«التراث والتجديد» وأحزان خريف العمر (١٩٩٦–٢٠١١م)
وقد ركَّزتُ في هذه السنوات على إخراج أجزاء «التراث والتجديد». وكنتُ أكتبُ فيه منذ المغرب العربي، ثم بدأت «من النقل إلى الإبداع» لإثبات أن علوم الحكمة؛ أي الفلسفة، ليست نقلًا عن اليونان بل فيها قَدْر من الإبداع في تسعة أجزاء عن طريق تحليل المضمون. الثلاثة الأولى عن النقل، الترجمة، التعليق والشرح أو التفسير. والثاني عن التحول، في التأليف في الوافد دون الموروث ثم التأليف في الوافد مع غَلبَته على الموروث ثم التأليف في الوافد مساويًا بالموروث. والثالث الإبداع، التأليف في الوافد مع غلبة الموروث مع اختفائهما، اختفاء الوافد والموروث تمامًا مثل العلوم الرياضية والطبيعية دون الاعتماد على أيٍّ من الرافدَين والذي اكتمل في عام ٢٠٠٢م بعد أن كان الكومبيوتر قد دخل عالم الطباعة. وجَمعتُ كتاباتي الصحفية في «الدين والثورة في مصر (١٩٥٢–١٩٨١م)» في ثمانية أجزاء؛ الأول: الدين والثقافة الوطنية. والثاني: الدين والتحرُّر الثقافي. والثالث: الدين والتنمية الثقافية. والرابع: الدين والتنمية القومية. والخامس: الحركات الإسلامية المعاصرة. والسادس: الأصولية الإسلامية. والسابع: اليمين واليسار في الفكر الإسلامي. والثامن: اليسار الإسلامي والوحدة الوطنية، وصدر عام ١٩٨٨م. طبعة أيضًا لينوتيب بالرصاص.
وكما تعِبتُ مع الناشرِين تعِبتُ مع السكرتارية التي تُساعِد في المنزل؛ فقد أتت سكرتيرة من دار قباء تعمل وقتًا إضافيًّا عندي على نفقتي الخاصة، وكانت مُدَّعِية الإسلام، وتتظاهر بأشكاله وعباراته النمطية في الصلاة والسلام على الرسول، واقتَرضَت مبلغًا من المال تعمل به، ثم لم أَرَها بعد ذلك، بل إنها أَخذَت الكومبيوتر الخاص بي للعمل في المنزل اختصارًا للوقت، ولم تَعُد. وتكرَّرَت الواقعة مع العديد من السكرتارية الآخرِين، يقترضون المال للعمل به، ثم لا يعودون. وآخر يعمل لحسابه الخاص حتى استهلك ما لديَّ من إنترنت مُدَّعيًا أنه يقوم بما كلَّفتُه به من أعمال. وكلٌّ له دينه، ولا فرق في النصب والاحتيال بين دينٍ وآخر؛ فالأخلاق تجمعهم. ومنهم من اقترض آلاف الجنيهات واختفى. وعلِمتُ أنه كان يسرق قِطَع الكومبيوتر من مركز الدراسات الاجتماعية مما اضطَرَّ مُديرَه إلى ترقيمها. كما علِمتُ ممن يليه أنه أُصيب بفشلٍ كُلوي، وأنهم يجمعون له المال في القصر العيني، ثم اقترض من أتى بعده بحُجَّة أنه صعيديٌّ أمين، ثم اختفى. وكنتُ أحمِل لهم بنفسي الإفطار في رمضان، فكان يأتي بعد عمله، ويصِل قبل الإفطار، ويُفطِر ثم يعمل لمدة ساعة ثم يغادر نظرًا لزحام المواصلات. وسمِعتُ أنه ضرب امرأته وطردها من المنزل. وكنتُ أُعطِيهم جميعًا العيديات والمكافآت في المناسبات.
