة | مجموعة من الأنواع المتقاربة تصنيفيًّا موجودة معًا في نفس مكان | كل المجموعات السكانية للأنواع المختلفة التي تعيش في نفس المنطقة ويتفاعل بعضها مع بعض | مجتمع بيئي يضم مكونات بيولوجية وفيزيائية وكيميائية، ويُعامَل معاملة الوحدة الواحدة | الأجزاء التي توجد بها حياة على كوكب الأرض؛ أي كل الأنظمة البيئية |
لا يزال تمكُّن أعداد كبيرة من الأنواع النباتية المتنافسة من التعايش يشكل لغزًا؛ ويبدو أن التفسير الكلاسيكي، القائل بأن كل نوع يشغل موطنه البيئي الخاص، ينهار أمام كم الملاحظات عن معظم النباتات وأنها تحتاج إلى نفس مجموعة الموارد ولديها عدد محدود من الطرق للحصول عليها. ومع ذلك، فإن الغوص في التفاصيل الدقيقة يكشف عن طوائف من النباتات مقسمة على محاور تلك المواضع البيئية على غرار التدرج في الضوء، ورطوبة التربة، وعمق الجذور، وكذلك تتقاسم عناصر الغذاء في التربة مع الوساطة المفيدة من الميكروبات في التربة. في الواقع، تكشف الأبحاث الحديثة أن النباتات قادرة على العمل بنشاط في تعزيز الجماعات الميكروبية وكذلك تنسيق تفاعلها مع الميكروبات الدقيقة لتحسين امتصاص النيتروجين والفوسفور.
ننتقل من الأنواع والجماعات إلى المستوى التالي من التنظيم وهو التجمعات، مثل الواحد والخمسين نوعًا مختلفًا من الخفافيش الآكلة للحشرات التي رُصدت في مساحة تبلغ تقريبًا ٣ كيلومترات مربعة من الغابات المطيرة للأشجار الثنائية الأوراق البكر في ماليزيا، أو المجموعة الكاملة التي تضم أكثر من ٣٠٠ نوع من الأسماك الموجودة في المياه الساحلية حول الجزر البريطانية.
إن القدرة على التكيف مدهشة والعلاقات التي تربط عناصر التنوع البيولوجي تكاد تكون لامتناهية في تعقيدها. تأمل مثلًا التحالف الغريب الذي يسمح للضفدع الطنان المُرقَّط بالتواري آمنًا من المتربصين به بين أطراف عنكبوت رتيلاء الجحور المغطاة بالشعر (الضفدع يأكل النمل الذي يهدد بيض العنكبوت)؛ أو طائر البوقير والنمس القزم اللذين يتبادلان منافع البحث عن الطعام والتنبيه عند رصد خطر؛ أو كيف يؤدي استخراج ثعلب البحر للبطلينوس إلى زيادة التنوع الجيني في حقول عشب الأنقليس البحري التي تضطرب بفعل هذا الحفر. يركز كتاب جون فيوسيتيتش «استعادة التوازن» على العلاقات المعقدة والواسعة النطاق للتنوع الحيوي، وما تشكله من تعقيد في سبيل الحفاظ عليه؛ فإن إصابة الموظ بأعداد هائلة من القراد الصغير تؤثر سلبًا على بقائه على قيد الحياة، مما ينعكس أثره على بناء الغابة وديناميكيات نمو أعداد الذئاب. هذه العلاقات هي روابط في عمليات النظام البيئي، تؤدي إلى خدمات في النظام البيئي، كبيرة وصغيرة، يعتمد عليها النشاط البشري، وتتم على مراحل مختلفة من المجالات الحيوية البيئية.
المجالات الحيوية البيئية
يختلف التنوع البيولوجي في المجالات الحيوية البيئية المختلفة، ويمكن قياسه على مستويات مختلفة (داخل رقعة، وبين رقع، وفي أنحاء منطقة، وتُسمى على التوالي، التنوع ألفا، وبيتا، وجاما). تغطي الغابات حوالي ثلث الأرض، وتهيمن عليها الأشجار، وتحتوي على الكثير من أشكال التنوع البيولوجي البري في العالم، بما في ذلك الحشرات، والطيور، والثدييات. المجالات الحيوية البيئية الغابية الرئيسية الثلاثة هي الغابات الشمالية، والمعتدلة، والاستوائية، وتقع كل منها على خطوط عرض مختلفة، ومن ثَمَّ لديها مناخات مختلفة. الغابات الاستوائية دافئة، ورطبة، وتوجد بالقرب من خط الاستواء وتحتوي على أكبر تنوع بيولوجي؛ الغابات المعتدلة تقع على خطوط عرض أعلى وتمر عليها جميع الفصول الأربعة، بينما توجد الغابات الشمالية على خطوط عرض أعلى، ومناخها هو الأبرد والأكثر جفافًا، ولديها بالتبعية أدنى تنوع بيولوجي.
