الفصل الرابع

الأنواع الغازِيَة

قد تكون حركات السنجاب الرمادي البهلوانية في المتنزه أو الحديقة هي الصورة الأقرب للطبيعة البرية المبهجة لدى العديد من سكان المدن البريطانية. وهي أيضًا مثال مؤثر على ما تثيره الأنواع الغازية عالميًّا من تصادم بين القيم. لم ينشأ السنجاب الرمادي في إنجلترا كما يتضح من الشق الثاني من اسمه العلمي، سيرس كارولينينسيس (نسبة إلى ولايتَي كارولينا)؛ بل جاءوا به عمدًا من أمريكا في سبعينيات القرن التاسع عشر، وظلوا يأتون به للإقطاعيات الريفية التي كان أصحابها يعتقدون أن إثراء المجموعة الحيوانية لديهم هو التصرف الصحيح. ومن بعدها انتشر في جميع أنحاء البر الرئيسي لبريطانيا، حتى كاد يحل تمامًا محل السنجاب الأحمر الأصلي. في الوقت الحالي، تنم الإشارة المتعصبة للسنجاب الرمادي ﺑ «جرذان الأشجار الأمريكية» عن كراهية بعض الناس له، في حين يشاهد البعض الآخر بإعجاب هذا الزائر ذا الذيل الكثيف من نوافذ الضواحي؛ في كلتا الحالتين، يعي الناس عمومًا أن الأنواع غير الأصلية غالبًا ما تثير المشكلات. رغم أنه قد يصعب على بعض من أصحاب المذهب الأخلاقي الاقتناع بالسبب الذي يجعل تسميم السناجب الرمادية أو صيدها أو إطلاق النار عليها فعلًا جديرًا بالثناء لكنه جريمة في حالة السناجب الحمراء، فمعظم الناس، بعد التفكير، يتفقون على أنه كان من الخطأ استبدال آفة أصلية للغابات بآفة غير أصلية أكثر ضررًا. إن بيولوجيا الأنواع الغازية معقدة تقنيًّا. لكن هذا المثال يسلط الضوء على تعقيد القضايا الأوسع التي تتخلل بيولوجيا الأنواع الغازية، حيث تطوقها التحديات الاقتصادية والأخلاقية التي تحول دون الاتساق وتثير الجدل على الدوام. الوجود في المكان الخطأ في الوقت الخطأ غالبًا ما يربك كل الأطراف المعنية.

فلنأخذ القارة القطبية الجنوبية مثالًا. طوال ١٥ مليون سنة، ظلت كل الكائنات الحية التي تتشكل منها الأجزاء العاملة في النظام البيئي القطبي الجنوبي تتطور دون أن يعترضها شيء من العالم الخارجي. ولكن في عام ٢٠٢٢، وثَّق الاستقصاء البريطاني للقارة القطبية الجنوبية وصول السفن إلى هناك من ١٥٠٠ ميناء في أنحاء العالم، تحمل السياح في أغلب الوقت، وقد امتلأت هياكلها ببلح البحر والبرنقيل والسرطانات والطحالب. هذا التدفق الهائل (الذي يشمل حاليًّا حوالي سبعين ألف سائح سنويًّا) سيعجِّل بلا ريب بنوع من الاختلال البيئي معروف باسم التلوث البيولوجي.

حتى إن لم تدمر معظم الأنواع الغازية التنوع البيولوجي الأصلي، فإنها عادةً ما تغير الأمور، في أغلب الأحيان بطرق يراها اختصاصيو الحفاظ على التنوع البيولوجي غير محمودة في أغلب الأوقات. في المملكة المتحدة، ٥ في المائة من الأنواع ذات الأولوية في خطط عمل الحفاظ على التنوع البيولوجي (تسعة في المائة للفقاريات) و٣٢ في المائة من الموائل ذات الأولوية تعد الأنواع غير الأصلية تهديدًا. عند البحث في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة عن أسباب انقراض ٢٤٧ نوعًا من النباتات والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات التي اختفت منذ عام ١٥٠٠ ميلادية، نجد الأنواع الغازية ثاني أهم باعث على الهلاك بشكل عام. وهي العامل الأهم في حالة الفقاريات. فقد شكلت الأنواع الغازية ٤٨ في المائة من جميع التهديدات التي كانت قد ابتلت الثدييات المنقرضة و٦٨ في المائة من التهديدات لجميع الأنواع المحلية في الجزر. شارك نحو ٣٠ أصنوفًا من الأنواع الغازية في حالات الانقراض هذه التي بلغت ٢٤٧ حالة؛ في حالة الثدييات المنقرضة، كانت القطط الضالة والجرذان هم الجناة الرئيسيين؛ ممثلةً للحيوانات الوحشية (الحيوانات الأليفة التي تردت إلى هيئة وحشية) والمتعايشة مع البشر (التي تعيش في قرب شديد من البشر).