وباستثناء اثنَين، بقي أحدهما معي ما يفوق العشر سنوات، مثال في الأمانة والصدق والإخلاص وهو شريف صبري، وما زال يُمثل ذراعي الأيمن، هو الذي يَرُد على المراسلات، ويكتب الخطابات. ويُعِد أوراق الدعوات للمؤتمرات، بالإضافة إلى الأبحاث والأوراق المُقدِّمة في الندوات. وما تَبقَّى له من وقتٍ يُساعِدني في كتابة الأبواب والفصول للمُؤلَّفات. والثاني محمد فاروق مثال آخر في الصدق والأمانة والولاء بالرغم من صعوبة وضعه المالي الاجتماعي. بدأ كل يومٍ بعد الظهر، ولمَّا مرِض عمِل ثلاثة أيام. ولما أُرهق عمِل يومَين في الأسبوع، ويُحدِّد بنفسه حقه آخر الشهر، يكتب أيضًا الأبواب والفصول لمُؤلَّفاتي، ويُراعي المكتبة، ويُسجِّل ما يأخذه الناشِرُون. وما زِلتُ أبحَث عن ثالثٍ لِطباعةِ «ذكريات» الذي انتَهيتُ منه هذا الأسبوع، وقد تكون ابنتي. ثم وَجَدتُ أخيرًا شريف سعد، وقد كنتُ مشرفًا وعضوًا في مناقشة رسالته للماجستير، وهو أيضًا مثال الكفاءة والأمانة، بالإضافة إلى ثقافته الفلسفية. وأرجو أن يظل الشريفان، صبري وسعد معي حتى أُغادر هذا العالم، أُمناءَ على مكتبتي واستمرارًا في الرد على المُراسَلات التي تأتيني، واستقبال الزيارات التي تأتيني، وتصوير النصوص التي يشاؤها الطلاب. وجميعهم يدخلون المنزل ويخرجون بمفاتيحَ خاصةٍ بهم، أستأمنهم في كل شيءٍ في حياتي العامة والخاصة.
وكان الخاسر الأكبر في هذه الرحلة الطويلة هو الجسد؛ فقد بدأ الوهن يَدِب فيه: عملية القلب المفتوح لتغيير أربعة شرايين بعد أن اكتَشفَت ابنة أختي د. داليا عندما رأَت وجهيَ أصفرَ في زيارةٍ لأخي سيد، وأَخذَتني عَنوةً على القصر العيني، وقرَّروا إجراء العملية فورًا، ولم يشأ الجراح أن يقوم بها في القصر العيني حيث يعمل بل في مستشفى السلام الدولي، أَوَّل طريق المعادي، ثم أَجريتُ عمليةً جراحية أخرى لاستئصال المرارة خوفًا من تجمُّع حصاوي فيها، كما أَجريتُ عملية البروستاتا خوفًا من كِبَرها في المستقبل. وأجريتُ عملية العمود الفقري بعد أن تداخَلَت الفقرة الرابعة والثالثة معًا في انزلاق غضروفي. ولمَّا وقَعتُ في المنزل وأنا خارج من الحمام وانكسر فخذ الرِّجل اليمنى المرتبط بالحوض غيَّرته بمفصلٍ حديدي، وبعدها لم أستطع السير بسهولة. ولمَّا تعِب البصر من كثرة إجهاده أَجريتُ عمليات الماء الزرقاء والماء البيضاء. ولمَّا لم يتحسن البصر حُقِنتُ ثلاثَ مراتٍ في العين. ولمَّا لم يتحسن البصر كثيرًا أجريتُ عملية في العينَين بالليزر. ولم يتحسن البصر حتى الآن؛ فالعصب قد ضعُف بسبب السكر، ولا حل لذلك إلا القطرات طول العمر حتى لا يضعُف أكثر. ولَبِستُ نظارةً ميكروسوبيةً لتكبير الحروف، مُستورَدةً من ألمانيا، ولكنْ عيناي كانت تدمعان، ثم وضعتُ عدسةً مُكبَّرة على الصفحة ولكن الأمل ضعيف في أن أرى بسهولة ويسر، وأنا الآن لا أرى الألوان، كل شيءِ أبيض وأسود أمامي، ولا أتحمل ضوء الشمس، ولا أَتعرَّف على من يأتيني للتحية، كما أنني أجلس على كرسيٍّ متحرك في الذهاب وفي الإياب. ويُرافقني مُمرِّضٌ قدير أطال الله في عمره، محمود محمد الدهروطي، ثقافته العامة والفنية واسعة، ضحوكًا، قادرًا على القيام بكل ما يُطلب منه في شئون المنزل، يُوفِّر لي كل وسائل الراحة أربعًا وعشرين ساعة يوميًّا، بل إنه يصاحبني في الحل والترحال مثل أبو ظبي وعمان والسودان وتونس وتركيا، في المنزل والجامعة، وزوجته وأولاده في بني مزار بمحافظة المنيا، والتي منها مصطفى عبد الرازق. يذهب إليهم كل شهرٍ مرة. ويأتي بديلٌ له ليس له نفس القدرات، ويصعُب عليه أن يتعوَّد عليَّ في عدة أيام، وهذا جزاءُ من يجلس على كرسي متحرك.
