الاتجار في الأحياء البرية
لقد اشترى الناس وباعوا الطبيعة، أو «حولوها إلى سلعة»، من الأسماك إلى النباتات على مدى آلاف السنوات بطرق متعددة ومتنوعة. يتقايض الناس المال، أو البضائع، عندما يبيع الصياد قرن وحيد القرن أو يشتري صاحب الحيوانات الأليفة ببغاء حيًّا، أو حين يشتري جامع الفراشات فراشة ميتة أو يشتري البستاني زهرة أوركيد، أو حين يبيع مربي الأسود عظامها أو حتى الفرصة لقتل أسد، أو حين يبيع مربي الدببة عصارتها الصفراء، أو حين يبيع الصياد حيوان البنغول، سواء لجاره الفقير ليعد به يخنة، أو لشبكة للطب التقليدي ليجني ثروة. من ثم فإنه في مقال بعنوان «الاتجار بحياة الحيوانات»، لخص فريق من وحدة أبحاث الحفاظ على الحياة البرية في أوكسفورد انتشار الاتجار في الأحياء البرية. فذكر أن الأمر قد يكون شرعيًّا أو غير شرعي، على نطاق صغير أو كبير، وطنيًّا أو دوليًّا، استهلاكيًّا أو غير استهلاكي؛ وقد يكون له آثار، جيدة، أو سيئة، أو محايدة على الحفاظ على الحيوانات ورفاهتها، وفي النهاية قد يكون مستدامًا أو غير مستدام؛ كل هذه جوانب قد تكون متغيرة مع الزمن ومتقلبة حسب المكان.
يتوقف حساب ميزانيات الطبيعة المُسلَّعة على ما يتم تضمينه. في عام ١٩٩٧، ذاع في الأوساط العلمية تقدير روبرت كوستانزا لما توفره خدمات النظم البيئية للبشرية ﺑ ٣٣ تريليون دولار أمريكي سنويًّا. حتى السلع الأوضح للعيان من دورات الكربون والنيتروجين والماء تؤثر بوضوح في حساب الربح والخسارة: تأمل مثلًا اللحوم، والحيوانات الأليفة، والسياحة. في عام ٢٠٢١، ذكر كل من ديليس رو وتيان لي، الداعيَين بشدة لاستخدام الأحياء البرية استخدامًا مستدامًا، أن «التجارة في لحوم الحيوانات البرية تساوي ملايين الدولارات في الاقتصاد غير الرسمي للعديد من الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كما أنها نشاط اقتصادي مهم في العديد من الدول المتقدمة». في عام ٢٠١٨، قُدر أن ما يُوثق عالميًّا من الإنتاج العالمي من لحوم الحيوانات هو مليونا طن (وهو بلا شك غيض من الفيض غير الموثق). توفر لحوم الحيوانات البرية، باستثناء الأسماك، البروتين ﻟ ١٥٠ مليون أسرة ريفية في بلدان الجنوب، ويشاهد معالم الحياة البرية سنويًّا ما يزيد على ستة ملايين زبون يدفعون الأجر، ويُطلق بطريقة ما ٤٧ مليونًا من طائر التدرج سنويًّا في سوق الرماية في المملكة المتحدة. لم تُحسب قط جملة القيمة النقدية لهذه الأسواق القائمة على التنوع البيولوجي، لكنها على الأرجح كبيرة لدرجة أنه من الصعب استيعابها.
يتلخص الحد من الجوانب غير المرغوب فيها من تجارة الأحياء البرية إما في تقليل العرض أو تقليل الطلب غير المستدامَين. وقد يشمل تقليل العرض فرض قيود عقابية على الأشخاص الذين يتجاوزون القوانين بدافع الفقر لا الإجرام؛ وخذ مثالًا متطرفًا على ذلك وهو تطبيق سياسات مثيرة للجدل أخلاقيًّا بإطلاق النار على ممارسي الصيد غير المشروع لقتلهم. ومهما كانت القوانين مراعية أو صارمة في تنفيذها، سيتطلب تقليل الطلب تغيير السلوك على نطاق واسع في مواجهة الطلب اللامحدود تقريبًا.