حاليًّا، يُعاد توزيع الأنواع بين القارات حيث تتسرب من خلال نشاط غير مسبوق في التجارة العالمية. ومما يشجع على تحركات الأنواع بشكل أكبر التغير المناخي الذي صنعه الإنسان، في تبديل دائم مشئوم للتوزيع الجغرافي للأحياء. في يلوستون، يهدد نوع غاز من الخنافس المستفيدة من التغير المناخي بتدمير الصنوبريات الأصلية في البلدة. وفي الصين، زادت الأنواع الغازية ١٠ أضعاف بين عامَي ١٩٩٠ و٢٠٠٥. وفي الولايات المتحدة، ٣٥ في المائة من عائلات الفقاريات التي تُباع وتُشترى حية صارت الآن مستوطِنة خارج نطاقها الأصلي. وتتدهور مقاومة المجتمعات الطبيعية تحت وطأة الضغوط المتفاعلة من فقدان الموائل، والصيد، وتغير المناخ، مما يفتح بابًا أوسع للأنواع الغازية التي تزيد من تدهور النظم البيئية. بموجب المادة ٨ (ح) من اتفاقية التنوع البيولوجي، يتعين على الدول الموقعة منع إدخال الأنواع الغريبة التي تهدد النظم البيئية أو الموائل أو الأنواع، مع وجوب السيطرة أو القضاء عليها.

قد تكون التكاليف البيئية للأنواع الغازية لا تُحصى، لكن ماذا عن التكاليف المالية؟ إنها تشمل تكاليف الأضرار، وتكاليف منع تفاقمها، بمجرد أن تستقر الأنواع الغازية. عند تذكر الحكمة الشهيرة في مجال الصحة العامة القائلة بأن الوقاية خير من العلاج، لا بد أن نقارن هذه التكاليف مع تكاليف منع دخول الأنواع الغازية من البداية. هناك ١٠٨٢٢ نوعًا مدرجًا في البوابة الأوروبية للأنواع الغازية وحوالي ١٠ في المائة منها لها تأثير بيئي كبير، حيث قُدر في عام ٢٠٠٨ أنه يكلف الاتحاد الأوروبي ما لا يقل عن ١٢ مليار يورو سنويًّا. من عام ١٩٧٠ إلى عام ٢٠١٧، كلفت الأنواع الغازية على الأقل ١٫٢٨٨ تريليون دولار (بأسعار الدولار الأمريكي لعام ٢٠١٧) (الشكل رقم ٤-١)، وربما تصل إلى أكثر من ذلك بثلاثين مرة. وبلغ متوسط التكلفة السنوية ٢٦٫٨ مليار دولار (وهو للمقارنة، أكثر من إجمالي الناتج المحلي السنوي لخمسين دولة من الدول الأفريقية الأربع والخمسين). لكن هذا كان يخفي تضاعفًا كل ست سنوات، من ثم كانت التكلفة السنوية في عام ٢٠١٧ هي ١٦٢٫٧ مليار دولار. لقد زادت تكاليف الأضرار بمعدل يساوي ضعف معدل الاستثمار في إدارتها.
تكلف الكائنات الغازية اللافقارية أكثر مما تكلف الفقاريات، والتي بدورها تكلف أكثر من النباتات. إجمالًا بلغت تكاليف اللافقاريات الغازية عام ٢٠١٧ مبلغ ٢٣٫٨ مليار دولار، فيما بلغت تكلفة الفقاريات (والتي كان ٨٨ في المائة منها ثدييات) ١٫٣ مليار دولار (الشكل رقم ٤-١). القطط الضالة الهائمة في الطرقات غير المملوكة لأحد، تقتل سنويًّا ١٢٫٣ مليار حيوان ثديي و٢٫٤ مليار طائر في الولايات المتحدة وحدها، حيث تقدر تكاليف الحمام البري ﺑ ١٫١ مليار دولار سنويًّا. وسجلت الأضرار الناجمة عن حيوان الدِّنْغُو (الذي بات في عداد الأنواع المحلية منذ عام ١٩٩٢) والكلاب البرية الأخرى في أستراليا مبلغ ٤٨٫٥ مليون دولار أسترالي سنويًّا؛ وسجلت الأرانب ٢٠٦ ملايين دولار أسترالي سنويًّا. على الرغم من عدم وجود تجميع شامل ومنسق وقوي لتكاليف الغزو البيولوجي على مستوى العالم، فإننا على ثقة من أنها كثيرة.
fig12
شكل ٤-١: التوزيع الجغرافي للتكاليف المترتبة على الأنواع الغريبة للفترة من عام ١٩٧٠–٢٠١٧.
fig13
شكل ٤-٢: أعلى ١٠ أصنوفات من حيث تكاليف الأضرار التراكمية وتكاليف الإدارة (بأسعار ٢٠١٧) للفترة من ١٩٧٠–٢٠١٧. التكاليف المختلطة: للأصنوفات التي لا يمكن الفصل بين تكاليف أضرارها وتكاليف إدارتها. ع = عدد تقديرات التكاليف.
ما هي الأنواع غير الأصلية؟ الأنواع غير الأصلية هي التي تُنقل في أنحاء العالم خارج نطاقها الأصلي، إما عمدًا، أو عن غير قصد نتيجة لحركة الناس أو المنتجات. حسب القاعدة العامة، ١٠ في المائة من الأنواع الدخيلة تصير مستقرة، وتصبح ١٠ في المائة من هذه الأنواع آفات: صحيح أنها احتمالات منخفضة لكنها كافية لإحداث الفوضى في النظم البيئية الأصلية، حتى إنها تأتي في المرتبة الثانية مباشرةً بعد تدمير الموائل في قائمة أسباب الانقراض. انتشرت الأنواع غير الأصلية على مستوى العالم (كانت بذور حشائش المروج من بين الأنواع التي انتقلت إلى القارة القطبية الجنوبية في طيات سراويل المسافرين) وبعضها موزعة على مستوى العالم، كما في الحالة الخاصة للفئران المنزلية المعايشة للإنسان. تشكل الأنواع المعايشة بصفتها غزاة لغزًا محيرًا للعقول المعذبة بالمنطق؛ تطورت هذه الحيوانات لتكون رفاقًا للناس في سفرهم؛ ولذلك لا يمكن أن نصف غزوها بأنه غير طبيعي، مما يفسد تبرير قتل الأنواع الغازية لأنها انتقلت، عن طريق الناس، خارج نطاقها الطبيعي؛ النطاق الطبيعي لفئران المنزل هو مع الناس. هناك مجموعة فرعية من الأنواع المتعايشة هي الحيوانات المستأنسة، وهي عندما تصبح ضالة، تثير أعباءً منطقية (وأخلاقية) صعبة مشابهة بشأن مسألة الاتساق: واقع الأمر أن القطط المنزلية هي التي استأنست البشر ليحملوها إلى مراعٍ جديدة غنية. سواء كانت هذه الأنواع تُعقِّد تعريفات ما هو طبيعي أم لا، فإنها بالتأكيد تصبح ضارة بالحفاظ على التنوع البيولوجي (الشكل رقم ٤-٣).

