الصراع بين الإنسان والحياة البرية
تروي الأسطورة أن المعلم الروحي رينبوتشي قد طار على ظهر نمرة في عام ٧٥٠ ميلاديًّا لينقل البوذية التانترية إلى بوتان. من ثم فإنه لاحقًا عام ١٩٩٣، عندما ضمت حديقة جيجمي سينجي وانجشوك الوطنية ٥٠٠٠ راعٍ داخلها، كانوا ميالين للغاية نحو النمور الموجودة فيها. لكن سعادتهم — تذكَّر أن المقياس في بوتان هو إجمالي السعادة المحلية — أخذت تتلاشى عندما حظر قانون حماية الغابات والطبيعة قتل الأحياء البرية وحدَّ من استخدامهم لهذه الغابة. كشفت كاميرات الرصد أن الحديقة الجديدة تحتوي على ثمانية نمور وبحلول عام ٢٠١٩ كتب عالم الحفاظ على التنوع البيولوجي أوجين بينجور أن بوتان هي الملاذ الأنسب لعيش النمور. رغم أن العالم قد يسر بذلك، فإن العشرين في المائة من المزارعين الذين أفادوا بأن الحيوانات المفترسة قتلت مواشيهم، والذين خسروا بالتبعية ٨٤ في المائة من دخلهم السنوي، كان سرورهم أقل. في الواقع، كان ٤٤ في المائة من براز النمور و٧٣ في المائة من براز الفهود يحتوي على بقايا مواشٍ، وأكثر من نصف القرويين ألقوا بلائمة متاعبهم على الحديقة. بيد أن المزارعين لم يكونوا غير ملومين؛ فقد كانت إدارتهم للماشية رديئة وقد أغفل ٦٠ في المائة منهم بناء حظائر ليلية مناسبة. هذا يوضح الصراع بين الإنسان والحياة البرية، لكن التعرف على الصراع أسهل من تعريفه، وهو ما يشبه إلى حد ما حكمًا شهيرًا للمحكمة العليا الأمريكية بشأن الفُحش: «أعرفه عندما أراه». ومع ذلك، تقترح المجموعة المتخصصة في التعايش والصراع بين الإنسان والحياة البرية التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة:
الصراعات بين الإنسان والحياة البرية هي نزاعات تنشأ عندما يُشكِّل وجود الحياة البرية أو سلوكها تهديدات فعلية أو متصورة، مباشرة ومتكررة لمصالح البشر أو احتياجاتهم، مما يؤدي إلى خلافات بين مجموعات الناس وآثار سلبية على الناس و/أو الحياة البرية.
لذا، حيثما يلتقي الناس بالطبيعة، خاصةً الكائنات الشرسة، حتى إذا كان لها أثرة ثقافية لديهم، فغالبًا ما ينشأ صراع.
في عام ١٧٨٥، دمر الشاعر الاسكتلندي روبرت برنز، أثناء حراثته حقله، عشَّ واحد من فئران الحراج. وقد خاطب الفأر المطرود بالكلمات الشهيرة قائلًا: «أيها الحيوان الصغير، الأملس الشعر، المرتعد، الخائف»، في قصيدة يتأسى فيها، بتعاطف لا مثيل له، على ذلك الصراع. غالبًا ما يُصاغ الصراع بين الإنسان والحياة البرية في صورة أشد الحيوانات البرية الكبيرة جاذبية وهي تعيش جنبًا إلى جنب مع أفقر الشعوب، لكن حتى فأر الحراج المعاصر على وعي بصراع أجداده مع الزراعة (الذي تفاقم الآن بسبب المبيدات الكيماوية). يصف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الصراع بين الإنسان والحياة البرية — التهديد المتصاعد للعديد من الأنواع — بأنه «واحد من أعقد التحديات وأكثرها إلحاحًا لحفظ الحياة البرية في أنحاء العالم»، في حين يذكر الصندوق العالمي للحياة البرية أن الصراع بين الإنسان والحياة البرية يشكل «… أيضًا تهديدًا كبيرًا للسكان المحليين من البشر [و]إذا لم تتوفر حلول مناسبة للصراعات، فسوف يتراجع أيضًا الدعم المحلي للحفاظ على البيئة». إن الصراع بين الإنسان والحياة البرية من مجالات الحفاظ على التنوع البيولوجي، حيث شهد زيادة متسارعة بلغت ٢١٩٧ منشورًا عن الصراع بين الإنسان والحياة البرية في ٣٢٠ مجلة من ١٢٨ دولة بين عامَي ٢٠٠٣ و٢٠٢١.