وأصبَحَت زوجتي وأنا من كبار السن، لا يستطيع كلٌّ منا أن يقوم بشئون نفسه؛ فلا أنا أستطيع الحركة بعد الوقوع على الأرض، ولم تعَد هي قادرة على القيام بشئون المنزل، وفي حاجة إلى من يساعدها. وقد عانينا الأَمرَّين مع الشغالات؛ فالمصرية تسرق حتى ولو كانت كفؤًا، والنيجيرية تصر على أخذ أجرها بالدولار بعد ارتفاعه، والسودانية أفضلهن، ومع ذلك لا يُوجد منهن أحدٌ خاليًا من العيوب. فالكُل بشر مع أننا نقف بجوارهن دائمًا في حالة الاحتياج. جاءت إحداهن معي إلى البنك وأنا أسحب بعض المال من حسابي، واستكثَرتِ المبلغ مع أني أصرف حوالي خمسة عشر ألفًا من الجنيهات، مرتباتٍ شهرية، المرافقِين والسكرتيرِين والبواب وصيانة المصعد والكهرباء والمياه والأدوية، والغذاء آخرها وأقلُّها كلفة، فأخبرتني أن أُمها بالمستشفى تُجري عملية في المخ، وبأن المطلوب منها ثلاثون ألفًا من الجنيهات، وإلا تقضي نحبها، فتأثَّرتُ، وأعطيتُها ما طَلبَت، وكتبت على نفسها وصل أمانة، فقطَّعتُه أمامها، كما فعل نجيب الريحاني مع تحية كاريوكا في «لعبة الست»؛ فالعمل الإنساني لا يحتاج إلى أوراق. وكنتُ قد ركبتُ في أسنانها طاقمًا لأنها يبدو أنها ضُرِبت عند من كانت تعمل عنده قبلي، ثم ضُبطت وهي تبيع مسروقاتٍ شرقية في خان الخليلي. فقَبضَت عليها الشرطة التي اتصلَت بي كضامن لها فرفَضت. وقُدمَت للمحاكمة، ولا أدري كم شهرًا سجنًا كان الحكم. والثانية كانت مرحةً تعتبر نفسها من أهل البيت، تجلس معنا وتسافر معنا. ومرةً أخبرتني أن سقف غرفتها فوق السطح قد وقع، وهي في العراء، وأن ثلاجتها قد توقَّفَت عن العمل، وهناك تخفيضٌ لا يُعوَّض لشراء ثلاجةٍ جديدة، فأعطيتُها ما أرادت، ثم سَرقَت أموالًا من درج مكتبي، آلاف الجنيهات، ثم غادَرَت، ولم ترجع، وغيَّرت أرقام تليفوناتها. وثالثة كانت تسرق من المطبخ ما تشاء من أوانيه، ثم اختفت فجأة، وعلِمتُ أنها هاجَرت إلى أمريكا، وتزوَّجَت أمريكيًّا رأسماليًّا أقام لها مصنع مشغولاتٍ شرقية، وأنها أصبَحَت من الرأسماليِّين. ورابعة كان يأتيها زوجها في الصباح الباكر، وتُسلِّم له ما تستطيع من أواني المطبخ من الشباك، ونحن في الدور الأرضي. القصص كثيرة، ولا أدري ما السبب، الأخلاق كما يُقال أم الفقر؟ لا يعني ذلك أنني لم أعرفِ الأمينات؛ فقد عَرفتُ بعضهن منذ ثلاثين عامًا في شقتي القديمة: قبطية، تعمل هي وابنتها، وتجلس بعد أن تُنهِي العمل في انتظار عودتنا من العمل، صامتة لا تتكلم، كَفوءٌ وأمينةٌ في عملها. فهل تغير الزمن؟
ولمَّا كنتُ لا أستطيع قيادة السيارة فلزِمني سائقٌ كان يعمل لابني حاتم وزوجته وأولاده وأصدقائه. ولمَّا غادرَتِ الأُسرة استعملتُه أنا، وكنتُ كريمًا معه. وفي يومٍ طلَب أن أُقرِضه ستة آلاف جنيه لحاجته الماسَّة لها، ويَرُدها كل شهرٍ ألفًا، ففَعلتُ لأني لم أَرَ منه شيئًا قبيحًا، وكان في كل مرة أحتاج شيئًا يُحضره لي وأكافئه الضعف، ورَدَّ ثلاثةَ أشهرٍ متتالية، وفي الشهر الرابع قال لي: هل تصبر عليَّ هذا الشهر؟ ففعلتُ. وحتى أُسهِّل عليه رد المبلغ المتبقِّي، وهو حوالي النصف، طلبتُ منه أن يعمل به، في كل مرة يوصلني إلى الجامعة أو إلى الجمعية الفلسفية المصرية أَخصِم الأجر سدادًا لما عليه من دَين، واعتَرضَ على ذلك، كيف يعود إلى أُسرته مساءً وجيوبه فارغة؟ ولمَّا رأيتُ كثرةَ التلاعُب منه أوقفتُ التعامل معه، ولم يرُدَّ باقي السلفة حتى الآن.