متى تصبح الأنواع غير الأصلية جزءًا من المجتمع الطبيعي؟ لدى بريطانيا أكثر من ٤٠ نوعًا غير أصلي من الطيور. (يعيش اللندنيون بين ٥٠ ألف ببغاء أخضر مطوق، يُشاع أن جيمي هندريكس كان أول من أطلقها هناك، لكنه شوهد لأول مرة في داليتش عام ١٨٩٣، والغريب أنه لم ينتشر إلا بعد قرن من ذلك التاريخ.) وفي لندن ١٤ نوعًا غير أصلي من الثدييات، خمسة منها وصلت منذ حوالي ألف سنة، وهي الأرنب، والأيل الآدَم، والجرذ الأسود، وفأر المنزل، والأرنب البني، بينما وصل السنجاب الرمادي، والمنك الأمريكي، وأيل السيكا وبعض اليحمور الأوروبي، والأيل النباح، وأيل الماء الصيني، والزُّغْبة السمينة، وابن مقرض، والجرذ البني منذ مائة سنة أو نحو ذلك. وهناك وافدون جدد آخرون — كلب البراري، وثعلب البحر القصير المخالب، والولب الأحمر العنق — يتكاثرون، لكن ليس كثيرًا، في حين أن الأنواع الهاربة من حين لآخر مثل الراكون، وكلب الراكون، والظربان، والكواتيموندي، والصيدناني، والأبوسوم القندي الطائر قد تبقى على قيد الحياة لكنها لا تتكاثر. ما المدة التي يجب أن يقيمها النوع قبل أن يصير جزءًا من المجتمع الطبيعي؟ حاليًّا يُعامل الأيل الآدم، الذي جلبه النورمان إلى بريطانيا، عمومًا معاملة الأنواع الأصلية، أما الأيل النباح، الذي جاء بعده بنحو ألف سنة، فليس كذلك. هناك الكثير من التفاوت والتحيز في التغطية الإعلامية: فإن الكراهية منصبة بلا هوادة على المنك الأمريكي الذي يأكل الطيور البحرية لجزر هبريد، في نفس الوقت الذي يشتعل فيه الاحتجاج على قتل القنافذ، التي أُدخلت هي الأخرى إلى جزر هبريد وتفعل شيئًا مشابهًا. ربما كان أوسكار وايلد محقًّا عندما وصف الاتساق بأنه الملاذ الأخير للمفتقرين إلى الخيال.

fig14
شكل ٤-٣: الببغاوات تطل من ثقوب في شجرة داخل متنزه ريتشموند، بالقرب من لندن.