الأراضي العشبية، وهي مرحلة متوسطة بين الغابات والصحاري، هي مناطق مفتوحة تهيمن عليها الأعشاب ومناخها دافئ وجاف، وبالطبع تسكنها بالدرجة الأولى حيوانات المراعي؛ ولذلك فإن الشعوب الرعوية تقدرها كثيرًا من أجل رعي الماشية. لم تكن الحيوانات الآكلة العشب خصوصًا «فئران الحقل أو الخيول»، ولا الحيوانات التي تفترسها خصوصًا «بنات عرس أو الأسود» موجودة حتى قبل نحو ٥٥ مليون سنة لأنه حينذاك فقط اجتمع التطور والتغير الأول للمناخ لجعل العشب وفيرًا. هناك نوعان من الأراضي العشبية: السافانا والأراضي العشبية المعتدلة. تقع السافانا أقرب إلى خط الاستواء، وتتخللها الأشجار، وتغطي ما يقرب من نصف أفريقيا، وقد تطور أسلافنا عليها. وتقع الأراضي الشعبية المعتدلة (مثل السهوب والبراري) بعيدًا عن خط الاستواء، وتفتقر إلى الأشجار أو الشجيرات، وتهطل عليها الأمطار بدرجة أقل؛ ولذلك، فإن مستويات التنوع البيولوجي عليها أقل من السافانا.
تغطي الصحاري قرابة ٢٠ في المائة من سطح الأرض، وهي دائمًا جافة (أقل من ٥٠سم من الأمطار سنويًّا)، ويمكن أن تكون باردة أو حارة، ولكنها في الغالب شبه استوائية. يرجح أن يكون المجموع الطبيعي للتنوع الحيوي في الصحاري منخفضًا، وأغلبه من الثدييات الصغيرة، والزواحف، واللافقاريات. والمجال الحيوي البيئي الأقل صلاحية لعيش الكائنات هو التندرا؛ إذ تتراوح درجة الحرارة فيه ما بين -٣٤ إلى ١٢ درجة مئوية، ويصل متوسط سقوط الأمطار إلى ١٥–٢٥سم فقط سنويًّا، وتفتقر تربته إلى المغذيات، وفصول الصيف فيه قصيرة. الغطاء النباتي في التندرا بسيط، يشمل الشجيرات، والأعشاب، والطحالب، والأشنات، ويعود ذلك إلى حد ما للتربة الصقيعية (طبقة متجمدة تحت سطح التربة)، كما أن التنوع البيولوجي منخفض جدًّا.
تشمل المجالات الحيوية البيئية المائية المياه العذبة والبحرية، والأخيرة تغطي ما يقرب من ثلاثة أرباع سطح الأرض وتحتوي على تنوع بيولوجي أكثر من أي مجال حيوي بيئي آخر. وفي حين أن الكائنات البرية يحدها عمومًا الحرارة والرطوبة، فإن نظيراتها المائية يحدها بالدرجة الأولى الشمس والمغذيات المذابة. على الرغم من سيولة مياه البحر، فإنها تتسم بالتدرج وكذلك بتنوعها البيولوجي؛ فضوء الشمس الكافي لعملية التمثيل الضوئي موجود في المائتي متر العلوية فقط، والكائنات الميتة تغرق، لتتحلل في الأعماق السحيقة؛ لذا تحتوي المياه العميقة على المغذيات أكثر من سطح الماء.
زعم جيمس لافلوك أن الرابط الوثيق بين التنوع البيولوجي والأنظمة غير الحيوية للأرض يخلق كيانًا كاملًا — جايا — ذاتي التنظيم. ويتردد صدى فكرته في إعلان أمستردام لعام ٢٠٠١، الذي خلص إلى أن «نظام الأرض يتصرف كنظام واحد، ذاتي التنظيم به مكونات فيزيائية، وكيميائية، وبيولوجية، وبشرية.»
بؤر التنوع البيولوجي
الخدمات البيئية الواسعة المجال التي يدعمها التنوع البيولوجي
الخدمات البيئية هي فوائد يجنيها الناس من النظم البيئية، وقد صُنفَت تصنيفًا فضفاضًا في تقييم النظم البيئية للألفية عام ٢٠٠٥:
-
(١)
خدمات إمداد منها الإمداد بالغذاء والمياه العذبة، والألياف وغيرها من المنافع؛
-
(٢)
خدمات تنظيمية مثل ضبط المناخ والمياه والأمراض، وكذلك التلقيح؛
-
(٣)
خدمات دعم مثل تكوين التربة وتدوير العناصر الغذائية؛
-
(٤)
خدمات تثقيفية على غرار القيم التعليمية والجمالية والثقافية والتراثية، علاوةً على الترفيه والسياحة.
بطريقة أو بأخرى، يساهم التنوع البيولوجي في كل هذه الخدمات، بما في ذلك دورتَا الكربون والنيتروجين، التي يقدر إجمالي قيمتها بنحو ١٢٥—١٤٠ تريليون دولار أمريكي سنويًّا، وهو مبلغ أكثر مرة ونصفًا من إجمالي الناتج المحلي العالمي حسب تقديرات منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي. ولهذا فإن البشرية في العموم تستفيد دون مقابل من التنوع البيولوجي من حيث تكوين التربة، والإمداد بالغذاء والألياف، وجودة الهواء، وتنظيم المناخ، وتنظيم مورد المياه وجودته، إلى جانب الصحة البدنية والنفسية والقيم الثقافية والجمالية التي توفرها النباتات والحيوانات.