أمَّا البوَّابون فكان جميعهم من الصعيد، وكانت الوظيفة بالنسبة للبوَّاب مُجرد مَظهر، كان يُنظِّف عربات سكان المنازل، ويقضي حاجاتهم من الأسواق، فيأخذ ضعف المرتب أو الثلاثة أضعاف، وكانت زوجاتهم تعملن عند السكان في النظافة. يأخذ أَحدُهم أَجْر الجرائد الأسبوعية، ولا يُسلِّمها لصاحب الكشك حتى أتى يشتكي أن عليَّ ديونَ شهرَين! وسَرق سيراميكًا من تحت السلم، وكان يقترض ثم يقترض على الاقتراض، ثم عمِل عند غيري لمدة شهر سايسَ عَربات، ثُم غادَر إلى بلدة سوهاج.
وبائع الجرائد الذي كان يفرِشها على الرصيف في كل مناسبةٍ يأتي لطلب الإكرامية، وليس فقط العيدَين، ويُضيف نصف شعبان، ليلة القدر، أول السنة الهجرية، عيد ميلاد المسيح. طلَب سُلفةً ثم سلفة يدفعها من ثمن الجرائد الأسبوعية، وغالَطَ في الحساب أكثر من مرة، فغيَّرتُه إلى آخرَ أكثرَ أمانة، وأكثر تعليمًا. وكان يأتي عمال النظافة والصرف الصحي لطلب مبالغَ كبيرةٍ لِيُزوِّجوا أولادهم وبناتهم، ثم عَرفتُ أنهم كاذبون. فهل هو الفقر؟
ومرةً أخرى سمعتُ عن طبيبٍ يذهب إلى كبار السن في منازلهم ويكشف عليهم ويُعالجهم بخمسمائة جنيه للزيارة للفرد، فاستدعيتُه وأنا في المنزل، وأخذ ألف جنيه، وكَتبَ أدويةً أعرفها من قبلُ، ولم أَرَه بعد ذلك. وقال إنه يحب المال، فكنت ضحيةً عدة مرات، واعتبرتُ ذلك من جانب التعلُّم.
ووسَط هذا الهدوء وهذا السكون السياسي انهار برجان بنيويورك بفعل طائرةٍ اصطَدمَت بهما. وسقط رمزان من رموز الإمبراطورية الأمريكية، وهما ناطحتا سحاب، وانهار البناءان، وتصاعد الدخان والأتربة. وبَدأَت أصابع الاتهام تُوجَّه إلى القاعدة وبن لادن الذي اغتالَته الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات، وألقت بجثته في المحيط حتى لا يُعرف له أَثَر، وبَدأَت تُفكِّر في الانتقام لنفسها لاسترداد هيبتها، فوَجَدَت حُجَّتها في حصول العراق على السلاح النووي، وهذا ضد قرارات الأمم المتحدة. وبدأ العدوان ٢٠٠٣م من الجنوب والشمال والوسط بالبوارج الحربية والقوات الأرضية بمساعدة المياه الإقليمية لبعض الدول العربية، والقوات الجوية، بحُجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، واحتُلَّت العراق كلها، واستُشهِد الآلاف. وتم البحث عن صَدَّام فوجدوه في مغارة تحت الأرض، وعقَدوا له محاكمةً صورية، يُعرف حكمها قبل أن تبدأ. ووقَف صدام في المحاكمة مُتحديًا قضاته إلى أن حكَموا بالإعدام شنقًا، ونُفذ الحكم في وقفة عيد الأضحى، وكأنه ضحية، يدفع العرب ثمنها من الإهانة والتحقير. وكان صدام قد اعتدى على إيران بدعوى تحرير الأهواز حيث تقطن أغلبيةٌ عربية كما يقطن في شرق الخليج خاصة في البحرين أغلبيةٌ شيعية، وضحَّى بالآلاف، ولم ينضم عرب الأهواز إلى العراق بل ظلُّوا على هُويتهم الإيرانية، ثم اعتدى صدام على الكويت بدعوى ضم المناطق البترولية التي عليها خلاف، ودخل الكويت لعدة أشهر سالبًا ناهبًا.