ثمة مفهوم مفيد، ألا وهو «المواطنة البيئية». من المعايير لاعتبار نوع من الأنواع غير الأصلية المستوطنة مواطنًا بيئيًّا هو طبيعة الضرر الذي يسببه للتنوع البيولوجي الأصلي. ما دام ذلك الضرر يُعتبر مفرطًا، فإن الدخيل يظل آفة على التنوع البيولوجي، ويجوز أن تُباح بلا حدود الجهود المبذولة لإزالته، أو التخفيف من تأثيره. لكن هناك حالات يظل فيها النوع غير الأصلي يمارس تأثيره على التنوع البيولوجي الأصلي لفترة طويلة بحيث يظهر مجتمع جديد، يكون الدخيل جزءًا لا يتجزأ منه ويؤدي دورًا وظيفيًّا في النظام البيئي. فلا تؤدي إزالته إلى إنقاذ الحالة الطبيعية الأصلية أو استعادتها. ومن ثَمَّ، فمع أنه من العقلاني مواصلة مكافحة المنك في عدة أجزاء من المملكة المتحدة والسناجب الرمادية (على الأقل في اسكتلندا) لأنها تواصل الإضرار بالتنوع البيولوجي الأصلي بطرق يمكن وقفها وإصلاحها، فمن ناحية أخرى لن يبدو منطقيًّا قتل الأرانب على أساس أنها غير أصلية، وإن كان من المعقول أن يُفعل ذلك حيثما تكون ضارة بالاقتصاد وعندما تكون كذلك. في المقابل لنا أن نسأل: ما المدة التي لا بد أن يغيبها النوع قبل أن يفقد مواطنته؟ فالقنادس، على سبيل المثال، ورد ذكرها لآخر مرة في «وقائع اسكتلندا» لهيكتور بويس في عام ١٥٢٦، وكانت نادرة في إنجلترا في القرن العاشر؛ ومن ثَمَّ فقدت موقعها في المملكة المتحدة منذ فترة طويلة كما استحوذت الجرذان البنية على موقعها. اختفى الوشق، والدب البني، والذئب من بريطانيا بدرجة كبيرة بحلول الأعوام ٩٠٠، و١٢٠٠، و١٧٠٠ على الترتيب؛ لذا في حال كان لا يزال من الجائز رجوعها إلى بريطانيا، فهل يعني ذلك أن الأيل الآدم لا يزال غير محلي، رغم مكوثه فيها طيلة ٩٠٠ عام؟ فيما يخص الأنواع التي سيُعاد إدخالها إلى بيئاتها الأصلية، هل ما زال هناك موئل للدور البيئي الذي كانت تلعبه سابقًا حتى يُعاد إحياؤه؟ من ناحية الدببة البنية، فقد فاتتها هذه الفرصة، أما فيما يتعلق بالوشق، فالفرصة لا تزال سانحة.

الحيوانات المستأنسة الوحشية، هي حالة خاصة. من بين الحالات المؤسفة لإدخال أنواع غريبة، ما تسبب فيه البحارة القدماء حين نقلوا الخنازير والماعز إلى جزر المحيط الهادئ النائية لتكون مخازن حية للمؤن في حال تحطمت سفنهم. اليوم، تهدد الحيوانات المستأنسة الوحشية التنوع البيولوجي الأصلي، سواء من خلال الافتراس (الماعز، والقطط، والكلاب البرية في جالاباجوس)؛ أو نشر العدوى (ملاريا الطيور الدخيلة على غربان هاواي، والسعار الذي تسببه الكلاب الوحشية)؛ أو التزاوج مع الأقرباء البريين (يتزاوج ابن مقرض والقطط المستأنسة مع الظربان والقطط البرية). يفضل معظم اختصاصيِّي الحفاظ على التنوع البيولوجي اعتماد سياسة صارمة للغاية للتخلص من الضال من الأنواع المستأنسة الوحشية؛ عادةً عن طريق القتل، وأحيانًا عن طريق تحديد نسلها. تدل صعوبة تعريف القطط البرية الاسكتلندية جينيًّا كيف يمكن أن يصبح السعي للنقاء الطبيعي معقدًا للغاية، ونادرًا نوعًا ما على أرض الواقع؛ فتعدد أشكال النيوكليوتايد المفرد (يُنطَق اختصارًا «سنيبس») يكشف للأسف عن أن القطط البرية «النقية» الباقية في اسكتلندا قليلة إن وُجدت؛ لكن مما يدعو إلى التفاؤل أن القطط التي تعيش في البرية والتي تشبه القطط البرية وتتصرف مثلها تمامًا ربما لديها ما يكفي من الجينات البرية لبدء عملية استعادتها.

التأثيرات البيئية للأنواع الغازية

من الصعب التنبؤ أي من الأنواع الغازية سيكون له أكبر تأثير على البيئة؛ فالنتائج تعتمد على السياق، والمقارنات التجريبية نادرة؛ فنسبة الدراسات التجريبية لتأثير للنباتات الغازية، على سبيل المثال، أقل من ١٤ في المائة. هناك خمس آليات رئيسية للتأثير:

  • الافتراس: يسبب الافتراس نحو ثلث التأثيرات السلبية للثدييات الغازية، على مستوى العالم. في بريطانيا، أدى المنك الأمريكي الغازي إلى القضاء على التجمع السكاني لفئران الماء الأصلية في أنهار الأراضي المنخفضة (انهيار شارف على أن يكون انقراضًا في هول ما حدث لوحيد القرن في أفريقيا). نشأت فئران الماء هذه على الهروب من ثعالب البحر تحت الماء عن طريق السباحة إلى ملجأ الجحور، والهروب من ابن عرس، والقاقم وحتى الظربان التي تطاردها في جحورها عن طريق الخروج من مخارج تحت الماء. غير أنها لا تملك دفاعًا مجديًا أمام سعة حيلة المنك الأمريكي للافتراس في كل مكان، إذ يستطيع الدخول إلى جحورها والسباحة كذلك. الأسوأ من ذلك أن ضعف موقف فئران الماء ازداد حيث أدى التوسع في الزراعة وتجفيف المستنقعات إلى تقليص موائلها الممتدة لمساحات شاسعة على ضفاف الأنهار لمساحات ضيقة، سيطر عليها المنك بسهولة. تواجه بريطانيا حاليًّا اختيارًا بين مستقبلين للحفاظ على فئران الماء: ربما يمكن القضاء على المنك الأمريكي تمامًا في الريف، مما يحمي فئران الماء إلى الأبد؛ أو مواصلة السيطرة على المنك إلى الأبد، ليظل الخوف قائمًا دائمًا من أن يؤدي نقص التمويل أو الاهتمام إلى تزايد أعداد المنك مرة أخرى. الاختيار الأول سيكون مكلفًا للغاية، ويثير تساؤلات بشأن الأولويات في تمويل الحفاظ على التنوع البيولوجي. والاختيار الثاني سيعود بنا إلى السؤال الفلسفي بشأن عدد الأجيال التي يمكن بعدها اعتبار المنك الأمريكي عنصرًا من عناصر النظام البيئي الزراعي لبريطانيا.