ركزت هذه المنشورات على ثلاثة جوانب من الصراع بين الإنسان والحياة البرية: الصراع بين البشر والحيوانات اللاحمة، وبين البشر والحيوانات العاشبة، وحماية البعد الإنساني. على مدى العقد الماضي، انتقل التركيز من الصراع نفسه إلى التعايش بين البشر والحياة البرية.
الصراع بين الإنسان والحياة البرية متباين بطرق تكاد تكون لانهائية؛ فبعض الناس يتحملون الخسائر من الحياة البرية رغم العيش في الفقر، بينما يتكبد آخرون خسائر اقتصادية ضئيلة لكنهم لا يتحملونها بأي حال من الأحوال. هذا التعقيد المبهم يزداد التباسًا لأنه نادرًا ما تتناسب العواطف تناسبًا واضحًا مع شدة الضرر. تكشف العلوم الاجتماعية أنه ليس مرتبطًا ارتباطًا كبيرًا لا مع مستويات التعليم أو الدخل، أو ملكية الأراضي، أو الأنواع المعنية، أو الخسائر الشخصية بسبب الحياة البرية، أو أي خاصية واضحة أخرى. توضح الأبحاث عن الذئاب أن تقبُّل الحياة البرية قد تشكِّله بنًى متقلبة مثل التوجهات، والقيم، والمعتقدات، والمعايير الاجتماعية، والثقافة، والسياقات الاجتماعية السياسية، والإعلام. تستخلص خبيرة الصراع بين الإنسان والحياة البرية، ألكسندرا زيمرمان، أن غياب الدوافع العامة يفسر عدم انتقال الحلول المطبقة في موقف إلى المواقف الأخرى بسهولة (وقد تزيد الطين بلة). هناك حاجة ماسة إلى نُهُج مفاهيمية جديدة لفهم الصراع بين الإنسان والحياة البرية وتناوله، وهو بالضبط ما سعى فريق جون فيوسيتيتش لتقديمه ضمن الإطار غير المتمحور حول الإنسان الذي تعرضنا له بالتفصيل في الفصل الثالث.
الحلول الموجهة للأعراض دون المسببات (التي غالبًا ما تكون اجتماعية سياسية) قد تكون سطحية ومؤقتة وذات نتائج عكسية. تستند نماذج الشدة والاستعصاء، ومناهج الحل المختلفة إلى المبدأ النظري القائل بوجود مستويات مختلفة للصراع ووجوب تناول كل منها بما يناسب سياقه ومصدره. يطرح كل من فرانسين مادن وبراين ماكوين تصنيفًا من ثلاثة مستويات للاختلافات العميقة الكامنة خلف الصراع لتحديد المنهج والموارد اللازمة لتقديم الحل.
ثلاثة مستويات للصراع بشأن الحياة البرية
قد تبدو أعراض المستوى الأول — مستوى النزاع — كنزاع على الموارد أو الأمان. وهو ما قد يتعلق بإفساد الأحياء البرية للمحاصيل أو الماشية أو المصايد أو الطرائد أو الأملاك أو المرافق. ولنتذكر هنا بوتان، وقتل النمور للبقر. تبدأ جميع الصراعات بين الإنسان والحياة البرية عند المستوى الأول، وعادةً ما يشملها التسامح والتقدير للأنواع المثيرة للمشكلات، حيث تكون المجتمعات المتضررة محايدة أو ودية تجاه الأطراف الثالثة. وبإمكان الحلول العملية أن تسوي المسألة. قد تكون هذه الحلول عبارة عن حواجز، أو مواد طاردة، أو تدريب سلوكي، أو حراسة، أو تدخلات مادية أخرى. فلنتأمل افتراس الأسود للأبقار من ١٤ قرية مجاورة لمتنزه هوانج الوطني في زيمبابوي: تبين من تتبع الأبقار والأسود عبر نظام تحديد المواقع أن القرويين، خلال موسم الزراعة، اعتزموا منع أبقارهم من أكل محاصيلهم المزروعة حديثًا برعي الماشية في غابات بعيدة عن القرى لكن بالقرب من المتنزه والأسود، بينما خلال الأشهر الجافة كانت الأبقار ترعى بالقرب من القرى حيث كانت بعيدة نسبيًّا عن الأسود. كان الحل لتخفيف مخاطر موسم الزراعة يتضمن الرعي الجماعي، وتكثيف الحراسة، وتجنب الغابات الكثيفة.