وانتفَضَت الجامعات ضد العدوان الأمريكي على العراق، واستمرَّت عدة أسابيع حتى توقف العدوان. وبدأت الحركات الوطنية تطالب بانسحابِ المعتدي، وحكم العراق أمريكي واستولى على أموال النفط، وترك وراءه حكومةً تابعةً للولايات المتحدة الأمريكية. وأثار العُدوان ضَجَّة، وترَكَت مِصرُ العراق دون أن تتحرك، وإذا تحركت ففي الاتجاه المُضاد، استعمال مياهها الإقليمية لمساعدة القوات الأمريكية في إطلاق صواريخها على جنوب العراق. وظهر مُخطَّط تقسيم العراق إلى ثلاث دول: شيعية في الجنوب وعاصمتها كربلاء، المدينة المقدسة. ووسطها السنة وعاصمتُها بغداد، عاصمة العباسيِّين. وشمالها الأكراد وعاصمتها كركوك. وتدَخَّلت إيران بقواتها لمناصرة شيعة العراق، وبدأ تنفيذ مخطط التفتيت في المنطقة، والقضاء على الدول الوطنية وتحويلها إلى دويلات طائفية؛ سنة وشيعة، وعرقية؛ عرب وأكراد، بداية بالعراق، ولا نهاية له إلا في مصر التي استعصت على التفتيت نظرًا لوحدتها منذ الملك مينا مُوحِّد القُطرَين، الشمال والجنوب حتى الملك فاروق، ملك مصر والسودان، وقول النحاس باشا: تُقطَع يدي ولا أفصل مصر عن السودان، حتى عبد الناصر، زعيم القومية العربية.
ثم ظَهرَت بارقة أملٍ عندما نَشِبَت حربٌ بين حزب الله وإسرائيل عام ٢٠٠٦م، وطالت صواريخ حزب الله تل أبيب وبعض المدن الإسرائيلية الأخرى، ورُفعت صور جمال عبد الناصر بجوار صور حسن نصر الله. وأيقظَت الحرب في العرب روح النصر وإمكانياته وتكرار حرب ١٩٧٣م من جديد، بين حزبٍ ثوري ودولةٍ مغتصبة أرض العرب، ثم غيَّر حزب الله وجهه بانضمامه إلى الأسد ضد الثورة الشعبية السورية في ٢٠١١م بالربيع العربي. وانضَمَّت إليه إيران التي كانت أَوَّل من أشعل الثورات في المنطقة في فبراير ١٩٧٩م، انضمامًا إلى الحكم الطائفي العلوي؛ فكان لحزب الله وجهان. الأول ثوريٌّ ناصري ظهر في ٢٠٠٦م، ووجه طائفيٌّ علوي ظهر في ٢٠١١م.
وهدأت الأمور من جديد، وظل السؤال يدور في ذهن الجميع: إلى متى يبقى هذا النظام في سوريا ومصر؟ وقد بقي حوالي ثلاثين عامًا وما زال يُريد أن يستمر، إمَّا عن طريق الأب أو عن طريق الابن عن طريق التوريث، ولا الجيش ولا الشعب قابل له. وبدأت الروايات عن نهب أموال مصر من الرئيس ونجلَيه بل وامرأته وصحبه، وتهريبها إلى الخارج بالمليارات. وكما كان الشعار في الجمهورية الثانية التي انقلَبَت على الناصرية «الرأسمالية ليست جريمة» أصبح الشعار «الفساد ليس جريمة». وكما قال الشاعر:
وانتَشَرَت الرشوة والفساد في مؤسَّسات الدولة والمصالح الحكومية لقضاء أيِّ مصلحة خاصَّة. وما زالت قضايا الحريات مثارة، وأهمها استشهاد خالد سعيد الذي قتلَته المخابرات، وهو يُشبه بو عزيزي البائع المتجول الذي كان يسعى إلى قوته اليومي فصَفعَته شرطية على وجهه ليفسح الطريق لأصحاب العربات فكان الشرارة التي أوقدَت الثورة التونسية التي كانت الشرارة التي انطلقت منها ثورات الربيع العربي في مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن. اختُزن خالد سعيد في قلوب المصريِّين حتى اختمر في ثقافة شعبٍ شيمته الصبر، وكما قيل له: «أنتم شعبٌ صبور.» كما كثُر الحديث عن حياة البذخ في شرم الشيخ التي يحياها الرئيس المخلوع وأسرته، والبذخ في تزيين منزل الرئيس وراء الشيراتون في الوقت الذي لا يجد فيه الفقير قوت يومه.