لنقارن بين هدفين جديرين بالسعي لتحقيقهما، كلاهما يهدف إلى الحفاظ على الأحياء البرية: تقليل تلك الجوانب من التجارة في الطبيعة التي تضر (أو تبدو غير ملائمة أخلاقيًّا) بالحفاظ على التنوع البيولوجي ورعاية الحيوان؛ وزيادة جوانب أخرى من التجارة في الطبيعة؛ لأنها ببعض العملات (منها العملة النقدية) تعطي الطبيعة قيمة قد يتوقف عليها بقاؤها. إن تحديد الأنواع البرية التي يجوز التجارة فيها، إن أمكن، لهو أمر مثير للجدل إلى حد مؤلم: بينما يزعم المؤيدون أن تربية حيوانات وحيد القرن لأجل قرونها هي الطريقة الوحيدة لإنقاذها، يجادل المعارضون بأن إجازة التجارة في قرونها ستؤدي إلى هلاك حيوانات وحيد القرن البرية المتبقية منها. مهما كانت الإجابة، فإن المحصلة العامة للتجارة العالمية في الحيوانات البرية لا يزال ضررها أكثر من فائدتها للتنوع البيولوجي، والحفاظ عليه، ورعايته.
إن وجود جانب شرعي من تجارة الحيوانات البرية لا يضمن أنه مستدام، ولا يكفل بما فيه الكفاية رفاهة الحيوان (أو صحة الإنسان). بين عامَي ٢٠١٢ و٢٠١٦، سجلت اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض تصدير ما يزيد على مليونَي حيوان بري سنويًّا من ١٨٩ دولة، بما يمثل ١٣١٦ نوعًا، وهذا مجرد جزء صغير من التجارة الشرعية في الحيوانات البرية الحية، وهناك أرقام مماثلة تتداول قانونيًّا ميتةً (قُدرت لعام ٢٠١٤ ﺑ ٤٫٥ مليون «مما يعادل فقاريات كاملة»). إحصائيات الأسواق الفردية مدهشة — حيث أحصت ٢٥ زيارة لسوق في بانكوك أكثر من ٧٠ ألف طائر من ٢٧٦ نوعًا — وتصل إلى حد الاتجار في ربع أنواع الفقاريات البرية. حسب تحليل عام ٢٠٢١ ﻟ ٥٠٦ أنواع من الثدييات والطيور والزواحف المتداولة (أي مع إغفال الأسماك واللافقاريات والنباتات من الأشجار إلى الزهور)، أشارت التقديرات إلى تدهور ٦١ في المائة منها. من ناحية الحيوانات البرية الحية المتداولة بموجب اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض، كانت الصين هي أكبر مصدِّر للثدييات (٩٨٩٧٩ حيوانًا بما يُمثِّل ٥٩ في المائة من التجارة العالمية الشرعية في الثدييات)؛ وكانت نيكاراجوا أكبر مصدِّر للبرمائيات (١٢٢٥٩٢ حيوانًا، ٥٤ في المائة)؛ وكانت جنوب أفريقيا أكبر مصدِّر للطيور (٨٨٩٦٠٧ حيوانات، ٣٩ في المائة)؛ وكانت بيرو أكبر مصدِّر للزواحف (١٦٧٥٤٩٠ حيوانًا، ١٩ في المائة). كان أغلبها في طريقها إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. عواقب ذلك على الحفاظ على الأحياء البرية وسلامتها مجهولة: فرصد التجمعات السكانية الأصلية أو المنشأ (سواء كانت برية أو تربت في الأسر) ليس كافيًا. تثير التجارة الوطنية والدولية خطر نشر الأنواع الغازية والأمراض الحيوانية: تأمَّل مليارات الاتصالات بين الحيوانات المستأنسة، والناس، وعشرات الملايين من الحيوانات البرية التي تُشحن هنا وهناك في آسيا سنويًّا. ربما يتبين أن تعديل إدارة سلسلة التوريد وأدوات تتبع الأثر لهما فائدة في تقليل مخاطر الأمراض الحيوانية المصدر الناتجة عن سلاسل تجارة الحيوانات البرية.
الثغرات التشريعية
حتى السؤال الشديد البساطة — أي الأمور قانوني وأيها غير قانوني؟ — من الممكن أن يكون صعبًا. سلحفاة النجمة الهندية (جيوكلين إليجانس) هي حيوان أليف أجنبي شائع في تايلاند، لكنه ليس من القانوني امتلاكها أو الاتجار فيها في بلادها الأصلية الهند وسريلانكا وباكستان. بين عامَي ٢٠٠٨ و٢٠١٣، ضبطت السلطات التايلاندية ما يقرب من ٦٠٠٠ سلحفاة ولكنها لم تستطع التثبت مما إذا كانت قد تربت في الأسر على نحو قانوني أو أتت عن طريق تجارة غير قانونية. بالمثل، يمكن دمج الطيور البرية التي تُصطاد في التجارة العالمية عن طريق منشآت تربية في الأسر غير موجودة. تواجه اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض عوائق تتمثل في قائمة غير كاملة للأنواع، ومعرفة غير كافية بالأنواع أو منشآت التربية في الأَسر المدرجة، والامتثال غير الكافي بالمعايير والقواعد، والسجلات التي غالبًا ما تكون غير دقيقة، وغير كاملة، وغير متسقة.