    يعتبر علماء البيئة التغذي على النباتات افتراسًا للنباتات، ولا تخلو الأنواع الغازية العاشبة من تأثيرات على الحيوانات الأخرى. فمن الممكن أن تؤثر على الغطاء النباتي (مثال على ذلك الماعز الضال الذي يأتي على غذاء سلاحف جزر جالاباجوس العملاقة)، واستقرار التربة، كما في حالة تغذي الأرانب على النباتات الذي تسبب في انهيار أرضي هدد أكبر مستوطنة للبطريق الملكي في جزيرة ماكواري. في الولايات المتحدة، وصل عدد الخنازير الضالة، المنحدرة من الحيوانات الهاربة من المزارع والخنازير البرية التي جُلِبَت في القرن العشرين إلى الولايات المتحدة من أجل رياضة الصيد، إلى ستة ملايين على الأقل منتشرة في ٣٥ ولاية. واقتلاعها للجذور ونهمها لتدمير المحاصيل، وما تسببه من تآكل للتربة، واقتلاع لشتلات الأشجار، يؤدي إلى إزالة الغابات؛ حيث تقدر وزارة الزراعة الأمريكية الخسائر التي تتسبب فيها الخنازير الغازية للمحاصيل سنويًّا ﺑ ١٫٥ مليار دولار على أدنى تقدير.

  • المنافسة: تمدنا الأنواع الغازية بتجارب غير مرغوبة لكنها كاشفة توضح تأثيرات كل من المنافسة غير المباشرة ﺑ «الاستهلاك» والمنافسة المباشرة ﺑ «التطفل». في بريطانيا، تسرق السناجب الرمادية بذور الأشجار التي تخزنها السناجب الحمراء في الربيع. يستخدم المنك الأمريكي (بما في ذلك الآلاف التي أطلقها الروس مربو الحيوانات ذات الفرو للحصول على إنتاج قيم) جرمه الأضخم في الهجوم على المنك الأوروبي الأصلي الأضعف، وبناءً على ذلك فإنه مهدد بأن يكون التالي في قائمة الثدييات الأوروبية المنقرضة. هذا شكل من الغزو يكون فيه العداء داخل نفس الطائفة. السلحفاة الحمراء الأذنين هي سلحفاة أمريكية تعيش في المياه العذبة: ما بين عامَي ١٩٨٩ و١٩٩٧، صُدِّرَ منها ٥٢ مليون سلحفاة في أنحاء العالم كحيوانات أليفة. وقد أُطلِق العديد منها، بعد أن كبر حجمه، وهي الآن تنافس الأنواع الأصلية.
  • الأمراض: لا تنافس السناجب الرمادية السناجب الحمراء فحسب لكنها تنقل لها فيروس جدري السناجب، الذي يسبب معدل وفيات في السناجب الحمراء أعلى من السناجب الرمادية. من بين اللافقاريات، هناك جراد النهر ذو الإشارة الذي جيء به إلى بريطانيا من أمريكا الشمالية عام ١٩٧٦، ثم استعمر بعدها بنحو عشر سنوات ٢٥٠ ممرًّا مائيًّا بريطانيًّا، وصار الآن منتشرًا بسبب النقل غير المشروع. ويعيش في تجمعات كثيفة تحت مجاري الأنهار في بساط مضطرب من القشريات. والأسوأ من ذلك، أنه يحمل طاعون جراد النهر، أفانوميسيز أستاسي، وهو عدوى شبيهة بالفطريات، يملك مقاومة تجاهها لكنها قاتلة لكل الأنواع الأوروبية الأصلية، ومنها جراد النهر أبيض المخالب البريطاني. الحيوانات المستأنسة الوحشية، والأنواع المتعايشة، مصادر مشهورة للأمراض المعدية (الحيوانية المصدر): حيث تنشر الكلاب الوحشية سل الكلاب بين الأسود في سيرينجيتي، والسعار بين الذئاب الإثيوبية. ضفدع الثور الأمريكي، الذي أطلقوه من أحواض السمك، صار بالفعل غازيًا في أنحاء العالم، وعُثِر عليه في البرية في شرق ساسِكس عام ١٩٩٦. تأثير هذا الضفدع الغازي على مجتمعات البرمائيات الأصلية ليس معروفًا، لكنه يحمل فطر كايتريد الذي يهدد البرمائيات في جميع أنحاء العالم. ولا مجال للتهاون هنا، إذ بإمكان الأنثى الواحدة أن تضع ٣٠ ألف بيضة وتنتشر على مساحة عدة كيلومترات. مرض الدردار الهولندي، الذي يسببه فطر أوفيوستوما نوفو أولمي، وينتقل عن طريق خنفساء لحاء الدردار، جاء إلى بريطانيا من كندا في ستينيات القرن العشرين؛ وقد قتل الملايين من أشجار الدردار.
  • التهجين: عند إزالة الحواجز الجغرافية الطبيعية، من الممكن أن تتعرض الأنواع الأصلية لخطر التهجين مع الأنواع الغازية المرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا. فقد هرب البط الأحمر الأمريكي من مجموعاته في بريطانيا عام ١٩٦٥؛ وانتشر في جميع أنحاء أوروبا حيث يتهجن مع قريبه المحلي المهدد بالانقراض، البط الأبيض الوجه. وحالة سمندل الماء ذات العرف الإيطالي مشابهة، في حين أن هناك حالة أخرى، كارثية بقدر ما هي معضلة فلسفية، وهي الخطر الذي يشكله التزاوج مع القطط المنزلية على الأنواع الفرعية من القطط البرية في اسكتلندا، وأوروبا القارية، وأفريقيا.
  • النظام البيئي: افتراس الجرذان، المدخلة على جزر نيوزيلندا، للطيور البحرية يقلل من خصوبة تربة الغابة حيث يعرقل نقل العناصر الغذائية من البحر إلى البر في براز الطيور، مما يؤثر على النباتات وسلسلة من عمليات النظام البيئي. يتجلى «أثر الفراشة» الذي يحدثه النوع الغريب في المجتمع الطبيعي بصورة مؤلمة في الفَناء الوشيك لجرذان الأرز في جالاباجوس بسبب الجرذان الغازية التي تجلبها السفن. بقي نوع واحد في زاوية صغيرة من جزيرة سانتياجو، حيث يستطيع التكاثر خلال سنوات ظاهرة النينيو بالتغذية على التين الشوكي الذي لا تستسيغه الأنواع الغازية. من الشائع أن يخفف عامل ثالث، مثل الطقس، من التأثير البيئي للأنواع الغازية: يتعقد تأثير الدعسوقة الآسيوية المتعددة الألوان الغازية على الدعسوقة البريطانية الأصلية جَرَّاء تغييرات في متوسط درجات الحرارة وهطول الأمطار. من ناحية أعم، فإنه مع ارتفاع درجة حرارة العالم، ربما تتفوق الأنواع النباتية غير المحلية، خاصةً التي لديها مقومات الغزو، على الأنواع المحلية، من خلال استباقها إلى الموارد والملقحات.