ينشأ المستوى الثاني — الصراعات الكامنة — حيثما تحدث المشكلات الواضحة للمستوى الأول على خلفية متأثرة من حلول سابقة غير مُرضية. يتشوه الإدراك بفعل الغضب والخسارة، مع تصاعد الاستياء تجاه الأنواع والمتدخلين من فاعلي الخير. تؤدي الخيبات المتراكمة أو حالات سوء التفاهم إلى ظهور عقلية الفريقين المتعارضين. لكن لدينا عِبَر في النهج الشامل لتجنب هذا التصعيد في مشروعين من مشاريع التعايش التابعة لوحدة أبحاث الحفاظ على الحياة البرية: برنامج الحيوانات المفترسة عبر كالاهاري في زيمبابوي، ومشروع رواها للحفاظ على التنوع في تنزانيا، وكلاهما مكرس للتخفيف من الصراع بين الإنسان والحيوانات اللاحمة (خاصةً الأسود) في القرى المجاورة لمتنزهَي هوانج ورواها الوطنيَّين، على الترتيب.
بين عامَي ٢٠٠٨ و٢٠٢١، خسرت القرى الزيمبابوية أكثر من ٢٥٠٠ رأس ماشية بسبب الأسود، بتكلفة سنوية بلغت ٤٩٠٠٠ دولار أمريكي، مما أثر تأثيرًا مباشرًا على ١٤ في المائة من الأسر سنويًّا. علاوة على ذلك، قتل أسد واحدًا من الأطفال. على مدار ١٣ عامًا، قُتلَ ٦٩ أسدًا بسبب الصراع، حيث قُتل معظمهم في أراضٍ مشاع ونسبة أقل في أراضٍ مخصصة للصيد. ونتيجة لذلك، كان حجم قطعان الأسود في قلب المتنزه الوطني ضعف حجم تلك الموجودة على الحافة حيث ترتب على الاضطراب أنه لم يبقَ سليمًا منها طوال سنتين إلا ٤٢ في المائة فقط وعاش ٤٨ في المائة فقط من أشبالها حتى عمر سنة واحدة. كان الحل الشامل أن استعان برنامج الحيوانات المفترسة عبر كالاهاري بحراس المجتمع أصحاب الدروع الطويلة، وهم أفراد أوصى بهم القادة التقليديون المحليون، لمكانتهم الطيبة في المجتمع وخبرتهم مع الحيوانات المفترسة. بعد أكثر من ١٢٠٠ رسالة نصية عبر الهاتف المحمول تحذر المزارعين من اقتراب الأسود، و٧٥ مطاردة من أصحاب الدروع الطويلة للأسود بضجيج صاخب من الأبواق، أظهرت أبحاث المدير المحلي لافمور سيباندا أن البرنامج اكتسب دعمًا محليًّا، وبنى العلاقات، ونهض بأسباب التعايش. كان لمطاردة الأسود وإبعادها عن الماشية تأثير فوري، والذكور الذين طردوا ابتعدوا لاحقًا عن القرى. كانت المطاردة أقل نجاحًا في منع الأسود من معاودة الاعتداء كلما بعدت الأماكن عن حدود المتنزه، وكلما زاد عدد الأسود المشاركة، وكلما كان ائتلاف قطعانها أقل استقرارًا، وفي المواسم الأكثر رطوبة. كانت أدنى نسبة لمعاودة الاعتداء بين الأسود التي تعرضت للعقاب في ٤٠ في المائة أو أكثر من المرات التي اعتدت فيها. كانت الأسود المتكررة الاعتداء هي الأصعب في الإصلاح: فالأسود التي قتلت أكثر من ٢٠ بقرة تكاد تكون مستعصية على الإصلاح، وأسوءُها قتل ٥٦. من بين ثلاثة أسود هُذبت، طُورد اثنان بعد ارتكابهما المخالفة الأولى.