هناك تعقيدات تنظيمية أخرى مصدرها التباسات التصنيف؛ فالخطأ في اسم النوع يجعل القانون بلا معنى. فقد كان بوسع المتاجرين في البايثون البورمي (بي بايفيتاتس) في الصين أن يتحايلوا على التشريعات الوطنية لأن البايثون الهندي وحده كان مذكورًا في قائمة الحيوانات الخاضعة للحماية الخاصة من الدولة. كذلك استطاعوا الإفلات من الملاحقة القانونية بموجب اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض لأن الاتفاقية تدرج (على نحو صحيح) البي بايفيتاتس ضمن الأنواع الأصلية في الصين، ومن ثَمَّ فالعينات المصادرة في الصين لا تشكل انتهاكًا للاتفاقية إلا إذا أمكن إثبات تهريبها عبر حدود الصين. يلجأ التجار المحتالون للتسمية الخاطئة لتحقيق غرض مماثل، مستخدمين كلمات رمزية أو تسميات مضللة. يبيع المتاجرون عبر الإنترنت الأعضاء التناسلية المجففة المزدوجة (نصفَي قضيب) لحيوانات الورل المحمية — المحظور قانونيًّا المتاجرة فيها — تحت اسم «هاثا جودي»، وهي جذور نبات في الهيمالايا يُزعم أن له قوى شافية يتشابه مع الأعضاء التناسلية للورل تشابهًا ملحوظًا.
مصادرات تفوق الطاقة
من المؤكد أن إحباط التهريب هو أمر طيب، لكن ما مصير المصادرات؟ في مقاطعة يونَّان، في الصين، ضُبط أكثر من ١٢ ألف من الزواحف الحية الأصلية بين عامَي ٢٠١٠ و٢٠١٥، وما عاد منها إلى البرية كان أقل من ٣٠ في المائة؛ أما الباقي فذهب إلى «محميات» أو صار طعامًا للحيوانات الأليفة. لنرَ حجم هذه المشكلة على المستوى العالمي. من ٢٠١٠ إلى ٢٠١٤، شملت المصادرات التي أُبلغت بها اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض (جزء بسيط من جميع المضبوطات) ٦٤١٤٣ حيوانًا حيًّا، من ٣٥٩ نوعًا، العديد منها مثار قلق لدى دعاة الحفاظ على التنوع البيولوجي. رغم أن المتوقع من السلطات أن تعامل الحيوانات المصادرة معاملة إنسانية، وأن تعلي من قيمة الحفاظ عليها دون تشجيع المزيد من التجارة غير الشرعية، فلتتخيل ظروف العديد من هذه الحالات التي «تُنقذ» من حيث رعايتها.
عواقب غير مقصودة
شابَ الفرحةَ بحظر التجارة الدولية في النمور في عام ١٩٨٧، ومنْع التربية التجارية في الأَسر لبيع أجزاء منها أو مشتقاتها في عام ٢٠٠٧، شيء من الكدر لدى البعض لأنه كان لا يزال هناك أكثر من ٥٠٠٠ نمر محتجز في ٢٠٠ منشأة صينية، وعلاوةً على ذلك، فقد تحول السوق إلى بديل مثير للمشكلات، وهو الأسود. زادت تصاريح اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض التي تمكِّن المربين في جنوب أفريقيا من تصدير الهياكل العظمية للأسود المرباة في الأسر إلى آسيا ١٠ أضعاف بين عامَي ٢٠٠٨ و٢٠١١، في ارتباط بالصيد «في الحبس» غير الأخلاقي للأسود المرباة في الأسر. أصبحت تجارة الهياكل العظمية للأسود موضوعًا مثيرًا للانقسام في مناقشات أوساط دعاة الحفاظ على البيئة، شاملًا قضايا حرية الأعمال التجارية، والحفاظ على الأحياء البرية، والمعاملة العادلة للحيوانات، مع تداعيات محتملة على الأسود البرية. الآن، يتجه الطلب الآسيوي على القطط الكبيرة غربًا، مؤثرًا في اليغورات التي تُقتل في النزاعات الريفية في بوليفيا. الدرس العام المستفاد من واقعة التحول من الأسود إلى النمور هو أن العولمة تزيد من فرص استبدال المنتج، مع مخاوف متشعبة بشأن الحفاظ على الأنواع المشابهة، وسلامة الحيوانات المرباة في الأَسر. بقدر ما قد تحل التربية في الأَسر بعض مشكلات التجارة غير المستدامة، فإن بعض الأنواع، مثل البنغول، يصعب تربيتها في الأسر، كما أن الظروف مروعة للبعض الآخر؛ مثال على ذلك الأقفاص الصغيرة المصنوعة من الأسلاك التي تُحبَس فيها حيوانات زُباد النخيل التي تتبرز حبوب القهوة للسياح. من الممكن لتشريع الإمداد بالحيوانات المرباة في الأسر أن يُعقِّد عملية تنظيم خطوط الإمداد غير القانونية ويُسهِّل التستر عليها، مما يثير نقاشًا يتوازى مع النقاش حول تشريع التجارة في العاج.