المجتمعات المحلية والمبادئ

من الظواهر البيئية ذات الصلة في هذا السياق ظاهرة تحرير المفترس الأوسط. يحدث هذا عندما يقضي الناس على المفترسات الأصلية الأكبر حجمًا، مما يقضي كذلك على ما كانت تمارسه الأنواع الأكبر حجمًا سابقًا من قمع لتنظيم أعداد منافسيها الأصغر حجمًا. في كثير من الأحيان، يصير هؤلاء الأفراد المتكاثرون من الجماعة المفترسة من الدرجة الثانية المتحررون من القمع أنواعًا غازية. على سبيل المثال، تزدهر القطط الوحشية عندما لا تعود خاضعة لقمع القيوط الذي يقتله الناس في أدغال كاليفورنيا، أو لقمع حيوان شيطان تاسمانيا الذي يهلك بأعداد كبيرة جرَّاء سرطان الوجه المعدي. في كلتا الحالتين وقعت خسائر غير مباشرة، كخسارة الطيور في أدغال الميرمية في كاليفورنيا والجرابيات الصغيرة المهددة بالانقراض في تاسمانيا.

هناك اختلال مماثل في التوازن، ذو صلة هو الآخر بالأنواع الغازية، وهو التحرر من التنافس. من الممكن أن يحدث هذا إذا كانت سيطرة منافس ستعود بالفائدة على غرمائه. تعقدت حالة التعادل المضطرب، التي أوجدتها ظاهرة إلنينيو بين جرذان الأرز الأصلية في سانتياجو وجرذان السفن الغازية في أرخبيل جالاباجوس، عندما أدت محاولات مساعدة جرذان الأرز بالقضاء على جرذان السفن الغازية إلى زيادة أعداد الفئران المنزلية، وترتبت على ذلك عواقب غير مقصودة تمثلت في أن الفئران تنافست عندئذٍ مع جرذان الأرز المنكوبة.

هناك ظاهرة بيئية أخرى ذات صلة وهي فرط الافتراس. من الممكن أن يحدث هذا عندما يؤدي غزو نوع جديد من الفرائس إلى توفر الغذاء بما يتيح زيادة أعداد المفترسات المحلية، وهو ما يؤثر بدوره على الفرائس المحلية بالإفراط في استغلالها. وهكذا، فإن ثعابين المخططة الأصلية في كاليفورنيا، التي تغذت على الأسماك الوافدة الوفيرة، تزايدت أعدادها بكثرة حتى إنها أفرطت في صيد البرمائيات الأصلية، ضفادع الشلالات.