(أ) من العقيدة إلى الثورة، محاولة لإعادة بناء علم أصول الدين (خمسة أجزاء)، ١٩٨٧م.
(ب) من النقل إلى الإبداع، محاولة لإعادة بناء علوم الحكمة (تسعة أجزاء)، ٢٠٠٢م.
(ﺟ) من النص إلى الواقع، محاولة لإعادة بناء علم أصول الفقه (جزءان)، ١٩٩٤م.
(د) من الفَناء إلى البَقاء، محاولة لإعادة بناء علوم التصوُّف، ١٩٩٦م.
(ب) علوم الحديث، من نقد السند إلى نقد المتن، ٢٠٠٢م.
(ﺟ) علوم التفسير، من التفسير الطولي إلى التفسير الموضوعي، ٢٠٠٤م.
(د) علوم السيرة، من الرسول إلى الرسالة، ٢٠٠٦م.
(ﻫ) علوم الفقه، من أحكام الشرع إلى أحكام الوجود، ٢٠٠٨م.
(١) التراث والتجديد، موقفنا من التراث القديم، ١٩٨١م.
(٢) من العقيدة إلى الثورة (خمسة أجزاء)، ١٩٨٧م.
(٣) من النقل إلى الإبداع (تسعة أجزاء)، ٢٠٠٢م.
(٤) من النص إلى الواقع (جزءان)، ٢٠٠٤م.
(٥) من الفَناء إلى البَقاء (جزءان)، ٢٠٠٦م.
(٦) من النقل إلى العقل (خمسة أجزاء)، ٢٠٠٦–٢٠١٦م.
(٧) مقدمة في علم الاستغراب، ١٩٨٢م.
(٨) من النص إلى الواقع، التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، ٢٠١٨م.
ثانيًا: المستوى الفلسفي الثقافي:
(١) قضايا معاصرة (جزءان) ١٩٧٦–١٩٧٧م.
(٢) هموم الفكر والوطن (جزءان)، ١٩٨٠م.
(٣) حصار الزمن (ثلاثة أجزاء)، ٢٠٠٠م.
(٤) دراسات فلسفية، ١٩٨٥م.
(٥) دراسات إسلامية، ١٩٨٢م.
(٦) جمال الدين الأفغاني، ١٩٨٧م.
(7) Islam in the modern world (2eds).
(8) Cultures and Civilizations in conflict or dialogue.
(٩) فشته: فيلسوف المقاومة.
(١٠) أبو الحسين البصري: المعتمد في أصول الفقه (جزءان) بالاشتراك، دمشق، ١٩٦٤م.
(١١) برجسون: فيلسوف الحياة، ٢٠١٤م.
(١٢) جان بول سارتر: تعالي الأنا موجود (ترجمة)، ١٩٦٨م.
(١٣) إسبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة (ترجمة)، ١٩٧٣م.
(١٤) هيجل والهيجليون الشبان (اليسار الهيجلي)، ٢٠١٩م.
(١٥) شخصيات وآراء، ٢٠١٨م.
ثالثًا: المستوى السياسي:
(١) الدين والثورة في مصر (ثمانية أجزاء)، ١٩٨٧م.
(٢) وطن بلا صاحب، عرب هذا الزمان، المكتب المصري للمطبوعات، القاهرة، ٢٠١٢م.
(٣) من منهاتن إلى بغداد، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ٢٠٠٤م.
(٤) جذور التسلط وآفاق الحرية، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ٢٠٠٥م.
(٥) نظرية الدوائر الثلاث (جزءان)، دار عين، ٢٠٠٨م.
(٦) الواقع العربي المعاصر، دار عين، ٢٠١٠م.
(٥) الثورة المصرية في عامها الأول، ٢٠١٢م.
(٦) الثورة المصرية في أعوامها الخمسة الأولى (٢٠١١–٢٠١٦م)، ٢٠١٦م.
(٧) ذكريات (١٩٣٥–٢٠١٨م)، ٢٠١٨م.