قابلية الإحلال هي سهولة استبدال شيء بشيء آخر. في عام ٢٠٠٨، كان ٧١ في المائة من مستهلكي المنتجات المستخرجة من النمور يفضلون أن تكون المكونات من النمور البرية، وفي عام ٢٠١١ أبدى المستهلكون الصينيون للعصارة الصفراء لدى الدببة استعدادًا أكبر لدفع المزيد مقابل المكونات الآتية من البرية بدلًا من الآتية من المزارع. بالطبع، من الممكن أن تتغير المواقف. اقتُرحَت خمسة معايير لتحديد متى يمكن أن تعود تربية الأحياء البرية بالفائدة على الحفاظ عليها (وإن لم يكن بالضرورة أن تعود بالفائدة على رعايتها): عندما يمكن أن توفر بديلًا حقيقيًّا للمنتج البري؛ وعندما تلبي الطلب ولا تسبب زيادة كبيرة في الطلب غير المستدام على المنتج البري؛ وعندما تكون أكثر كفاءة من حيث التكلفة من صيد/حصد الكائنات البرية؛ وإذا كانت لا تعتمد على الحيوانات البرية لإعادة التخزين؛ وإذا كان من المثبت أنها لا تبيح التستر على العمليات غير القانونية.
إعادة توجيه الطلب
كان أحد الآمال الرئيسية في تقليل الطلب على المنتجات البرية غير المستدامة معقودًا بالتعليم والتوعية العامة. يسترشد تسويق العديد من السلع الاستهلاكية بأبحاث متقدمة، لكن المبادرات لتقليل الطلب على منتجات الأحياء البرية كان ينقصها فهم دوافع العملاء. كشفت إحدى الدراسات عن أن الراغبين في حيازة حيوانات برية لتكون حيواناتهم الأليفة لم يكونوا مشغولين بشأن سلامة الأحياء البرية أو الحفاظ عليها، لكن رادعهم كان مخاطر مواجهة دعوى قضائية، أو في أغلب الحالات، أن يصابوا بمرض. في دراسة استقصائية أخرى، أعرب مستخدمو الطب الصيني التقليدي عن استعدادهم للتغيير إلى البدائل المصنوعة من المصادر العشبية المستدامة. ربما يكمن السبيل إلى تقليل التجارة غير المستدامة في الأدوية ذات الأصل الحيواني في إعادة توجيه الطلب نحو منتجات يحتمل أن تكون أقل ضررًا بدلًا من تقليل الطلب من خلال حملات إعلامية.
توجيه الاستهلاك المثير للمشكلات إلى استخدامات أقل ضررًا وأكثر استدامة للأحياء البرية يقدم الأمل في حل مفيد للطرفين: بأن تُلبى رغبة المستهلك وتدفع الحياة البرية الثمن مقابل حمايتها. السياحة البرية هي المورد الأساسي للنقد الأجنبي في عدة بلدان ولها حصة بالمليارات في قطاع السياحة العالمي المقدر بتريليون دولار. هناك مقارنات تبعث على التفكير بين فئتين عريضتين — ومتشابهتين عمليًّا في بعض الجوانب — من السياحة البرية، القائمة على التصوير والقائمة على الصيد. كلتاهما صناعة عالمية ضخمة. تدر سياحة الحياة البرية ١٢٠ مليار دولار أمريكي سنويًّا على مستوى العالم. تُدخِل الغوريلات الجبلية في رواندا ١٧ مليون دولار أمريكي سنويًّا من رسوم التصاريح وحدها؛ ويوفر متنزه إيسيمانجليسو في جنوب أفريقيا ٧٠٠٠ وظيفة دائمة و٣٠٠٠ وظيفة مؤقتة تعتمد على الطبيعة؛ في عام ٢٠١٦، وفرت الزيارات إلى شبكة المتنزهات في الولايات المتحدة ٣٤ مليون دولار أمريكي و٣١٨٠٠٠ وظيفة؛ وتجلب السياحة لمشاهدة اليغور في منطقة البانتانال ٦٫٨ ملايين دولار أمريكي سنويًّا (مقابل ١٢١٥٠٠ دولار أمريكي في خسائر الأسهم).