كادت الخنازير الوحشية الغازية أن تسبب انقراض ثعالب الجُزُر الرمادية، وأثارت الخلاف بين دعاة الحفاظ على الثعالب والعقبان. المفارقة أن الثعالب، التي ربما جاءت في الأصل على قوارب الشعوب الأصلية قبل ٦٠٠٠ سنة، أصبحت الآن كائنات نادرة يقدرها الناس، ويوجد منها أربعة أنواع فرعية على ست فقط من جزر القناة المطلة على ساحل كاليفورنيا. في تسعينيات القرن العشرين، قتل مبيد الدي دي تي الحشري طيور العُقاب الرخماء المحلية التي تتغذى على السمك، مما سمح للعُقاب الذهبي القاري بالانتقال، حيث تغذى على الخنازير ولكنه قتل من الثعالب ما يكفي لدفعها إلى حافة الانقراض. واجه دعاة الحفاظ على التنوع البيولوجي الاحتمال المؤلم المتمثل في قتل العقبان للحفاظ على الثعالب. لكن برنامج إنعاش، تضمَّن قتل الخنازير، ونقل العُقبان الذهبية المقيمة، وإعادة توطين العُقبان الرخماء، والعودة بالثعالب التي تربت في الأسر، أنقذ الثعالب.

ما الذي يحدد نجاح الأنواع الغازية؟ كلما زاد عدد وقائع الاستقدام، وعدد الأفراد المستقدمين، زادت احتمالية توطين هذا النوع. بافتراض أن المناخ والموارد كانت مناسبة، لا بد أن تتمكن الأنواع الغازية من التكاثر بعد ندرتها في البداية. إن تاريخ النوع مؤشر جيد لتوقع مستقبله: فإذا كان النوع آفة في مكان آخر، فمن الأرجح أن يصير آفة في الموقع الجديد. لدى الأنواع الوافدة فرص أكبر للفوز بموقع في البيئة حيث الموارد غير مستقرة؛ أي الأماكن التي يتيح فيها اضطراب الأحوال البيئية الفرص بانتظام. في الماضي، كان يُعتقد أن الجزر بوجه خاص عرضة للغزو، لكن التحليل المفصل لم يجد أي علاقة بين حجم الكتلة الأرضية ونجاح استيطان الثدييات أو الطيور.

«فروق غير واضحة». إن شعار الحفاظ على التنوع البيولوجي في معظم الأحوال هو أن الترابط مفيد؛ لأنه يسهل تنقل الحيوانات، لكن هذا بالضبط ما لا نريده فيما يتعلق بالأنواع الغازية. لهذا السبب وجدتُ في المستنقعات البكر في بيلاروسيا أن الفئران المائية صمدت أكثر في البرك الصغيرة المعزولة، على العكس تمامًا من الأماكن الكبيرة المتصلة التي عادةً ما يُظن أنها أفضل لبقاء التجمع السكاني على قيد الحياة. لماذا؟ ربما لأن المنك الأمريكي الغازي يزور هذه البرك المعزولة بتواتر أقل.

أما فيما يتعلق بالربط بين الموائل التي كانت منفصلة سابقًا، فإن تغير المناخ من الممكن أن ييسر توسيع نطاقات الأنواع. طيور بلشون الماشية وحشرات الرعاش الصغير الأحمر العينين جميلة الشكل، ويتحمس مراقبو الطيور — واليعسوبيات — البريطانيون لرؤيتها. لكن هل علينا أن نعتبرها أنواعًا غير مرغوب فيها غير أصلية أتى بها التلوث بالكربون؟ هل لها تأثيرات سلبية على التنوع البيولوجي في المملكة المتحدة؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن أو ينبغي أن نفعل شيئًا حيالها؟ على نحو أعم، هل كل الغزوات سيئة؟

الوقاية والتوقع

مع الامتزاج بين العولمة وانعدام المسئولية، من المؤكد أن استقدام الأنواع الدخيلة سيزيد. سدس سطح يابسة العالم معرض بشدة لأن تدخله أنواع غازية، بما في ذلك مناطق واسعة من الاقتصادات النامية وبؤر التنوع البيولوجي الساخنة (الشكل رقم ٤-٤). ومما يزيد من حرج الموقف توسع الزراعة، وتحولات المجالات البيئية الحيوية بسبب تغير المناخ، وزيادة حرائق الغابات.

قسمت مجموعة من الخبراء العوامل المسببة للغزوات البيولوجية: (١) التغير البيئي غير الحيوي العالمي (مثل تغير المناخ)؛ (٢) والتغير الحيوي العالمي (مثل فقد التنوع البيولوجي وتدهوره)؛ (٣) والعوامل الاقتصادية الاجتماعية (مثل التجارة والنقل)؛ (٤) وأنماط الحياة والقيم المجتمعية (مثل السياحة)؛ (٥) والتدخلات العلمية (مثل توقعها أو التخفيف منها على نحو أفضل)؛ (٦) والاستجابات الاجتماعية (مثل التشريعات). واستنتج الفريق أنه من المحتمل أن تزيد الأنواع الغازية بنسبة ٢٠–٣٠ في المائة خلال العقود القادمة وأن تسبب تأثيرات كبيرة على التنوع البيولوجي، مدفوعة في المقام الأول بالنقل، والمناخ، والتغييرات الاقتصادية الاجتماعية.