بالتوازي مع برنامج الحيوانات المفترسة عبر كالاهاري، قلل مشروع رواها للحفاظ على التنوع من افتراس الماشية بنسبة ٦٠ في المائة ومن قتل الحيوانات المفترسة ثأرًا منها بنسبة ٨٠ في المائة. يبني هذا المشروع هو الآخر حظائر ليلية (ليحمي ما يقدر بمليونَي دولار من الماشية مقابل أقل من ٥٠٠٠٠ دولار)، ويحذر المجتمع من اقتراب الأسود الحاملة لجهاز تحديد المواقع، ويستورد كلاب حراسة الماشية. وقد أدخل مشروع رواها للحفاظ على التنوع مجموعة من الفوائد على المجتمع: التوأمة بين ١٥ مدرسة ابتدائية محلية ومدارس في المملكة المتحدة والولايات المتحدة (تجمع كل منها ٣٠٠ جنيه إسترليني في السنة للكتب والأقلام والمكاتب)، وتقديم الدعم المالي لأكثر من ٤٠ طالبًا في منحة سيمبا في المدرسة الثانوية، وتقديم ٨٠٠ وجبة إفطار يومية في المدارس (وتغضب الأمهات عندما تتوقف بسبب إخلال أعضاء في المجتمع بقواعد التعايش مع الحياة البرية)، وتجهيز عيادة. أبرز ما ابتكره المشروع هو المكافأة على التعايش (مبدأ المدفوعات المسددة مقابل الخدمات البيئية، الموضحة في الفصل التاسع)، حيث يُعطى المزارعون الذين يبنون حظائر محصنة من الحيوانات المفترسة منحًا للأدوية البيطرية، وهو مفهوم مألوف للمزارعين الإنجليز الذين كانوا، قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يتلقون ٤٢٧ مليون جنيه إسترليني في السنة من المدفوعات بموجب الخطط الزراعية البيئية. بينما قد يحصل المزارعون الإنجليز على مدفوعات مقابل زيادة أعداد طيور القبرة، يُعطى الرعاة في رواها كاميرات رصد ويُمنحون نقاطًا على الأحياء البرية التي يثبتون وجودها في منطقتهم. هكذا يكافَأ المحارب الشاب على تصوير الأسود بعد أن كان سابقًا يفوز بالتقدير والمكافآت على طعنها: مقابل صورة لظبي صغير تحصل على ١٠٠٠ نقطة، وبابون ١٥٠٠ نقطة، وضبع مرقط ١٠٠٠٠، وأسد ١٥٠٠٠. لكن هل يكون هذا على أراضيهم؟ في الواقع نعم، ما دام الكلب البري يساوي ٢٠٠٠٠ نقطة، وبإمكان قطيع منه أن يحقق جائزة كبيرة قدرها ٣٤٠ ألف نقطة، لتتحول الحصيلة الشهرية من النقاط إلى دولارات أمريكية. تنتج الحياة البرية فرص عمل، وتثمر النقاط فوائد صحية وتعليمية وبيطرية، أكثر من أي مبادرة محلية أخرى.