من أشكال سياحة التقاط الصور، التي تبرهن على جانبَي الفائدة والضرر المحتملَين، مناطق الجذب السياحي في الحياة البرية التي توفر فرصًا للتفاعل مع الحيوانات غير المستأنسة، سواء في الأسر أو في البرية. على الجانب السلبي، هناك ٢٤ نوعًا من مناطق الجذب السياحي في الحياة البرية على مستوى العالم، تتراوح من ركوب الفيلة إلى مداعبة الكوالا، ويقدر اختصاصي الحفاظ على الأحياء توم مورهاوس أنها تستضيف ٣٫٦ ملايين سائح سنويًّا، بما يؤثر سلبًا على سلامة ربع إلى نصف مليون حيوان، وهو مخالف لحالة الحفاظ على الأنواع في حالة ١٢٠ ألف إلى ٣٤٠ ألف حيوان. تضم العديد من مناطق الجذب السياحي في الحياة البرية حيوانات أُسرَت من البرية، ومن ثَمَّ ضاعت فرصة الحفاظ عليها تمامًا كما لو كانت قد أُكلت أو اصطيدت. على الجانب الإيجابي، هناك ستة أنواع من مناطق الجذب السياحي في الحياة البرية تؤثر على ١٥٠٠–١٣٠٠٠ حيوان، وكانت لها تأثيرات إيجابية صافية على حفظ الأنواع وسلامة كل واحد من هذه الحيوانات.
صيد الحيوانات بغرض أكلها أو للترفيه هو من بين أكبر وسائل الاستغلال التجاري للتنوع البيولوجي؛ هناك في الولايات المتحدة مليون صياد بط و١١ مليون صياد غزلان، وسبعة ملايين صياد في أوروبا. إنه أمر يلفت النظر لأوجه شَبه غير متوقعة، وغير مريحة أحيانًا، مثل أوجه الشبه بين صيد طائر التدرج في المملكة المتحدة وصيد الأسود في أفريقيا؛ كلاهما يشمل بدائل، ويمكن القول بأن كليهما يوفر تكاليف الحفاظ على الحياة البرية وفوائد مشتركة. يشترك هذان النوعان من الصيد الرياضي في سمات من المرجح أن تؤثر على مستقبل الصيد الرياضي على نطاق أوسع، منها درجة حفاظه على الأراضي من أجل الحياة البرية (إذ حفزت عمليات تنظيم طيور الصيد إنشاء العديد من الغابات المنخفضة والاحتفاظ بها ورعايتها)؛ وتأثيراته على جهود التكثيف (مثال: درجة تربية حيوانات الصيد وإطلاقها)؛ والقلق بشأن سلامة حيوانات الصيد. لما كنت، في مرحلة مبكرة من حياتي المهنية، منجذبًا إلى احتدام الجدل في بريطانيا بشأن صيد الثعالب، فقد استغرقت في مأزق أخلاقي مماثل لصيد الأسود حين اصطيد بالقوس أسدٌ كنا نتتبعه بنظام تحديد المواقع، كان يُدعى سيسل. زار أكثر من ٤ ملايين شخص موقعنا على الإنترنت في الليلة التي انتشرت فيها القصة، وفي الأسابيع التالية احتدم الجدل في أكثر من ١٢٠٠٠ مقالة في وسائل الإعلام المطبوعة ﺑ ١٢٥ لغة. يمكن القول بأن هذه كانت أكثر القصص التي تواردها الناس فيما يتعلق بالحفاظ على التنوع البيولوجي في التاريخ وقد دفعتني لأتساءل: هل يمكن أن تصبح لحظة الاهتمام بسيسل حركة من أجل سيسل؟ وأتساءل ما إذا كانت الأجيال المستقبلية قد تعتبر الحجج النفعية للحفاظ على التنوع البيولوجي المستخدمة بحسن نية دفاعًا عن هواية صيد الحيوانات مشابهة لتلك التي استُخدمت يومًا ما لعمالة الأطفال. كما خلصنا في تحليلنا:
ربما يكشف لنا الانشغال الشديد بسيسل من ملايين من الأشخاص الذين تابعوا القصة عن قيمة شخصية، ومن ثَمَّ قد تكون سياسية، ليس لسيسل فحسب، ولا للأسود فحسب، ولكن للحياة البرية، وللحفاظ على التنوع، وللبيئة. إذا كان الأمر كذلك، فهذه لحظة لا ينبغي لأولئك المهتمين بكيفية عيش الأحياء البرية جنبًا إلى جنب مع النشاط البشري أن يهدروها، وربما تؤذن بتحول كبير في تفاعل المجتمع مع الطبيعة.