لنتأمل التجارة على سبيل المثال. سوف تؤدي مبادرة الحزام والطريق الصينية المزمعة إلى زيادة في القنوات العابرة للقارات، ومن ناحية أعم، على جميع المشاريع العابرة للحدود، أن تأخذ في اعتبارها مخاطر الأنواع الغازية وأن تتدخل لتخفيف آثارها. وقد تساءلت كِتلين فوكنر وفريقها كيف يؤثر الأمن البيولوجي لبلد ما على جيرانه. وجاء تحليلهم باعثًا على اليقظة. فقد استخدموا المحاكاة الحاسوبية لتحديد أي من السيناريوهات الستة أرجح أن يحدث إذا حط أي واحد من الأنواع الستة والثمانين الغازية الضارة في بلد ما، مع أخذ طبيعتها البيولوجية، وموائلها، والاقتصاد والحوكمة في كل بلد في العالم في الاعتبار. يمكن أن نرى هذه المحاكاة المتقدمة كلعبة لوحية ضخمة، حيث يهبط النرد — الأنواع الغازية المتنوعة — على خريطة العالم، وتحدد القواعد أولًا ما إذا كان من المرجح أن يصبح النوع غازيًا على البيئة ويحدث بها تأثيرًا سلبيًّا، فيما يحدد سقوط النرد لاحقًا ما إذا كان سينتشر بعد ذلك إلى البلدان المجاورة.

fig15
شكل ٤-٤: تهديد الأنواع الغازية على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين. سعة المطارات والموانئ، بالإضافة إلى واردات الحيوانات والنباتات وإجمالي الواردات بين عامَي ٢٠٠٠ و٢٠٠٩، مجتمعة في خطر استقدام الأنواع عالميًّا؛ يتراوح التظليل من العالي جدًّا (ع ج؛ الأغمق) إلى الضعيف جدًّا (ض ج؛ الأفتح).
هناك مثلًا الشجيرة المروحية، الشبيهة بالكَرْم، وموطنها الأصلي جنوب آسيا لكن تشير المحاكاة إلى أنها يمكن أن تنتشر في غرب أفريقيا. حددت المحاكاة ٢٥٢٣ غزوًا ممكنًا، ومعظمها «سيكون له تأثيرات سلبية كبيرة، ومن غير المرجح الحيلولة دونها». في ثلث هذه الحالات المحتملة انتشرت الأنواع ثانويًّا من بلد أول لم يكن لديه القدرة ولا الحافز لمنع الغزاة من دخول أرضه (انظر الشكل رقم ٤-٥). المغزى من هذا النموذج للانتشار المتفشي للأنواع الغازية هو الإيعاز بأنه يجب بذل الجهود الوقائية بعيدًا عن المكان الذي قد يتأذى أكثر من العواقب النهائية.

متى تكون السيطرة أخلاقية؟ أي متى يكون من الجائز السيطرة — التي تعني عادةً القتل — على الثدييات غير الأصلية؟ على سبيل الخطوة الأولى، أقترح أن تكون الإجابات على الأسئلة الثلاثة التالية «نعم» لكي تكون السيطرة بالقتل قيد النظر: هل يعاني الطرف المعني من خسارة كبيرة بسبب الأنواع «الآفة»؟ هل سيقلل الإجراء المتخذ من تلك الخسارة بدرجة كبيرة؟ وهل الإجراء مُجدٍ من ناحية التكلفة؟

fig16
شكل ٤-٥: المناطق التي تحتوي على بلدان متجاورة حيث ينتشر النوع الغازي من البلد الأول الذي ليس له تأثير فيه، إلى بلدان الغزو اللاحقة حيث يكون له تأثير

لا بد أن تستند تدخلات الحفاظ على التنوع البيولوجي إلى أدلة علمية، غير أن سياستها تتجاوز العلم إلى القرارات، وهي ما نأمل أن تكون منطوية على حكمة. يجب أن تكون قرارات قتل الأنواع الغازية، وخاصةً الفقاريات، مستندة على الأقل إلى علم رفاهة الحيوان (وإن كان ليس بالضرورة أن يمليها)، لكنه من الصعب بوجه خاص اتخاذ القرارات بشأن مقدار الألم، وضرورته، كما أنها أراضٍ خصبة للنفاق، أو على الأقل التناقض. فمن بين اثنين من القوارض «الآفات» الصغيرة في بريطانيا، يرى الناس أن الزغبة السمينة أرق كثيرًا من جرذان السفن، وإن كانت أقل توطنًا منها بكثير (٢٠٠٠ سنة).

سواء كان تصور الجمهور متأثرًا بالعلم أو المشاعر، فإن له تداعيات بعيدة المدى على الأنواع غير الأصلية. في إيطاليا، على سبيل المثال، أُحبطت الفرصة للحيلولة دون انتشار السناجب الرمادية الغازية مبكرًا بسبب دعوى قضائية أقامها المحتجون المدافعون عن حقوق الحيوان القلقون من أن تهلك السناجب الصغيرة جوعًا إذا قُتلت أمهاتها؛ ونتيجة لذلك، صارت السناجب الرمادية منتشرة الآن في إيطاليا انتشارًا واسعًا حتى إن التخلص منها أصبح شبه مستحيل، بل إن حتى تقليل أعدادها سيكون بقتل الكثير جدًّا منها؛ لكن دراسة بتاريخ ٢٠٢٢، تقدم مانع حمل مناعي يُوضع في معجون البندق، قد توفر الحل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