يتصاعد الصراع بين الإنسان والحياة البرية إلى المستوى الثالث، وهو الصراع القائم على الهوية، متى توازت القضايا الكامنة مع صراعات اجتماعية سياسية موجودة مسبقًا، بحيث ترى الأطراف المعنية الصراع بين الإنسان والحياة البرية (وأولئك الذين يحاولون حله) تهديدًا لقيمهم أو هويتهم الجماعية. وينتج عن ذلك مأزق صعب تنفيذيًّا ويشكل تحديًا أخلاقيًّا. ليس من المستغرب بقدر ما هو مروع أنه بينما كنت أكتب هذا الفصل، ذكر عنوان في صحيفة «الجارديان» «إطلاق النار على ذئاب في النرويج بعد رفض المحكمة وقف التنفيذ». إن الذئاب موضوع لصراعات بين البشر والحياة البرية لا يمكن حلها في أجزاء من أوروبا وفي أمريكا الشمالية، والسبب قصة «ذات الرداء الأحمر». الحقيقة الفظة هي أن بعض الناس يكرهون الذئاب والبعض الآخر لا يكرهها. يشتبه المزارعون النرويجيون والفرنسيون في أن حكوماتهم تعيد توطين الذئاب سرًّا، أما في سلوفاكيا فإن الكراهية العميقة للذئاب متأججة رغم أضرارها التي لا تُذكر على الأغنام، حيث انخفض افتراسها بنسبة ٧٠ في المائة بفضل كلاب حراسة الأغنام السلوفاكية. في المستوى الثالث، يكون التعويض المالي غير كافٍ، حيث يصبح «الحيوان المشكلة» رمزًا لصراع سياسي واقتصادي وثقافي، وهو درس ذو صلة أيضًا بإعادة توطين حيوانات مفترسة مثل الوشق في بريطانيا.
تشخيص مستويات الصراع
تحذر نظرية حل الصراع، التي تطورت من العلاقات الدولية وحفظ السلام، من التعارض بين مستويات المشكلة والحل. هذا التعارض ينذر بتوسيع الشقاق بين الأشخاص المتأثرين بالمشكلة والذين يسعون لحلها. النصيحة العامة لأولئك المتطوعين للدفاع عن الحياة البرية هي أن يحرصوا على «عدم إيقاع الضرر» أثناء التفاوض بشأن المأزق التنفيذي والأخلاقي: أن يتلافوا عدم التوافق، وأن يتوخوا الحذر. الخطوة الأولى هي فهم قيم الأطراف المعنية ومعتقداتها، من خلال الاستطلاعات، والملاحظة بالمشاركة، ومجموعات النقاش، والعديد من التقنيات المستمرة التطور المستمدة من العلوم الاجتماعية. يوجه إطار زيمرمان للصراع لعام ٢٠٢٠ الممارسين لطرح الأسئلة المناسبة متطرقين إلى خمس فئات: (أ) التصور بشأن الأنواع الملومة في الصراع، (ب) وأسئلة حول الوضع الظاهر نفسه، (ج) وأسئلة حول تاريخ محاولات معالجة الصراع، (د) ومدى الرغبة في إيجاد حلول، (ﻫ) والآراء حول الآخرين المشاركين في الأمر أو الذين يحاولون المساعدة فيه.
من ناحية التشخيص، في المستوى الأول، قد يتوقع المرء بعض التعاطف مع الأحياء البرية المتداخلة في الصراع، مع تركيز الاهتمام على التأثيرات أو الخسائر الملموسة، وتصور أن محاولة حل الصراع كانت مفيدة. تتغذى حيوانات المدرع العملاقة بشكل رئيسي على النمل والأرضة، لكنها في ماتو جروسو تكبِّد مربي النحل تكاليف طائلة إذ تطيح بوزنها البالغ ٦٠ كيلوجرامًا بخلايا النحل، التي تعود إليها في الليالي المتتالية، فتعرض نفسها للتسمم ردًّا على ما ارتكبته. باستخدام إطار زيمرمان عن الصراع، شخَّص اختصاصيو الحفاظ على التنوع البيولوجي صراعًا من المستوى الأول، يمكن حله عمليًّا (برفع الخلايا عاليًا ونصب أسوار كهربائية)، وعاد الصراع بالفائدة من خلال نظام اعتماد لمربي النحل. في المستوى الثاني، يعبِّر الأطراف عن إحباط متراكم، ويتصورون مشكلة كبرى، ويغالون في تواترها وتأثيرها، ويستاءون من الأطراف الثالثة. يتَّسم المستوى الثالث بآراء بالغة السلبية ومبالغ فيها حول النوع، وربما الأحياء البرية بشكل عام، وتوسيع دائرة اللوم؛ فمن الممكن لعلماء الحفاظ على التنوع البيولوجي أن يتوقعوا المتاعب عند سماع الإشارة إلى «حيوانكم». من المرجح أن يكون أصحاب الشأن متعنتين ورافضين للحلول المستخدمة سابقًا. وهكذا، بينما يمكن في المستوى الأول التركيز على المصالح القابلة للتفاوض من خلال التسوية والحلول العملية، يستلزم المستوى الثاني الغوص في التاريخ لبناء علاقات على أرضية مشتركة، في حين يتطلب المستوى الثالث حوارات مهادنة تقر بأن أي مساس بقيمة أساسية يمكن أن يُعد اعتداءً على الكرامة. يجوز أن يتطلب الصراع بشأن الحياة البرية دبلوماسية متعددة المسارات، ومعرفة بمفردات اختلال موازين القوة، وإعادة توزيع عملية صنع القرار؛ من المحتمل أن تكون الحلول كامنة في الحوار الميسر بما في ذلك عمليات المداولة، وهو ما يذكرنا بمقولة هربرت سبنسر أن «المشاعر لا العقل هي التي تحدد الرأي في النهاية.»