مما لا شك فيه أن ردود الفعل على موت سيسل (الذي لم يكن حدثًا غير عادي بحد ذاته) هائلة؛ إذ توقفت ٤٠ شركة طيران عن نقل تذكارات الصيد من جثث الحيوانات. أثار الحادث جدلًا، أججته ثغرات معرفية مثل المتعلقة بأسباب وفاة الأسود، وحجم الأراضي المستخدمة للصيد الرياضي للأسود، ومدى اعتماد هواية الصيد الرياضي على الأسود من أجل استدامتها المالية، وقابلية أن تتحول المناطق المستخدمة للصيد إلى أراضٍ غير مستخدمة للحياة البرية إذا توقفت هواية الصيد الرياضي؛ وكذلك أججتها معضلات أخلاقية، مما أفضى إلى أول تحليل رسمي لإيجابيات الصيد الرياضي وسلبياته. استكشف التحليل افتراضات متنوعة — منها على سبيل المثال، أنه نظرًا إلى أن الأسود لها قيمة جوهرية، فإنه لا ينبغي قتلها دون سبب وجيه — وهو ما كشف عن موضوع ذي تعقيد أكاديمي، كان قد أُغفِل تمامًا تقريبًا في ضجيج الجدل الاستقطابي بين طرفين الذي أعقبه، مما ينم عن الكثير. باختصار، يقر الموقف المرتبط بالنفعية بأن الصيد الرياضي للحيوانات المنظم تنظيمًا صحيحًا، سواء رضينا أم لم نرضَ، هو جزء من حفظ الحياة البرية الأفريقية حاليًّا، حيث تفوق مكاسب التنوع البيولوجي خسائر فقدان الأفراد للحصول على تذكارات. لا يشكل صيد القطط الكبيرة إلا نسبة بسيطة فقط من صيد الحيوانات، وهو يشكل جزءًا ضئيلًا من عمليات الصيد على مستوى العالم، من ناحية الأعداد والموارد المالية، وإن كان جزءًا بغيضًا بالنسبة إليَّ. عندما سئلتُ في تقرير للحكومة البريطانية عما إذا كنت أفضل حظر صيد الأسود (سؤال مبسط للغاية)، مع مراعاة ما سيترتب على الاندفاع من عواقب غير مقصودة، أجبت بأنني أفضل التأني على التسرع. فمكمن الخوف أن أولئك الذين يفضلون حظر الصيد من أجل التذكارات على الفور، متسرعون في اتخاذ موقف أخلاقي متعالٍ، ربما يجدون أن الحياة البرية الأفريقية قد تكون بالأحرى أعقد مما يرون من ذلك الموقف المتعالي.
التنفيذ
إن أسواق التجارة في الأحياء البرية قابلة للتنظيم ما دام من اليسير فرض السيطرة على المراكز. لنتأمل الحظر الذي فرضته اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي الوطني في ٢٤ فبراير ٢٠٢٠، والذي أيده الرئيس شي جين بينج. أدى هذا إلى إغلاق شبه فوري ﻟ ١٢٠٠٠ نشاط تجاري متعلق بالحياة البرية وحذف ما يقرب من مليون مصدر معلومات على الإنترنت مرتبط بتجارة الحياة البرية (والأهم، توزيع حوالي مليار دولار أمريكي لتعويض مربي الأحياء البرية الذين توقفت تجارتهم). كان هذا الحدث من الجوانب المضيئة البارزة لجائحة كوفيد. واتخذت السلطات الصينية إجراءات صارمة مع ما يقرب من ١٢٠٠٠ جريمة متعلقة بالحياة البرية من خلال عملية إنفاذ للقانون، قامت بها عدة إدارات، «مبادرة تشينجفنج ٢٠٢٢»، التي استغرقت ثلاثة أشهر واستهدفت التجارة البرية غير القانونية في مراحل مختلفة، بما في ذلك الحصاد، والشراء، والنقل، والاستيراد/التصدير، وأسفرت عن أكثر من ١٠٠ مليون يوان (نحو ١٤٫٨ مليون دولار أمريكي) من الغرامات. فمتى صدق العزم، وضح السبيل.
من ناحية أخرى — ودائمًا ما ينطوي واقع الحفاظ على الحياة البرية على ناحية أخرى — في عام ٢٠٢١، قُدرت قيمة تربية الأحياء البرية في الصين ﺑ ٨ مليارات دولار أمريكي سنويًّا، وهي تساهم في التخفيف من وطأة الفقر. وهذا يقنع بعض المدافعين عن الاستخدام المستدام بتفضيل تحسين الأمن البيولوجي بدلًا من حظر أسواق لحوم الحيوانات البرية. إنهم يخشون سلسلة من التداعيات غير المقصودة إذا تحول مستهلكو لحوم الحيوانات البرية إلى لحوم الحيوانات المستأنسة، وهي في حد ذاتها مصدر متزايد للأمراض المعدية، مع ما سينتجه ذلك من زيادة خسارة الموائل، ومن ثَمَّ انقراض الأنواع، في السعي لإطعام الماشية المستأنسة. وسريعًا ما سيؤدي بك التفكير في فوائد تنظيم مزارع جرذان الخيزران إلى مناقشة النظام الغذائي النباتي في العالم.
تعني الحداثة العيش من خلال الإنترنت، وهكذا تجري الآن، على سبيل المثال، أغلب عمليات التجارة في قرون ظبي السايجا. يستخدم التجار الشرعيون وغير الشرعيين على حد سواء الأسواق الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بكفاءة للحصول على الأحياء البرية ولتوسيع قاعدة المستهلكين، مع عقد العديد من الصفقات مباشرةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، في عام ٢٠١٦، كانت نسبة ٢٢–٤٦ في المائة من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي العالمية التي تداولت الأوركيد، خاصة بنباتات جُمعت من البرية. تطرح تجارة الأحياء البرية عبر الإنترنت تحديات جديدة: شبكات اجتماعية مغلقة، ومعاملات مالية لأطراف ثالثة يصعب تتبعها، واستخدام متزايد للعملات المشفرة؛ ولكنها تأتي أيضًا برؤى جديدة لأنشطة الناس، واهتماماتها، والأسواق الناشئة. حاليًّا، لا تقوم شركات منصات الاستضافة بمراقبة أو تنظيم أنشطة تجارة الأحياء البرية عبر الإنترنت ولا توجد مؤسسات تنظيمية «للرقابة»؛ فعمومًا تتولى المنظمات غير الحكومية المراقبة.
الاستخدام الاستخلاصي المستدام للموارد الطبيعية أصبح غير واقعي
أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة ومبادئها الأساسية، وخصوصًا التخفيف من الفقر، والاهتمام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، والحفاظ على الطبيعة واستخدامها على نحو صحيح ومستدام، هي أهداف ومبادئ نبيلة على الدوام. لكن في الواقع الحالي الذي يستخدم فيه البشر المنتجات الطبيعية في صورة سلع، يتفاقم فقدان الغابات، وتتراجع أعداد الحيوانات الموجودة على قمة الهرم الغذائي ويتراجع تنوعها الجيني تراجعًا حادًّا، وتخترق الطرق كل المناطق البرية، وترتفع أعداد المستخدمين من البشر أضعافًا مضاعفة، إذ يستخدمون تكنولوجيا متنامية القوة والكفاءة، مؤثرين على موارد الحياة البرية المتقلصة باطراد كبير، مع تعرضها لعدد متزايد من الضغوط المتفاقمة. لا تقضي هذه الاتجاهات على مبدأ الاستخدام المستدام، لكنها تثير مخاوف تقلص عدد السياقات (الأنواع، والأماكن، وأشكال الاستغلال) حيث الموارد سليمة ومتجددة بما يكفي لجعل استخراجها بشكل مستدام خيارًا واقعيًّا.
مع أن المفهوم الريفي لطهي الأرانب جذاب ومثير، فإن «لحوم الحيوانات البرية» توضح لنا مقياس عدم الاستدامة؛ فقد استُخلِص من منطقة واحدة في غرب أفريقيا (٣٥٠٠٠ كيلومتر مربع من غابات ساناجا-كروس في نيجيريا والكاميرون) حوالي ٨٠٠ كيلوجرام من لحوم الحيوانات البرية لكل كيلومتر مربع سنويًّا؛ وهو ما يوازي مليونًا من الزواحف والطيور والثدييات المبيعة. وفي جميع أنحاء المناطق المدارية، يُستخلَص حوالي ٦ ملايين طن من الحيوانات (معظمها من ذوات الحوافر والقوارض) كل عام. إن الاستخلاص بهذا المقياس هو استخلاص غير مستدام، خاصة للأنواع ذات الأجسام الكبيرة والبطيئة التكاثر.