العوامل الثقافية والنفسية وما وراء ذلك
إن أي قارئ يظن أن الحفاظ على التنوع البيولوجي لا يزال حكرًا على علماء البيئة ساكني الغابات الذين يقرءون الآثار في الطين لا بدَّ أن يتمهل وهو يتوغل في الأعماق السحيقة للمستوى الأعلى من الشمولية التي تؤدي إلى الجغرافيا السياسية للحفاظ على التنوع البيولوجي (الفصل العاشر). يقدم روبرت فليتشر وسفيتوسلافا تونشيفا صورة سريعة عن كيفية اختلاف المشهد الحديث للحفاظ على التنوع في بحث «الاقتصاد السياسي للتعايش»، ويقولان إن المفتاح لفهم الصراع بين الإنسان والحياة البرية هو «الاقتصاد السياسي الرأسمالي العالمي وما يبعث عليه من تطور جغرافي غير متكافئ». ويوضحان ذلك من خلال الاقتصادات السياسية المتناقضة في حالة اليغور في كوستاريكا الليبرالية الجديدة (حيث لم يبقَ سوى ١٠-٢٠ حيوانًا، محاصرين بلا أمل بين المربين والمستثمرين الدوليين)، مقابل الدببة البنية في بلغاريا ما بعد الاشتراكية (حيث بقي ٦٠٠-٨٠٠ دب ليحفزوا السياحة التي تُسهم في توظيف حوالي ٩٠ في المائة من الناس في القرية محل الدراسة).
لا سبيل للهروب من الاستنتاج السديد الذي توصلت إليه آمي ديكمان وزملاؤها، وهو أن «البشر هم الخيط المشترك في المجال العريض التباين للصراع بين الإنسان والحياة البرية، وأن أفكار الناس المعنيين وأفعالهم هي التي تحدد مسار الصراع وحله، إذ إن فهم البعد الإنساني هو الشرط الأهم لصياغة وسيلة فعالة لتخفيف الصراع». الثقافة عنصر رئيسي؛ فهناك ثلاثة مجتمعات من مربي الأبقار الأفريقيين، تواجه نفس المشكلة، وهي أن الأسود تقتل أبقارها، لكن ردودها كانت مختلفة جدًّا. في ماسايلاند في كينيا، أعرب ٨٨ في المائة من المستجيبين عن رغبتهم في الحفاظ على أعداد الأسود الحالية، بينما كانت النسبة ٤٢ في المائة فقط في رواها في تنزانيا، و٥ في المائة فقط في هوانج في زيمبابوي. رغم أن تعليم الحفاظ على التنوع كان أعلى في رواها، فقد كان تصور الأفراد للفوائد الشخصية من الحفاظ على التنوع أكبر في ماسايلاند. أظهرت التقنيات الإحصائية أن الجمع بين الفوائد الشخصية وتعليم الحفاظ على التنوع هو المسار الأجدى لزيادة رغبة الفرد في الحفاظ على أعداد الأسود الحالية. تتضح أهمية الثقافة أكثر من المواقف المتخذة نحو الأسد الآسيوي في منطقة جير الكبرى في الهند. أدى الحفاظ على التنوع هناك إلى إنقاذ المزيد من الأسود، لكن مع خسارة المزيد من الماشية أيضًا. كان المزارعون يعانون من خسارة في المحاصيل من الحيوانات البرية ذات الحوافر، وكانوا يعتقدون أن الأسود كانت تقتل، أو تخيف، الغزلان وغيرها من آفات المحاصيل. المدهش أن ٧٧ في المائة من المستجيبين كانت آراؤهم إيجابية تجاه الأسود، حيث كان تسامُحهم في الغالب نابعًا من موروث ثقافي. لكن على غير المتوقع كانت آراء ٢٨ في المائة فقط إيجابية بشأن الفهود، على الرغم من أن هجمات الفهود على الماشية كانت خُمس هجمات الأسود.
يزداد توجه دارسي الصراع بين البشر والحياة البرية نحو علم النفس. من بين العوامل العديدة التي أوجبت العناية التي يوليها الرعاة الأفارقة لحماية ماشيتهم من الحيوانات المفترسة، برزت الأعراف الاجتماعية: باختصار، إذا كان أصدقاؤك وجيرانك يولون أبقارهم رعاية جيدة، فمن المحتمل أن تفعل ذلك أيضًا، والعكس صحيح.
بعد ١٧ دراسة في سبع دول في أمريكا الوسطى والجنوبية، بحث فريق زيمرمان بلا طائل عن قواسم اقتصادية اجتماعية مشتركة في الصراع بين البشر واليغور. داخل دراسات الحالة كانت هناك اختلافات بين المربين من حيث التعليم والاعتماد الاقتصادي على الماشية، والتجربة الشخصية لكل منهم مع خسارة الماشية، بالإضافة إلى درجة التسامح مع اليغور والمواقف منها والأعراف الاجتماعية. ومع ذلك، لم يكن هناك عامل سياقي واحد قابل للقياس يمكنه التنبؤ بموقف المربين من اليغور وتعاملهم مع الأضرار التي يسببها. تفيد الأنماط في الصراع بين البشر والحياة البرية في الإجراءات الواجب اتخاذها على المستوى المحلي فقط، وحتى لو بدأ حل معين يبدو حلًّا فعالًا لبضع حالات، لن يكون من الحكمة افتراض أنه قابل للنقل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لنفس الأنواع أن تتدخل في أصناف مختلفة من المشكلات في أماكن مختلفة. في أكبر غابة استوائية في الصين، في هيشوانجبانا، أثناء تحويل الأراضي إلى مزارع لأشجار المطاط، زاد عدد الفيلة الآسيوية وزاد كذلك الصراع بين البشر والحياة البرية. في منطقة كوكس بازار في بنجلاديش، وصل ٩٣٠ ألف لاجئ روهينجي من ميانمار وبنوا مخيمات في ممر انتقال الأفيال البرية الآسيوية المهددة بالانقراض بشدة. فدخلت الأفيال المخيمات، ودمرت المستوطنات، لتقتل ١٣ لاجئًا، وتصيب ٥٠ آخرين.
سيتفاقم الصراع بين البشر والحياة البرية عمومًا بسبب تغير المناخ، كما يدل على ذلك الفيلة التي انخفض المتاح لها من العلف الطبيعي بسبب موجة الحر في الهند فيما بين ١٩٨٦ و١٩٨٨. دخلت الفيلة أراضي القرى، ونهبت المحاصيل، وقتلت الناس. وزادت معدلات هجمات الدب القطبي ثلاثة أضعاف في خليج هدسون في كندا مع ذوبان الجليد البحري خلال الثلاثين عامًا الماضية، وبين عامَي ٢٠١٠ و٢٠١٤، عندما وصلت مساحة الجليد البحري إلى أدنى مستوياتها، وقع ١٥ هجومًا، وهو أكبر عدد سُجل على الإطلاق خلال فترة أربع سنوات، بينما شهد شرق أستراليا في عام ٢٠٢١ غزوًا من الفئران بعد جفاف استمر ثلاث سنوات، حيث دمرت المحاصيل، واجتاحت صوامع الحبوب والحظائر، وغزت المنازل.