رؤية الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية باستخلاصها معرضة لأن تصبح سرابًا. فقد ارتفعت أعداد السكان البشر ومعدلات الاستخدام بسرعة كبيرة، وتقلص عدد الأنواع والموائل التي يمكن أن يكون الاستهلاك فيها مستدامًا على نطاق واسع بسرعة شديدة، حتى إن المفهوم بات يقينًا بحاجة إلى إعادة تقييم. ومن المثير للجدل إلى حد مدهش أن ندعي أنه على التجار أن يثبتوا أن استخدام الأحياء البرية (وشهادة اتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض على سبيل المثال) مستدام، وليس على المحافظين على التنوع البيولوجي أن يثبتوا العكس.
فيمَ نتاجر؟
يحتدم الجدل حول أي الأنواع البرية يجوز تداولها؛ وتنقسم وجهات النظر لفئتَين عريضتَين: جعل التجارة غير قانونية أو إجازة بعض أشكال التجارة أو كلها مع السعي لإدارتها على نحو مستدام. توصل فريق بقيادة ليز بينيت، وهي محارِبة مُحنَّكة حكيمة في هذه المعركة، إلى الاستنتاج المتوقع بأن الإجابة لا بد أن تكون حسب كل حالة على حدة، على أن يُوضع في الاعتبار الخصائص الخاصة بالأنواع من حيث الإنتاجية البيولوجية، وسياق الإدارة، والطلب. نظرت دراسةٌ أُجريت عام ٢٠٢١ في أمثلة تراوحت ما بين جمع الفطر في المكسيك إلى تربية الأحياء البرية في جنوب أفريقيا، لتقيم كيف تساهم تجارة الحياة البرية في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؛ وخلصت إلى أن تطبيق الحظر بدون تفكير كافٍ قد يهدد بعض أهداف التنمية المستدامة، مع إحراز فوائد ضئيلة (للصحة العامة مثلًا، من حيث منع وباء في المستقبل).
في الفصل الثالث، تأملتُ مليًّا في مدى صعوبة الإجابة عن سؤال: ما هو الحفاظ على التنوع البيولوجي؟ لكن يقدم لنا الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة تعريفًا، في سياق التجارة:
الحفاظ على التنوع البيولوجي هو إدارة استخدام البشر للغلاف الحيوي بحيث يمكنه تقديم أكبر فائدة مستدامة للأجيال الحالية مع الحفاظ على قدرته على تلبية احتياجات وتطلعات الأجيال المستقبلية. من ثم فإن الحفاظ على التنوع البيولوجي هو السعي الإيجابي للحفاظ على البيئة الطبيعية، وصيانتها، واستخدامها استخدامًا مستدامًا، وترميمها، وتعزيزها.
حتى على خلفية هذا التعريف المتمحور حول الإنسان بجلاء، فإن جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي قاصرة. على الرغم من التطبيقات الممتازة لنموذج الاستدامة، على غرار مصايد الأسماك المعتمدة من مجلس رعاية البيئة البحرية وجمعية المشاريع الزرقاء، فإن معدلات استخدام الحياة البرية عالميًّا غير مستدامة. إذا كانت التجارة المستدامة في الأحياء البرية تمثل استخدامًا صحيحًا للحياة البرية، فلا بد أن تتغير — وعلى نحو عاجل — لتناسب الناس والأحياء البرية على حدٍّ سواء. وسط مطالب محمومة إلى حد الإفراط، وإن كانت مفهومة، لحظر كل أشكال تجارة الأحياء البرية، بدأ كتَّاب متروُّون يعبرون عن توخي الحيطة، واضعين في اعتبارهم تعقيد الروابط بين هذه التجارة، الشرعي منها وغير الشرعي، ورفاهة البشر، ومحذرين من العواقب غير المقصودة على بعض أكثر الشعوب ضعفًا في العالم. من المستبعد أن يناسب حل واحد الجميع. لا بد من شجاعة سياسية وفهم عميق للإيجابيات والسلبيات من أجل تعزيز تنظيم تجارة الأحياء البرية والإمدادات الغذائية، بالإضافة إلى إدراك أن استخدام المجتمعات حول العالم للحيوانات قد يحتاج إلى التطور بما يتماشى مع التوقعات المجتمعية المتسقة مع فهم جديد للمخاطر والقيود في عالم ما بعد كوفيد-١٩. وهذا يأخذنا إلى العلاقة بين الحفاظ على التنوع البيولوجي ومخاطر الأمراض المعدية.